تراتــــيل إمـــرأة - عادل المعموري - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأربعاء، 23 مارس 2016

تراتــــيل إمـــرأة - عادل المعموري

نجوم سمائي تبرق عند انحسار أمواج شطآني الغريقة ،للفردوس الساكن في أعماقي مساحات شاسعة تومئ للقادمين من محطات الصبر والانتظار ،أجلب له الفطور كل صباح ،يجلس في حديقة الدار وأسكب له الشاي و
اقدم له الفطور الذي يحبه ،انحنِ قليلا لينسدل شعري من خلف الملاءة ليتطاير عطري ليزور أنفاسه ،يتغلغل في أعماقه أجدني أحسب لكل خطوة حسابها.. ،أتقمص الدور ببراعة أحسد نفسي عليها ،لاتفوتني واردة ولا ىشاردة عن تفاصيل طلباته ..أمه المريضة الراقدة منذ سنين في سريرها ،أقوم بخدمتها على أكمل وجه ..أستدعيت لخدمتهم منذ أشهر بيتهم الكبير المطل على نهر دجلة يضم العشرات من الغرف نسائم دجلة تلفح جدرانه في كل حين ..هو يكبرني بعشر سنوات ،لايتجاوز عمره الأربعون ،اضطررت للخدمة بعد ان فقدتُ أبي في الحرب وفقدت أمي في انفجار سيارة مفخخة.. ليس لي أحد سوى عمتي وزوجها الكسيح ..لم افكر يوما ان أكون حبيبة أو زوجة له ..أنا مجرد خادمة لم تكمل تعليمها الابتدائي ..هو يعمل مديرا لمؤسسة حكومية أجهل اسمها ، يخرج كل يوم الى دوامه المعتاد ولا يعود الا بعد الثانية ظهرا وباقي الوقت يقضيه مع اصحابه وربما مع صاحبة أو حبيبة ؟؟لست متأكدة من ذلك ..كل نصف ساعة يسألني عبر جهاز الموبايل عن امه في الدوام وخارجه ,,
كان يكلمني بكلمات مقتضبة ويغلق الهاتف ..تحاصرني رغبة ملحة تدفعني الى اغراءه والفات نظره نحوي ؟؟أود ان اشعره بجمالي واكتمال انثوثتي ..لي رغبة في أن احطم كبريائه..اخطط لاشعال نار الشوق والحب في داخله نحوي ..يؤلمني فيض انكساراتي على جدران تعنته وغروره ..فكرة اذلاله واخضاعه تلح علي ؟؟خطر لي ان ارتدي ثوبا ضيقا واسع الصدر ..لذا اقتطعت من مصروفي الذي ارسله الى عمتي واشتريت ثوبا يوافق مزاجي ..كان ثوبا ضيقا تبرز منه مفاتني وجزء من صدري البض .
غطاء رأسي حسرته عن جبهتي ليبان شعري الأسود الفاحم ..كنت كلما قدمت له فطوره الصباحي اتعمد ان ينسدل شعري على عيني كي لا يقرأ ما افكر فيه ..يخطف نظرة سريعة على صدري الناهد وينشغل باحتساء الشاي ..كنت المحه من خلل شعري الذي يغطي عيني ..كيف يضطرب الحب في داخله ..ابتسم بمكر وانسحب الى غرفتي أنظر بوجه المرايا بزهو ..انا اعلم انه لا لايستطيع مقاومة اغرائي له ..ولكنه لم يستجب إنه يقاوم عيثا ..لم اجعله ينظر الى غيري ولن يكون ..كنتُ اتمنى أن أبوح لامه المريضة بمكنون لواعجي ..انها تؤثر الصمت وقلما تنطق بكلمة واحدة ..
كلما نأت
بي المسافات البعيدة يتحفز الصحو المتسرب بداخل عروقي الميتة ؟أحيانا أجد
نفسي عند مفترق طرق تتزاحم فوق رأسي الأسئلة وتؤرقني أفكاري المضطربة وينهشني
ذلك الطائر المخبول ..ماذا أفعل لاجعله في شباكي ؟كيف أحطم غروره ؟الطائر مازال الذي ينوح بداخلي ..كلماتي الناعمة وامتطائي لصهوة حروفها تتبعثر كظلي على قارعة التيه ..مرت سنتان وهو على تلك الحال ..لم اسمع منه كلمة رثاء ترتق روحي .. تعيد الي توازني وتنقذني من دوائر الوهم التي تلفني ..لماذا يجعلني خلف نوافذ الغيوم ؟لم لا يحيطني بيديه ويحتوي أحلامي ..على غير عادته طرق الباب ..جاء معه رجلان ببدلاتهم الرسمية ..يحملانه قال لي أحدهم ..
_من فضلك أرشدينا الى غرفته ..هرعتُ مسرعة لاوظب له فراشه ..عندما استقرَ على سريره كنتُ انا خارج الغرفة ..سمعتهم يتحدثون .لم أفهم ماكان يدور بينهم ؟بعد لحظات غادر الرجلان غرفته ..التفت إلي أحدهم قائلا :
_من فضلك كوني له عونا على ما ألمّ به _
_ماذا اصابه اخبروني ارجوكم .؟.
_كسر بسيط في كاحله ..اثر تعثره بالسلّم ...قالا ذلك ورحلا ..عدت الى سيدي اطمئن هلى حالته ..قال لي دون ان أساله انه تعرض الى حادث سيارة وأوصاني ان لا اخبر أمه المريضة بذلك ..الأيام الأولى لاصابته زاره الاصحاب والاقارب ثم انقطعت الزيارات بعد اسبوع ..سببقى اسبوع يليه اسبوع ثان ..سيكون قريبا مني ..تلك فرصة لن تتكرر ..كنت اساعده على تحضير عكازيه ليجلس في الحديقة أو ليزور امه بالغرفه الخلفية ..لم يقل لي سوى كلمة شكرا ..يتركني بلا جواب الفقي بقناديلي في غيهب الظلمة قناديلي مطفئة تفتقد لزيت الاشواق والوله ..جروح آهاتي الغائرة اسفل الطرقات تعلن صيحتها لتقول انظر الي مرة واحدة ..لم لاىتطيل النظر كيف اسكت هذا الطائر المتمرد في جوانحي ؟؟تعال اجلس بجوار القلب تعال بللني بندى بوحك ورنة صوتك الحنون ؟؟هل اجتاحني جنون الحب هل تسلقت روحي سنابل العشق ؟آه من فيض الوله الذي صعد قاع روحي المعفرة بالدموع ..همهماتي الصامتة متى تنطق ..اريدها ان تصرخ ؟هذا الرجل احبه .. عليّ ان اغسل أدراني بثوب الحزن واطرد تلك الافكار العدوانية من ان تحبط انفعالاتي الصادقة ..
.تطاردني خطيئتي في أن أتسلق سلّم الغفران ..هذا الرجل لايستحق ان احطم كبريائه ؟كبريائه يطوقني بفرح طفولي . .لقد وقعت في حبه ..اريد الان ان اغرز اسناني بشفتيه اريد ان احتضنه ليحتويني ..أود الاختياء تحت ابطيه ..كم احتاج الى ان يوشحني برداء الحنين ..لقد شفيت قدمه المكسورة وسيعود لممارسة عمله وسبفارقني لساعات طوال ..لم اعد استطع الصبر بعيدا عني ..وقوعي في المحظور يرغمني الان على الرحيل ..لا شيء سوى الرحيل من يضمد جراحاتي؟ ..
ادركتُ اخيرا انه لا يمكن ان يحبني او يفكر بي ..بقائي لا طائل منه طالما تتآكل احلامي ويتملكني الاحباط التام ..ها انني اعانق مرايا الاحزان ..الدمعة لا ىتفارقني .. حاصرني سيل اليأس وذاب حلمي كوردة ذابلة فارقت النبع ..اصبحت سمائي بلا نهاية فقررت ان اهجر هذا البيت ..
كعادتي عند تقديم فطوره الصباحي ..وضعت أمامه الفطور ولم انسحب ..وقفت ارقبه وهو يتناول
افطاره ..لم يكن منتبها لوجودي كان يظن اني انصرفت عنه ..لما رفع راسه نظر الي مقطبا حاجبيه قائلا :
ها حليمة ..ماذا هناك ..هل من شيء ؟ترددتُ في الاجابة ولكن لساني هتف بمرارة :
_ استاذ ..اسمعني أرجوك ...نظر الي وهو يزم على شفتيه مستغربا ..قلت له مستطردة
أريد أن أترك الخدمة عندكم ..سامحني أرجوك .اريد العودة الى دياري ..اطرق قليلا ثم دعس سيجارته بقدمه ونهض واقفا ينظر إلي ..لأول اشاهده ينظر إلي بتلك
النظرة ..همس بألم :
_ هل ضايقكِ أحد ؟اوه تريدين زيادة في الأجر ..كان عليك أن تخبريني قبل هذا
_ ارجوك ليس من اجل المال ..عطاءكم كبير وفضلكم سابق ..ولكني اريد ان ارتاح ..اعذرني سيدي
تقدم مني بخطوات حتى كاد ان يلامسني ..وضع كفه على كتفي وهو ينظر في عيني :
_ اتتركينا وترحلين؟
_ نعم سيدي لابد من الرحيل ..مرت عليه لحظات حزن عميقة قال لي :
ابقِ لأ جلي ياحليمة ...رفعت ناظري أليه والتقت العيون ..لأول مرة اطيل التحديق في عينيه واتتني جرأة غير عادية ..رأيت دمعة خفية تترقرق في عينه .لمحت في شفتيه ارتعاشة ..ارتعاشة نسفت أمواج عنادي وكبريائي ..أربكتني دمعته وهي تهرب منسدلة على خده ..
أمسكَ بذراعي وهتف كالأسد الجريح :
__أرجوك .. ابقِ من أجلي أنا ...لم أصدّق ماسمعته أذناي ..حاصرتني لحظة توجع غريبة الهبت النار في فؤادي ..اتقدت مواقدي المنطفئة وأشرق صباحي ..نسمات دجلة تدغدغ خدي الأن أكثر من أي وقت مضى .. لقد بكى ..لم أكن اتوقع أن يكون هكذا ....لم أرهُ من قبل يبكي
بكل تلك الدموع الساخنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عادل المعموري كاتب و قاص عراقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق