ذات سماء ما
زرقاء ويانعة، كانت تتدفق موسيقى الأكوان
على الأكوان
ولم تكن الأشجار
سوى ريح خالصة الخيبة
نائمة في ناي مثقوب
ذات سماء ما
كان هلالان شقيقان
يطلان على الأرض من الأعلى
ويضيئان معاً شرفات دامعة الأهداب
وأودية بيضاء
وأسمال بيوت
ودخان حروب
لم يحدث عبر الأزمان أن افترقا
بل طفقا يثبان كجديين معاً
بين الأيام،
معاً رضعا من نهد الشمس
حليب أمومتهما الصافي
ومعاً كانا يبتاعان غيوماً
من أسواق الغيم السوداء
لتستر عريهما الفضي
وأوشاماً... وندوب
لكن، في أحد الأسحار،
تصدّت لهما نجمة صبح خضراء
وهوجاء الفتنة،
مضرمة تحت حرير جمالهما الرائق
عاصفة من شهوات حمرٍ،
وسياطِ براكينَ
ولسعِ ذنوبْ
ذات سماءٍ ما
كان هلالان شقيقان يسلاّن سيوفاً
تصقلها الغيرة بينهما بالأنياب
فيقتتلان كما لا يفعل أعتى الأعداء،
اقتتلا كغزالين على نبع
واقتتلا كغرابين على رمشين يفيضان سواداً،
وكعودين على وتر منهوب
وككأسين من الدمع اقتتلا
حتى انكشفت من حولهما
قيعان الأفلاك
وحتى انجلت الحرب عن الغالب والمغلوب
ذات سماءٍ ما
كان هلال يبيضّ ككفل المهر
بعيد غروب الشمس
ويصبح مذ فاز بنجمته
بدراً مكتمل الطلعة
محمولاً فوق سماء من شغف مشبوب
فيما راح الآخر
يهبط نحو الأرض
لكي يتقوّس كالقرن اليابس،
عريان وأسود،
في شجر الخروب
أبواب خلفية
في ذلك الركن القصيّ من الكتابة
حيث أفشل في تعقب فكرة
هربت من الإيقاع
يحدث فجأة أن تدخل امرأة إلى المقهى
وتجلس باتجاه البحر،
منعكساً على المرآة
كان جمالها ينحلّ في الصمت المحايد بيننا
كمراكب منهوبة الأحزان،
لم تتجشّم التحديق في أحد
من الجلساء،
لم تلحظ خلوّ يدي من الكلمات
بل فتحت كتاباً،
كان يرقد في حقيبتها،
وغامت في تضاعيف الكتاب
في ذلك الركن القصيّ من الكتابة
راح يعصف بي حنين جارف
للقفز فوق وجوديَ الفاني،
لتمكين المجاز من التطلع نحو مصدره
وتنقية الجمال من التراب
متأمّلاً في وجهها،
في اللامبالاة التي تعلو التفاتته
إلى الأشياء،
كدت أرى مجاراة الظلال
لضوئه العاري
النعاس كما لو أنه، متنكراً
في هيئة امرأة،
يجرّد جسمها الشفاف من جريانه
تحت الثياب
لكنني متأخراً أدركت
أني لم أكن أرنو إلى أحد،
فلا امرأة رأيت
سوى ما يستحيل بقوة التحديق
صورة ما نحب،
لذا، وقد امتحنت بدون جدوى
خيبة الكلمات
غادرت المكان كعادتي في مثل هذا الوقت
كي تأتي القصيدة في غيابي!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق