رأيتُ البَرْقَ شَرقيا
ولَاحَ فِي لُمَحٍ
وكانَ غَربِيَا
رأيتُ الشَّمسَ فِي دَمِهَا
مَبْلُولةً
والبَحْرَ مُضْطَرِباً
والَامسَ مَنْهُوبَاً مِنَ الكُتُبِ
لَوحٌ إغْرِيقِيٌ
أيُّهَا السُّورِيِّوُنَ الَالِيمُونَ، السُّورِيِّوُنَ الوَسِيمُونَ، السُّورِيِّوُنَ الَاشِقْاءُ الهَارِبُونَ مِنَ المَوتِ، أَنْتُم لَا تَصِلُوَن بالقَواربِ، ولَكِنَّكُمْ تُولَدُونَ عَلَى الشَّواطِئِ مَعَ الزَّبَدِ.
تِبْرٌ هَالِكٌ أنتم، تِبْرٌ مَصْهُورٌ وَضَوعٌ مُصَوَّحْ.
مِنْ لُجَّةٍ إلى لُجَّةٍ فِي خَاصِرةِ بَحْرِ الرُّومِ، مَعْ نَجْمَةِ البَحْرِ وَشَقِيقِها الحَبّارِ التَّائهِ، تُرْسِلُكمُ الَامْوَاجُ فِي ضَوءِ بَنَاتِ نَعْشٍ.
***
كَمَا تُولَدُ عَرَائِسُ البَحْرِ تُولَدُ الحَسْنَاواتُ السُّورِيَاتُ، فِي ضَوءٍ رَاجِفٍ ويَطَأنَ بِرَاحَاتِ أَقْدَامِهِنَّ الرَّخْصَةِ المُجَرَّحَةِ حَصَى لِسْبُوسْ وَرَمْلِهَا الرَّمَادِي.
انْزِلْنَ مِنْ فَاكِهَةِ الشَّامِ
إِلَى حِجَارَةِ الَالَمْ.
***
أيُّهَا السُّورِيِّوُنَ الَاشِقْاءَ، السُّورِيِّوُنَ المُتَدَافِعُونَ مَعَ الْمَوجِ، السُّورِيِّوُنَ المَقْتُولُونَ فِي الضِّفَافِ، المَحْمُومُونَ المُتَلَهِّفُونَ عَلَى السَّواحِلِ المُعْتِمَةِ بِوُجُوهٍ صَبِيحَةٍ، هُنَا، فِي لِسْبُوسْ الَّتِي طَالَمَا أَبْكَتْهَا طُرْوَادَةُ..
تَعَالُوا لَاقَبِّلَ خُدُودَكُمُ المُتَوَرِّدَةَ مِنَ الْجَزَعْ.
***
تَعَالُوا يَا أَحِبَّائِيَ، يَا مَنْ الْتَمَعَتْ فِي عُيُونِكمُ رِمَالُ السَّواحِلِ، وَتَمَوَّجَ الشَّرْقُ فِي نُحَاسِ وُجُوهِكُمُ سَنَابلَ ذَهَبٍ. اِنْهَضُوا كَمَا نَهَضَتْ فِي خَيَالَاتِ خُدُودِكُمُ الَاسِيلَةُ جِبَالٌ عَالِيَةٌ، إنَّكُمُ لَتَمِيسُونَ فِي خَيَالِيَ كَمَا مَاسَتْ فِي هَوَاءِ أَيَامِكُمُ أَشْجَارُ الْحُورِ وتَطَايَرَتْ أَزْهَارُ التُّفَاحِ فِي هُبُوبِ عُبُورِكُمْ. تَعَالَوْا فِي عَتْمَة لِسْبُوسْ، أيُّهَا السُّورِيِّوُنَ الخَارِجُونَ مِنْ لَوْحِ الَابجديَّةِ المَكْسُورْ.
***
اِنْزِلُوا وكُونُوا دَمَ الضَّوْءِ وحُرُوفَ الْلُّغَةْ.
***
كَيْفَ، يَا طِفْلِيَ الصَّغِيرَ، لَمْ تَصِلْ إِلَى حُضْنِيَ، كَيْفَ رَدَّتكَ المَوجةُ عَنِّيَ وتَرَكَتْكَ هُنَاكَ عَلَى شَاطِئِ إِزْمِيرَ؛ مَلَاكَاً بِلَا جَنَاحَينِ.
أَجْوَدُ الْخَمْرِ حَمَلْنَاهُ مِنَ الَّلَاذِقِيَّةِ فِي زِقَاقٍ؛ أَجْوَدُ الخَمْرِ؛ عِنَبٌ فِي قَوارِبِ الْقَبَارِصَةِ، عَلَى أَكْتَافِ بَحَّارةٍ مِنْ كَرِيتْ. عِنَبُ الشَّامِ، مِنْ دَاريَّا، ودُوُمَا وَوَادِيَ الشَّآميَاتِ عَلَى أَيدِيهِنَّ أَدْهَانٌ طَيِّبَةٌ.
أَرْسَلْتُ شَقِيقَاتِيَ الْجَارَاتِ يَحْمِلْنَ المَاءَ، ذَهَبْنَ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ إِلَى الشَّاطِئِ، وَرَجَعْنَ بِصَبِيٍّ قُلْنَ إِنَّهُ نَائِمٌ، وَلَمَّا مَدَدْنَهُ فِي المِلَاءَةِ، رَأَيْنَاهُ بِلَا وَجْهٍ.
فِي الفَجْرِ قَلَّبَتْنِيَ أَفْكَارٌ كَانَتْ ضَوْءَاً أَخْضَرَ وَضَوْءَاً أَزْرَقَ؛ مَوجَاتٌ بَارِدَةٌ حَمَلَتْ غَنَائِمَ وأَسْلَاباً لِبَحَّارَةٍ وَمُسَافِرِينَ غَرِقُوا فِي بَحْرٍ بَعِيدْ.
تَسْتَقْتِلُونَ عَلَى القَوَارِبِ، وَيَبْتَلِعُكُمُ البَحْرُ دُونَ لِسْبُوسْ، وأَمُوتُ فِي صِقِلِّيَّةَ هَارِبَةً مِنَ الْبَيتِ. لَا تُصَدِّقُوا بُوسِيدُونَ، ولَا قَارِبَ عُولِيسَ. لَا تُصَدِّقُوا الرَّسَائِلَ ولَا تُصَدِّقُوا الْكَلِمَاتِ. لَمْ يَبْقَ مِنْ قُدْمُوسَ الهَارِبِ بِشَقِيقَتِهِ مِنْ صُوْرِ الْمُحْتَرِقَةِ سِوَى حُطَامٍ فِي قَارِبٍ.
صَوتْ
أَهْرُبُ مِنَ الْمَوْتِ بِعَرَبةِ الْمَوْتْ،
السَّمَاءُ تَرْمِينِي بِأَجْنِحَةٍ مُمَزَّقَةٍ، لأتَخَبَّطَ فِي دَمِي
وَفِي
دَمِهَا
أَتَخَبَّطَ
وأَفُوزَ بالْغِيَابْ.
***
والَانَ، فِي دِمِشْقَ
لِي صُورَتَانِ؛
قَبْضَةٌ تُهَشِّمُ البَابَ،
دَامِيَةً،
وَجَبْهَةٌ مَفْجُوجَةٌ تَطْرُقُ.
لَكَأَنَّني مُسَجَّىً
فِي
مَا
أَرَى
وَذَاهِبٌ فِي مَصِيريْ.
صَوتْ
أَبَابُ البيتِ هَذَا،
أَمْ أَنَا والظِّلُّ بَابٌ فِي خَيَالِ الْبَيتِ؟
والشَّمْسُ الَّتِي كَانَتْ هُنَا
يَومَاً،
عَلَى زَغَبِ الصِّبَا،
أَمْسٌ
وَهَذَا البَابُ
ظِلٌّ وَاقِفٌ
فِي شَمْسِ أُغْنِيَتِي.
صوت
أَعُودُ لَأفْتَحَ الْبَابَ الَّذِي أَطْبَقتُ
فِي الْأَعْوُامِ،
أَمْشِي فِي خَلَاءٍ رَاعِبٍ
والظِّلُ الَّذِي أَهْدَاهُ بَابُ الْبَيتِ لِلشَّمْسِ
يُؤَرْجِحُ نَفْسَهُ
فِي
الظِّلِّ
مُنْكَسِراً
وَيَتْرُكُ خُطْوتِي مَبْلُولَةً فِي صَمْتِ أُغْنِيَتِي.
صَوت
تُرِيدِينَنِي فِي لِبَاسِ الشَّهِيدِ
وفِي مَاءِ صَمْتِكِ
مُسْتَلْقِيَا؛
مَشِيئَتُكِ
أَنَّنِي
زَهْرَةٌ
فِي عُرْوَةِ الْقَمِيصْ.
صَوتْ
لَو كَانَ لِي قَدَرٌ سِوَى قَدَرِي
لَمَا أَحْبَبْتُ لِي اسْمَاً يُسَمِّيهِ
سَواكِ،
يَا شآمُ..
يَا أُخْتِيَ الصَّغِيرةَ، أَنْتِ
يَا
ضَوْءَ
الْفَرَاشَةِ
فِي شِتَاءِ الَأَرْضِ،
ويَا دَمَ التَّارِيخْ.
لَوحْ
II
تَرَقَّبْتُ فِي فَلَكِ الدَّبْرَانِ طَالِعي،
تَرَقَّبْتُ القَوسَ الَّتِي أَطْلَقَتِ السَّهْمَ، جَازَ الغَامِضَ، وأَصَابَ كَاحلَ القَدَرِ..
وَفِي حَافَّةِ الْجُرْفِ،
عِنْدَ صَرْخَةِ المُنْتَحِر
تَرَقَّبْتُ ظُهُورَ بَنَاتِ نَعْشٍ..
رَأَيتُ شُهُباً
تَسَّاقَطُ،
وَظَنَنْتُ البَرِيدَ بَرِيدِي.
***
وَفِي شُرْفَةٍ مُظْلِمَةٍ مِنْ سُورةِ الَأَمْسِ،
جَلَسُتُ
لِلَيَالٍ عَشْرٍ،
وَتَرَقَّبْتُ
فَمَا وَصَلَتْ قَافِلةٌ بِصَاحِبٍ،
ولَا رَجَعَ طَائِرٌ بِرِسَالَتِي.
صَوتْ
مُسَافرٌ فِي صَحْراءَ،
غَايَتِي
أَنْ ضَلَلْتُ وأُرِيدُ أَنْ أَرْشُدَ،
وَأَعُودَ مِنْ أَبَدٍ تَوَهَّمْتُ إِلَى يَومٍ لَا تَفْنَى فِيهِ فَاكِهَةٌ،
ولَا يَبْلَى ذَهَبٌ.
صَوتْ
دَمِي لَا يُرِيدُنِي حَيَّاً،
دَمِي يَهْرُبُ مِنِّي،
يَتَسَرَّبُ مِنْ شَرَايينِي
ويُرِينِي ارْتِجَافَتِي،
دَمِي يَمْلَأُ يَدِي،
وَيُلَطِّخُ الْحِجَارةَ والنَّوافِذَ والَأشْجَارْ.
دَمي
لَا
يُرِيدُنِي،
يَا
حَبِيبِي.
***
سَأَقُولُ لِأُمِّي،
أَنَا الْخَائِفُ
مِنْ هَاوِيةِ دَمِي:
لِمَاذَا وَلَدْتِنِي فِي هَذَا الْكِتَابِ وَتَرَكْتِنِي أَتَقَلَّبُ فِي مَصِيرِي،
وَفِي
مَهْدِهِ
أَتَرَعْرَعُ.
صَوتْ
فِي بَاحَةِ الْأُمَويِّ أَقِفُ
وأَجْلُدُ نَفْسَيَ بالسَّلَاسِلِ،
أَجْلُدُ وأَجْلُدُ وأَجْلُدُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي جَسَدِيَ مَطْرَحٌ وَلَيسَ فِيهِ جُرْحٌ يَصْرُخُ: يَا حُسَين…
وَبِسَيفِ ذِي الفَقَّارِ أُدْمِي جُمْجُمَتِي.
مَنْ أَنَا؟
***
فِي بَاحَةِ الْأُمَويِّ،
أَخِيرَاً،
فِي بَاحَةِ الْأُمَويِّ
جَسَدِي يَشْطُرُ التَّاريخَ، جَسَدِي يُمَكِّنُ نَصْلَ الْمَلْهَاةِ مِنْ نَسْلِ مُعَاوِيَةَ ويَزِيدْ.
لَوحْ
III
تَعَالَ نَمْشِي تَحْتَ سَمَاءٍ صَامِتَةٍ وَلهَا لِسَانٌ حَجَرِيٌّ
نَمْشِي عَلَى السَّنَواتِ.
نَمْشِي، نَمْشِي، وَنَتَمَرَّنُ،
نَمْشِي وَنُرْسِلُ الْكَلِمَاتِ مِنْ لِسَانٍ إِلَى لِسَانْ.
تَعَالَ نَفْتَحُ الْقَامُوسَ وَنُسَلِّمُ عَلَى الْكَلِمَاتِ،
نَفْتَحُ الصَّحَائِفَ وَنَقْرَأُ فِي الْوَرَقِ مَا كَتَبَ الشُّعَرَاءُ.
تَعَالَ نَمْشِي حُفَاةً عَلَى الصَّمْتِ، حُفَاةً، لِئَلَّا نَجْرَحَ الْكَلِمَاتْ.
***
لِمَنْ هَذَا الْقَمِيصُ بِيَاقَةٍ دَامِيَةٍ
لِمَنْ هَذَا الْمِعْطَفُ عَلَى الْمِشْجَبِ
يَقْطُرُ دَمَاً
وَهَذَا الْأَثَرُ مِنْ خُطْوَةٍ عِنَدَ الْبَابِ،
والرَّائِحَةُ الغَرِيبَةُ فِي أُصُصِ الزَّهْرِ،
وَتِلْكَ الصَّيحَةُ الْمُعَلَّقَةُ فِي سَمَاءِ الْمَنْزِلِ،
لِمَنْ تِلْكَ الصَّيحَةُ؟
***
سَأَمْشِي مَعَكَ وَأَمْشِي مَعِي
لِأَسْمَعَ خَطْوَتِي عَلَى رَصِيفِ الْبَحْرِ
خُطْوَةً فِي الظِّل وَخُطْوَةً فِي النُّورِ الجَرِيحِ؛
النُّورِ الْمُحَطَّم، النُّورِ الْمُمَزَّقِ عَلَى حَافَّةٍ
والَّذِينَ عَبَرُوا الْأَمْسَ أَشْبَاحٌ هَائِمَةٌ فِي نُورٍ مُحْتَرِقْ.
صَوتْ
فِي الطَّبِيعةِ الشَّفَّافَةِ أُمَشِّيك، فِي الطَّبِيعةِ الشَّائِكَةِ
الْغَامِضَةِ الْمُرَوِّعَةِ
تَدَرُّجُ الْمَوتِ عَلَى الضَّحِكَةِ
السَّعَادَةُ
قِرْطٌ يَلْمَعُ وَيُشْعِلُ النُّزْهَةَ
صَرْخَةُ آذَارَ
قَمِيصُهُ وَسَاعِدِهُ.
لَوحْ
IV
كُنْتُ أَنْتَظِرُ رِسَالَةً مِنْ مَدِينَةٍ أُخْرَى
كُنْتُ أَنْتَظِرُ الشَّمْسَ فِي رِسَالَةٍ وَالْقَمَرَ فِي رِسَالَةٍ،
لَكِنًّ أَشْخَاصَاً ظِلَالَاً، أَشْخَاصَاً غُبَارَاً حَجَبُوا نَهَارَكَ،
وَتَفَرَّقُوا..
والْآن لَيلٌ مَقْتُولٌ فِي لَيلٍ غَرِيقٍ،
والشَّمْسُ والْقَمَرُ شَقِيقَانِ هَالِكَانْ.
***
لَوْ كُنْتَ طِفْلَ يَدِيَ النَّحِيلَةِ، لَوْ كُنْتَ عَينِيَ الْوَسْنَى،
رَأتْ وأَطْرَقَتْ،
لَكُنْتُ صَمْتَ اسْتِلْقَاءَتِك فِي عُشْبٍ،
وكنتَ حِيرَةَ الْبُرْهَةِ.
***
يَومُكَ الْقَدَرُ الصَّارخُ،
الْمَصِيرُ
وَحَيَاتُكَ الْمَاءُ فِي لَيلٍ.
صَوتْ
آُتْرُكِ الشَّوكَ فِي الْإكْلِيلِ
وَالْخَشَبَ مُجَرَّحَاً،
آُتْرُكِ الْكِتَّانَ مُبَلَّلَاً
والشَّفَقَ حَائِرَاً بِدَمِ الْمُسْتَلْقِي.
صَوتُكَ فِي صَدَفَةٍ،
ضوءٌ مُرْسَلٌ مِنْ شُرْفَةِ الْأمْسِ، وَالْوَرْدَةُ فِي لَيلٍ.
آُتْرُكْ لِي حَصَى الشَّاطِئِ،
وآنْدَفِعْ،
لِأَرَى الْبَحْرَ
مَوجَةً وَرَاءَ مَوجَةٍ،
وَالشِّراعَ عَلَى البَحْرِ صَوتَ الْغَريقْ.
لَوحْ
V
فِي الْأُسبوعِ الْمُقْبِلِ
فِي الْأُسبوعِ الَّذِي أَقْبَلَ، وَلَمْ يَصِلْ
وَوَصَلَ، وَلَمْ يِكُنْ لَهُ مِقْعَدٌ؛
فِي الْأُسبوعِ
مُتَلَفِّتَاً
بِقَامَتِهِ وَقِيَافَتِهِ الْفَاتِحَةِ شَهِيَّةَ الْمُنْتَظِرِ
سَأَجْلِسُ مَعَكَ عَلَى مِقْعَدٍ فِي حَدِيقَةْ.
تِلْكَ أُغْنِيَةٌ قَدِيمَةْ.
***
أَجْلِسُ مَعَكَ فِي الْحَدِيقَةِ وَتَجْلِسُ مَعِي فِي مَنَامِي.
***
الْحَدِيَقةُ الَّتِي أَخْرَجْتُهَا مِنْ كِتَابِ الْمَحْفُوظَاتِ تَمُدُّ لِسَانَها لِبُسْتَانيَ الصَّغِيرِ الْمُهْمَلِ فِي طَرَفِ الصُّورَةِ.
أُوَّاهُ، يَا بُسْتَانِيَ الصَّغِيرَ الْمُحْتَرِقَ فِي غُوطَةِ دِمَشْقَ الْمُحْتَرِقَةِ..
وَدِمَشْقُ شُرْفَةُ نَمْرُودْ
وَهَاوِيَةٌ فِي جَسَدْ.
***
سَأَكْتُبُ إِلَيكِ، يَا دِمَشْقُ الْمَحْبُوسَةُ وَرَاءَ الشَّمْسِ وَفِي يَدِكِ الْمَغْلُولَةِ كِتَابٌ مُمَزَّقٌ
وَعَلَى جَبْهَتِكِ الْمَفْجُوجَةِ بِبَلْطَةِ فَارِسٍ دَمٌ صَارِخٌ بِاسْمِيَ..
دَمٌ يُسَمِّينِي،
وَيَهْلَكُ
دَمِي لَا يُرِيدُنِي،
يَا
دِمَشْقُ.
صَوتْ
شُكْراً لَكُمْ
شُكْراً لِهَذَا الْبَحْرِ
شُكْراً لَأزْمِيرَ الحَزينَةِ
شُكْراً لتلكَ المَوجةِ العَذْرَاءِ
حَمَلَتْنِي مِنْ يَدَيْ أُمِّي
لتُعِيدَ الْأَرْضَ لِي
لِتَكُونَ الْأرْضُ، كُلُّ الْأرْضِ، مُنْذُ اليومَ، قَبْرِي.
***
شُكْراً لَكُمْ،
شُكْراً لِألِهَتِي الَّتِي ماتتْ عَلَى الْأسْوارْ
شُكْراً لِطُرْوَادَة الَّتِي احْتَرَقَتْ
لِمَرَاكِبِ الْإغريقِ
لَمْ تَرَنِي.
***
شُكْراً لِأُورُوبَا السَّعِيدَةِ
بِأَسَاوِرِهَا
لَمَعَتْ لِأسْنَانِ الْعَبِيدِ
وَيَداهَا المُغَلَّلَتِانِ بالْأَفْكَارِ
تَنْزِفَانِ
ذَهَبَاً وَفِضَّةْ.
***
شُكْراً لَكُمْ، يَا أَهَلَ إِزْمِيرَ الْجَمِيلَةْ
لِلسَّمكةِ الْمُلَوَّنَةِ، وَالَأُشْنَةِ الرَّاجِفَةْ.
شُكْراً لخُلْجَانِ آسيَا تُرْسِلُنِي فِي التَّوابِيتِ عَلَى الْمَاءِ،
وَمَلْفُوفَاً بِرِسَالَتِي.
***
شُكْراً لَاغْنِيةِ المُغَنِّي
لَيسَ لِي وَجْهٌ
لِيَقْرأَ التَّاريخُ فِي وَجْهِي عَلَامَتَهُ،
وَمَا قَالَ بُولسَ لِبُطْرُسَ،
وَمَا فَسَّرَ الْمُفَسِّرُ فِي هَامِشِ الْمَقْتَلَةْ.
***
عَلَى سَاحِلِ بَحْرِ إِيْجَةَ رَأَيتُ صُورَتِي غَائِمَةً فِي صُوَرٍ
وَسَمِعْتُ شَهْقَةَ الْمَوجَةِ وَبُكَاءَ السَّلْطَعُونْ.
شُكْراً لِزَبَدِ الْبَحْرِ،
لِلرَّايةِ
وَالْقِنْدِيلِ
والْحَبَّارِ..
شُكْراً لِحُزْنِ الرَّمْلْ.
عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ تَحْتَ سَمَاءِ طِرْوَادَةَ
ومِرَاكِبُ الْإغْرِيقِ تَبْتَعِدُ.
***
شُكْراً لَكُمْ،
شُكْراً لِهَذَا الصَّمْتْ،
سَمِعْتُ الْأُشُنَ تُغَنِّي
لِي
والفُقَّاعَاتِ تَتَخَاطفُ هِيَ وَالضَّحِكَاتُ
وَجْهِيَ القَديمْ.
كُلُّ وجْهٍ قِنَاعٌ وكُلُّ قِنَاعٍ رُوحٌ شَارِدَةْ.
لَوحْ
VI
وَمَاذَا لَوْ كُنْتُ بِقِيتُ ذَلِكَ الصَّبيِّ بِصَنْدَلٍ بُنِّيٍّ وَقَمِيصٍ أَصْفرَ، والشَّمْسُ فِي كَلِمَاتِي مَغْسُولَةٌ وَمَنْشُورةٌ عَلَى حَبْلٍ.
مَاذَا لَوْ كُنْتُ عِشْتُ فِي كَنَفٍ وَالْأُمَّهَاتُ يَمْلَأنَ الْأبَارِيقَ بِشَرَابِ التُّوتِ، وَجَنَبَاتِ الْبَيتِ بِالْهَمٍسِ:
آُتْرُكْنَهُ نَائِمَاً..
وَالْأخَوَاتُ يَسْمَعْنَ وَيَضْحَكْنَ؛
هَلْ كُنْتُ سَأَعِيشُ كُلَّ هَذَا الْوَقْتِ، بِعَينٍ تَرَى الْعَالَمَ مَائِلاً، وَالْغَبَشَ مُنْقَضَّاً بِالْفُؤُوسْ.
***
يَا لِي مِنْ مَارِقٍ فِي عَرْضٍ وَمُتَهَاوٍّ فِي طُولٍ.
التِّلِفِزْيُونُ يَمْلَأُ الْمَنْزِلَ بِالصُّورِ، وَحَيَاتِي شَرِيطٌ صَامِتٌ.
***
لَوْ كُنْتُ بَقِيتُ، لَوْ كُنْتُ مَعِيَ، الْآنَ، فِي ضُحَىً، فِي مَا سَجَّى اللَّيْلُ فِي طَولِ الْبَيتِ،
فِي المُسْرِعِ وَالصَّامِتِ، فِي الْعَدَدِ وَالْآحَادِ؛
إِنَّمَا بِدْعَةُ مَنْ تَمَدّدَ فِي صَائِفَةٍ وَأَخَذَتْهُ سِنَةٌ مِنْ نَومٍ، وَلَمْ يَعْرِفْ كَيفَ يَنْهَضُ، وَلَا كَيْفَ يَعُودُ؛ وَلَا كَيْفَ يَعُودُ.
لِأَنَّنِي، هُنَا، فِي وَهَدَةٍ، وَيَدِي مُخَدَّرَةٌ، كَمَا لَوْ كَانَ الْعَالَمُ كُلُّهُ شِتَاءً، وَأَنَا سَاكِنُهُ.
صَوتْ
رَبِحْتُ يَومَاً غَرِيبَاً عَلَى الْبَحْرِ
رَبِحْتُ نُورَ الْفِكْرَةِ
الْخَيطَ الْخَفِيفَ
لِمَشْيَتِيَ
فِي نُورِ غُرْفَتِكِ الْخَفِيفِ
وَفِكْرَتِي
وَخَسِرتُ مَا قَالَ الْمَسَاءْ.
***
رَبِحْتُ شَمْسَاً فِي ظِلَالٍ
وَمَتَاهَتِي
خُطْوَةٌ فِي يَومِكِ أو زَهْرةٌ فِي نَومِكِ.
***
رَبِحْتُ صَوْتَكِ يَنْفِرُ
وَعْلَاً
عَلَى سَطْحِ يَومِي
جَرِيحَاً كَشَمْسٍ رَجَعَ بِهَا السَّهْمُ.
***
وَبَينَ لَهْوٍ وَلَهْوٍ
رَأَيتُ قَطْرَةَ الدَّمِ
تَتَفَلَّقُ
عَنْ كَوكَبٍ
وَالسَّهْمَ فِي كَاحِلِ النَّهْرِ.
صَوتْ
بِرَبِّكَ، أَيُّهَا الْحَجَرُ الْقَدِيمُ،
بِرَبِّكَ، أَيُّهَا الْقَمَرُ، يَا الْمُعَلَّقُ مِنْ سَحِيقٍ فِي مَمَرٍّ
عَلَى خَليجٍ،
بِرَبِّكَ؛
السُّفُنُ لَا تُرَى مِنْ هُنَا،
قَالَ النَّسِيمُ،
وَالرَّايَاتُ طُوِينَ فِي غَيْبٍ.
بِرَبِّكَ، أَيُّهَا الْغَسَقُ مُخْتَطَفاً إِلَى مَهَاوٍ
فِي لَهَبٍ
وَآلهَةٍ نَامُوا عَلَى صُوَرِ أَبْطَالِهِمُ الْهَالِكِينَ نَومَ سَائِسِينَ تَكَسَّلُوا فِي شَمْسٍ؛
بِرَبِّكَ،
مَنْ رَمَى السُّورَ بِالْكِتَّانِ مُشْتَعِلَاً،
وَهَوَى عَلَى الطِّلَّسْمِ بدَمِ الْبِكْرِ؟
لَوحْ
VII
وَدَاعَاً لَكِ أَيَّتُهَا الْعَرَبَةُ مُطَهَّمَةً،
وَدَاعَاً لِخَشَبِ اللَّوزِ، لِلصَّدَفِ مِنْ دِمَشْقَ فِي خَشَبِ اللَّوزِ،
لِلْهَواءِ وَمَا صَوَّحَ فِي صَيفِ أَنْطَاكْيةَ،
لِلْعَذْرَاءِ تَحْتَجِبُ وَرَاءَ فِتْنَتِهَا..
وَدَاعَاً لِلطُّهْرِ دِمَشْقِيَّاً، لِلْحَيَاءِ السُّورِيِّ مَاجِنَاً فِي التَّطْرِيزِ،
لِلْمِنْدِيلِ
فِي شَهْقَةِ الْعَذْرَاءِ..
وَدَاعَاً، لِفِتْيَةٍ يَتَنَاظَرُونَ مِنْ أعَلَى السُّورِ،
وَيُبْصِرُونَ آبَاءً وَإِخْوَةً تَهَاووا فِي جَلبةٍ وَظِلَالٍ.
البَوَابَاتِ سُدَّتْ بِالْمَصَارِعِ وَحَامَتْ عَلَى الْأَقْوَاسِ نُسُورٌ زَاعِقَةٌ.
***
وَدَاعَاً لِنَظْرةِ الْأَعْمَى فِي رِائِحَةِ الدُّفْلَى، لِلظِّلَالِ،
لِشَجَرَةِ التُّوتِ فِي نَدَىً مُحْتَرِقٍ
وَدَاعَاً لِتَلْوِيحَةِ الْقَعِيد بِبَابِ السُّوقِ..
هُنَا تَهْلَكُ الْفِتْنَةُ فِي نَومِهَا، وَيَذْوِي الْيَافِعُ فِي ضَوءِ الرُّمْحِ.
صَوتْ
أُوَدِّعُ الشَّمَالَ، قِلَاعَاً مُحْتَرِقَةً، غِلَالَاً تُرِكَتْ لِوَحْشِ الْفَلَاةِ،
بَلْدَاتٍ وَرَاءَ تِلَالٍ مَتْرُوَكةٍ لِطَارِقِي السَّبيلِ،
وَأَنْعَامَاً أُهْرِقَ دَمُهَا عَلَى طُولِ السَّاحِلِ
لِيَخْطُوَ الْعَسْكَرِيُّ
بالسَّيفِ..
يَا لَسُورِيَّةَ التَّائِهَةَ كَنَشِيدٍ مَزَّقَتْهُ عَصْفَةُ هَوَاءٍ
يَا لَبَنِيهَا فِي سَمَرٍ،
يَا لَعَطَشِ الصَّبايَا، يَا لَألَمِ الصَّوتِ،
وَيَا لَنَشِيدِيَ
لَا
نِهَايةَ
لَهُ.
صَوتْ
نَزَلْتُ مِنْ جَبَلٍ فِي دِمَشْقَ،
نَزَلْتُ
فِي شَمْسِ جُوبِيتَر،
وَفِي فَرَحِ الصِّبْيَةِ رَأَيتُ شَرائِطَ الدَّمِ ضَاحِكَةً..
لَمْ يَكُنْ لِلْمَدينةِ رَبٌّ يَصِفُ ابْتِسَامَةَ الْهِلَالِ.
***
نَزَلْتُ فِي إِهَابِ
الصَّارِخِ
وأَنْطَقْتُ الصَّخْرَةَ اسْمَكِ.
***
النَّبَاتَاتُ عَلَى قَوْسِ الرُّخَامِ فِي صَيْحَةِ الشَّمْسِ
انْحَنَتْ هِيَ الْأُخْرَى،
وَنَاوَلَتْكِ.
***
الْأُمْنِيةُ كَتَبَتِ السَّاعةَ
وَالْعَابِرُ
أَوْجَعَ الظِّلَّ.
***
بِالْمِطْرَقَةِ والْإزْمِيلِ وَمَعِي خَارِطَةٌ لِظَهْرِكِ
نَزَلْتُ
لَمْ يَكُنْ لِبَرَدَى اسْمٌ، ولَا لِلْوَهْمِ حَبِيبٌ.
***
والْآنَ، فِي الَآفلِ والْغَارِبِ، فِي الْمَائِلِ ظِلَّاً، فِي الضَّاحِكِ، فِي شَمْسِ آخِرَةِ النَّهَارِ،
فِي صَيْحَةِ الْمَاءِ، فِي دَلَالِ الْيَفَاعَةِ، الصَّحَائِفُ تَدْمَى، والْكَلِمَاتُ تَتَسَرَّبُ وَالْعَدَمُ،
خُذْنِي مِنْ يَدِيَ، وَاتْرُكِ الْعَلِيلَ يَمْرَحُ فِي شَعْرِيَ،
اتْرُكْنِيَ أَرَى،
فِي الْعُيونِ
وَاتْرُكْنِيَ أَسْأَلُ،
لَنْ يَكُونَ فِي وُسْعِيَ غَيرَ هَذَا الصَّمْتِ
هَدِيَّةُ قَلْبِي لِمَا تَبَقَّى مِنْ خُطْوَتِي.
صَوتْ
وَفِي لَوْحٍ آخَر، قَالَ الْهَارِبُ لِلْبَحْرِ
اتْرُكْنِي حُفْنَةَ هَواءٍ فِي سَاعَةٍ
بُرْجَاً يَتَصَدَّعُ فِي خَفْقَةٍ
ضَرْبَةَ حَظٍ
عَمْيَاءَ
لِأكُونَ
فِي الْأثَرِ كُلَّمَا…
وَفِي مَا أَهْرَقَ الزَّمَنُ،
وفِي مَا
لَمْ
يَكُنْ
لَا فِي الشَّمَالِ،
ولَا فِي الْجَنُوبِ،
ولَا فِي خَالِصِ الشَّرْقِ، حَيْثُ نَفَرَ دَمُ الْوَعْلِ،
وَمَرَّغَتِ الظِّلَالُ الْأبَدَ فِي فُرُشٍ دَامِيَةٍ.
هُنَاكَ قَالتْ عَارِفَةٌ مَا قَالَ مُغْمِضٌ لِنَائِمَةٍ،
وَمَا ارْتَسَمَ فِي الصُّورَةِ
بِلَا أَلَمٍ
وَلَا كَلِمَاتْ.
صَوتْ
نَزَلْتُ مِنْ أَمْسِ الْجَبلِ
لَمْ يَكُنْ قَابِيلُ
بَعْدُ،
ولَا جَنَاحُ الْغُرَابِ
كَانَ هَابيلُ غَافِلَاً يَتَمَرْأَى فِي ابْتِسَامَةِ النَّهْرِ.
***
نَزَلْتُ مِنْ جَبَلٍ، وَنَزَلْتُ مِنْ شَمَالٍ،
الْفُرَاتُ كَانَ فِكْرةً
وَالطَّمْيُ فِكْرَةً،
والْعَابِرُ، كَانَ، إنَّمَا فِي خَيَالِ مُنْصِتٍ، فِكْرَةَ نائِمٍ فِي التُّرَابْ.
لَوحٌ إِغْرِيقِيٌّ
VIII
أَيُّهَا السُّورِيُّونَ الْهَلَاكِيُّونَ، السُّورِيُّونَ الْمُرْتَجِفُونَ عَلَى السَّوَاحِلِ، السُّورِيُّونَ الْهَائِمُونَ فِي كُلِّ أَرْضٍ، لَا تَمْلَأُوا جُيُوبَكُم بِتُرَابٍ مَيتٍ، آُهْجُرُوا الْأرضَ تِلْكَ وَلَا تَمُوتُوا. مُوتُوا فِي الْمَجَازِ، وَلَا تَمُوتُوا فِي الْحَقِيقَةِ. آُتْرُكُوا اللُّغةَ تَدْفِنُكُمْ فِي أَوْصَافِهَا، ولَا تَمُوتُوا وتُدْفَنُوا فِي تُرَابٍ. لَيسَ لِلتُّرَابِ ذَاكِرَةٌ سِوى الصَّمْتِ. آَبْحِرُوا فِي كُلِّ جِهَةٍ، وَفُوزُوا بِضَجَّةِ أَرْوَاحِكُمْ. وَوَرَاءَ الْعَاصِفَةِ وِالْهَشِيمِ انْهَضُوا فِي كُلِّ لُغَةٍ وَكُلِّ كِتَابِ وَكُلِّ أَجَلٍ وَكُلِّ خَيَالٍ، وآضْطَرِبُوا فِي كُلِّ تُرَابٍ، وَآنْهَضُوا كَمَا يَنْهَضُ الْبَرْقُ فِي الْأَشْجَارْ
لندن ما بين صيف 2015 وشتاء 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق