غداة
مؤتمرنا التنظيمي الوحدويّ الأوّل، نحن الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين-
الكرمل48، شفاعمرو 11 كانون الأوّل 2021، والذي شارك فيه بروفيسور طه ممارسًا حقّه
الديموقراطيّ بالاقتراع، عاجلني برسالة استقالة من الاتّحاد تحمل التاريخ 12.12.21
الساعة 03:39، هذا نصّها:
"الأخ سعيد نفاع المحترم،
مارست حقّي أمس في التصويت لفكرة تداول
السلطة في الاتحاد بصفة مبدئيّة وللأخ عليّ هيبي بصفة إجرائيّة، ولمّا فشلت في ذلك
لم يبق أمامي إلا أن أتمّم انسحابي من هذا التنظيم مشفوعًا بوعد أقطعه أمام نفسي
بألا أكون طرفًا في أيّ تنظيم من هذا القبيل مستقبلا. لا يوافق طبعي ولا أخلاقي ما
رأيته وسمعته أمس. وعليه، أقدّم استقالتي القطعيّة والنهائيّة من الاتحاد وما
يتّصل به من قريب أو بعيد اعتبارًا من هذه اللحظة... بالتوفيق،
إبراهيم طه."
لم
أتأخّر ورددت في نفس اليوم الساعة 06:20، وهذا بعض ما جاء في ردّي:
"الأخ
العزيز إبراهيم، بغض النظر فهذه خسارة إضافية نوعية للاتّحاد إضافة لما خسره من
هيبة مؤخّرا وفي عزّ الانطلاقة. (...) ما جرى أمس بعيدا أيضا عن أخلاقياتي ولكن ما
جرى في الدواوين بعيدا عن كل اخلاقيات، وتكفي الإشارة إلى (...) لا تظن ورغم
النتائج أنّي "رفعت" كأسي، فالمرارة هي سيّدة الموقف عندي كانت في
الأشهر الأخيرة وخلال المؤتمر وبعد المؤتمر، وكلّ من رأى "شكلي" مباشرة
بعد النتائج ليس بحاجة لفراسة خاصة ليعرف ما يدور بداخلي. طبعا لست "كامل
الأوصاف" ولكنّي على الأقل أعرف كيف أحافظ على العيش والملح، ولو بالحد
الأدنى. أطيب
الأمنيات، باحترام سعيد."
كتبت في
ناصية ردّي ما كتبت ليس تجمّلًا ولا مجاملة بل قناعة، فالاتّحاد يخسر باستقالة
بروفيسور طه قامة ثقافيّة باسقة. وأشير في السياق، أنّه تمّ بيني وبين بروفيسور طه
تبادل كمّ من الرسائل عشيّة مؤتمرنا هذا مرتبطة بالمؤتمر، ولا نيّة عندي لنشرها إذ
أنّي أعتبرها خاصّة، وأمّا الاستقالة من الاتّحاد فهي من العموميّات، فلذا أنشرها
هنا وليس لذاتها وإنّما لما لها من علاقة مع مقال كان قد نشره بروفيسور طه في
صحيفة الاتّحاد بتاريخ 19.11.21 يحمل العنوان "قلّة الحكي حكي"، لم
يتسنّ لي العلم به إلّا أيامًا قليلة قبل المؤتمر، وتسنّى لي الاطلاع عليه فقط
مؤخّرًا. يكتب طه:
"وفي
الواقع نقول: "قلّة الحكي أحسن!" أو "قلّة الحكيِ حكيٌ". وهي
الفكرة نفسها التي حكاها عبد القاهر الجرجانيّ قبل قرون وأجملها على الإيجاز:
"غياب الذكر أبلغ من الذكر" (...) والمواقف التي تصلح فيها قلّة الحكي
وتصحّ كثيرة، قد تُعدّ لكنّها لا تُحصى، ولا يمكن أن تُحصى."
يطرق طه
من هذا الباب في مقاله أبوابًا عدّة، ومنها باب "الاتّحاد العام للكتّاب
الفلسطينيّين- الكرمل48"، كاتبًا:
"ما
رأيته من أسماء في قائمة الأعضاء المنتسبين إلى اتحاد كتّاب الكرمل – 48 لا يحسن
السكوت عليه. لكنّ الحكي عنه وفيه ينبغي أن يقطع. من غير المعقول ولا المقبول أن
توزن الثقافة لا بالعدد ولا بالحجم ولا بالكيل ولا بالمساحة. الثقافة هي القدرة
على الإخصاب الفكريّ. وهذا التعداد في الاتحاد هو حالة خصاء. من جهتي ينبغي تقليص
هذه القائمة الطويلة واختزالها في نسبة محدودة لا تتجاوز الخُمس. هذا من باب المسامحة.
يقول عزّ الدين المناصرة في قصيدتين "الصمت" و "إذا":
//الصمت: يا أيّها الرجلُ الصَموتْ \ ما بين أكوامِ السكوتْ \ اشربْ
دواءَكَ كي تموتْ.
//إذا: إذا أردتَ أن تعرفْ مدينة \ لا تبدأ بمثقّفيها!! \ فهم
لا يعرفون!!"
أنا
أوافق كليّة بروفيسور طه قوله: "من غير المعقول ولا المقبول أن توزن الثقافة
لا بالعدد ولا بالحجم ولا بالكيل ولا بالمساحة. الثقافة هي القدرة على الإخصاب
الفكري." ولكن رؤية التعداد في الاتّحاد "خصاء" مسألة فيها نظر
لغةً ومعنًى!
طبعًا
يحقّ لبروفيسور طه الناقد والباحث المرموق أن يقيّم الأدب والأدباء، وبغضّ النظر
إن كنت أتّفق معه أو لا، فهو حرّ أن يقول عمليّا، أنّ أكثر من %80 من أعضاء
الاتّحاد يجب اختزالهم، وهذا من باب المسامحة. لكن قوله هذا عدا التجنّي الصارخ
الذي فيه على 150 عضوًا على الأقلّ من الأعضاء، يثير كمًّا من الأسئلة والتساؤلات:
أوّلا: ألم
يكتشف طه هذه "المصيبة" إلّا الآن عشيّة المؤتمر التنظيمي، وهؤلاء
بمعظمهم زملاؤه بالعضويّة على مدى أكثر من 4 سنوات؟!
ثانيًا:
رقم استمارة طه للانتساب هو 123، ما يعني أنّه وحسب حساباته الرقميّة فإنّ 100 من
هؤلاء كانوا رفاقه يوم انتسب، ورضي بهم!
ثالثًا:
ألم يكن بروفيسور طه رئيس المؤتمر الثقافيّ الأوّل لهؤلاء في تشرين الأوّل 2019
وعلى مدى يومين؟!
رابعًا:
ألم تعمل يا بروفيسور طه وحتّى ال-20 من آب 2021 على التحضير للمؤتمر الثقافيّ
الذي يشمل كلّ هؤلاء؟!
خامسًا:
فما الذي حصل بين أواخر آب وأواخر تشرين الثاني حتّى يصير أكثر من %80 من هؤلاء من
الواجب اختزالهم؟!
أستطيع
أن أطرح كمّا كبيرًا من الأجوبة وتعليلاتها، ولكن لا نيّة عندي أن أفعل وأتركها
للقارئ ليفعل بهذه الأسئلة \ التساؤلات ما يشاء، أتركها ولو من باب ما قاله طه في مقاله
الآنف، مستفيدًا ومفيدًا:
"انكتب
الكثير عن جماليّات الصمت في الأدب العربيّ الحديث. وما زال ينكتب. وجعلوه بعضًا
من حالة نظريّة وظاهرة إجرائيّة سمّوها "التقليليّة" (...) وسلفنا
الصالح قد دخلوا إلى أنماط التعبير من باب المعنى وليس من باب المبنى، وهذا هو الأصل،
وتواضعوا على أن تكون في ثلاثة أضربٍ: الإيجاز والمساواة والإطناب. أمّا الإيجاز
فهو ما قلّ لفظه وكثر معناه، والمساواة ما كان معناه على قدر لفظه لا أكثر ولا
أقلّ. والإطناب، عكس الإيجاز، وهو ما كثر لفظه وقلّ معناه (...)"
لا رقيّ
ولا رفعة لحركة ثقافيّة إلّا بتنظيمها، قول تختلف فيه الاجتهادات، فبعض يرى أنّ
رقيّها ورفعتها في الرقيّ الفردي فيبقى خارج تنظيمها واعظًا، وبعض آخر يرى ذلك في
الرقيّ الجمعيّ فينضوي تحت تنظيمها عاملًا. وبروفيسور طه اختار حتّى الأمس القريب
الانضواء داخلًا، وحقّنا أن نسأل: لو لم يفشل طه، كقوله في رسالته أعلاه، في
التداول المبدئيّ والاجرائيّ، أكان سيبقى منضويًا مع ال-150 واجبي الاختزال؟!
قضيّة
النقد والنقّاد والابداع والتقييم (التقويم) والتقويم مثار لجدل، ولكنّي لا أعتقد
أنّ اثنين يختلفان أن في البدء (استعارة من إنجيل يوحنا) كانت الكلمة. فلا تقوم
قائمة لنقد بدون كلمة ولا قائمة لإبداع دون تخطّي النقد. ولذا يستطيع بروفيسور إبراهيم
طه كناقد أن يعتبر أكثر من %80 من أعضاء الاتّحاد يجب اختزالهم، ولكنّة يجب أن
يتذكّر أنّ في البدء كانت الكلمة ولولاها لما قام نقّاد، وهذا لا ينتقص طبعًا من
أهميّة الدور الذي يقوم به هؤلاء إن أجادوا البراء من الهوى.
أمّا من
الناحية الأخرى والأهمّ، الاتّحاد وعلى الأقلّ اتّحادنا لم ينبنِ ولم يكن مرّة
ناديّا ل"نخبة"، هذا إذا ملك أحدٌ الحقّ أن يصنّف الناس نخبًا
و"لا- نخب"، الاتّحاد دفيئة لكلّ حملة الأقلام ليأخذ بيدهم ويوفّر لهم
في دفيئته الأدوات؛ المؤتمرات الثقافيّة، والندوات التثقيفيّة، والمنصّات الورقيّة
والإلكترونيّة و ...، ويترك لاجتهادهم وللأيّام القول الفصل.
سعيد نفّاع
الأمين العام
أواسط كانون الأوّل 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق