ألفريد فيكتور دو فينيي |
أمِنْ خَيْمِيَّةٍ ذا السمُّ يا صاحبي
أم من زُعاف الأصدقاء
ما لي أراك لا تموت؟
هل جرّعوك السّم والتّرياق في آن معا؟
أم خدّروك ونوّموا أوصالك
لتُفيق في ليل الحلوكة مُسْرِجا
في كل بيت؟
ولتوقدَ التّسآل في السّاحات
ولتُضرم النيران في كلّ القلوب
*************************
بين الغشاءِ وعضلةِ القلبِ السؤالُ
ما لي أراك لا تموت
هل جرَّعوك وجرَّعوا
من حولك الأصحاب
إكسير السَّكَرْ
حتى غدوت كالأثير لا تُرى
حتى غدوت كالهجير السّاري
كالدّهشة الحيرى التباسا
حتى غدا الأصحاب
شأْن الرّعاة المنهكين
ناموا ونوّم الحرّاس في غرفة الرّدى
وخرجت أنت توقد النيران ليلا
وتنادم السّمار
وتراهن معْ كلّ عرّاف عنيد
ما الحب؟ ما الإحسان؟ ما العدل؟
ما العلم؟ ما الشجاعة؟
ما الفضيلة؟ ما الصداقة؟
هل أتعبتك الأسئلة؟
كم أتعبتني يا صديقي الماهية.
*********************
هذي الشجيرة يا صديقي
هذي الشجيرة كمْ أضلّتني وآوتني
وتشابكت أغصانُها حُلُمي
هذا الغدير الصافي
كم سهرنا على ضفّاته ليلا
ونهلْنا من كروم الغاب حبّا
وتساءلنا إلى إشراقة الشمس
وساءلنا السّماء
وغدا إلى جِنّيّه كلٌّ يوسوس
*************************
ما كنتُ أعرف أنّ الشجيراتِ
وأنّ الأرض وغُدرانَ المياه الصّافية
ما كنتُ أعرف أنّ كرْم ديونيزوس
والتواء الرّاقصات
وأحلام العدالة
ما كنتُ أعرفُ يا صديقي
أنّ الخيول والفوارس
وجمال الغانيات
وأهازيجَ الصبايا
أنّ أصوات الدّفوف
وأوتار الرَّباب
ما كنتُ أعرف أنّ أوتاد الخيام
وأطلال الحبيبات
وعمادَ المعبد اللّيلي
ما كنتُ أعرفُ يا صديقي أنها
تهوي إلى دوار الماهيات
**********************
أترى أحسنتَ ظنّا بهؤلاء
أتراك آمنتَ بهم
كانوا وأنت تجرَع يا سقراط
خَيْمِيةَ الأثينيين
يغادرون .. يغادرون .. يغادرون ..
ما كنتَ تعرف يا صديقي
أنهم مؤقَّتون
ساعاتهم رملية وئيدةٌ حبّاتُها
ساعاتهم خفيّة
لا يحسبون بها إلا زمانَك أنت
ساعاتُهم مَخفيّةٌ وراءك
فكلُّ ما يهمُّ الأصدقاءَ يا سقراط
هو ما وراءك ..
**************************
لا تكنْ يا صاحبي من القساة
على أثينا الطيبهْ
كان الأثينيون يعرفون ...
ما أفردوا لك الخَيْميّة
دسّوا لك الترياق في الشّراب
حتى تعود كلَّ يوم
حباتُ رملك كلَّ يوم تتجدّد
كي لا تكون أبدا أثينا
بلا سقراط
************************
لم ينتبه أصحاب سِجْنك يا صديقي
لم ينتبه ندمان موتك يا حبيبي
أنّ الحبيس
قد غادر السجن وخَلا للماهياتْ
عندما أغمضتَ يا سقراط عينيك
أورثتَهم خوفا .. ويقينًا من الخوف
فلاذوا بالنّسيان
..
***********************
ربما لم ينصتوا إليك ..
ربما لم يسمعوا ترنيمةَ سقراط:
"من طاف في كلّ الشوارع ليلا
من بات لا يُؤويه مرقدٌ
من فصل الرّوحَ عن لحم الجسد
من جرّب الوحدة في ازدحام السّوق والسّاحات
من جرّب الألفة في وحشة الصحراء
من جرّب المأساة في قلب الضحك
من مات ألف مرّة ومرّة
من كتب النّصوص مغمض العينين
يعرف أنّ الموت دائما مؤقّت"
17 جانفي /يناير/ 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق