يقال
إن الخيال ليس له حدود، يمكنك أن تتخيل أن أنحف مادة في الكون ممكن أن تكون صلدة
أقوى من الفولاذ، وخفيفة أخف من وزن الريشة، وشفافة تسمح بمرور الوقت، بل تحمل
أثقالاً بالأطنان دون أن تتلف، وموصلة عالية جداً للكهرباء. فكيف إذا ظهرت كل هذه
الخصائص وغيرها في مادة واحدة. كيف سيكون انطباع العلماء والباحثين والمختصين
والمثقفين على حدٍ سواء عن هذه المادة المدهشة؟ قد يقول القارئ بالغت في الخيال،
وبالحقيقة هذه المادة موجودة في عالمنا الحقيقي، وتسمى GRAPHENE، وهي عبارة عن طبقة واحدة من ذرة
كربون ببعدين فقط والتي تختلف بدورها عن الجرافيت GHRAPHITE المعروف أنه مسحوق
كاربون ثلاثي الأبعاد. ولا بد من المرور على مادة الكربون CARBON أحد العناصر الهامة في
الطبيعة حيث يوجد نوعان من بلورات الكربون في العالم أحدهما الماس والآخر هو
الجرافيت المستخدم في قلم الرصاص، والفرق بينهما في التراكيب الذرية لمادتي الماس
والجرافيت. ففي الماس، كل ذرة كربون محاطة بأربع ذرات كربون أخرى، مشكلة شكل منتظم
رباعي الوجوه. بينما الجرافيت له بنية ذات طبقات حيث تحاط كل ذرة كربون بثلاث ذرات
كربون أخرى مشكلة شكل سداسي. وفي كل طبقة، تكون روابط الكربون قوية للغاية، ولكن
تكون الروابط بين الطبقات ضعيفة.
أما
لدى العلماء، فقد تم تسمية ورقة واحدة أو طبقة واحدة من ذرات الكربون باسم
الجرافين GRAPHENE، وهنا لا بد من معرفة أصول المادة النانوية المبهرة للجميع. فقد
قدمت دراسة علمية دقيقة نُشرت في مجلة Nature العالمية بالمجلد 444
بالصفحة 286 والسنة 2006 لمؤلفها رايبولد ومجموعته عن تشخيص سيف السلطان الناصر
الخليفة صلاح الدين الأيوبي والمعروف غربيًا بـ"السيف الدمشقي"، فقد
أثبتت الدراسة الرائعة أن السيف المذكور مصنوع من مادة الفولاذ باحتوائه نسبة تصل
إلى 2% كربون من وزنه الحقيقي، كما أنه خضع لآلاف درجات الحرارة المئوية تفوق 3500
درجة مئوية في أفران حرارية خاصة بصناعة الأسلحة الحربية قبل 800 سنة تقريبًا، أن
ذلك السيف يحوي حبيبات نانوية بمنتهى الوضوح ولذا منحت هذه الجسيمات أو الحبيبات
النانوية صلادة أقوى من الفولاذ وخفة أخف من وزن الريشة ما منحه سمات قتالية خارقة
للعادة بأنه لم ينكسر أو يُثلم وما يزال محفوظ ليومنا هذا في العاصمة السورية
دمشق. وبطبيعة الحال لم يكن علوم وتكنولوجيا النانو معروفة في ذلك الزمان. كذلك تم
العثور قبل 500 عام مضت تقريبًا على رواسب كبيرة من الجرافيت النقي في منطقة
بورودال بمنطقة ليك ديستريكت بإنجلترا (كمبريا ، المملكة المتحدة) ، حيث كان
يُعتقد أن هذه المادة هي أحد أنواع الرصاص فسميت بالرصاص الأسود. حيث أعتقد
الإنكليز أنهم اكتشفوا معدن جديد يشبه خامات الرصاص المتعارف عليها آنذاك، فأسماه
الناس باسم plumbago وتعني باللاتينية خامات الرصاص. ومع نهاية القرن الثامن
عشر، أوضح العالم السويسري دبليو شيلي أن "الرصاص الأسود: عبارة عن كربون.
ولتحديد هوية المادة المكتشفة أطلق عالم المعادن الألماني أبراهام جوتلوب ويرنر في
عام 1789 على هذه المادة اسم الجرافيت GRAPHITE والتي تعني الرسم أو
الكتابة.
ومع
إطلالة القرن العشرين، أهتم العلماء بدراسة ومناقشة الصفات الضوئية والحرارية
للجرافيت في رقائق رقيقة جدًا. حيث كان هناك هوس وشك كبيرين فيما يتعلق بتركيب
الجرافيت، فقد كان الاعتقاد سائداً أن تركيب الجرافيت أحادية الميل مع علامات
التساؤل من العالم جون ديزموند برنال مستخدمًا تكنولوجيا الحيود أحادي البلورة.
وعُرف في عام 1924 أن تركيب الجرافيت هو سداسي متناظر.
ومع
توالي الدراسات البحثية الدقيقة حول مادة الجرافيت، وجد العلماء سلوكيات غير
متوقعة في طبقات رقيقة للغاية من الجرافيت فقد خططوا لتقليصها إلى طبقة ذرية واحدة
من أجل فهم الخصائص الفيزيائية والكيميائية والكهربائية لتلك الطبقات الرقيقة. حيث
تم وضع نظرية طبقة ذرية واحدة من الجرافيت لأول مرة في عام 1947 بواسطة بي آر
والاس، وفي غضون عام واحد فقط وتحديدًا في عام 1948، نجح العالمان جي رويس وأف
فوغت من نشر أول صورة بالمجهر الإلكتروني للإرسال (TEM) من طبقة قليلة من الجرافيت.
وبعد
فترة وجيزة من الحدث الجديد في 1948، بدأ العلماء من إنتاج ورقة جرافيت أحادية
الطبقة لكنهم عجزوا عن ذلك معللين السبب أن البلورات ثنائية الأبعاد على وجه
التحديد كانت غير مستقرة ديناميكيًا وحراريًا وبالتالي لا يمكن أن توجد جرافيت
أحادية الطبقة. وبعدها في العام 1962، أبلغ العالم هانس بيتر بوم عن توليف أول
ورقة أحادية الطبقة من الجرافيت، حيث أطلق عليها اسم GRAPHENE في عام 1986، وهي مزيج
من الكلمتين الجرافيت وما تلاهاene لتكون لحظة فاصلة تكنولوجيًا في أبحاث الجرافين، ولا يزال
العالم بوم رائدًا في أبحاث الجرافين. تلاها جهود علمية كثيفة وحثيثة ومتزايدة
لصنع أغشية رقيقة من الجرافيت عن طريق التقشير الميكانيكي، ولكنها لم تصل بأي حال
إلى أرق من 50 إلى 100 طبقة ممكنة.
ويأتي
القول الفصل في تجارب العالمين أندريه جيم وكونستانتين نوفوسيلوف، في جامعة
مانشستر، من بين العلماء المجتهدين بجد عن طرق لعزل الجرافين. ففي يوم الجمعة
22/10/2004، قررا استخدام الشريط اللاصق لاستخلاص مسحوق الجرافيت لإنتاج طبقات
قليلة من الجرافين. فبعد حصولهما على المادة، قاما فورًا بتصنيع جهاز Hall، حيث لاحظا تأثير المجال
الكهربائي على الجرافين، منجزين ما عجز عنه العلماء سابقًا ومحققين مادة الجرافين
ثنائي البعد. وكانت جائزة نوبل للفيزياء تنتظرها في 5/10/2010 لإنجازهما العلمي
الخارق في أبحاث الجرافين والواعد بتكنولوجيا والذي نعيشه حياتيًا في المنزل
والسيارة والمكتب وغيرها. بدأت رحلة الكشف عن الجرافين من سيف صلاح الدين الأيوبي
بدمشق، مرورًا بمنجم plumbago في
منطقة بورودال وانتهاءً بجامعة مانشستر برحلة استغرقت 800 عام تقريبًا لتأكيد وجود
مادة الجرافين العجيبة ثنائية الأبعاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق