نجا المهداوي حداثة العين أم حداثة الفضاء - حاتم النقاطي - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأربعاء، 23 مارس 2016

نجا المهداوي حداثة العين أم حداثة الفضاء - حاتم النقاطي

هل يمكن للحداثة في الفن أن تتأسس خارج الوعي البصري بالأعمال الفنية؟ وهل يمكن لأي عمل فني أن ينتمي للحداثة خارج الوعي بالعين وقدرتهاعلى إنتاج المعنى من خلال الوعي بالفضاء والمكان؟

وهل يمكن لهذه الحداثة أن تكون ممكنة خارج انفتاح الفنون على بعضها بعضاً؟ إن عالم الأيقونة كما عرفه العصر الوسيط، وكما صورته المنمنمات الكنائسية تكشف للمشاهد عالم التيولوجيا في سيطرته على الإنسان.

إننا ندرك بكل يسر من خلال جداريات الكنائس فعل الروح وهي تمجد المائدة الإلهية وتحلق الحواريين حولها شكراً لله وإيماناً بالمعجزات، فتغيب الإرادة الإنسانية وفعلها وتحضر الفضيلة في بعدها السماوي ليكون المشاهد حبيس إرادة فوقية توجه يد الفنان والمتلقي على حد السواء، أي هي رحلة سيطرة اللامتناهي على المتناهي فيكون الفن رحلة لتضليل العين وحركة جسدية تعيش غربة ذاتها والموضوع.

ولقد شكت حركة النهضة الغربية من القرن الخامس عشر في مجال فن الرسم نقلة نوعية في الوعي بتشكلات العمل الفني من خلال ميلاد العين كقدرة على الوعي بالمنظور وولعها بخلق أهمية الرائي وقدرته على تشكل الأثر. إن ميلاد اللوحة لم يكن إطاراً تظهر فيه صورة أصغر للإنسان ولبقية أشياء العالم بقدر ما كانت رؤية جديدة لآفاق فنية تدرك العالم خارج كل تقديس، وهو ما يمكن تمثله بيسر داخل أعمال «ليوناردو دافنشي» في احتفائه بمكانية الرائي قدرة على الإضافة وإنتاج التمثلات.

إنها إمكانات جديدة في التعامل مع الذات والآخر، أو هي عقلية جديدة سوف تشكل الحداثة الغربية بداية من القرن التاسع عشر، إذ سوف تؤدي ضرورة إلى إنتاج موقف آخر من التشكيل ذاته ومن فنون إنتاج اللوحة ومن التعامل مع الألوان «الانطباعيون» وتطويع الأشكال «التكعيبيون» والدخول في فوضى خلاقة تدمج الخطوط والألوان بالموجودات الغريبة عن اللوحة كالزجاج والمعادن وغيرها من المصنوعات. إنها الحداثة التي ستصبح محوراً يجرّ من خلفه المبدعين العرب نحو أسئلة جادة تستفهم تاريخهم وواقعهم وأفق تعاملهم مع اللوحة وفضاء التشكيل وأفق التلقي.

ولعل أعمال الفنان التونسي نجا المهداوي تجد لها تميزاً خلاقاً، ذلك أنه استطاع أن يؤسس فرادة توجهها، إذ إنه يقدم على الحداثة من باب «الموقف» حيث يصبح الفن لديه إضافة تجعله متبايناً مع غيره من فناني الساحة التشكيلية التونسية والعربية مقيمة لنفسها مسافة مع الآخر.

لقد حاولت مدرسة تونس في الرسم أن تؤسس حداثتها في اتجاه خصوصيتها من خلال نقل البيئة إلى اللوحة فتتعانق الأصالة مع الحداثة.

غير أن نجا المهداوي يقدم لنا حداثة التعامل مع الموروث من خلال إبراز قيمة الحرف في تشكيل اللوحة والفضاء وفق رؤية تعتمد الوعي بقدراته الخفية تلك التي تحمل خلفية إبداعية تتجاوز تقليدية الموروث. إن التعامل مع الحرف لديه رحلة مع عمق أشكاله وتجريدية أبعاده الفضائية أو هي استفهام في انحناءاته ودوائره ومحتويات خطاباته النظرية في توقها إلى منشود فني ممكن مسكون بمغايرة السائد والمألوف.

إنه يأخذنا إلى فتنة تلقي العين للعمل في ظل توجيه آخر للصورة داخل ذهنية رائيها حيث الألوان موسيقى تتجاوز مألوف المشاهد وتبحر في دلالات الاختلاف.
هو فضاء تداخل الفنون إذ تقرأ العين خطابات مخطوطات اللوحة وتشكلاتها داخل فضاءات عرضها فيتحول المقول إلى مرئي والملفوظ إلى صمت، حيث تتأسس شعرية أخرى للقراءة ورمزية جديدة في وعينا بالمشاهدة.

إن ثقافة العين تأخذ أشكالاً تعبيرية أخرى تطرق باب هوية جديدة لذاك «البعد الواحد» حيث يتأصل الكيان وتغدو منعرجات الأمس مصابيح لطرق ممتدة يخطها البصر في لعبة يتجاوز فيها عمق خط ذاكرة اللوحة مع انعكاسات ألوانها.

لعله عالم يعتمد فيه صاحبه على آخر تقنيات الصورة، فإذ به يأخذ عيوننا بعيداً عن «حداثة المتحف» ليوجهنا إلى مشاهدة متميزة حيث تتداخل فضاءات العرض.

فهل هي لغة العين وهي تحاور لغة إنجاز الحرف من قبل حركة اليد أم هي لغة مصنف فني يعتمد آخر التقنيات الرقمية لإنجاز الصورة؟

هي الحداثة تعلن عن نفسها داخل سجلات استفهامية تحملها «المصنفات الفنية» «كتالوجات» وفضاءات متعددة لعرض يتداخل فيها منطق اليد مع تلك العين في سعي رائع نحو إمكانات جديدة لحداثة الذات في حوارها مع مرايا شفافة عمقها يكمن في استيعابها لنفسها عبر كسرها لمرايا الآخرين وجهدها لصنع دلالاتها.

إن نجا المهداوي يدعونا إلى ثقافة الأنا حيث نكون عراة من كل يقينات الأحكام الجمالية، لأنه يعلن خطاب الحداثة في بعده الإنسانوي حيث تكون الفوارق بين الشعوب والثقافات دوافع للمصالحة بين اختلافات مزعومة، ذلك أن الفن يظل في عمقه تذكيراً بالإنسان، ذلك الذي كان في أصالته صورة يجسدها الخيال في توقه لخلق المختفي داخل الظاهر والممكن في أزمنة الاستحالة.

إن هذه العلامات التشكيلية ذكية المقاصد إذ إنها المزاوجة بين لا تناهي تنويعات إنتاجات العين وبين انفتاحها على فضاءات متخيلة فتكون حداثتها في غياب كل أحكام نهائية عن تلك المشاهدة الرائقة في عوالم فنية تشد القارئ وتطوح به خارج المستهلك والمألوف.


سؤال الحداثة سؤال العين
هل هي ثقافة العين أم هي ثقافة السؤال عن الحداثة؟

قد تكون المعاصرة Contemporaneilte تختص بأفق التلقي Reception الذي استطاع أن يحوّل العمل الفني أكان شعراً أو خطاً أو رسماً إلى ذاتية منتجة للدلالات في جدل مع موضوع فني.

ولعل الفنان التشكيلي التونسي نجا المهداوي(1) يؤسس في تجربته الفنية في عموميتها فضاءً بصرياً متميزاً من خلال اعتماده الحرف العربي كمفردة تشكيلية، وعلى جملة من المنطلقات الجمالية التي توظف مجموعة من التقنيات والأساليب الفنية والتي تستغل أحدث التطورات التقنية(2).

وقد يكون عمله الفني «مراتب العشق»(3) صورة خصوصية تبين مدى عمق توجهاته التشكيلية وانشغاله بالحرف العربي كمفردة تشكيلية.

إننا نلاحظ في عمله دعوة واضحة للعين بفضل ما ترتبط به أعماله التشكيلية في اشتغال على المكان واتجاهات الحرف فيه، فتظهر بنية العمارة وأنماط زخرفة تحيل إلى الرقش العربي.

إنها فضاءات فنية ترتبط باستفهامات ممكنة حول خصوصية هذه التجربة في مستوى واقع الحركة التشكيلية التونسية في كليتها ومدى انفتاحها على تاريخها العربي الإسلامي خاصة و«الكتابة» الشرقية كالصينية.. في توقها إلى الحضور المفهومي ممّا يستدعي تأويلية القارئ وأهميته في تشكل القراءة بصرياً.

لعله السعي نحو التلقي التعامل الجديد مع العمل الفني ذاك الذي يعوض موضوعية الأثر بذاتية القراءة حيث يصبح الاهتمام منصباً على القراءة وعلى القارئ عوض الاهتمام بالنص وبالأثر.
إننا مع توجه ما بعد بنيوي وأساساً مع توجهات نقدية تأجج حضورها منذ سبعينيات القرن الماضي مع نظريات التلقي، حيث يصبح فعل التلقي هو المؤسس للمعنى ولإنتاج الدلالة(4).

ولعل بصرية التلقي Reception Visuelle محاولة للانتقال من الأذن إلى العين، أي الانتقال من أحكام جمالية متأسسة على الأصوات إلى أحكام تؤسسها الرؤية والنظر، حيث يصبح التعامل مع العمل الفني هو رهين وعي بالفضاء وبالمكان.

إن البصرية هي طريقة إدراك للأثر الفني، أكان قصيدة(5) في مجال الشعر أو كان «كتالوجاً» أو لوحة في مجال الرسم تظل انفتاحاً للرؤية على الأشكال في معانقتها للألوان ضمن تحاور العين مع لغة البياض ومنطق السواد.

إنها إحالات على تلك المخيلة(6) وما تستوجبه من عودة ضرورية إلى الذات في تمثلها لذلك المرئي أي هي الصورة المتلقاة بفعل إثارة خارجية حيث يصبح العالم مدركاً بفضل هذا التوجه أو نحو هذا القصد للعالم، حيث تكون العين ضرورة لخلق معنى الأشياء.

إن بصرية التلقي يمكن أن نحددها أيضاً ضمن علاقتها العضوية بالمفاهيم التالية، الذات الإدراك والمعيش.

كما يمكن لهذه البصرية أن تتحدد على أنها منهج غايته تحديد خصوصي للدلالة ذلك أن الخطاب الألسني حدد مفهومه لها انطلاقاً من منطلق صوتي(7)، في حين أن الخطاب المابعد ألسني يتعامل معها ضمن تفكيك(8) يؤكد انفتاح المعنى على ذاك القارئ، فيصبح العمل الفني قائماً في عمق ذات مؤولة أنها رمزيات دلالية منفتحة تدرس إمكانات وعينا بالأعمال الفنية ومتابعتها ضمن وعينا بركائزها النظرية.

لعلها تجد تحديدها في التاريخ لانفتاح الحداثة على عالم الصورة وأساساً الآلة الفوتوغرافية التي شكل ظهورها في أوروبا في المنتصف الأول من القرن التاسع عشر حدثاً غيّر وعي الإنسان بالصورة وبفن الرسم ذاته وبعلاقتنا به(9).

إن هذا العالم البصري تعزز حضوره بظهور التحولات الرقمية في مجال التعامل مع الصورة مما انعكس على عالم الفنون وتلقيها، ذلك أن التعامل مع فضاءات التلقي البصري شهد تسارعاً ملحوظاً أثر في إنتاج ونشر وتسويق الفنون عامة. ومنذ ثمانينيات القرن الماضي بجلاء ثورة طالت جماليات إنتاج الفنون البصرية Les Arts Visuelles كالرسم والسينما والمسرح بفضل قدرات تكنولوجية وقع توظيفها للتحكم في الأشكال والألوان والأمكنة والأضواء. إن ما تفعله البرمجيات في مجال الكمبيوتر وما يوفره فضاء الإنترنت من مواقع وعوالم افتراضية لا محدودة تشكل جسوراً بين المبدعين ومتلقيهم مما يطور بصرية التلقي يتداخل فيها الإنتاج بالتسويق ويتشابك فيها عالم الإبداع بفضاء العولمة(10).

فأي حداثة هذه؟ وأي وعي بصري بإمكانه أن يتأسس على ضوئها؟
وهل يمكن لأي عمل فني أن ينتمي للحداثة Le Modernite خارج الوعي بالعين وقدرتها على إنتاج المعنى من خلال الوعي بالفضاء والمكان؟

وهل يمكن لهذه الحداثة أن تكون ممكنة خارج انفتاح الفنون على بعضها بعضاً؟

إن عالم الأيقونة كما عرفه العصر الوسيط وكما صورته المنمنمات الكنائسية تكشف للمشاهد عالم التيولوجيا في سيطرته على الإنسان.

إننا ندرك بكل يسر من خلال جداريات الكنائس فعل الروح، وهي تمجد السلطة الإلهية وتجسد تحلق البشر حول المائدة وتطلعهم نحو ذاك المنطلق.

إن «الحواريين» من حولها يجسدون إيماناً بالمعجزات واستبعاداً للإرادة الإنسانية فتحضر إرادة السماوي ليكون المشاهد حبيس إرادة فوقية توجه يد الفنان والمتلقي على حد السواء، أي هي رحلة سيطرة اللامتناهي على المتناهي.

إنه الفن رحلة لتظليل العين وحركة جسدية تعيش غربة ذاتها والموضوع.

إن الإنسان اغترب عن عالمه، وكذلك أضحى الموضوع مما جعل العين تغيب عنه.

ولقد شكلت حركة النهضة الغربية La Renaissance Occidentale منذ القرن الخامس عشر في مجال فن الرسم نقلة نوعية في الوعي بتشكلات العمل الفني من خلال ميلاد العين كقدرة على الوعي بالمنظور وولعها بخلق أهمية الرائي وقدرته على تشكل الأثر. إن ميلاد اللوحة لم يكن إطاراً تظهر فيه صورة أصغر للإنسان ولبقية أشياء العالم بقدر ما كانت رؤية جديدة لآفاق فنية تدرك العالم خارج كل تقديس(11)، وهو ما يمكن تمثله بيسر داخل أعمال الرسام الإيطالي «ليوناردو دا فنشي» (1452 ـــ 1519) في احتفائه بمكانية الرائي قدرة على الإضافة وإنتاج المتمثلات.

إنها إمكانات جديدة في التعامل مع الذات والآخر، أو هي عقلية جديدة سوف تشكلها الحداثة الغربية بداية من القرن التاسع عشر، إذ سوف تؤدي ضرورة إلى إنتاج موقف آخر من التشكيل ذاته ومن فنون إنتاج اللوحة ومن التعامل مع الألوان «الانطباعيون» Les Impressionnistes في القرن التاسع عشر وضمن تطويع الأشكال منذ فجر القرن الماضي مع التكعيبيين Les Cubistes والدخول في فوضى خلاقة تدمج الخطوط والألوان بالموجودات الغريبة عن اللوحة كالزجاج والمعادن وغيرها من المصنوعات.
إنها الحداثة La Modernite التي ستصبح محوراً يجر المبدعين العرب نحو أسئلة جادة تهم تاريخهم وواقعهم وأفق تعاملهم مع اللوحة وفضاء التشكيل وأفق التلقي.


لعله السعي نحو التلقي التعامل الجديد مع العمل الفني ذاك الذي يعوض موضوعية الأثر بذاتية القراءة حيث يصبح الاهتمام منصباً على القراءة وعلى القارئ عوض الاهتمام بالنص وبالأثر


ولعل أعمال الفنان التونسي نجا المهداوي تجد لها تميزاً خلاقاً، ذلك أنه استطاع أن يؤسس فرادة توجهها إذ إنه يقدم على الحداثة من باب «الموقف»(12)، حيث يصبح الفن لديه إضافة تجعله متبايناً مع غيره من فناني الساحة التشكيلية التونسية والعربية مقيمة لنفسها مسافة مع الآخر.

لقد حاولت مدرسة تونس في الرسم أن تؤسس حداثتها في اتجاه خصوصيتها من خلال نقل البيئة إلى اللوحة فتتعانق الأصالة مع الحداثة.

غير أن نجا المهداوي يقدم لنا حداثة التعامل مع الموروث من خلال إبراز قيمة الحرف في تشكيل اللوحة والفضاء وفق رؤية تعتمد الوعي بقدراته الخفية تلك التي تحمل خلفية إبداعية(13) تتجاوز تقليدية الموروث.

إن التعامل مع الحرف لديه رحلة مع عمق أشكاله وتجريدية أبعاده الفضائية أو هي استفهامات في انحناءاته ودوائره ومحتويات خطاباته النظرية في توقها إلى منشود فني ممكن مسكون بمغايرة السائد والمألوف.

إنه يأخذنا إلى فتنة تلقي العين للعمل في ظل توجيه آخر للصورة داخل ذهنية رائيها حيث الألوان موسيقى تتجاوز مألوف المشاهد وتبحر في دلالات الاختلاف.

هو فضاء تداخل الفنون، إذ تقرأ العين خطابات مخطوطات اللوحة وتشكلاتها داخل فضاءات عرضها فيتحول المقول إلى مرئي والملفوظ إلى صمت، حيث تتأسس شعرية أخرى للقراءة ورمزية جديدة في وعينا بالمشاهدة.

إن ثقافة العين تأخذ أشكالاً تعبيرية أخرى تطرق باب هوية جديدة لذاك «البعد الواحد»(14) حيث يتأصل المكان وتغدو منعرجات الأمس مصابيح لطرق ممتدة يخطها البصر في لعبة يتجاور فيها عمق خط ذاكرة اللوحة مع انعكاسات ألوانها.
لعله عالم يعتمد فيه صاحبه على آخر تقنيات الصورة، فإذ به يأخذ عيوننا بعيداً عن «حداثة المتحف»(15 ) ليوجهنا إلى مشاهدة متميزة حيث تتداخل فضاءات العرض. فهل هي لغة العين وهي تحاور لغة إنجاز الحرف من قبل حركة اليد، أم هي لغة مصنف فني يعتمد آخر التقنيات الرقمية لإنجاز الصورة؟

هي الحداثة تعلن عن نفسها داخل سجلات استفهامية تحملها «المصنفات الفنية» «كتالوجات» وفضاءات متعددة العرض يتداخل فيها منطق اليد مع تلك العين في سعي رائع نحو إمكانات جديدة لحداثة الذات في حوارها مع مرايا شفافة عمقها يكمن في استيعابها لنفسها عبر كسرها لمرايا الآخرين وجهدها لصنع دلالاتها.

إن نجا المهداوي يدعونا إلى ثقافة الأنا(61) حيث نكون عراة من كل يقينات الأحكام الجمالية، لأنه يعلن خطاب الحداثة في بعده الإنسانوي حيث تكون الفوارق بين الشعوب والثقافات دوافع للمصالحة بين اختلافات مزعومة، ذلك أن الفن يظل في عمقه تذكيراً بالإنسان، ذاك الذي كان في أصالته L'originalite صورة يجسدها الخيال في توقه لخلق المختفي داخل الظاهر والممكن في أزمنة الاستحالة.

إن هذه العلامات التشكيلية ذكية المقاصد، إذ إنها المزاوجة بين لا تناهي تنويعات إنتاجات العين وبين انفتاحها على فضاءات متخيلة فتكون حداثتها في غياب كل أحكام نهائية عن تلك المشاهدة الرائقة في عوالم فنية تشد القارئ وتطوح به خارج المستهلك والمألوف.
إنها الحداثة العربية تريد أن تختص لذاتها بذاتها وأن تكون خروجاً ضرورياً من هيمنة النموذج الغربي(71) ذاك الذي حاول أن يكون منارة لذاته وللآخر.


نجا المهداوي يقدم لنا حداثة التعامل مع الموروث من خلال إبراز قيمة الحرف في تشكيل اللوحة والفضاء وفق رؤية تعتمد الوعي بقدراته الخفية تلك التي تحمل خلفية إبداعية تتجاوز تقليدية الموروث


لعله إحراج مفهوم الحداثة في الفن الحديث وتخصيصاً داخل الفضاء العربي الإسلامي(81) أو لعله البحث عن حداثة ممكنة لدى المهداوي تتخذ من الانشغال بالفضاء البصري هدفاً تسعى لتحقيقه لدى المتلقي والخارجي وفق الوعي بالأشكال والأمكنة.

لعلها تجربة تونسية تشكيلية لها من الخصوصيات المكانية والفنية والجمالية ما يؤهلها إلى تأكيد قدرتها على تأسيس انتمائها لفرادتها الإبداعية والفنية داخل نشأتها وفي عين قارئها توقاً لإنسانية ممكنة.


الهـــوامش:

(1) نجا المهداوي فنان تشكيلي تونسي من مواليد 1937

(2) إن نجا المهداوي يقدم أعماله في «كتالوجات» تعتمد تقنيات طباعية متطورة مما يجعل من أعماله الفنية في مجال الرسم والتشكيل الحروفي فضاءات بصرية ثرية تستدعي العين للقراءة. انظر «كتالوجات» أعمال المهداوي المنشورة منذ ثمانينيات القرن الماضي.
(3) نجا المهداوي، رجاء عالم مراتب العشق، حوار بين الأدب والفن سنباكت تونس 1998.
(4) إن الاهتمام بالقراءة وبالتوجه نحو القارئ يمكن ملاحظاته في أعمال تيار نقدي للبنيوية يمكن ملاحظته تخصيصاً في أعمال «بارت» و«إيكو» و«دريدا»
Umberto Eco Loeuvre ouverte seuil 1979
Jaeques derrida leeriture et la difference seuil 2003
Roland barthe le plaisir du texte seuil 1973

(5) المقصود هنا القصيدة البصرية باعتبارها طريقة في الكتابة وفي تشكل النص لدى المتلقي تتوجه إلى العين ضمن الاحتفاء بالأشكال والرموز والدلالات. راجع عملنا:
«الصورة الشعرية في القصيدة البصرية عند محمد بنيس من خلال مجموعته الشعرية «يا اتجاه صوتك العمودي» القسم الأول منه تحت عنوان «العين وبنية المكان شعرية الصورة»
عمل مرقون مكتبة المعهد العالي للفنون الجميلة نابل تونس، رسالة ماجستير في نظريات الفن 11 مايو 2006
(6) إن دور المخيلة يظل ضرورياً لتشكيل هذا العالم البصري، يراجع كتاب Jean_Paul Sartre L'imaginaire Gallimard 1940
(7) فرديناند دي سوسير دروس في الألسنية العامة، تعريب صالح القرمادي، محمد عجينة، محمد الشاوش، الدار العربية للكتاب 1985
(8) راجع تعريب كاظم جهاد لمجموعة من النصوص للفيلسوف جاك دريدا تحت عنوان «الكتابة والاختلاف» دار توبقال الدار البيضاء المغرب، 1988
(9) Michael Rush Les Nouveaux Medias dans L'Art Traduit de l'anglais Par Christian Matin Deibold Thames & Hudson 2002.
(10) جون هارتلي الصناعات الإبداعية «كيف تنتج الثقافة في عالم التكنولوجيا والعولمة» ترجمة بدر الدين السيد سليمان الرفاعي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 339 مايو 2007
Henri Feyt Regarder La Peinture J N Martin 1993.- 11
(12) نجا المهداوي نصوص نزار قباني د. عفيف بهنسي، د. شربل داغر، الأستاذ خليل قويعة، نجا المهداوي وغيرهم.
Simpact Editions
(13) Nja mahdaoui L'art calligraphie L'or du temps Tunis 2001.
كما نؤكد على أن نجا المهداوي ترتبط جل أعماله بذلك النص المصاحب حرصاً منه على جلب المتلقي إلى الاهتمام بخلفيات ما تبصره العين.
(14) البعد الواحد المقصود الحرف العربي باعتباره فضاء تجريدياً يحمل داخله عمق تأويله.
(15) إذا كانت الحداثة الغربية في مجال الرسم قد اعتمدت المتحف واسطة بينها وبين المتلقي، فإن نجا المهداوي لا يعتمد المتحف كفضاء للعرض فحسب، بل يتجاوزه إلى تقديم أعماله في مصنفات فنية «كتالوجات» وعبر موقعه على شبكة الإنترنت www.nja_mahdaoui.com.
(16) إن محاولة المهداوي للعودة للتراث تهدف لاستشراف هويته الفنية من خلال توظيف الحرف العربي الإسلامي وتطوير أفق التعامل معه من جهة واعتماده من جهة أخرى المزاوجة بين الفنون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق