الخُرُوجُ مِنْ شَرْقِ المُتَوَسِّطِ- نوري الجراح - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الخميس، 23 نوفمبر 2017

الخُرُوجُ مِنْ شَرْقِ المُتَوَسِّطِ- نوري الجراح

أَلِأَنَّنِي قُدْتُ السَّفِينَةَ مَرَّةً،

يَوْمَ فَاضَ العَمَاءُ وَلَمْ تَعُدْ يَابِسَةٌ هُنَاكَ

أَلِأَنَّنِي اهْتَدَيْتُ بِالأُفُقِ

لِأُنْقِذَكَ مِنَ الهَلاَكِ

أَلِأَنَّنِي عَمَّرْتُ المُدُنَ، وَرَفَعْتُ الأَسْوَارَ وَكَتَبْتُ الرَّسَائِلَ وَأَخْرَجْتُ الرُّسُلَ

تُكَافِئُنِي

بِأَنْ تُقْفَلَ عَلَيَّ اليَابِسَةُ..

فَلَا يَعُودُ لِي عَلَى سَطْحِ هَذَا الكَوْكَبِ المَجْنُونِ

لاَ شَرْقٌ وَلاَ غَرْبُ

وَمَا أَرَى

مِنْ حُطَامِ أَيَّامِي

تَحْتَ سَمَاءِ أَيَّامِي

سِوَى دُخَانِ الحَرَائِقِ

وَرمَادِ النِّهَايَاتْ.

***

لاَ جَبَلٌ

هُنَا

وَلاَ مَدِينَةْ.

***

جُنْدِيَّانِ فِي المِينَاءِ

يَتَفَحَّصَانِ مَلاَبِسِي

وَيُقَرِّرَانِ لِيَ المَصِيرَ

لَمْ يَعُدْ وَجْهِي غَرِيبًا

فِي المَوَانِئِ

وَالمَطَارَاتِ

وَأَبْوَابِ العُبُورِ

فَأَنَا حِكَايَةُ كُلِّ يَوْمٍ.

وَأَنَا نِدَاءُ الزَّوْرَقِ المَكْسُورِ

لِلْمَوْجَةِ العَمْيَاءْ.

كَانَ أَنْ كُنْتُ وَلَمْ أَكُنِ.

II

يُرِيدُونَنِي فِكْرَةً مَيْتَةً، حَتَّى إِذَا نَفَرَ الشُّعَاعُ وَجَازَ مَوْتِي

لِيَلْمَعَ فِي جَبَلٍ أَوْ مَدِينَةْ

طَارَدُونِي مَرَّةً أُخْرَى

لِيَغْتَالُوا الشُّعَاعْ

وَيُلَطِّخُوا بِدَمِي الفُرَاتْ

وَيُمَزِّقُوا بِاسْمِي كِتَابَ الأَرْضْ.

كَانَ أَنْ كُنْتُ وَلَمْ أَكُنِ.

***

تَسْطَعُ الشَّمْسُ عَلَى مَوْتَى يَطُوفُونَ الجِوَارَ

لاَ أَرَى وَجْهِي

وَلَا وَجْهَ أَحَدْ.

كَانَ أَنْ كُنْتُ وَلَمْ أَكُنِ.

***

يَنْهَضُ البَحْرُ وَيَخْتِطِفُ السَّمَاءْ

فَلَا أَرَى ظِلِّي

وَلَا جَسَدِي وَرَاءَ الآسْ.

***

وَلَئِنْ خَرَجْتُ وَتَاهَتْ عَلَى صُوَرِ الأَشْيَاءِ صُورَتِي

وَصَلْتُ إِلَى آخِرِ الأَرْضِ،

لِأَسْتَرِدَّ قَامَةَ الغَرِيبِ مِنْ ظِلِّ الغَرِيبْ،

وَأُسَمِّي الأَرْضَ بُسْتَانَ دِمَشقْ.

***

كَانَ أَنْ كُنْتُ، وَكَانُوا يَنْهَشُونَ الأرْضَ فِي لَحْمِي،

وَيَبْتَكِرُونَ لِي صُوَرًا

تُمَزِّقُ صُورَتِي

لِأَمُوتَ فِي مَوْتِي

وَيُنْكِرَنِي مَصِيرِي.

***

كَانَ أَنْ كُنْتُ، وَكَانَ البَحْرُ نَافِذَتِي وَصَوْتِيَ وَالشِّرَاعْ

وَالوَقْتُ جُنْدِيٌ مِنَ الزَّبَدِ

وَحُطَامُ آلِهَةٍ

عَلَى الْأَلْوَاحْ.

III

لِكُلِّ بَابٍ فِي صَخْرَةٍ سِرٌّ

وَسِرُّكَ نَهَرٌ يَتَدَفَّقُ بَيْنَ الصُّخُورِ

يَتَدَفَّقُ

وَيَمْلَأُ الْقَامُوسَ بِالكَلِمَاتْ.

***

سِرُّكَ نَسْمَةُ الهَواءِ

وَالنَّجْمُةُ البَعِيدَةْ.

البَابُ وَالمِفْتَاحُ

وَالغِيَابُ عَنِ البَيْتِ.

المَرْكَبُ وَالرِّيحُ

وَالمَوْجَةُ المُراهِقةْ.

الشَّجَرَةُ وَالهَوَاءُ

وَكُلُّ فَأْسٍ عَلَى صَرْخَةٍ.

صَائِغُ الحِلْيَةِ فِي المَدِينَةِ

وَكاتِبُ الأَبْجَدِيَّةِ فِي اللَّوْحِ

سِرُّكَ...

***

وَلَمَّا تَشَقَّقَتِ الأَرْضُ

وَتَفَرَّطَ الزَّمَنُ

اِنْتَفَضَ فِي الزُّرْقَةِ طَائِرٌ

وَمَرَّ بِجَنَاحِهِ عَلَى الْمَاءْ.

كَانَ أَنْ كُنْتُ وَلَمْ أَكُنِ.

IV

أَلِأَنَّنِي عَمَّرْتُ البَحْرَ بِالمَرَاكِبِ وَالتِّجَارَاتِ،

والأُفُقَ بِالأَسْمَاءِ

تُطْعِمُ الوَحْشَ جَسَدِي وَأَسْمَائِي،

وَتَدْفُنُ فِي العَمَاءِ شَمْسَ يَدَيْ!

أَقْبِلِي، يَا وُحُوشَ الزَّمَنْ

هَا هُنَا يَكُونُ مَصْرَعٌ

وَتَكُونُ قِيامَةٌ؛

وَفِي حُطَامِ المَرَاكِبِ وَالأَصْوَاتِ

وَخُرُوجِ البَحْرِ مِنَ المَرايَا

وَانْفِراطِ السَّمَاءِ فِي الزَّبَدِ

وَهُرُوبِ العَقْلِ مِنَ الصُّورِ،

الأُفُقُ هَشِيمٌ

وَالمَوْتُ يُلَطِّخُ الصَّحَائِفَ...

أَبَحْرٌ لزُرْقَةِ الأَزَلِ هَذَا أَمْ هاويةٌ في كُسُورِ الْأَلْوَاحِ؟!

***

البَحَّارَةُ وَالفَلاَّحُونَ وَرُعَاةُ التِّلاَلِ، الأَثِينِيُّونَ، القَبَارِصَةُ، الكِرِيتِيُّونَ، المَالْطِيُونَ، القَرْطَاجِيُّونَ الأَنْدَلُسِيُّونَ، الصِّقِلِّيُونَ، الجَنَوِيُّونَ والبُرْتُغَال، وَحَتَّى رُعَاةُ مَادِيرَا وَمَاعِزُهُمْ بِلَحْمِهِ المُرِّ وَقُرُونِهِ التَّائِهَةِ قُرْبَ غُيُومِ إيبِيرِيَا، الذِينَ ظَهَرُوا فِي الشَّوَاطَئِ وَمَعَهُمْ أَهْلُ بُومْبِي المُتَحَجِّرُونَ مِنَ المُتْعَةِ.. دَفَنُوا رُؤُوسَهُمُ فِي جِرَارٍ عِمْلاَقَةٍ وَمَلَأُوهَا دُمُوعًا عَلَى شَعْبِيَ الصَّرِيعِ..

فَكَيْفَ لِي فِي بَحْرِ هَذَا الحُطَامِ أَنْ أُعِيدَ أُغْنِيَتِي إِلَى صَوْتِ المُغَنِّي

وَإلىَ البَحْرِ مَراكِبَهُ المُسَافِرَةَ

وَالبَحْرُ هَاوِيَةٌ وَمَقْبَرَةٌ وَصَحْرَاءُ.

كَانَ أَنْ كُنْتُ وَلَمْ أَكُنِ.

***

لاَ تَقُولِي لِيَ شَيْئًا، لاَ تَقُولِي أَيَّ شَيْءٍ

نَحْنُ فِي القِيعَانِ

غَرْقَى

بِرِئَاتٍ مَزَّقَهَا الهَوَاءُ.

***

نُجُومٌ هَوَتْ وكَواكِبُ.


تخطيط: محمد خياطة

V

لَمْ تَعُدْ لَنَا أَبْوَابٌ وَلَا مَمَرَّاتٌ وَلاَ أَسِرَّةٌ فِي غُرَفٍ وَلَا أُمَّهَاتٌ وَلَا أَقَارِبَ.

نَحْنُ مَنْ كُنّا سَدِيمًا في عُبَابِ الغَيْبِ،

فِي أَمْسٍ

وَرَاءَ الأَمْسِ.

***

لَمْ تَعُدْ لَنَا قُلُوبٌ

وَلاَ شَمْسٌ فِي الرَّسَائِلِ

فَكَيْفَ لِأَطْفَالِنَا أَنْ يَظْهَرُوا فِي الصُّوَرِ

بِلاَ أَيْدٍ مَرِحَةٍ وَلاَ حَقَائِبَ

وَكُلُّ طِفْلٍ عَلَى الجِسْرِ كَانَ غَيْمَةً حَمْرَاءَ.

***

لاَ تَقُولِي لِيَ شَيْئًا،

لَا تَقُولِي أَيَّ شَيْءٍ

لَمْ تَعُدْ لَنَا غَابَةٌ

وَلاَ جَبَلٌ

وَلاَ نَهَرٌ

وَلاَ مَدِينَةٌ

نَحْنُ فِي أَرْضٍ وَرَاءَ الأَرْضِ

فِي المَتَاهَةِ العَمْيَاءِ.

***

نَحْنُ مَنْ كُنَّا ظِلاَلًا فِي كُهُوفِ الخَوْفِ

فِي أَمْسٍ وَرَاءَ الأَمْسِ

وَالآنَ

شُمُوسٌ مُحَطَّمَةٌ فِي القَوَارِبِ.

كَانَ أَنْ كُنْتُ وَلَمْ أَكُنِ.

***

وَكُنْتُ أُرْسِلُ غَيْمَتي لتُسْمِعَ الجِبالَ صَوْتَ النَّهْرِ

وصَهِيلَ الخَيْلِ في البُسْتانْ.

***

لاَ نَهْرَ فِي دِمَشْقَ

يَجْرِي

سِوَى دَمِ الغُرُوبِ؛

مَدِينَةُ التَّارِيخِ

مُقْفَلَةُ الأَبْوَابِ

وَالعَمَاءُ

يُقِيمُ عَرْشَهُ

فِي مَدِينَةِ التَّارِيخْ.

***

لاَ نَهْرَ فِي دِمَشْقَ

لاَ نَهْرَ فِي دِمَشْقَ

سِوَى دَمِ التَّارِيْخِ يَسْفَحُهُ الغُرُوبُ،

وَالوَاقِفُونَ فِي الضِّفَافِ يَقْتَلِعُونَ عُيُونَهُمْ بِالمَخَارِزِ

ويَرْمُونَها في النَّهْرِ.

***

لا نَهْرَ فِي دِمَشْقَ

فَيَا نَخْلَتِي، لاَ تَحْزَنِي أَكْثَرَ مِمَّا يَحْزَنُ طَائِرٌ عَلَى غَابَتِهِ المُحْتَرِقَةِ

غَرِيبَانِ ظِلِّي وَظِلُّكِ فِي هَذِهِ الأَرْضِ،

فَهْل نُحْنُ مُنْكَسِرَانِ عَلَى كُلِّ أَرْضٍ؟

VI

مِنْ آخِرِ الصَّرْخَةِ

أُنَادِيكَ

يَا أَنَا:

بِمَا أَنَّنَا

وَحْدَنَا

أَنْتَ لَسْتَ عِيسَى لِأُهْدِيكَ جُلْجُلَةً وَصَلِيبًا وَقَتْلَى يَطُوفُونَ حَوْلَ الصَّلِيبِ.

وَأَقُولَ فِيِكَ قَصِيدَتِي

وَأَقُولَ شُبِّهْتَ لَهُمْ،

وَمَا

لَكَ

شَبَهٌ

فِي

الأَنَامْ.

***

أُخْرُجْ

وَقُلْ لِلْمَوْجَةِ لَا تَأْخُذِينِي بَعِيدًا

عَنْ شِرَاعِي

وَلَا تُرْسِلِينِي قَرِيبًا لِأَهْلَكَ فِي رَمْلِ أَهْلِي،

***

أُخْرُجْ

وَشُقَّ البَحْرَ،

وَاخْرُجْ لِتَكُونَ لَكَ فِي كُلِّ زُرْقَةٍ يَابِسَةٌ،

وَمَرْكَبٌ

فِي

كُلِّ

جَزِيرَةٍ

وَاخْرُجْ، فَإِنَّ الأَرْضَ كُلُّ الأَرْضِ نَافِذَةٌ عَلَى نَهَرٍ

وَشَمْسٌ فِي نَهَارٍ غَائِمٍ

وَسَرِيرُ شَخْصٍ نَائِمٍ فِي غُرْفَةٍ

وَالأَرْضُ أُغْنِيَةٌ

يُرَدِّدُهَا مُسْتَوحِشٌ فِي اللَّيْلِ.

***

اخْرُجْ،

وَلاَ تَقُلْ يَا قَصِيدَتِي

اِنْتَظِرِي

أَوَلَسْتَ مَنْ أَلْهَمَ الغَيْبَ فِي الْكِتَابِ وَعَلَّمَ السَّمَاءَ كَلِمَاتِ الآلِهَةِ؟


لوحة: محمد خياطة

VII

وَكُنْتَ قَبْلَ اليَومِ تَصْمُتُ لِتَفُوزَ بِالصُّورَةِ، وتَصْمُتُ لِيَنْهَلَ مِنْ سِرِّكَ النَّبْعُ،

وتَصْمُتُ لِأَقُولَ إنَّ الصَّمْتَ أُغْنِيةُ المُغَنِّي وهُرُوُبُ الضَّوْءِ فِي الأَحْجَارِ.

***

وَأَقُولُ إنَّ الصَّمْتَ صَوْتُ هَذَا البَحْرِ مُرْتَعِدَاً

وَظِلُّ الأَمْسِ

مُرْتَدًّا

وَرُخَامُ المَوْتِ

وَالقَمَرُ الذِي كَسَرَ الضِّياءَ مَعَ الفُؤادْ.

***

الصَّمْتُ صُورَتُكَ التِي صَمَتَتْ

فَمَنْ أَنْتَ اليَوْمَ فِي قِصَّتِي أَوْ رِحْلَتِي، وَمَنْ أَنْتَ فِي المُرَادْ؟

VIII

خُذِ المِفَتَاحَ وَافْتَحْ بَابَ هَذَا البَيْتِ

رَتِّبْ سَرِيرَيْنِ لِطِفْلَيْنِ

تَرَكْتُهُمَا

يَسْتَلْقِيَانِ

فِي

زُرْقَةٍ

وَيُنَزّهَانِ حَشَائِشَ الأَعْمَاقِ،

وَامْرَأَةٍ هَرَبَتْ بِهَا مَوْجَةٌ

يَدَاهَا غُصْنَانِ مَكْسُورَانِ

عَلَى

دَالِيَةٍ

وَيَاسَمِينُ شَعْرِهَا أُرْجُوحَةٌ لِلزَّبَدْ.

***

غَدِي جَاءَ بَاكِرًا،

يَا حَبِيبِي

فَلاَ تَلُمْنِي

وَادَّخِرْ وَقْتًا لِيَوْمٍ رُبَّمَا يَأْتِي غَدًا.

IX

سَأَكْتُبُ لَكِ، يَا مَدِينَتِي المُوصَدَةَ الأَبْوَابِ،

يَا مَدِينَتِي المُخَلَّعَةِ الأَبْوَابِ،ِ

يَا مَدِينَتِي التِي سَقَطَتْ مِنَ الأَبْوَابِ،

سَأَكْتُبُ

لَكِ

يَا

دِمَشْقُ،

رِسَالَةَ الشَّهِيدِ للشَّهِيدَةِ،

وَفِي جَبِينِكِ المُقِيمِ وَالمُهَاجِر،ِ

أُوَدِعُ قُبْلَةَ القَتِيلِ لِلقَتِيلَة.

***

أُمَدِّدُكِ فِي تُرَابِ فِكْرَتِي

لِتَنْهَضِي

فِي جَسَدِي

وَتُقِيمِي فِي كِتَابِي..

بَاسِقَةً كَنَخْلَةِ الغَريبِ

مُضيئةً كَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى.

***

وَكُنْتُ آخُذُكِ إِلَى النَّهْرِ

فَيَبْكِي النَّهْرُ مِنْ حُسْنٍ ومِنْ عَطَشٍ

وَلمَرْآكِ

يَطِيشُ فِي أَحْجَارِهِ الضَّوءُ.

***

وَكُنْتُ أُنْشِدُكِ فَتَدْمَعُ مُقْلَتَاكِ مِنَ الهُيَامِ.

***

وَالآنَ

مَا مِنْ ضِحْكَةٍ تُسْمَعُ

هُنَا

مَا مِنْ ابْتِسَامَةٍ تَجْرَحُ حَائِطَ المَوْتِ؛

الأَطْفَالُ الذِينَ وُلِدُوا هَذَا النَّهَارَ

خَرَجُوا مِنَ الأَرْحَام ِبِوُجُوهٍ مُكْفَهِرَّةٍ

وَفِي أَيْدِيهِمُ أَزْهَارٌ سَوْدَاءُ.

مَا مِنْ ضِحْكَةٍ هُنَا تُسْمَعُ،

مَا مِنْ رَعْشَةِ هَوَاءٍ فِي وَرَقَةٍ خَضْرَاءَ.

***

الغَائِبُ وَالغِيَابُ

وَمِنْ وَرَاءِ الكَلِمَاتِ

نَنْظُرُ أَيَّامًا لَنَا تُرِكَتْ عَلَى عَجَلٍ

وَرَاءَ البَابِ

وَفِي وَجِيبِ قُلُوبِنَا تَتَرَجَّعُ الأَصْوَاتُ

خَافِتَةً

وَخَائِفَةً

وَخَانِقَةً

لِتُلْهِمَنَا الهُرُوبَ مِنَ البُكَاءِ..

الغَائِبُ وَالمَغِيِبُ.

X

اليَوْمَ أَيْضًا، نَزَلَتِ الغَيْمَةُ، رَمَادِيَّةً

دَاكِنَةً

وُتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ شَرْقِيَّةً

وَمَرِحَةً،

يَا لَهَا مِنْ سَاعَةٍ لِخَاطِرِي المَخْطُوفِ كُلَّ ظَهِيرَةٍ،

لِخَاطِرِي المُنْقَادِ عُنْوَةً

كُلَّ ظَهِيرَةٍ

لَأَمْشِي

فِي حُطَامِ الضَّوْءِ

وَأَمْشِي فِي حُطَامِي.

***

أَمْشِي وَيَتْبُعُنِي ظِلٌّ فِي سُوقٍ قَدِيمٍ فِي دِمَشْقَ،

وَفِي الوَرَاءِ المُتَرَامِي وَرَاءَ بَابِ المَدِينَةِ

المِئْذَنَةُ وَالظِلُّ يَسْبِقَانِي إِلَى يَوْمِي

وَيَفْتَحَانِ لِيَ البَابَ

هَلْ تَأَخَّرْتُ؟

***

لَا مَوْعِدَ وَلَا بَيْتَ.

***

وَفِي المَمَرِّ الضَيِّقِ، حَيْثُ فَاحَتْ رَائِحَةُ الدُّفْلَى

لاَ شَيْءَ آخَرَ، هُنَا، غَيْرَ الهَوَاءِ،

يَسْتَطْلِعُ

فِي مُحِيطِ جَرِيمَتِهِ

وَالشَّاهِدُ المِئْذَنةُ الخَرْسَاءُ.

***

لَكَأَنَّ الهَوَاءَ فِي دِمَشْقَ حُطُامُ أَجْسَادٍ وُحُطَامُ أَصْوَاتٍ.

***

المَرْكَبَاتُ تُقْبِلُ بِعَجَلاَتٍ ضَخْمَةٍ وَتَنْهَبُ الوَرَاءَ الهَارِبَ

وَالسَّمَاءُ بِفَأْسٍ بَارِقَةٍ تَهْوِي عَلَى ظَهْرِي

صَوْتِي

يَسْبِقُنِي

وَأَرَاهُ يَتَهَاوَى فِي أُخْدُودٍ أَطْوَلَ.

XI

نَوْمِيَ، هُنَا أَيْضًا، فِي هَذَا المَهَبِّ قَرْقَعَةُ عَجَلاَتِ خَشَبٍ لِعَرَبَةٍ طَائِشَةٍ فِي مُعْتَرَكٍ،

أَأَنَا جُنْدِيٌّ أُمَوِيٌّ فِي جَيْشٍ هَالِكٍ،

أَمْ فَلَكِيٌّ مِنَ دِمَشْقَ فِي قَبْضَةِ قَرَاصِنَةٍ صِقِلِّيِّينَ؟

مَا بِي وَهَذَا الجُنُوحُ كَمَا لَوْ كُنْتُ شَاعِرًا يَكْتُبُ قَصِيدَةً فِي جَحِيمِ مُطْبِقٍ.

وَمَا أَنَا إِلاَّ مُسَافِرٌ يَسْتَرِيحُ فِي فُنْدُقٍ عَلَى المِينَاءِ

بِانْتِظَارِ مَرْكَبٍ يَحْمِلُنِي إِلَى مَرْكَبٍ يَحْمِلُنِي إِلَى مِينَاءٍ بَعِيدٍ فِي الغَرْبِ.

***

يَا لِي مِنْ مُبْحِرٍ فِي عَصْفٍ

وَيَا لَيَدِي تَتَجَمَّدُ،

هُنَا،

فِي ضَوْءٍ غَارِبٍ.

***

نِمْتُ وَاسْتَيْقَظْتُ

وَنِمْتُ وَاسْتَيْقَظْتُ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ شَيْءٌ

فَقَطْ هَذِهِ الرُّوزْنَامَةُ

وَصَخَبُ هَوَاءٍ أَسْوَدَ فِي مَمَرٍّ.

***

وَالآنَ،

أَعْنِي، رُبَّمَا غَدًا

أَوْ بَعْدَ غَدٍ

أَوْ فِي مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ

الأَطْفَالُ القَتْلَى يَنْفُخُونَ فِي الصُّوَرِ وُيطَيِّرُونَ الأَصْوَاتَ

بَالُونَاتٍ

بَالُونَاتْ

وَبِالبَابِ، عِنْدَ دَالِيَةِ البَيْتِ بِجِذْعِهَا المُجَرَّحِ بِسَكَاكِينَ صِبْيَانٍ ضَجِرِينَ، العِيدُ الكَبِيرُ غُيُومٌ مُلَوَّنَةٌ،

وَفِي الإِيوَانِ المُلَطَّخِ بِهَذَيَانِ الأُضْحُيَةِ، صَخَبُ فِتْيَةٍ يَافِعِينَ وَثَرْثَرَةُ مَلاَبِسَ وَرَاءَ الأَبْوَابِ؛ أَطْيَافُ فَتَيــَاتٍ يَتَوَارَيْنَ وَفَتَيــَاتٍ يَظْهَرْنَ وَفِي أَيْدِيهِنَّ آنِيَةٌ يَتَرَجَّفُ فيها الضَّوءُ،

حَفِيفٌ وَوَشْوَشاتٌ..

***

وَفِي الدِّهْلِيزِ بَعْدَ العَصْرِ، القُشَعْرِيرَةُ تَصْعَدُ إِلَى غُرْفَتِهَا فِي الحِصْنِ،

وَالرَّأْسُ الثَّقِيلَةُ تَنْزَلِقُ

بِالوِسَادَةِ

إِلَى رِيفٍ صِبْيَانِيٍّ فِي مَدِينَةٍ يَأْسِرُهَا جَبَلٌ

وَهَوَاءٌ

هَوَاءٌ

هَوَاءْ ...

أَعْطِنِي هَوَاءً يَمْلَأُ رِئَتِي.

***

هَلْ مِنْ أمْسٍ يُشْبِهُ هَذَا اليَوْمَ؟

***

أَوْرَاقِي بَيْضَاءُ

وَلُغَتِي بُسْتَانٌ مُحْتَرِقٌ،

وَالمِدَادُ

دَمُ آلِهَتِي

التِي كَتَبْتُ فِي كِتَابِي.

***

غَدِي جَاءَ بَاكِرًا،

فَلاَ تَنْتَظِرْنِي

وَلاَ تَتَأَخَّرْ كَثِيرًا.

***

خُذِ الْأَلْوَاحَ وَاخْرُجِ الآنَ

أَنْتَ شَمْسُ مَنْ مَرَّ هُنَا، وَظِلُّ مَنْ مَرَّ هُنَاكْ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق