جُثةٌ مَجهولةُ الهُويةْ - وسام عبد الحق العاني - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

السبت، 28 مارس 2020

جُثةٌ مَجهولةُ الهُويةْ - وسام عبد الحق العاني

بغدادُ تُنكِرُني
على أبوابِها أَطرقُ مطعوناً ولا تفتحْ
أَصرخُ تحتَ شباكِها المُبْتَلِّ بالدموعِ ولا تفتحْ
ربما لأنني محضُ جُثةٍ
مجهولةِ الهوية
يا بغداد
بطاقتي لديكِ في الدولاب
في رَفِّهِ الأوسطِ لا تزال
فتشي عنها على قممِ الجبالْ
أو بين أهوارِ الجنوبْ
أو ارْفعي بعض عُذوقَ التمرِ عن خصرِ النخيل
فما تزالُ صورةٌ منها هناك
شُدَّتْ بخيطٍ أخضر هزيل
يا بغداد
لا تتركي جسدي على بردِ الرصيف
أنا لا أخافُ منَ الظلام
ولا أخشى المطر
لكنْ أتعبتْني نظراتُ الشامتينْ
أنا الآنَ يا مدينةَ الأحزانِ
كفيفٌ على بابِ مرقدْ
أتوسلُ كسرةَ خبزٍ من يدِ الفقراءْ
بعد أنْ خذلني المترفونْ
وأدلفُ بين الحاراتِ
أبيعُ صوتي لأصحاب للدكاكين
سارداً حكاياتي الطريفةَ
مقابلَ جلسةٍ في الظلْ
أو سيجارةٍ ملفوفةٍ
وقدحِ شايٍ صغيرْ
أنا يا مدينة الأحزانِ
بنيتُ نصفَ دورِ القريةْ
ولمّا أمطرتْ مُنتصفَ الليلِ
لمْ يحتوي جسدي الذابلَ
غيرُ مِعْطفيَ القديمْ
أنا يا مدينةَ الأحزانِ
رغيفٌ مَنسيٌ في تنورِ امْرأةٍ ثَكْلى
أخذ تجارُ الحروبِ زوجَها من غرفةِ النومْ
ذاتَ خرابْ
أنا يا مدينة الأحزانِ
شيخ طاعنٌ في السنّ
رماهُ أولادُه في دارِ العاجزين
وأوْصَوا سائقَ التاكسي
أنْ يأخذَ الأُجرةَ منْ أبيهم
أنا يا مدينة الأحزانِ
ديوانُ شِعرٍ للسيّابْ
مرْميّ على رصيفِ شارعِ المتنبي
وعلى كتِفيْهِ حملٌ ثقيلٌ
من كُتيّباتِ الطبخِ .. والصحةِ الجنسية
أنا يا مدينة الأحزانِ
مُتعبٌ مثلُ عينيكِ
مُضمخٌ برائحةِ الحربِ
والبارودِ
وبالسدرِ الذي يغسلونَ به الموتى
أُولئك المحظوظونَ
الذين وجدوا نعوشاً تحتويهِم
أمّا أنا .. فما زلتُ مُلقىً على أكداسِ النفاياتِ
جثةً مجهولةَ الهويةْ
لا نعشَ يحتويني
وهلْ منْ نعشٍ يحتوي العراقْ؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق