في وداع سيد الحروف المتناظرة - عبد السلام مسعودي - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الخميس، 17 مارس 2016

في وداع سيد الحروف المتناظرة - عبد السلام مسعودي

ترجل فارس آخر في هذا الزمن العربي العجيب، أذكر جيدا، أن له الفضل الكبير  في مشروعه المضاد لمحمد عابد الجابري نقد نقد العقل العربي في إهتزاز صورة المثقف العربي لدي، و إلى أي حد يمكن للمغالطات الفكرية و صناعة الشواهد المزيفة أن تأسس لفكر مخاتل مبهر في ظاهره و لكنه عبارة عن بالونة من الهواء، هذا الإهتزاز لصورة المثقف سرعان ما أنسحب على مجمل التراث الفكري العربي الذي أعتبره اليوم مجرد كم هائل من المغالطات و القراءات المزيفة و المقتطعة من بنية سياقها المعرفي، لقد كان جورج طرابيشي قارءا كونيا لمجمل التراث العربي و الأوربي و بالرغم من بدايته الفكرية المؤدلجة إلا أنه سرعان ما تخلص من عباءة الأديولوجيا و التحليل الفرويدي إلى فضاء معرفي أرحب، بعبارة أشمل لقد قوض طرابيشي في داخلي لحظة السكينة المعرفية حتى أضحت المعرفة في تعريفها العابر للزمان و المكان و الذات ماهي إلا ثورة متجددة على كل ماهو ثابت و سائد.
لمن توغلو في عوالم جورج الفكرية و نصوصه المترجمة يعرفون جيدا هذا العمق الإنساني بداخل هذا الرجل الذي حوله إلى كائن ميتافيزيقي وسط هذا الفيافي العربية القاحلة، يعرفون ما لم تعرفه الذاكرة الجماعية عن إستقالة العقل العربي على الفعل الحضاري منذ زمن بعيد، زمن تغيرت فيه الإشكاليات و المناهج المعرفية و لم يتغير فيه الواقع الثقافي العربي الذي دخل مرحلة السفسطة الحبرية المقيتة.
في غيابك سيد الحروف المتناظرة، خفتت نجمة أخرى في المحيط إبتلعها هذا السواد الإقليمي المعظم من مشرقه إلى مغربه حيث ترجلت مع خلان القلم المغترب الذين لم يفارقهم طيفك الكوني و هم يرحلون عن عالم قذارة الأشياء بداية من نصر حامد أبو زيد، محمد أركون و العفيف الأخضر و غيرهم...غيرهم..سارت المغايرة بهم تهمة الأشقياء بقضاء الأتقياء.
في وداعك  سيد المشائين الحبريين تعجز الكلمات و المنابر الجنائزية على إنصافك و على مجارات "هرطقاتك" الإبستمولوجية، فنم بسلام في رحلتك الأبدية يا شقيق الروح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق