دولة "سايكس-بيكو" الممتنعة عن العلاج الديمقراطي!! - خالد شوكات - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الخميس، 27 أبريل 2023

دولة "سايكس-بيكو" الممتنعة عن العلاج الديمقراطي!! - خالد شوكات


شكّلت ثورات الربيع العربي في رأيي فرصة بالمعنى التاريخي للدولة القطرية/الوطنية لتناول آخر أنواع العلاج الحقيقي الممكن، العلاج المدني الديمقراطي، على أمل أن يفلح معها ويمدّ الله في أنفاسها فتصمد أمام تحدّيات العصر العاصفة في أفق مائة عام من ظهورها تقريبا، باعتبارها دولة "مفبركة" غير قابلة للحياة والاستمرارية والاستدامة، حيث جرى صناعة غالبيتها بما يستجيب حينها لمصالح الاستعمار الغربي (الانجليزي - الفرنسي) أوّلا ، وللمشروع الاستيطاني الصهيوني ثانيا، ومن خلال اصطناع "هويّات وطنية" رخوة ومفتعلة وكيانات "دولتية " لا تمتلك مقوّمات الاستقلال وليس بمقدورها تلبية تطلّعات شعوب المنطقة في التحضّر والتقدّم والتنمية.

وقد اعتمد في استدامة عمر هذه الدولة المصطنعة غالبا، على أنظمة سياسية قمعية وتسلّطية سامت الشعوب سوء العذاب طيلة عقود، مستغلّة بالأساس أجواء الحرب الباردة، التي جعلت جلّها في خدمة أجندات غربية وشرقية وفق ما تقتضيه مصالح المعسكرين المهيمنين على الساحة الدولية، ومستثمرة كذلك قواعد القانون الدولي الذي تطوّر مع ظهور منظمة الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، وحاول تثبيت حدود الدول العضوة، بما في ذلك الدول العربية، ما أمكنه ذلك، بعد أن ظلّت المجالات الجغرافية محكومة لقرون بموازين القوى ونشوء المشاريع الامبراطورية ونمائها وانتشارها بحسب قوّة الفكرة القائمة عليها واشعاعها والمصالح التي تمثلّها للمعنيين بها، فالمجال العربي والاسلامي كان خاضعا منذ ظهور الإسلام إلى نهوض مشاريع الضم واعادة البناء بحسب موازين القوى ومشاريع الدّين والدولة والثورة منذ تأسيس دولة المدينة سنة 622 م إلى غاية سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924، مرورا بالأنظمة المتعاقبة للأمويين والعباسيين والفاطميين والمرابطين والموحدين والحفصيين وسواهم..

لقد بلغت دولة سايكس-بيكو مداها، ولم يعد لها ما تقدّمه لشعوبها في أفق الثورة التونسية وما تلاها من ثورات الربيع العربي التي أسقطت - أو كادت تفعل- أنظمة العسكريتاريا والبروليتاريا والأمنوتاريا المفلسة في غالبيتها، والتي انتهت صلاحيتها دونما قدرة على تجديد ذاتها، فقد غاب عنها بريق الايديولوجيا الليبرالية والقومية واليسارية - وحتّى الاسلامية- المستنزفة، وفشلت فشلا ذريعا في انتاج التقدم والتنمية، وارتهنت بالكامل إمّا للكيان الصهيوني من خلال اتفاقيات التطبيع المذلّة والمكبّلة، أو للقوى النافذة القديمة والصاعدة، بل بلغ بعضها حدّ الاندثار والتحوّل إلى دول فاشلة سقطت في أتون حروب أهلية وفتن داخلية وطائفية مدمّرة، فيما انتهت أخرى إلى حالات بائسة بلا جدوى أو ماهية تقودها أنظمة مفتقدة لأي حمولة حضارية أو مشاريع واضحة، منغلقة ورافضة للإصلاح والانفتاح والتغيير، تستوي في ذلك الجمهوريات والملكيات لا فرق بينها..

وفي أفق العقد الأول من القرن الراهن، وقفت دولة "سايكس-بيكو" حائرة بين الفشل التنموي الذريع والاستسلام للاندثار في ظل مشاريع دولية واقليمية جديدة مدمّرة هدفها المبطن والمعلن "تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ" من قبيل "الفوضى الخلّاقة" و"الشرق الأوسط الجديد" و"اتفاقية ابراهيم"، وكانت حركة الربيع العربي التي رفعت شعار الدولة المدنية، دولة المواطنين لا دولة الرعايا، والنظام الديمقراطي الضامن للحرّية والكرامة، فرصة جدّية وحقيقية أمام الدولة الوطنية العربية في اعادة البناء على أساس عصري وبما يفتح آفاقا جديدة أمام شعوب الأمّة في استكمال الاستقلال وتحقيق التنمية، ولما لا الوحدة، وتحرير فلسطين ، وهي الشعارات التي رفعها المتظاهرون في تونس ومصر وجل الدول العربية الثائرة على أنظمتها البائسة والمفلسة.

وكأي حركة تتحدّى القديم وتسعى للجديد وتقف في مواجهة الخارج المستكبر والداخل الرجعي، فإنها بلا شك معرّضة للانتكاس هنا وهناك، ومعايشة موجات من المدّ والجزر، وحملات من قوى الاستبداد في الداخل والتبعية في الخارج، لكنّها ستظلّ كما نقدّر الفرصة الأساسية الممكنة لروح الأمة وارادة شعوبها في الصمود والبقاء وانتاج الصيغ السياسية والحضارية القابلة للحياة، ودون هذه الحركة لن يكون المجال العربي سوى حيزا للهيمنة الأجنبية وعاملا لاستدامة المشروع الاحتلالي الاستيطاني البغيض ، اذ لم يعد للأنظمة القطرية الطغيانية ما تقدّمه، فهي أنظمة بلا مشاريع أو رؤية أو برنامج، وهي من الماضي، فيما المطلوب الاستجابة لتحدّيات الحاضر والمستقبل، ولن يكون ذلك ممكنا إلا من خلال أنظمة مدنية ديمقراطية شفّافة وصادقة وفاعلة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق