(1)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
سَأُرَبِّي الْأَعْشَابَ الْبَرِّيةَ
والْأُغْنِيَاتِ الْقَدِيمَة
عُبُورَ الْأَحْيَاءِ الذَّاهِبِينَ صَوْبَ الْعُزْلَات
قَوَافِلَ الرِّفَاقِ الْمُتْرَعَةَ بِأَوْهَامِ
الثَّوْرَة
وَشِعَارَاتِ نَصْرِ مَنْصُوبَةٍ عَلَى أَيَادٍ
تَعُظُّ أَصَابِعَهَا خِلْسَةً مِنَ الْأَعْدَاء
مَوَاسِمَ الْخِذْلَانِ الْمُتَرَبِّعَةَ عَلَى
نَاصِيَةِ الْخُيُول
وَخَيْبَةِ الْبَنَادِقِ
الذِّكْرَيَاتِ الْمَفْتُولَةَ الْخَيْبَاتِ
النَّحِيلَةَ الاِنْتِصَارَات
وَأَرْعَى غُيُوماً يَنْتَظِرُهَا فَلَّاحُو
الْقَبِيلَةِ
بِغِبْظَةِ زَائِدَةِ عَنِ الْفَرَح
وَطُّفُولَةً تَحْصُدُ الْمَوْتَ قَبْلَ الْحَيَاة...
(2)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
لَا أَحَدَ مَعِي
أَرَانِي بِمُفْرَدِي
مِيرَاثِي جَسَدٌ وَاهِنٌ
قَلْبٌ تَخُونُهُ حَاشِيَةُ الخَفْقِ
رِئَةٌ مَوْبُوءَةٌ بِرَبْوِ السَّأَم
مَعِدَةٌ فَاسِدَةُ الصَّلَاحِيَّة
أَمْعَاءٌ تَبْكِي مَغَصَ النَّدَم
وَيَدَانِ تُعَانِقَانِ فَرَاغَ الْعَدَم
وَقَدمَانِ يَخُونُهُمَا عُكَّازُ الْوَقْتِ...
(3)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
مَوْتَى طَّيِّبُونَ يُحِبُّونَ الْمُوسِيقَى
يَزْرَعُونَ جَنَائِنَ الصَّمْتِ بِابْتِسَامَاتٍ
خَفِيضَةٍ
وَحَفِيفٍ ضَارِبٍ فِي الْبَهَاء
يَنْشُرُونَ النُّورَ فِي عَتْمَةِ الرُّوحِ
وَيُغَادِرُونَ سَمَاءً تَنْضَحُ بِطُيُورِ الْمَوْت
هُمُ الْعَاشِقُونَ الْحَيَاة
يَخْرُجُونَ كُلَّ لَيْلَةٍ مُدَجَّجِينَ بِأَحْلَامِ
الْأَْسْلَاف
وَخَيْبَاتِ الْحَاضِرِ
وَيَرْشُقُونَ الْآتِي بِالْغَيْمَات...
(4)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
أُنَقِّحُ الْحَيَاةَ مِنْ صُرَاخِ الزَّمَن
مِنْ جَلَبَةِ الْمَكَان
مِنْ ظِلَالٍ تَخُونُ تَارِيخَ الشَّجَر
مِنْ دُفُوفٍ تَرْتَدِي شَلَلَ الْفَرَح
مِنْ حُرُوبٍ صَغِيرَةٍ تَنْشُبُ بَيْنَ طُفُولَةِ
النَّهَار
وَشَيْخُوخَةِ اللَّيْل
مِنْ نَوَازِلِ الظَّلَام
مِنْ طُرُقَاتِ تَكِيدُ فِخَاخَ الظَّهِيرَة لِتِيهِ
الرُّعَاة
وَأَبْكِي وُجُوهاً يُحَالِفُهَا يَقِينُ الْغِيَابِ...
(5)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
أَعْزِفُ لَحْنَ جَنَازَتِي
أَعُدُّ خَطَايَايَ بِفَرَحٍ طُفُولِيٍّ
جَرَائِمِي الَّتِي اقْتَرَفْتُهَا فِي حَقِّ عَصَافِيرِ
الْقَرْيَة
الْأَفْخَاخَ الَّتِي نَصَبْتُهَا لِمَكْرِ الْحَيَاةِ
وَأَشْرَعُ مَكْتَبَتِي لِتَخْرُجَ الرِّوَايَاتُ
مُثْقَلَةً بِخَيَالٍ مَرِيضٍ
وَلُغَةٍ مَهِيضَةِ الْكَنَايَةِ
نَازِحَةٍ عَنِ الْمَجَاز
وَعَازِفَةٍ عَنِ الْأَحْلَام
وَأَرْقُصُ بِكَفَنِي عَارِياً مِنْ لَغَطِ الْحَيَاة...
(6)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
أَرَى بِعَيْنَيْنِ نَابِغَتَيْنِ فِي الْأَسَى
أُفُقاً تَكْسُوهُ عَوَاطِفُ الْأَشْبَاحِ
عَوَاصِفُ النُّحَاسِ
جَرَادُ الْآلاتِ
وَأَرْضاً تَنْعَمُ بِوَجَعِ الشُّقُوقِ
وَلَيْلٍ كَرِيمِ الْإِقَامَة
وَأَتَوَسَّدُ حَجَرَ السُّؤَالِ
وَيَقِينَ الْمُحَال...
(7)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
لِي حُشُودٌ مِنْ نَزَوَاتِي
وَلَذَّاتِي الَّتِي تَرَكْتُهَا تَنْخُرُ جَسَدِي
وَذَخِيرَةٌ مِنْ شَهَوَاتِي أُصَوِّبُهَا فِي اتِّجَاهِ
الْأَحْيَاء
وَخَرَائِطٌ مِنْ نُدُوبِ وَرِثْتُهَا مِنْ حَرُوبِ
الْقَبِيلَة
أُمَزِّقُهَا فِي وَجْهِ أَعْدَاءِ الْيَاسَمِين
لِي عَتَادٌ مِنْ حَرَائِقِ الشَّكِّ
وَخُطَطٌ مِنْ يَقِينِي
كَيْ أَلْعَنَ جَذَلَ الْأَرْضِ بِمَشِيئَةِ التِّيه...
(8)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
أُرَاوِدُ النِّسْيَانَ كَيْ يَكُونَ حَلِيفِي
الْعُزْلَةَ ضَمَّادَةُ لِفَرَاغِ الْحَيَاة
وَلِلْمَوْتَى حَفِيفُ الصَّمْت
أُنَاصِرُ عُبُورَ النَّمْلِ إِلَى بُيُوتَاتِهَا غِبَّ
الْخَرِيف
فَرَحَ الْخَطَاطِيفِ بِصَبَاحِ الْفِجَاج
ذَهَابَ الشِّيَاهِ إِلَى حَضْرَةِ السُّهُولِ
الْغَزَالَاتِ وَهُنَّ يَتَغَزَّلْنَ فِي حَيْرَةِ
الْأَدْغَال
بَنَاتِ آوَى وَهُنَّ يَصْفَعْنَ بِغُنْجِهِنَّ دَهْشَةَ
الْأَعَالِي
وَأُحَيِّي هَيْبَةَ النُّسُورِ بِسُمُوقِ الْجِبَال...
(9)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
أَفْتَحُ الْقَلْبَ بِرَحَابَةِ حُبٍّ
يَخْرُجُ أَصْدِقَائِي وَاحداً وَاحِداً
ذِكْرَيَاتِي مُتَبَرِّجَةً مِنَ الْحَنِينِ
عُيُوبِي تَكْشِطُ الضُّلُوعَ بِلَا رَحْمَةٍ
حَبِيبَاتِي يَنْدُبْنَ حَظَّهُنَّ مِنْ خِيَانَات
حُرُوبِي خَاسِرَةَ الْخُطَطِ
رَابِحَةَ الْأَعْطَاب
أَعْدَائِي فِي الْحَيَاة مُدَجَّجِينَ بِالْغَيظِ
وَأَبْقَى فَارغاً إِلَّا مِنِّي
أَعُضُّ التُّرَابَ بِأَنْيَابِ أَصَابِعِي
اُدَرِّي الْحُصَيَّاتِ غُبَاراً فِي وَجْهِ الْمَدَى
اَنْقُرُ طَبْلَةَ الْمَوْتَى بِنَشِيدِ اللَّه
وَأَمُدُّ يَدِي فَارِغَةً مِنْ تَحَايَا الْقَادِمِينَ
مِنْ مَزَارَاتِ الرَّبِّ
وَ الْمُقِيمِينَ فِي ابْتِهَالِ الْقُلُوبِ...
(10)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
أَبْتَكِرُ حَيَاةً أُخْرَى مِنْ دَمِ الْأَصَابِعِ
مِنْ طِينِ الْأَوْتَارِ
وَجُرْحِ الْكَمَنْجَاتِ فِي سَهْوِ الْإِيقَاعِ
كَيْ تُعِيدَ الْأَرْضُ نَشِيدَ الْقَصَبِ
وَتَشْهَدَ عَلَى رُحَّلٍ يَنْثُرُونَ الْمَسَالِكَ
بِوَرْدِ الْحَنِين
وَتَسْتَيْقِظَ السَّمَاءُ مِنْ غَفْوَةِ الْخَرِيفِ
وَلَعْنَةِ الْغِرْبَانِ
وَأَرْثِي قَمَرَ قَبِيلَتِي الْغَابِرَ بَيْنَ عَطَشِ
الْغُيُومِ
وَأَرَقِ الْمُحَال
الشَّجَرَةَ الْوَحِيدَةَ الَّسَّاكِنَةَ بَيْتَ
الْعَائِلَةِ
الْحَارِسَةَ شُرْفَةَ الْجِيرَانِ مِنْ غَارَاتِ
الْعِصْيَانِ
الْأَمِينَةَ عَلَى خَطْوِ الْأُمَّهَاتِ
وَشَغَفِ الْحَبِيبَاتِ الْمُقِيمِ
فِي
رَحَابَةِ
الْعُزْلَة...
(11)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
أَنْصُبُ الْفِخَاخَ لِلْحَيَاةِ
مِهْنَتِي تَرْبِيَةُ الْأَقْفَاصِ
رِعَايَةُ الْقُضْبَانِ النَّائِحَةِ تَحْتَ كِرْبَاجِ
الْأَصَابِعِ
خَنْقُ الْطَّرِيقِ بِرَبْوِ الْتِّيه
طَرْدُ الْمَاءِ مِنْ جِبَالِ اللَّه
عَدُوُّ الْفَرَحِ
صَدِيقُ الْعَدَمِ
أَنَا سَادِنُ الصَّحْرَاءِ
قَوَافِلِي لَيْلٌ يُنَكِّلُ بِشَرِيعَةِ النَّهَارِ
رَمْلٌ يَجْتَهِدُ فِي ابْتِكَارِ الْعَطَشِ
وَتَارِيخِي بِلَا أَثَرِ...
(12)
هُنَا قُرْبَ قَبْرِي
بِفُيُوضِ الْيَقِينَ
أَنْفُخُ الْأَسْئِلَةَ فِي نَايِ الرَّيْبِ
أُشْعِلُ الْحَدَائِقَ بسِيرَةِ الطَّيْرِ
بِحُمَّى الْأَنْفَاسِ
وَسَطْوَةِ الْعُزْلَاتِ
أَنَا مُجَرَّدُ اسْتِعَارَةٍ فِي مَهَبِّ الْحَيَاة
أَلْوِي عَلَى حَظِّي الْفَالِحِ فِي الْخَيْبَاتِ
عَلَى جُرْحِ الْأَبَدِيَّةِ النَّازِفِ بِأَوْهَامِ
الْعَتَمَاتِ
وَاَعُودُ فَارِغَ الْيَدَيْنِ مِنْ مَجَازِ الْغِيَاب ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق