نَفَيُ الطَّعْنِ بِكَائِنَاتٍ تَبْدُو مُشَوَّهةً - بليغ حمدي إسماعيل - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأربعاء، 6 سبتمبر 2023

نَفَيُ الطَّعْنِ بِكَائِنَاتٍ تَبْدُو مُشَوَّهةً - بليغ حمدي إسماعيل

لوحة للرسام مروان قصاب باشي

لاَ تَعْتَذِرْ ..

أَغْلِقْ كِتَابَك فَلَيْسَ لَكَ حَظٌ مِنَ التَّأْوِيْلِ

وَ دَعْ مُخَاطَبَتِي، فَلَسْتُ بِأَقْضَاكَ،

وَلَنْ تَرْضَانِي نَصَّاً مُطْلَقَاً بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ

أَكْرَهُ أَنْ أحْمِلَ تَارِيْخَاً جَنِيْنَاً مُشَوَّهَ الأوْصَالِ

أَوْ أنْ أُشِيْرَ إلى هَوَسٍ، ودَهْشَةٍ أُخْرىَ،

غَيْرِ الجِنِّ الذي اعْتَادَ أنْ يَنْدِبَ حَظَّهُ نَهَارَاً

هَارِبَاً مِنْ سُؤَالٍ يَبْتَسِمُ مَهْزُوْمَاً،

أنَا لَمْ أَخُطُّ هَذي السُّطُوْرَ الكَئِيْبَةَ مُنْفَرِدَاً،

                        عَلَّهُ مَفْتُوْنٌ باللَّغْوِ أوْقَاتَاً،

وَحِينَ يَنُوْءُ بالبَرْدِ .. يَمُوْتُ قَبِيْحَاً ...

إنَّهَا فِتْنَةٌ تَنْقَضِي حِيْنَ تَسْتَعِيْرَ عِفَّةً وهِجَاءً،

وَكُلُّ لَيَالِيْنَا التي مَضَتْ دُوْنَ قَمَرٍ تُؤَامِرُنِي،

أهْوَى الفِتْنَةَ، سَاعةَ ما تُقَوِّضُ هُوِيَّتِي،

                          وَنَاصِيَتِي شَظَايَا،

وَعَشِيْرَتِي قَلِيْلةٌ جدَّاً مِنَ الهَوَسِ،

                          لَكِنَّهَا تَتَّسِعُ للفَضَا ...

مَطْعُوْنٌ ؛

مِن كُلِّ المَدَائِنِ التي تَرْفَعُ رَايَاتِها شَمَالاً،

وَأَنْفِي الطَّعْنَ من كائِنِاتِهَا،

وأكْتُبُهُ شِعْرَاً، أوْ صَيْفَاً، مَنْ أَطْلَقَنِي،

                            حِيْن أَعْتَذِرُ للحَرِيْقِ ؟ ..

لا تَعْتَذِرْ،

وَلَيْسَ نَصَّاً مُحْكَمَاً أنْ تُغْلِقَ كِتَابكَ،

فالوَصْلُ يَنْقَطِعُ حين يَكتَمِلُ تَمَامهُ،

والمُوْسِيْقَى مُدْهِشَهٌ حَقَّاً، عِنْدَمَا نأْتِي مُرْهَقِيْن ..

لا تَعْتَذِرْ،

وامْتَقِع مَرهُونَاً بتَفَاصيْلِكَ المُخْتَبِئَةِ وَرَاءَ دَهْشَتِكَ،

وانْتَظِر قَلِيْلاً،

كَي أقْضِي بِفَتْوَى تُبِيْحُ الوَجَعَ الكَامِنَ ..

أيَّتُها المدينة التي بانْتِظَارِ وَقْعِ أقْدَامِيَ المضْطَرِبةِ،

لَرُبَّما لا أعُوْدُ ثانِيةً لأضْوائِكِ ليْلاً،

                         فأَنَا أسَّاقَطُ حُزْنَاً وهَرَبَاً،

وَلُغَتِي تُشْبِهُ الرَّفْضَ ؛ الذي كانَ قَبلَ أمْس ..

المَدِيْنةُ لَم تَعُد خَاوِيةً على  عُروْشِهَا،

                        لَكِنَّ الكُلَّ ليس بانْتِظاري،

أنا مُنْفَرِدٌ، دونما قَدَمَيْنِ مُضْطَرِبَتَيْنِ،

وَأجْزَائِي مُحَاصَرَةٌ عِنْدَ المَدَى،

أُصَلِّي دُوْنَ جَمَاعَتِي، لَيْسَ اعترافاً بِذَنْبٍ، إنَّمَا بَقَاءٌ ..

الطَّعْنُ ثَبْتُ بِوَقَائعِ أَيَّامِكُم، فلا تَنْفُوه،

                              وَحَقِّرُوه،

طالَمَا كِدتُ مَثْبُوْتَاً باحْتِفَالاتِكم اليوْمِيَّةِ،

إنِّي أَرْفُضُ الروايةَ كامِلاً،

فَلَسْتُ بِأَقْضِاكُم ..

إِنَّمَا بَعْض فِتْنَةٍ تَضْطَرِمُ بَقَايَاها ...

وَيُعَانِقُنِي وَجْهٌ أزْرَقُ يُشْبِهُ الوَرْدَ،

هَا أنَا الآنَ أَسْتَعِدُّ لِفَاتِحَةٍ جَدِيْدَةٍ للكِتَابَةِ،

                               أوْ لِحِصَارٍ جَدِيْدٍ ..

يَقِفُ مُمْتَقِعَاً على حَافَّةِ المَدِّ،

أنْظُرُ للبِنْتِ الجَمِيْلَةِ،وأُسَمِّيهَا مدىً ؛

                    يَفْتَحُ أعْضَائِي عَصَافِيْرَ هِجْرَةٍ ..

مَا عَلِمْتُ أنَّ العُصْفُوْرَ أَجَادَ القِرَاءَات،

وتَعَلَّمَ كَيْفَ يَكْتِبَ نَصَّاً يَعْبُرُ المَسَافَاتْ

أَلْهُو مَعَ البِنْتِ الجَمِيْلَةِ،

وَأُطْلِقُ عَلىَ لَهْوِي مَعَهَا جَدَّاً،

التَّفَاصِيْلُ الحُبْلَى تَرْسِمُ جَبْهَتِي قِنْدِيْلاً، وَيَنْطَفِئُ

                فَوقَ الأرْصِفَةِ الخَائِنَةِ لِسَرْدِي ..

أن تحاولي للمرة قبل العد، تغيير سُنَّةٍ ؛

                                هي أغنية حزينة

فالصَوْتُ : أحبُّك،

والصَّدَى وَجَعٌ يَنْخرُ بِأعْمِدَةِ الدَّمِ..

والصَّوتُ : أحبُّكِ،

والرَّجْعُ مجافاةٌ، آنَ للزُّرْقةِ انحسارٌ،

فيكشف عن عُرْيٍّ أنَا أخُطُّه مَوتاً جميلاً،

أو اعتَادتْ البنْتُ الجميلةُ أنْ تحْتفي بهِ

                           كمَوتٍ جديدٍ ..

وهذا الشِّتاءُ، الذي لا ينبئْنِي بموتٍ قديمٍ

لا يسْقُط في البَرْد قتيلاً، لكِنَّه

يتَّكِئ عَلَى جَوعِي وقَلبها،

فيُورثني سَفَراً طويلاً لا رَاحةَ في جَزْرِهِ،

ويمنحها مواعيدَ أمامَ البابِ الخشبي الأخضرِ .

إنه الشِّتاءُ، الذي يفجؤني بدهشتِه،

ويفجؤ دهشَتي،

بامْتدادِ دورةِ أنوثتِها، وشَرَهِ شهْوتي لمسَاحَاتها المحاصَرةِ،

فيزدادُ الشِّعرُ رقةً،

وينحسِر الشَّرعُ انْبِهَاراً ..

يكْفِيك أن أعْطيك شِعْراً، وتدقُّ

            أمِّي بِرأسِ حَجرٍ عَلى صَدْري،

فيفتق سماءً وأرْضاً بعدَ رِتقٍ،

يكفي أنْ أمُوتَ هذا العامَ من القَرنِ الأوَّلِ،

ممسِكاً سمَّاعة الهاتفِ ليْلاً،

أو مجْترئاً بدخولِ الحِصَارِ مُنفَرداً ...

هكذا

أُصْبِحُ غَريباً في الزُّرقةِ، واشْتعال يركض،

نحوها، يلعن اضْطراباتها الدَّوريَّة،

ويترك مَسَاحاتٍ فارغةً للكِتابةِ،

                       عن غُرفٍ بيضاء،

فاعْطِيني صُورَتكِ أيتها الزُّرقَة عَاريةً،

أو جَبِيناً يملؤه العَرَق،

وابْكِي مثل الرَّمْلِ، عَلى الشَّمسِ ارْتحالاً ..

لهذا أغنِّي ؛

للزُّرقةِ أسْفل العَينين وَجعاً،

أو لموَجِها في عَينِ البَنتِ الجميلةِ،

وتظلُّ أعْضَائي مُحَاصَرةً عِند غُرفٍ مُوصَدةٍ،

لا أمنحها عَرَقاً يجدِّد عَلاماتي الليلكية،

وتظل أمِّي خمْسةً وخمسين عَاماً تَرسم ؛

ظِلاً،

ودَاراً، وأكْرههُ ..

هذا الشِّتاءُ

يَزدَادُ الطَّمْيُ كَثافةً، فآهٍ لوْ تدركين

أني أحاولُ فوقَ خارطةِ الجَسَدِ هرولةً

أحبُّ بِلادي أكثرَ،

وأصِيرُ جُنْديَّاً، جُندياً أصير، يمنحني التَّاريخُ فُرصةَ

الكتابةِ عَاشقاً، يُدرك كنهَهُ،

ويحتمل عِبءَ الوَسَاخةِ، وانحسارِ الزُّرقةِ ..

إنَّ للمُوسِيقى اجْتيَاحاً بحَجْمِ الشَّكِ،

من يمنح فِوضَايَ لُغَةً تُشْبهُ الزُّرقةَ اتِّسَاعَاً،

وتُخْرِجَ الدَّمَ الدَّاكن خلفَ انحِسَارها،

إني أغَنِّي ..

والموْسِيقَى تجَئ خَلفِي عَلَى عَجَلٍ،

عَلى خَجَلٍ،

هي كالبِنتِ الجميلةِ أغنيتي، أو رِيحٍ عاتيةِ،

تهجرُ العصَافيرُ شمالها،

وترْقصُ في فَضَاءِ العَورةِ، يَلعَنُها العَطَشُ ..

يُعانِقني الوَطَنُ، والزُّرقة تنْحَسِر في الجَهاتِ الأرْبعِ،

وأعَانِقه كشَاطئٍ يَرتعد جَوعاً،

حينمَا أسْتحِيلُ شَعباً مُطْلقاً ..

أيَّتُها الزُّرقةُ، لنْ أَسْقُطَ في امْتحَانِ العشقِ،

وأنتِ تَنحَسرين،

إني أذاكِرُ مزاميرَ الحِصَارِ، وأردِّدُ

شِعْرَ الضَّفيرةِ في فَمي،

                 أمَّا دَمِي

فأكْرَه لَونَه، وألْعَنُ رَكْضَ أيَّامِي،

فالدَمُ مُحَاصرٌ ..

والسَّفر مُحَاصرٌ،

والزُّرْقَةُ تَنْحَسِرُ خَيطاً، أوْ جَدَوال شَرفٍ ..

أيحسَبُ البَحْرُ أنِّي خُنْته، فَكَتَبَ الحِصَارَ عَليَّ،

لا أمْلِكُ للزُّرْقَة تَأويلاً،

فالبِنْت الجَميلة فَضَاءُ النَّصِّ، وتُشَرِّع جَسَدي،

وتُسْرج جَوادِي الأزهرْ ..

         وفِيكِ أفكِّرْ ..

وأُحْدِثُ ضَجَّةً حين أرَاكِ،

فكَيف يَكُونُ الحُبُّ وَجْهاً للدَّهْشَة،

وكيفَ يَصِير انحْسَاراً ؟ ..

هذا الشِّتاءُ، تُعانِقني كلُّ الوجُوهِ الغَائبةِ،

ويتَّسِخ وَجْهِي دَماً سَاعَاتٍ طَويْلة،

فيمْتَزج الأحْمرُ بالزُّرقةِ، تحْبلُ البِنْتُ الجميلةُ،

بِي،

ويُصِرُّ الوطنُ عَلى أنِّي وَلدُهُ ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق