ثلاث في واحدة
كلّ يومٍ أكتبُ ثلاثَ قصائد:
واحدة عن الموت،
والأخرى عن الحُبّ،
والثالثة عن القُبْلَة.
كم أتمنى لو أنّني أكتبُهنَّ جميعاً
في قصيدةٍ واحدة:
قصيدةٍ عنوانها الحُبّ،
وحرفها الموت،
ونقطتها القُبْلَة.
أحاول دائماً، أحاول أبداً
الأرضُ قَدَري والسّماءُ قضائي.
وأنا ما بين الأثنين،
أحاولُ أنْ أقولَ حرفاً،
حتّى لو كانَ حرفاً وحيداً،
لأصفَ دهاليزَ رحلتي
بأحلامِها وأوهامِها وحرمانِها
وكوراثها المُذهلة.
أحاولُ دائماً،
أحاولُ أبداً،
أحاولُ دونَ كَلَلٍ أو مَلَل،
أحاولُ دونَ توقّفٍ كعاصفةٍ لا تهدأ
حالماً باكياً ساخراً ضاحكاً
ضارعاً مُتَدروِشَاً راقصاً تائهاً صامتاً صارخاً.
إلى أن ينثر
قضاءُ السّماءِ وقَدَرُ الأرض
رمادي فوقَ رأسي
فأذهبُ إلى حيث مضى
مَن مضى قَبْلي وبعدي.
ألم يحن الوقت؟
قالَ لي حرفي:
كتبتَ الكثيرَ من القصائدِ ذات المعاني العميقة
وقرأتَها لعَالَمٍ عَبَثيّ
من الألِفِ إلى الياء.
ألم يحن الوقت
لتكتبَ من الألِفِ إلى الياء
قصائدَ ذات طلاسم
لا يفقهها إلّا المُطلسِّمون،
ولا يُحبّها إلّا الذين تعبوا
من فراغِ العَالَم
من أيّ معنى كان؟
إنْ لم تكوني مطري وطوفاني
إنْ لم تكوني مطري وطوفاني،
فماذا أفعلُ
بكلِّ هذه الحروف التي ترقصُ ليلَ نهار
أمامَ نافذتي المُطلّةِ على البحر،
وهي تحاولُ أن تخرجَ من الأمواج
على هيأةِ قصائد جديدة
يكتبها شاعرٌ
لا يُجيدُ سوى الهذيان
ولا يُحبُّ سوى المطر والطوفان.
المستمع الوحيد
لم تكنْ حياتي سوى أعجوبةٍ صغيرة
لم أستطعْ أنْ أقرأَ حرفَها
ولا أتماهى معَ نقطتها: سِرّها.
قيلَ لي: هي لَعِبٌ ولَهْو.
وقيلَ: مصادفاتٌ عمياء وعبثٌ أسْوَد.
وقيلَ: أكاذيب حقيقيّةٌ أو حقائق كاذبة!
ثُمَّ قيلَ لي: حياتُكَ؛ طفولتُكَ
بطعمِ الحرمانِ المُرِّ والدمعِ المُتدفّق،
بل هي حروفٌ ونقاطٌ سِرّيّة
وطلاسم سِحريّة،
أو حروبٌ بلونِ المنافي
وحصاراتٌ بطعمِ الأنين.
ولكي أقرأَ سِرَّ هذه الأعجوبة الصغيرة
وأتماهى معَ نقطتِها الغامضة،
جمعتُ كلَّ ما قيلَ لي
وكتبتُ فيهِ ملحمةَ حرفٍ هائلة
كلّفتني آلافَ الصفحات
وعشرات الكتبِ والسنين.
وبحثتُ عن مُستمعٍ لها وسطَ الملايين
لم أجدْ سوى مُستمعٍ واحدٍ.
كانَ حقيقيّاً
بطعمِ دموعي ولوعتي وضياعي،
لكنّهُ،
وا أسفاه،
كانَ مُستمعاً فاقد الذاكرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق