موسم الهجرة الى نقد الرواية - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الاثنين، 24 فبراير 2014

موسم الهجرة الى نقد الرواية

موسم الهجرة الى نقد الرواية

  
صدرت للزميل جورج طرابيشي عن دار مدارك في ثلاثة مجلدات، وفي أكثر من ألفي صفحة، المجموعة الكاملة لمؤلفاته في نقد الرواية. وقد تضمَّنت الكتب التالية:
1- لعبة الحلم والواقع: دراسة في أدب توفيق الحكيم.
2- الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية. 
3- شرق وغرب، رجولة وأنوثة. 
4- الأدب من الداخل: دراسات في أدب نوال السعداوي، سميرة عزام، عبد الرحمن منيف، نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، عبد السلام العجيلي، ألبرتو مورافيا.
5- رمزية المرأة في الرواية العربية. 
6- عقدة أوديب في الرواية العربية. 
7- الرجولة وأيديولوجيا الرجولة في الرواية العربية. 
8- أنثى ضد الأنوثة: دراسة في أدب نوال السعداوي على ضوء التحليل النفسي. 
9- الروائي وبطله: مقاربة للاشعور في الرواية العربية. 
بالإضافة إلى ملحقين: 
أ- الدين والأيديولوجيا والميتافيزيقا (قراءة دلالية لـ “رحلة ابن فطومة” لنجيب محفوظ. 
 ب- صورة “الأخرى” في الرواية العربية (من نقد الآخر إلى نقد الذات في “أصوات” لسليمان فياض. 
وهي ذي المقدمة العامة للأجزاء الثلاثة لهذه الأعمال النقدية الكاملة. 
موسم الهجرة الى نقد الرواية

ليس لكاتب، في عصرنا على الأقل، أن يكون كاتباً إن كان راضياً عن واقعه.
فالكتابة، في عصرنا دوماً على الأقل، هي فعلُ هجرةٍ عن الواقع.

وفي حياتي ككاتب، لم يحترف شيئاً آخر منذ خمسين سنة سوى فعل الكتابة، أستطيع أن أقول إني مررت بثلاثة أطوار من الهجرة عن الواقع.

ففي طور أوّل، وباستعارة من عنوان رواية الطيب صالح الشهيرة، كان لي موسم هجرة الى الأيديولوجيا من حيث هي نفيٌ للواقع وإحلالُ بديلٍ طوباويّ محلّه.

في ذلك الطور الأول كتبت أول كتبي : سارتر والماركسية، ثم أتبعته بستة كتب أخرى كان أكثرها إيغالاً في الطوباوية الإستراتيجية الطبقية للثورة، وأقربها الى الواقع الدولة القطرية والنظرية القومية.

وفي طور ثانٍ كان موسم الهجرة الى الرواية، أي الى واقع بديل ومتخيَّل عن الواقع. وفي ذلك الطور، الذي امتدّ على نحو عقدين من الزمن، من أوائل السبعينات الى أوائل التسعينات من القرن الآفل، كتبتُ الدراسات التسع، المحتواة بين دفّتيّ هذا الكتاب، في النقد الروائي بدءاً من لعبة الحلم والواقع : دراسة في أدب توفيق الحكيم وانتهاء بـ الروائي وبطله، مقاربة للاشعور في الرواية العربية.
وفي طور ثالث وأخير، شغلَ العقودَ الثلاثة الأخيرة من حياتي ككاتب، كان موسم الهجرة الى التراث والنقد التراثي بعد أن دخلتِ الثقافةُ العربية المعاصرة في طور نكوص من النهضة الى الردّة وتجلّت لدى شريحة واسعة من المثقفين العرب بعد هزيمة حزيران/ يونيو1967 أعراضُ عصابٍ جماعي أعاد تنصيب التراث أباً حامياً كليّ القدرة.

ولكن بما أن هذا الكتاب، الذي بين يدي القارئ، لا يستعيد سوى مؤلفات الطور الثاني المحصور بالنقد الروائي، فقد يكون لزاماً عليّ أن أوضح أني ما تعاملت مع الروايات المنقودة بمنهج مسبق. إذ كما نستطيع أن نقول إننا لسنا نحن الذين نربّي أولادنا بل هم الذين يعلّموننا كيف نربّيهم، كذلك لا وجود في النقد الأدبي لمفتاح يفتح الأقفال جميعها . فلكلّ رواية، إذا كانت رواية حقاً، قفلها . وحتى عندما يكون الناقد مجهّزاً بمنهج مسبق، كما الحال مع منهج التحليل النفسي الذي اعتمدناه في تحليل أكثر من رواية، فإن هذا المنهج لا يكون برسم التطبيق الميكانيكي، بل هو لا يؤتي ثماره إلا إذا أُعيد اختراعُه وتطويره وتكييفه، فضلاً عن إغنائه هو نفسه، على ضوء كل رواية على حدة. وكما سيلاحظ القارئ، إن انطلاقنا من الفرويدية لم يوقفنا عندها، بل كان لا بدّ من تجاوز مسلّماتها عندما واجهتنا رواية مثل بدر زمانه يستعصي قفلها على الفتح من منطلق التحليل النفسي الكلاسيكي.

وبديهي، بالإضافة الى هذا وذاك، أن موسم هجرتنا الى نقد الرواية كان محدوداً بالزمن الذي قرأنا فيه ما قرأنا وكتبنا فيه ما كتبنا . واليوم اقتحم ساح الرواية روائيون، وعلى الأخص روائيات، مجهّزين ومجهّزات بتقنيات جديدة، وصادرين وصادرات عن رؤى جديدة، الى حدّ يمكن لنا معه أن نقول إن الثقافة العربية نفسها دخلت منذ مطلع القرن الحادي والعشرين هذا في موسم هجرة جديدٍ الى الرواية.
يبقى أن نقول إن هذه الهجرة المجدَّدة إلى عالم الرواية وعالم نقد الرواية، بعد انقطاع دام نحواً من عشرين سنة، إنما ندين بالحافز إليها لدار مدارك، ولمؤسسها الزميل الصديق تركي الدخيل الذي كانت له المبادرة إلى اقتراح إعادة طبع هذه المجلدات الثلاثة من الأعمال النقدية الكاملة، على أن يتبعها لاحقاً إعادة نشر المؤلفات والترجمات التي لا تزال تتمتع بالراهنية، وفي مقدمتها مؤلفات فرويد شبه الكاملة.


- ُنقل عن موقع الأوان -

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق