صديقي الشرّير - عادل المعموري - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الخميس، 3 أغسطس 2023

صديقي الشرّير - عادل المعموري

اختفى الهرّ الصغير فجأة، رحتُ أبحث عنه في كل زاوية من بيتنا، أعيتني الحيلة في العثور عليه ، منذ أربعة أشهر لم يفارقني، يأكل ويشرب معي وينام على فراشي،لا أتصور كيف ستكون حاله لو اختفى عني نهائياً ، الضيق والبرم يخيمان فوق ملامحي الشاحبة، يتملّكني حزن عميق، ساقي المبتورة لاتعينني على الوقوف متصالباً، كيف أمد عنقي وأنظر في حوش الجيران. مرت ثلاثة أيام وهرّي الصغير ليس له أثر، كلّما أشاهد قطّاً يثب فوق الجدار أظن أنه هو .

أتكئ بظهري على جدار الذكرى.. تصفعني صورة القط الأبيض الذي كان صديقاً لي فيما مضى، عامان بتمامهما، كيف أنساه وصورته لا تبرح خيالي عندما عثرت عليه بعد أيام في قمامة الزقاق ميتاً، سيخ من الحديد يخترق رأسه ماراً بفمه، حزنتُ من أجله كثيرا فقد قُتلَ القط بطريقة وحشية من قبل أحد صبيان الجيران، توصلتُ للفاعل بعد يوم واحد فقط، رغم ممانعة والدتي بعدم تعنيف الصبي إلا أنني أصرًّرت على الذهاب إليه أجدف بعكازتي يعتصرني الغضب. صحتُ به بكل حرقة :

_لماذا قتلت القط ياولد؟

_لقد قام بذبح حمامتين من حمائمي .

_أتقتله بتلك الوحشية... من علًمك أن تكون شريراً إلى هذه الدرجة.. من؟

_بل هوَّ الشرير.. قتلهما وتركهما في مكانهما ونطّ فوق حائطكم .

_لماذا لم تخبرني قبل أن تقتصَّ منه؟

الصبي لم يحر جواباً، حاولَ الهرب سرعان ما أمسكته من أذنه اليسرى وعرّكتها بأصابعي، بيد أنه استطاع الإفلات مني بصعوبة و توارى سريعاَّ ، عدتُ أدراجي إلى البيت لأغلق الباب على نفسي، حزيناً على فراق مؤنسي وصديقي .

في الفجر أستيقظتُ على صوت مواء خافت يتسلل إلى أذني آت من غرفة المخزن المتروكة، أهب مسرعاً أكاد أن أسقط على وجهي في مخاضة ماء مبردة الهواء، رآيته يقعي على الأرض ويموء بألم، اقتربتُ منه منبهراً بوجوده وعودته إلي، هالني مشهده وهو ينكفئ على نفسه بخوف .

_تعال حبيبي..... أين كنت؟!

مدَّدت يدي نحوه أمسح على رأسه، تراجع الهرّ بفزع فاصطدمت مؤخرته بجدار المخزن ، استغربَت تصرفه إلا معقول، يتراجع ليجد له منفذاً للهرب من أمامي .

دققت النظر فيه ثم خطوت نحوه لأمسكه، تراجع واتجه نحو الجدار المقابل فاصطدم به ، يحاول تسلق الجدار ويسقط إلى الأرض ، لمّا هرب باتجاه الباب ، نطحَ الباب برأسه فترنّحَ بجسده لينبطح على الأرض.

_مابكَ يا صغيري ..لمَ تفعل ذلك معي؟

ما أن اقتربت منه حتى صحتُ:

_ياإلهي... أنتَ أعمى، عيناك منطفئتان !

احتضنت الهرّ وضممته إلى صدري .

_من فعل بك هذا... أي وحش هذا الذي فقأ عينيك؟

وبكيت، سالت دموعي على خدي وأنا أرى قدمي المقطوعة ملفوفة بقطعة قماش خضراء يحملها الطبيب إلى والدتي الواقفة عند باب صالة العمليات، أتذكّر جيدا كيف قال الطبيب لأمي بعد إجراء عملية البتر.

_ياحاجّة ادفني تلك القدم... نحن نأسف كان لا بد أن نقطع رجله المتهشمة.. الله يكون في عونكم... أين أصيبَ ولدكِ ياحاجّة؟

_في معارك الموصل يا ولدي .

أنزلت الهرّ إلى الأرض بهدوء وقلت له :

_لا بأس ياصديقي... أنت الان جائع لم تأكل منذ ثلاث ليال، أنت أعمى وأنا مٌعوق.. سنعيش معاً لن أتركك أبدا، سأعدُّ الفطور الصباحي... إبقَ في مكانك سأعود حالاً .

غبتُ في الداخل قليلاً ورجعت إليه حاملاً معي طعامه . .

وجدته منتصباً فوق الحائط وهو يرمقني بعينين حمراويين، مكشَّراً عن أنياب تقطَّر دماً.. بدت لي هيئته كمصّاص دماء، أشعر أنه تحوّل إلى كائن آخر ليس له علاقة بعالم القطط، لقد كبر حجمه حتى أصبح ضخماً يشبه هُرّي الأبيض الذي مات قبل سنتين.. بل هو ذاته.. رمقني بنظرة عدائية تسحُّ غيظاً وسار يتبختر على طول السياج، سمعتُ صوت أحدهم يبكي، لاحَ لي رأس الصبي من وراء الحائط وهو يصيحُ بي قائلاً :

_تعال أنظر ماذا فعل... لقد ذبحَ جميع حمائمي... أريد ثمن ما أتلفهُ هرّك الشرير... أريد فلوس الطيور؟!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق