المفكر فهمى جدعان - الدين يتوسل بالإيمان لا بالسلطة - عبد الله الطحاوى - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الجمعة، 19 فبراير 2016

المفكر فهمى جدعان - الدين يتوسل بالإيمان لا بالسلطة - عبد الله الطحاوى

بين جدليات الدين والسياسة فى قرونها الإسلامية الأولى والأخيرة .. وأحواض الفكر الاعتزالى، ومحنة خلق القرآن، وأسس التقدم عند مفكرى الإسلام .. ووعود الخلاص التى تقدمها منظومات الفكر العربى للخروج من وهدة التخلف.. عبر تلك الضفاف يقف المفكر الفلسطينى الأستاذ فهمى جدعان منضويا تحت أعطاف مسألة معرفية مهمة كرس لها جزءا كبيرا من حياته تتعلق بحضور الدين وبأى معنى يحضر ..مسألة ملحة، لاسيما فى حال  الحركية الإسلامية، وهى تنبسط  فى أفق التمكين والحكم داخل عدد من الدول فيما بعد الربيع العربى .. حيث يجب عند التحليل العميق أن تتلاشى ستائر وطبقات التاريخ، باستقصاء المعرفى لنصل إلى السياسي، ومن القديم إلى الآني، ومن المسألة إلى القانون، وهو ما يقدمه الأستاذ جدعان فى هذا الحوار، إذ يقدم  تحليلا يتسم بالكثافة والعمق والجدل ما يفتح الباب واسعا للاختلاف والإتفاق.

وهو بداية يرى أن الإسلام فى مفتتحه كان محتاجا لـ ميكانزمات السلطة لكى يتحقق فى الحيز أو الفضاء الجغرافى والاجتماعى والإنسانى ومن ثم كان يجب بعد التحقق الاشتراع نحو توجيه الدينى إلى أداء وظيفته الأساسية، الأخلاقية، الكمالية. تلك التى  كانت وظيفة «النبوة». لكنه يرى أن  «القوة البهيمية» الماثلة فى الشهوة والغلبة والسلطة غلبت على هذه الوظيفة وأقامت نظام «الملك»، ثم «الملك العضوض» الذى جار جورا عظيما على «الدينى» و«الأخلاقى» بحسب ما يصل، إذ يعتقد الأستاذ جدعان أن الدينى أخلاقى بطبيعته ، والسياسى «لا- أخلاقى» بمطامعه ومطامحه ومطالبه.

وينطوى الحوار على انعطافة تاريخية هامة وهى من جدليات الدينى والسياسى الكبرى فى التاريخ الإسلامى، إذ يرى ضبف الحوار  أن تيار المعتزلة «العقلانى»، لم يكن له أى دور حقيقى فى عملية الاضطهاد التى جرت لتيار أهل الحديث، وهى أطروحة أساسية أثبتها بدليل قاطع فى دراسة من دراساته المهمة، حيث وجد الأمر  بمثابة توظيف سلطوى  استخدم قضية «كلامية» أخذ بها المعتزلة وآخرون من أجل «تصفية» التيار الدينى «المناهض لـ «الملك العباسى». للأستاذ جدعان مذهب يخالف به الكثير من جيله. حيث يرى  أن لحظة الوعى الحضارية بدأت مع ابن خلدون لا الحملة الفرنسية، حيث تمثل المقدمة ، «يقظة الوعى» أما الحملة الفرنسية فحركت «الارتكاسة المادية». ابن خلدون: الوعى، بونابرت : المشخص..والأستاذ الدكتور فهمى جدعان  من مواليد بلدة عين غزال بفلسطين المحتلة، حاصل على دكتوراه الدولة فى الآداب فى الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام من جامعة السوربون عام 1968. درّس فى عدة جامعات فى الأردن، والكويت، وعُمان، وفرنسا. أنجز العديد من الكتب، من بينها أسس التقدم عند مفكرى الإسلام فى العالم العربى الحديث 1979نظرية التراث، ودراسات عربية وإسلامية أخرى 1985.المحنة؛ بحث فى جدلية الدينى والسياسى فى الإسلام 1989.

إلى الحوار ....

دعنا بداية نبدأ بالحديث من لحظة اشتباك الدين بالسياسة فى التجربة الإسلامية عبر التاريخ كيف ترصد أطوارها؟ ..السؤال يبدأ بالتعريف والضبط الاصطلاحى لمفهومى الدين والسياسة، وينتهى عند النظرية والتقعيد.. هل ثمة نظرية للسياسة وللحكم فى الثقافة الإسلامية ؟

الدين عندى شكل من أشكال الخروج من «حال الطبيعة»- وهى غلبة وهرج وتعد وظلم - إلى «حال الثقافة»، وهى قيم باقية، قواعدها التواصل والرحمة والعدل. والسياسى وضع تقديرى تحكمه القوة القسرية القاهرة الساعية إلى انتظام أمور الدنيا. فنحن هنا فى قبالة غائيتين متمايزتين من حيث الماهية، لكنهما متراكبتان حين يتعلق الأمر بإجراء أحكامهما فى الواقع الاجتماعى. الغرض الأساسى الذى ينشده الدين هو «إصلاح الإنسان وإخراجه من حال الغريزة والبهيمية إلى حال المعنى والقيمة والكمال»، وهو فى هذا يباين السياسى الذى لا يستقيم بنيانه إلا بالقهر والقسر ومع القهر والقسر.. بتعبير آخر، الدينى أخلاقى بطبيعته ، والسياسى «لا- أخلاقى» بمطامعه ومطامحه ومطالبه.

فى التجربة الإسلامية كان لابد ، من أجل  ضمان «المجال الحيوى» للدين الإسلامى، أن يتوسل بالفعل السياسى لإجراء «التحويل» من الوثنية الى الإيمان، من الطبيعة الى الثقافة. لكن لما تحقق هذا المجال فى الحيز أو الفضاء الجغرافى والاجتماعى والإنسانى بات من الضرورى أن يتوجه الدينى إلى أداء وظيفته الأساسية، عين الأخلاقية، الكمالية. تلك كانت وظيفة «النبوة».

لكن «القوة البهيمية» الماثلة فى الشهوة والغلبة والسلطة غلبت على هذه الوظيفة وأقامت نظام «الملك»، ثم «الملك العضوض» الذى هو ملك سياسى مستبد جار جورا عظيما على «الدينى» و«الأخلاقى». هذا المنطق هو الذى حكم النظم السياسية «الإسلامية» فى العصور التى تلت «عصر النبوة والخلافة»، وهو المنطق الذى استبد بالنظرية السياسية «الإسلامية» فى هذه النظم التى غابت فيها الغائية الأساسية للرسالة الدينية ، غائية، «العدل».. يكرر الذين يدافعون عن «نظرية إسلامية سياسية» أن هذه النظم ، برغم عوراتها، تمثل صيغة تركيبية مشروعة، وأصيلة، لـ «الدينى» و«السياسى»، للشرعى والدنيوى، لكننى أعتقد أنها كانت نظما «سياسية» خالصة، أى دنيائية ، لا تأبه إلا بالمنفعة والاستئثار بالسلطة ومنافعها، ولا تكثرت بالغايات الدينية الأصيلة، لا بل هى تستغلها وتسوغ أفعالها وفسادها بإخراج الشريعة عن مقاصدها الحقيقية المتمثلة فى العدل والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية والخير العام، وتوجيهها لإضفاء الشرعية على نفسها. ولست فى حاجة إلى الزعم بأن فقهاء السياسة الشرعية، منذ الماوردى حتى ابن تيمية وأقرانه، لم يفعلوا شيئا أكثر من «وضع» صيغ تسويغية وتصميم نظم زعموا أنها «خلافية»، لكنها كانت فى حقيقة الأمر «سلطانية» .

 دولة الماوردى

نظّر الفقيه الماوردى لدولة تختلف فى مقاصدها ووظائفها عن دولة الخلافة التى يحكمها إمام يجمع الإرشاد الدينى والسياسى.  وقلتم فى كتابكم «المحنة» أن الماوردى كان يرى عدم جدوى من وراء تصعيد جدلية القرون الأولى، أى الخلافة الراشدة إلى القرن الخامس .. فكيف جرت العمليات التنظيرية التى صاغها الإمام الماوردى لدولة مابعد الخلافة الراشدة .. هل طور المفهوم القديم؟ هل راقب معالم التحول من الراشدية الى الاموية ثم العباسية؟ ؟ وهل ترى أننا أمام إشكالية الحكم الحديث يجب أن نفكر بنفس الطريقة على صعيد الحركات الإسلامية ؟؟

أكرر القول إن الماوردى «نظَّر» لدولة هى الدولة «السلطانية» لا الدولة الخلافية. وكان فى ذلك «واقعيا» لم يكترث بالتصورات المثالية لدولة أو مدينة «فاضلة». كانت تنظيراته رهينة الدول المضادة للمدينة الفاضلة. وفضيلته الأساسية، فى رأيى تكمن فى أنه كان يريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتجنب الطوفان الكارثى، وتدارك الانهيار السياسى والاقتصادى والأمنى والإدارى، أى المحافظة على ما تبقى. لم يلتفت الى الوراء إلا قليلا، وكان هاجسه الإفلات من الانهيار، وضمان المستقبل.إذا كان الأمر كذلك فعلا ، فإنه ليس علينا اليوم، حين

نعتبر حراك الحركات الإسلامية، وحين نفكر فى أحوال مجتمعاتنا ودولنا، أن نحذو حذو أحد ممن خاض فى الشأن السياسى قديما، أو قبلنا.. ما أرسله الماوردى وأقرانه كان لزمانهم لا لزماننا، ولأوضاعهم السياسية ولأوضاعنا .

نحن اليوم مدعوون للتفكير فى حدود أوضاعنا المباشرة المشخصة، علينا أن نفكر بطريقة أخرى. وفى رأيى أن هذه الطريقة ليست هى الطريقة التى تنتهجها الحركات الإسلامية ومن ينعتون بـ «الإسلاميين»، الذين صراحة أو ضمنا، يلبون «دولة اسلامية»، أى «دولة دينية أو «خلافة إسلامية يزعم بعضهم أنها دولة «مدنية» ذات «مرجعية إسلامية». لكن هذا الحد متناقض. أنا أعتقد اعتقادا جازما أن علينا، بما نحن مسلمون ، أن نصون ديننا من غوائل ولا أخلاقيات «الفعل السياسى»، وأن نعيد هذا الدين إلى طبيعته «الماهوية» الحقيقية، وهى أنه ذو ماهية أخلاقية تنشد رد الإنسان إلى إنسانيته، لا بالتوسل بالدولة القسرية القهرية القمعية، وإنما بالارتداد إلى «المعنى» وإلى القيمة».

بمعنى آخر، أنا لا أرتاح إلى ما يسمى بـ «الإسلام السياسى»، الذى حول دين الإسلام الى «حزب» يطلب السلطة المادية، ويهجر البناء الإنسانى القيمى الذين ينبغى أن يتميز به دين الاسلام عن أية أيديولوجية أو فكر أو مذهب أو دين آخر. سيقال لى: وماذا تفعل بمبادئ الشريعة وأحكامها؟ الجواب عندى يسير جدا، وهو أن «الدولة العادلة» ضامنة لهذه المبادئ فى حدود مقاصد الشريعة، حين يتعلق الأمر بمجتمع عربى إسلامى بطبيعة الحال، نحن اليوم فى حاجة لأن نعيد للإنسان قيمته الحقيقية من حيث هو «قيمة» لا من حيث هو «سيد» أو «سلطة» أو «حكم». لذا، فإننى أعتقد أن ما يسمى بـ «الإسلام السياسى»، أعنى «المنظور السياسى» المستحدث لدين الإسلام هو بدعة ضارة بكل المقاييس، ضارة بدين الإسلام نفسه، وبالمسلمين جميعا.الانسان اليوم ، «فاسد» ، والعولمة هى التى أفسدته، وهى قوة قاهرة، لن تقف فى وجهها «الدولة السياسية»، وإنما قوة الإيمان وجذوة الحقيقة والمعنى والروح.

فى بدايات التحول من الراشدية إلى الملك العضوض ..كانت هناك مقاومة وكفاح ثورى ضد هذا التحول، قاده أئمة اهل البيت كالإمام الحسين وأئمة أهل السنة كثورة القراء، وابن الأشعث ، كانت الفكرة المسيطرة ترى أن هذا التحول يعصف بنظرية العدل .. لماذا تراجعت فكرة العدل والشورى لصالح نظرية الأمن وحفظ الحياض ؟؟ وهل سبب ذلك سيادة نظرية السمع والطاعة لدى قطاع كبير من العلماء عبر عصور متعددة ؟

لا أعتقد أن الصلة تكمن فى سيادة نظرية السمع والطاعة، فهذه النظرية نتيجة من نتائج «طبيعة الحكم» نفسها، من حيث إن هذا الحكم هو أصلاً حكم تغلبى استبدادى جبروتى مضاد للحرية..العلة كامنة فى طبيعة نظام «الملك العضوض»، الذى لم يكن يأبه، أصلا، بالعدل وبالشورى، وليس سرا أن الشورى التى وجه إليها القرآن الكريم قد فهمها خلفاء «الملك» بما هى «شورى معلمة»  لا شورى «ملزمة»، وأن العدل الذى عرفناه فى عهد «الخلافة الراشدة» قد انسحب من بعد. وبما أن نظام الملك نظام دنيوى استبدادى تغلبى، فإن من الطبيعى تماما أن لا يأبه بعد ذلك إلا بما أشرت إليه من طلب «الأمن» - للنظام وأهله - وحفظ الحياض، لأن هذا أيضا مرتبط بمصير النظام نفسه ومستقبله.

                                                             

محنة خلق القرآن سلطوية وليست دينية

برأيكم وأنتم من عمق الدرس والسؤال فى محنة خلق القرآن ما هى الدلالات السياسية لمحنة المأمون التى فرضها على تيار أهل الحديث ..وكيف تتجلى جدلية الدينى بالسياسى؟؟ ولماذا يلجأ تيار عقلانى كالمعتزلة باضطهاد مخالفيهم ؟

أنت تعلم  أننى أجبت على هذه الأسئلة الثلاثة فى كتابى (المحنة - بحث فى جدلية الدين والسياسى فى الإسلام) الذى ستصدر منه الطبعة الثالثة هذه الأيام، عن السؤال الأول أقول باختزال شديد إن «المعقولية

السياسية» لمحنة القول بخلق القرآن التي شرعها الخليفة العباسى المأمون تكمن قبل كل شئ فى أن الخلافة العباسية كانت «ملكا» يضاد أية معارضة ممكنة، وأنه توافرت معارضة لهذا الملك فى «أصحاب الحديث» الذى كان أحمد بن حنبل وأحمد بن نصر الخزاعى، وآخرون كثيرون يمثلون قوة دينية موازية معارضة للنظام وفى الوقت نفسه كان هذا التيار «ذا هوى أموى». تقابل الطرفان: الدينى والسياسى «الملكى» والعباسى الأموى، فكانت المحنة وكان الصراع. جواب السؤال الثانى متضمن فيما أسلفت. أما تيار المعتزلة «العقلانى»، فلم يكن له أى دور حقيقى فى عملية الاضطهاد التى جرت . وقد كانت هذه أطروحة أساسية أثبتتها بدليل قاطع فى هذا الكتاب.كل ما فى الأمر أن «الخليفة» استخدم قضية «كلامية» أخذ بها المعتزلة وآخرون من أجل «تصفية» التيار الدينى «المناهض» لـ «الملك العباسى». أما المعتزلة أنفسهم فلم يضطهدوا أحدا.

كثيرة هى المشروعات النقدية التى اهتم بها المثقف المعاصر  للعقل أو الدين والثقافة، والخطاب الدينى، ومع ذلك لم تتأسس نوازع تقدمية حداثية .. هل الإشكال هنا فى الواقع الذى لم يرتبط بتلك المشروعات تثويرا وتغييرا؟ أم هو المنهج والمعرفة غير المستقاة من جذور المسألة العربية ..تحديدا كيف ترى لحظة التماثل والاختلاف بين ابن خلدون ومثلا محمد عابد الجابرى ؟؟

إن شئنا الكلام عن «نوازع تقدمية حداثية» فإننا لا نستطيع أن ننكر توافر مظاهر هذه النوازع فى الفكر العربى المعاصر سواء أكان ذلك فى المسائل المعرفية أو الدينية أو الثقافية أو النقدية، أو غير ذلك . فخطابات العقل والتنوير والنقد والتحليل والتأويل.. وغير ذلك، كلها ذات امتداد فيما يسمى بـ «الحداثة». والذين وضعوا مشروعات «نقد العقل» و«نقد التراث» و«تثوير التراث» وما أشبه ذلك ، كانو يدورون فى هذه الحلقة. لاشك أن كثيرا من هذه الجهود كان ذا منطلقات مستعارة من مفاهيم ورؤى ونظم ليست هى تلك التى كان ينبغى البدء منها - ومحمد أركون أبرز الأمثلة على «الفكر المستعار» - إلا أنه من الحق أن يقال إن مفكرين آخرين قد كانوا أمناء على النهج السديد الذى يفرض اعتبار «المعطيات المباشرة» التاريخية والراهنة المشخصة، وينشط فى حدودها، وفى منطقها بدون أن يغفل عن أهمية استخدام بعض المفاهيم المعاصرة أو الحديثة، فى التحليل والاقتراح، ثم إن من الضرورى أن نكف عن اعتبار «الحداثة» نظاما مطلوبا فى ذاته، وأنها شرط للتقدم. فالحداثة حداثات،. ولها اليوم مضادات، فى (مابعد الحداثة)، وغير ذلك.. من واجبنا أن ننظر بين أقدامنا، وفى حنايا أنفسنا، وفى أعطاف وجودنا، ونشتق، ونستنبط، ونؤكد ما يصلح لتوجيه أفكارنا وحياتنا ومستقبلنا، فضلا عما ينبهنا على عوراتنا ونقائصنا ومثالبنا ومطالبنا الحقيقية...وهذا على وجه التحديد هو ما ميز ابن خلدون فى مشروعه فى (العمران البشرى).. لم يقف عند اليونان والمشائية الإسلامية، تجاوز هؤلاء جميعا، ولم يستبد به (العقل) الأروسطى والرشدى، لكنه استنطق الواقع بجملة وجوهه، ولم يكد يترك شيئا من محركات الواقع وعلله ومؤسساته وموجهاته وقوانينه.. كان «عابرا للقطاعات المعرفية والعملية» ولم يرض بان يستسلم للتعليل الأحادى القاصر ..تسألنى هنا عن التماثل والاختلاف بينه وبين الجابرى ! الفرق عظيم. ابن خلدون مفكر مبدع أصيل. الجابرى تلميذ لابن رشد ابن خلدون مفكر شامل يستنطق قوانين الواقع وحركة التاريخ والمستقبل. الجابرى يتمترس فى الحقل المعرفى الجزئى ويجعل من العقل السيد المطلق، فيجور بذلك على حقوق الانسان الأخرى، وبخاصة على الإنسان الوجدانى» ولا أرى أن أذهب هنا الى أبعد من هذا.

بمناسبة ابن خلدون ..لماذا اخترتم لحظة المقدمة الخلدونية .. كأساس لوعى التقدم وليس الحملة الفرنسية ووصف مصر كما هو سائد فى أدبيات النهضة الحديثة ؟؟

لأن (المقدمة) تمثل «لحظة فارقة» فى الوعى العربى والإسلامى التاريخى. لأنها تنبه على «علل الانهيار»، وتشير الى الدروب التى ينبغى أن تسلك فى المستقبل.. لأنها تشخص بما هى «قطيعة» مع الأغلب من طرائق النظر الفلسفية المنحدرة من الإغريق.. لانها تدل معاصريها ومن يجئ بعدهم على علل الانهيار على «أسس التقدم» الحقيقية الواقعية، التاريخية، المعاشية، الاقتصادية، الاجتماعية، التقنية الخ. (المقدمة) أحدثت اليقظة العقلية»، «يقظة الوعى» أما الحملة الفرنسية فحركت «الارتكاسة المادية».

ابن خلدون الوعى، بونابرت : المشخص.

كيف ترى مآل الإسلام المجسد الآن فى تجربة الحركات الإسلامية التى صعدت فى عدد من الدول العربية تحكم بالإرادة الشعبية ..هل ستضطر تلك الحركات للدخول فى مقامات التاويل استيعابا لمشكلات الحكم .. أم أنها ستجمد أكثر للحفاظ على التمكين، لاسيما بعد طول محنة ؟

أعتقد أن الحركات الإسلامية السائرة اليوم «تعقد» أحوال دين الإسلام نفسه، وأحوال المسلمين أنفسهم، وذلك بما ظهر من مناهجها فى الفعل حتى الآن. فهى من وجه، هى قد حولت دين الاسلام الى «حركة سياسية»، ذرائعية»، مكيافيلية»، تطلب السلطة بأى ثمن، وتدخل فى تحالفات بعضها غير برئ - تعزيزا للسلطة والنجاح والاستمرار، وتحكم حراكها نزعات التصلب والغلو والاستحواذ والإقتصاد تعويضا عما نالها خلال العقود السابقة من إقصاء واضطهاد، وتأسيسا على عقيدة ثابتة عند أصحابها تصور هؤلاء بما هم مالكو الحقيقة وحدهم، وأنهم وحدهم المسلمون الحقيقيون ، وأن غيرهم ناقصو عقل ودين...

فنحن، بإزاء هذه الحركات أصبحنا أمام «أحزاب» لا أكثر ولا أقل. الإسلام بما هو دين، وثقافة، وحضارة، وأخلاق وقيم، ورحمة، ومحبة، وعدل، ومعنى.. تغيض ملامحه شيئا فشيئا. ومن وجه آخر، ما الذى ينتظر المسلمين فى حياتهم اليومية، وفى تواصلهم الإنسانى إذا ما استبدت بهذه الحركات نزعات التزمت والتعصب والتناحر والتقاتل والإقصاء؟ بالطبع يمكن أن يقال إن المظاهر السلبية التى نشهدها اليوم ليست إلا نتيجة من نتائج «الصراع» وإن «الاسلام الوسطى» هو الذى سيطفو على السطح فى نهاية الأمر لدى شكوك قوية فى هذا الشأن ولا أعتقد أن جهودا «تأويلية» حقيقية ستبذل فى هذا القصد. فى رأيى أن «داء السلطة» يعصف بقوة بأعطاف هذه الحركات، وأن هذا الداء يشخص بما هو «علة طاردة «عن الإسلام» لا تكمن فرادة وتميز دين الإسلام. فى المعطى الكونى للخليقة فى ماهية «الدولة القسرية» وإنما فى قوته الجاذبة من حيث هو نموذج إيجابى وأخلاقى فذ، ومثال يحتدى للخلاص الإنسانى..

الثورة والخروج والعدل

كمفكر عاش مستغرقا فى أحواض التراث ..كيف ترى مفهوم الثورة فى التاريخ الإسلامي؟ وما هى خطوط التماس بين الثورة  ومفاهيم الخروج والمعارضة؟؟ وعلاقة تلك المفاهيم بفكرة العدل التى هى قيمة مركزية فى الثقافة الإسلامية ؟ والعدل كقيمة كونية منشودة ؟

لم تكن الثورات فى التجربة العربية الإسلامية دوما ثورات من أجل العدل. قد يكون ذلك هو حال «الثورات الصغيرة» التى اتخذت شكل «الخروج» على السلطان الجائر - وقد كانت كثيرة جدا- أما الثورات الكبرى كالثورة العباسية، أو الانقلاب العباسى، فلم تكن ذات صلة بالعدل. وإن تذرعت به. كما أن الثورات لم تكن جميعا ذات دوافع سياسية أو اجتماعية. وأبرز مثال على ذلك ثورة (العقل) على (الإتباع) فى القرن الثانى، أو ثورة المتصوفة على المجتمع فى القرون المتاخرة من العصر العباسى.. القول فى هذه المسألة يطول سواء أكان الأمر عند المتكلمين أو عند الأحزاب السياسية أو عند الفقهاء والأصوليين وغيرهم، إذ كان العدل هو المطلب الأسمى، وذلك بسبب استفحال الظلم والجور. والموضوع أكثر تعقيدا حين يتعلق الأمر بما تسأل عنه من حدود التواصل بين هذا المفهوم فى التراث الإسلامى ومفهوم العدل فى التجارب الإنسانية، فهذا يحتاج إلى بحث مستقص لا حدود لوجوهه ومظانه ولا أعتقد أننى أستطيع ان أوفيه حقه فى هذا المقام.

قدمت نقدا لمنظومات الفكر العربى أو ثلاثية الإسلامية والعلمانية والليبرالية التى  تقدم كل واحدة  وعودا «بالخلاص» ، إذ تقوم الأولى على تمثّل دين الإسلام وجعله «مبدأ ومرجعية»، فيما يتمسك العلمانيون فى المنظومة الثانية «بإزاحة دور الدين من الشؤون العامة للمجتمع والدولة، أو بـ «الحياد العقيدى والأخلاقي». أما الخلاص فى نظر الليبراليين أصحاب المنظومة الثالثة فلا يمكن أن يتحقق «إلا بعملية إصلاح شامل تتخذ من (الحرية) سبيلا وحيدا للخروج من المأزق..

هل كنت تبغى  فتح ثغرات فى دوجما الفكر العربى أم مقترح بطريق ثالث توافقى بين تلك العقائد على الطريقة الثالثة لـ أنطونى جيدنز ؟؟

ما ذهبت إليه على وجه التدقيق هو أن «الإسلاميين» و«العلمانيين» و«الليبراليين» يتعلقون، فىِ مذاهبهم ومسالكهم، بمفهوم تجاوز حدود النوى القاعدية لنظمهم، أعنى للإسلام وللعلمانية ولليبرالية، وأنهم ينحرفون عن الغائيات الأساسية لهذه النظـم ويقعون، لظروف تاريخية مشخصة، فى صيغ أحادية راديكالية تجعل من هذه النظم نظما غير قابلة للتطبيق العملى فى فضاءاتنا العربية.

فالنواة القاعدية لدين الإسلام الذى يدعى «الاسلاميون» أنهم يجسدونه، تتمثل فى العدل والرحمة. والنواة القاعدية للعلمانية تكمن فى المرجعية «العقلانية» للنظم والمؤسسات. والنواة القاعدية لليبرالية تكمن فى سيادة مبدأ الحرية والحريات الأساسية، لكن الذى يحدث هو أن «الإسلاميين» يحيدون عن أسبقية العدل وغائيته، ويذهبون إلى تمثل دين الإسلام فى سلطة سياسية تقيم تناقضا بين «القيم الدينية» و«القيم الإنسانية»، ولا تتمثل دين الإسلام بما هو ذو «ماهية أخلاقية» تستند إلى العدل والفضائل الخلقية القمينة بإصلاح الإنسان والترقى بالوضع الإنسانى فى الوجود، وبأن تكون «مثالا يحتذى» للبشرية ، فضلا عن أنهم «يخاصمون» الكون بأسره ويجعلون من «المختلف» عدوا ينبغى الإجهاز عليه، خارقين بذلك مبدأ «الرحمة» القرآنى.

أما العلمانيون الراديكاليون ، «علمانيو الفصل»، فإنهم يتمترسون خلف مفهوم  «مسيانى» للعلمانية ، مفهوم لا يقف عند حدود العقل، وإنما يجعل من الدين عدوه الأزلى، ويتوهم أن الدين أو الوحى والعقل لا يجتمعان، وأن قيام مجتمع «عقلانى» يتطلب بالضرورة إقصاء الدين. وهذا ما لا يوافق عليه «علمانيو الحياد» الذين يحفظون للدين مكانه فى الحياة الاجتماعية، ويمكن أن يذهبوا الى ضرب من التوافق بين «القيم الدينية» و«القيم الإنسانية» ، إذا ما تم فهم القيم الأولى فهما اجتهاديا أو تأويلياً يتجاوز القراءة التقليدية الحرفية للنصوص الدينية.

أما الليبراليون فقد تجاوزوا مفهوم الحرية فى صيغتها «التكافلية» إلى مفهوم راديكالى متطرف اتخذ صيغة «الليبرالية الجديدة» المجافية للعدل والرحمة. ما أذهب إليه ليس «طريقا ثالثا»، وليس ردا لهذه القوى القاعدية إلى نواة واحدة، وإنما إلى «تضافر» بين النوى الأساسية لهذه النظم، فى منظومة تعاقدية تستند إلى «مركب أسسه القاعدية: العدل ، والعقل، والحرية التكافلية الرحيمة»، مركب ينحصر فى الغائيات الأساسية لهذه النظم، ويزيح عنها ما يدخل فى باب التصلب والإسراف والغلو.

ونحن هنا فى منبر مختص بدراسة الديمقراطية .. لك تعبير هو تكنولوجيا الديمقراطية أو الفهم الأداتى للديمقراطية .. وقمت بنزعه من أى محاولة للتأطير والحبس الأيديولوجى لها وأى أيدولوجيا كالعلمانية ..هل ترى الديمقراطية هى مسألة إدارة وأخلاق سياسية ؟ أم مشروع له قيمه ؟ وما رأيك فى الصياغة الإسلامية حول آليات الديمقراطية بقيم الشورى ..هل تسد فراغ الإطار القيمى ؟؟

فى أمر الوجه الأول من السؤال، أقول إن للديمقراطية وجهين: الأول، تكنولوجى يتمثل فى «نظام الانتخاب»، وصناديق الاقتراع ، أى الكشف عن اتجاهات «الإرادة التمثيلية» العامة للشعب، لأن مبدأ الحكم  هو أنه للشعب وبالشعب. الثانى، ثقافة الديمقراطية، وما يتعلق بالشروط الذاتية والموضوعية لممارسى هذا النظام، وذلك مرتبط بثلة من القيم الأخلاقية والاجتماعية والسياسية، أى المعيارية، التى ينبغى توافر الحد الأدنى والضرورى منها لدى الذاهبين للإدلاء بآرائهم فى صناديق الاقتراع.

وأنا أعنى شروطا كالمعرفة و«ثقافة الحد الأدنى»، واحترام الآخرين والاعتراف بهم من حيث هم مواطنون مساوون لهم فى الحقوق والواجبات، وغير ذلك من القيم الأدبية والأخلاقية التى تتكشف فيها الكرامة الإنسانية والعدالة وتقدير الذات والآخرين. بهذا المعنى الديمقراطية هى أداة وثقافة ولا تكتسب دلالتها الحقيقية إلا بهذين

الأمرين. فى شأن الوجه الثانى، أعنى الديمقراطية والشورى الإسلامية، أرى أن الشورى وجه من وجوه الديمقراطية، من حيث إنها، أعنى الشورى، مبدئيا، تستند إلى أن على ولى الأمر، أو الحاكم ألا يستبد برأيه، وأن عليه «المشاورة» لكن المشكل هنا يكمن فى تحديد «أهل الشورى» الذين أطلق عليهم الموروث الفقهى الإسلامى «أهل العقد والحل» من هم؟ العلماء؟ وجوه القبائل؟ قادة الجند؟ ثم أنه لم يقل أحد من القدماء إن الشورى تتوجه إلى جميع أفراد الأمة.

وكذلك ثار جدل واسع حول «الإجماع» الذى أرى أنه يمكن تطويره اليوم ليضاهى «الإرادة الأغلبية» للأمة أو الشعب، لا ما يمثله القدماء منه من غير أن يتفقوا فى أمره. وأيضا لم تكن الشورى ملزمة، وإنما كانت معلمة فحسب، والذين يقولون اليوم إنها ملزمة إنما يذهبون إلى ذلك بتأثير من الديمقراطيات الغربية الحديثة . ومع ذلك فإننى أعتقد أن غياب تحديد واضح حاسم لمفهوم الشورى فى الموروث الإسلامى لا ينبغى أن يبعدنا عن أن النص القرآنى الذى ينبه على أنها خاصة بـ «الاجتماع الإنسانى»، أى جملة أفراد الجماعة أو المجتمع الإسلامى، وليس هذه الفئة أو تلك من فئات هذا المجتمع . وفى هذه الخاصة يقترب الفهم القرآنى اقترابا شديدا من المبدأ الأساسى الذى تقوم عليه الديمقراطية. لذا، وجب القول إن أى موقف مضاد للديمقراطية يتعلل به أى «إسلامى» اليوم هو موقف مضاد للتقرير القرآنى. أما اللذين يغالون ويسرفون ويلحقون الديمقراطية بالزندقة والكفر فيجهلون الإسلام ويلحقون به إساءة بالغة.

الدولة الحضارية والدولة القومية

عرفت المنطقة العربية تحت مظلة الحضارة الإسلامية زمنا سلميا حافظ قدر المستطاع على التنويعات والتركيبات الأقلوية والعرقية تحت شد وجذب .. ثم حل زمن الدولة القومية الحديثة وصارت تلك الأقليات قلقة تريد أن تلجم تمدد تلك الدولة وبعضهم يحلم بخيار ذاتى .. ألا يجدد ذلك ضرورة الاستفادة من التقنيات القديمة وإعادة تجديدها فى سبيل استيعاب تلك الأزمة ؟

لكل زمن معطياته وأحكامه. وقياس الحاضر على الغائب مضلل فى الأغلب من الأحيان . الأوضاع الحضارية والتاريخية اليوم مختلفة كل الاختلاف عما تجسد فى الماضى. والديمقراطيات الحديثة، والحداثة، واليوم العولمة .. وحقوق الإنسان.. وتفجر القوميات والتشوف لتحقيق الذات والهوية .. و«عبادة الحرية» والفردانية.. كل ذلك وقائع جديدة لا تستطيع أية «إمبراطورية» أن تقف فى وجهها وتتنكر لها.

وإذا كانت فكرة (الأمة) أو (الخلافة) قد أدت دورا قويا - لكن ليس حاسما- فى الحالة التى تشير إليها، فإن ذلك لم يعد اليوم أساسا فاعلا فى دمج والتحام الأقليات وفق هذه المفاهيم. ثمة عناصر دينامية فاعلة لدى هذه الأقليات تطلب «الاعتراف» و«تحقيق الذات»، ولا مفر من تقدير هذه الاعتبارات. لا أعتقد أبدا أن مرجعية دينية محدد أو مغلقة يمكن أن تحل المشكل ، كما لا أرى أن الليبرالية أو العلمانية أو الرأسمالية الاقتصادية الشاملة ، يمكن لأى منها، بإطلاق وتفرد، أن تتجاوز الصعوبات .

الحل فى رأيى يكمن فى مبدأ (العدالة). ففى أى جماعة بشرية أو مجتمع سياسى تشخص «هويات ذاتية» أو أقليات عرقية أو مذهبية أو دينية ، يتعين على الدولة أن تجسد مبدأ العدالة ، من حيث أن هذه الأعراف والمذاهب والديانات والأقليات هى ذات مطالب ، أو حقوق، ترى أن من حقها التمتع بها ، على سبيل المساواة والكرامة والعدل. بالطبع لا ينبغى لهذه المطالب أن تمثل تدميرا أو إصابة فى وحدة الدولة والمجتمع ، ويتعين عليها أن تظل حريصة على مبادئ «العقد السياسى» للمجتمع والدولة. والدولة من جانبها مدعوة بدورها لأن لا تقمع هذه المطالب إذا ما كانت فى حدود العدالة ، وحرمة وحدة المجتمع والدولة. ومرة أخرى ليس علينا أن نعالج مشكلات الحاضر بأدوات وآليات الماضى، فلكل زمن معطياته وأحكامه وآلياته.

تعكفون على مشروع تحت مسمى تحرير الاسلام .. من ترون تحريره .. هل من قارئيه ؟ أم تاريخه ؟ أم مكانه ؟

هذا الكتاب جاهز الآن ويوشك أن يتم تداوله بين الناس. عنوانه الكامل (تحرير الإسلام - ورسائل زمن التحولات) ويصدر عن (الشبكة العربية للأبحاث والنشر) ببيروت.القسم الأول من هذا الكتاب «مرافعة نقدية» فى قبالة ما يمكن أن أسميه «الإسلام المبدل» ودفاع راديكالى عن «الصورة الجاذبة» لدين الإسلام فى وجه «الصورة الطاردة» المتداولة والممارسة له . أما القسم الثانى، أعنى (رسائل زمن التحولات) فنظر تأسيسى ، علمى ، بحثى، فى أكثر القضايا جوهرية فى حياتنا الروحية والعملية الراهنة ، مما يجسد هواجس العصر ومطالب الحاضر والمستقبل المنظور. القسم الأول نقدى يريد أن يرد إلى الإسلام المعنى والقيمة، والقسم الثانى بنائى يطلب تسليح مجتمعاتنا العربية بأسس التقدم، وتعزيز تحولاتها الراهنة بمقومات الوعى والفعل السديدين .

أنت أستاذ للفلسفة والفكر العربى والإسلامى الحديث والمعاصر منذ عقود. كيف تقيم أداء الفلاسفة العرب وإسهاماتهم فى مقاربة مشروع النهضة والتقدم فى العالم العربى؟

من المؤكد أن فريقا من المشتغلين فى الحقل الفلسفى ، أو المتفلسفة، قد بذلوا وسعهم فى هذا الشأن ، وأنهم يستحقون كل التقدير والتكريم . لكن الفريق الأكثرى لم يفعل شيئا. إما لأنه لا يتمتع بالفضائل الفكرية والفلسفية الإبداعية, وإما لأنه من «المستعمرين عقليا» الذين يفكرون بعقول مستعارة ويفتقرون إلى الحد الضرورى من الكفاية الذاتية والاستقلال الفكرى. والتفكير النقدى والبنائى يقضى الواحد منهم حياته مغتربا فى عالم ليس هو عالمه، يقضيها مع هيجل أو كانط أو فوكو أو.. ولا يضيف إليه شيئا. فضلا عن أحد فى فضاء ذلك الفيلسوف أو تلك الفلسفة لا يعترف له بأية قيمة أو معنى. أكرر القول إنهم «مستعمرون عقليا»، وأنه لا فائدة ترجى منهم إن هم لم يوظفوا عقلهم المعرفى فى معالجة قضايا مجتمعاتهم الذاتية المشخصة، من أجل حلها والتقدم بها فى أتون العالم المعاصر الهجوم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق