مرايا الأرض - محمد أبو هاشم محجوب - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأربعاء، 25 يناير 2023

مرايا الأرض - محمد أبو هاشم محجوب

راودَني الليلُ قبلَ المَغيب ..

ألَيس لليل وقتٌ وميعادْ

وأماراتُ أُفول وجُنونٍ

ونِهايةُ حُلْم

بسماءٍ يسكنُها الأربابْ

*** *** ***

راودَني الليلُ بإغراء الحلمات

ودعاني أن أحلُم أنّي أحلُم ..

كنتُ أقود البحر ..

كان البحرُ مركبتي

كاللوح المبسوط كان البحرُ

وفي سَوْرة الرّيح من كلِّ صَوْبٍ

مَددْت يدي في ظُلمة اللّيل

ألتمس الصاري وشراع الصاري

*** *** ***

أذكر أنّي خِفْتُ

قد ينقلب المرْكَب بي ..

أين الشِّراع أَلوذُ به ؟

كنت أمنّي النفس

وانا أحلم أني أحلم

أنّ البحر سلامٌ في تعبيرات الرؤيا

وذكرتُ تفاسيرَ ابنِ سيرين

ومفاتيحَ أرْطميدورس

شيء كالطمأنينة كان يرافقني

وأنا بين الأنواء

آمنٌ من رأى أدْفاق الماء في منامه

آمن من رأي أمواج البحر في منامه.

*** *** ***

ورأيتُني أُخاطب نفسي

أتُرى تخشيْن مَغيبَ الشّمْس

وأربابُ اللّيل على الأبواب

ينتظرون الإذنَ لهم..

قالت نفْسي كم هو عسير

أن أُبصرَ في الظلام

كم يُمعن الأرباب

في الاحتجاب ..

*** *** ***

وأنا حِلٌّ باللّيل

من قبلِ مَغيب الشّمس

هل صار الليل خِدْرًا للشمس ؟

لا رفقة لي لا خلان

وأنا الليلُ يُراودني

يَهمِس في الوجْدان

من كان له في الحُلم أمانْ

كان له الخِلّانْ

*** *** ***

فبسطت خيالي للحلم

وَلّيْت للظُّلمة وجهي

منذُ صباي قال ليَ العارفون

لا رؤيا إلا في الظّلام

وبدا لي أني أتعرّف صوَر اللّيل

هذا وجْه امرأة

في الخمسين وبضعةِ أعوام

كيف تكون الخمسينيّةُ

أجملَ من كل الأكوان؟

هذا وجْه امرأةٍ

في السّتين وبضعة أعوام

كيف تكون السّتّينية

أجملَ من كل الأزمان؟

*** *** ***

ومضيْت أسابقُ أزمنة الوجه

هذا وجهٌ ألْفِيني

أنظر في المرآة .. تُخْبرني

بَليَتْ أقنعة الألْفِيِّينْ

ما عادت تُلْبَس إلا في السينما

وعلى خشبات التدريب

وأنا من دون دليل

في كلِّ جهات الريح

وشراعي تتناثر أشلاؤه

ونسيتُ

*** *** ***

لا توجَد في ظُلْمة الليل

علاماتٌ

يَتِيهُ في الحُلْكَة

من لا يعْرف من قبلُ

هيئات النُّجوم

تحسَّسْتُ تحسَّسْتُ

لا مِزْقَة بقيت من شراعي

وحدي أنا ..

أواجِه التِّيهَ بلا بوصلة

*** *** ***

تهيم بي الخُطوات

أخاف .. أتُرى تقع قدمايَ ..

قد أسقُط في اللّاشيء

ورفعت بعيني إلى القُبَّة

قلت: أهْتدي بالكواكب أتبَعُها

لكنَّ العاصفةَ لفَّتْني

وتوارتْ عني كلُّ جهات البحر

قلتُ

ألتصقُ بالأرض

أليس الخطو على الأرض أمانا

وصرخت .. وبدا لي أني أسمع نفسي:

يا أرضُ ... يا أرضُ ...

اقتربي يا أرضُ ..

أين سَواحِلُك؟

أين أحُطُّ رحالي؟

آويني أيتها الأرض

يا أرض .. يا سكني ..يا مُسْتقَرّي

يا بيتي .. يا مَهْبِطي ..

يا موضِعي ومكاني

يا مقصَدي ومَحَلّي

يا كُرةَ المبْدإ والمَعاد

آويني يا الأرض

أنت ...

الأرضُ لا صورةٌ منك ..

لا رمزٌ لا حسابْ

لا عددٌ لا كتابْ

يا غايا الجميلةُ ..

من قبل أورانوس

يا تِيرَّا ..

يا إرث.. يا إِرْدَه.. يا ديتشو

يا دونيا

أنت الأرض التربةُ والماءُ

أنت النارُ والهواء

وأحلامي

وخطوتُ خطوتُ

لكن خذلتني الخطوات

وتوجست أن أخطو في اللّاشيء

*** *** ***

كالذكري صار أمان الأرض

تخبر عنها الأساطير

الأرضيّون نسَوْا

أن سماء النجم

حيث يقيم الأرباب

مرآةٌ مرآةٌ مرآةٌ

الأرضيون نسوا

أن المرآة لا تعكس إلا بعد أن ترى

*** *** ***

عد يا أيها السّندباد

خذْ بوصلة الذاكرة

وصرخت مرارا

وصرخت كحلم البذرة أن تنبُت

فتقاومُ قشرةَ أرض يابسة

يتلوّى صوتي

كما تتلوّى النّتأة تحت القشر

كما تتهجَّى النَّطقَة قبل الحرف

لا ينتأ صوتي إلا منهوكا

أتراني أسمع صوتي أم أتخيله

فصرختُ

منهوكَ الصوت صرخت

لا صومعةٌ لي أتصعّدها

لا صورٌ أنفخ فيه

لا جرسٌ أقرعه

من قَبل الصور صرخت

من قبل الأجراس

من قبل الصومعة

من قبل الأذان

بصوت البدء صرخت

عد يا أيها السّندباد

لا أمْن لك .. لا خُلْد

لا زمان ولا وجود

لا مكان لك يا أيها السندباد

إلا

بين شفتي شهرزاد

*** *** ***

أتُرى تهرب يا بحريّ

من أن تقول الأشياء

في الكلمات؟

أتُراك نسيت

أنّك في الأصل حكاية

تتلوّى تبحث عن صدعٍ في الأرض

تخرُج من صدع الأرض كلَّ صباح

قومك نسّاؤون يا سندباد

*** *** ***

مازال الليل ملاذا للحلم

مازال البحر متاهة نسيان

والأرض بعيدة يا هذا الملاح الأبدي

وأنا مازلت أسوق البحر بغير هدى

وأرى في القُبَّة بوصلتي

وتُناديني الأرضُ وأنسَى

أني أرضيٌّ في الأصل

أني الأرضُ ولست مرايا الأرض ..

 25 جانفي 2023

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق