حوار مع الفيلسوف الايطالي انطونيو نغري - نورالدين علوش - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الثلاثاء، 4 فبراير 2020

حوار مع الفيلسوف الايطالي انطونيو نغري - نورالدين علوش


واجه العديد من الفلاسفة منذ القديم السلطة. سقراط تعرض للإعدام من طرف الأثينيين , اسبينوزا طرد من جماعته اليهودية, جيوردانو برونو حرق من طرف محاكم التفتيش , روسو هدد بالسجن, فكذلك انتم اتهمتم بالتواطؤ في قتل البرلماني الدو مورو بدون اي دليل. من 1979 الى 1983  كنتم في إقامة جبرية محروسة جيدا.
كيف تموقع نفسك بالعلاقة مع تقليد الفلاسفة المنشقين؟
تقليد  ماهو هذا التقليد؟  لا احد يموقع نفسه في تقليد ما. نحن نحيا  ونصير ( من الصيرورة) . فتاريخ الفلسفة هو نوع من اللاهوت  باعتباره بناء مجرد. فما يتعرض له الإنسان هو مجرد حوادث لا غير. من الصعب إقامة روابط بينها. بالنسبة لي أجريت لقاءات وناضلت ونشرت كتبا عديدة : فهي صيرورة بالكامل ملموسة.
كيف تجمع بين العمل النضالي والتأمل الفلسفي؟
انأ اعمل على المستويين النضالي والفلسفي منذ مدة . فلدي وجهين :الاول أكاديمي وجامعي حيث اترجم كتب هيغل إلى الايطالية. والثاني نضالي حيث اقوم بنشر كتب مبسطة للعمال مثلا التخريب في المعامل.
إذن طبعك الشرير هو يشبه إلى حد كبير السيد هيد بالنسبة للدكتور جيكيل..
ليس صحيحا . فالدكتور جيكيل طيبا والسيد هيد شريرا. في حين انا دائما يعتبرونني شريرا على الأقل عند أعدائي. من جهة انا انطونيو نغري العقل المدبر للأعمال المسلحة  اليسار المتطرف في سنوات الرصاص ؛ من جهة اخرى انا طوني نغري الأستاذ الذي يضلل التلاميذ اديولوجيا. نعم كنت  في تلك الحركات المسلحة قياديا, لكن  كنت دائما ضد العنف كممارسة. ولم اخلط بين الأعمال الموجهة ضد أدوات الاستغلال وتلك الموجهة إلى الأفراد. لكن لانكن منافقين: فالعنف حتى اللاشرعي منه يوجد في المؤسسات والعلاقات الاجتماعية. من حقنا التساؤل حوا هذه القضية.
كيف عشت مرحلة الاعتقال؟
إذا كانت لك القدرة على تحمل العذاب والألم فلن يقهرك السجن. قضيت أربع سنوات ونصف في الاعتقال الاحتياطي. المشكل ليس السجن والحرمان من الحرية بل الاعتباطية. ان تخضع في كل لحظة  لقاعدة مجردة وتجري مفاوضات بدون فائدة  مع المراقبين ؛ هذا ما لا يحتمل. مثلا لم يسمح لي بقراءة أكثر من كتابين  في اليوم. لمواصلة أبحاثي قدموا لي أصدقائي الكثير من المراجع؛ لكن كنت انتظر الكثير من الوقت للسماح لي بالاستفادة مها.بفضل تلك المراجع تعمقت في كتب الفيلسوف اسبينوزا . فانا اهتم به منذ مراهقتي وتمكنت من حفظ الكثير من كتبه على ظهر قلب.فكتابات اسبينوزا قريبة مني  لكن لم ادرسها جيدا. ومادامكان الوقت متاحا في السجن فقد انكببت على قراءة كتب اسينوزا وكتابة كتاب الشذوذ المتوحش .
فالانطولوجيا السبينوزية استرعت انتباهي  .تمكننا من فهم العالم كأفق لايمكن تجاوزه  ومسكون من طرف فرادا ت لاتمت بصلة لأي تصور متعالي ولا توجه إلى أية غائية. فالفيلسوف اسبينوزا اول فيلسوف يعطي الإطار المادي للوجود الإنساني. عل عكس عما هو موجود عند هوبز فالرغبة في الحفاظ على حياته كما يترقبها  ليست انانية ولا فجائية, حيث يصبح محبا للآخرين ولإنتاج الحقيقة.
في عام 2000 سجنت بعد عودتكم إلى ايطاليا  وفي نفس الوقت أخرجت كتابكم المشترك مع هاردت " الامبراطورية" الذ لقي رواجا عالميا رحبت به الجريدة الأمريكية نيويورك تايمز . هل ممكن ان تعرفنا بالمفهوم  المركزي "الإمبراطورية "الوارد في  تأملكم الفلسفي؟
نحن نعيش الآن في سوق دولي لم تمر البشرية بمثله في السابق. بعض المؤرخين مثلا بروديل  يعتبرون بان العولمة هي ظاهرة قديمة ,حيث كانت تجارة دولية في نهاية عصر النهضة  ؛ممكن لكن هذا السوق كان محدودا فقط في الفضاء المتوسطي ولم يصل الى
ماوراء طريق الحرير  إلى الشرق . لكن اليوم السوق فهو عالمي .بالإضافة إلى البعد البيو سياسي: اي أن الأسواق العالمية والبنيات الاقتصادية والمؤسسات السياسية وأنماط العيش مندمجة .فمفهوم البيو سيساي روجه الفيلسفو الفرنسي فوكو من اجل الفهم الى اي حد حياتنا اصبحت مستتمرة ومنظمة من طرف ما هو بيو سياسي. بالفعل انتقلنا من المجتمع التقليدي السلطوي الى مجتمع المراقبة حيث أصبحت المعايير متماثلة مع الأفراد وأدمجت في سلوكاتهم. بالنسبة للسوق العالمي طرحت هذا السؤال؟ ما هو شكل السيادة الذي يمارس على الكل بدون خارج؟ العولمة اثرت على طبيعة السلطة . الان هناك انتقال في السلط حيث نجد ان الحكومات الوطنية لا تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية ومن الان فصاعدا فالأجهزة الأممية والفرق الوطنية هي من ستضمن السيادة. فهذا المنطق الجديد للسلطة هو ما أصفه بالإمبراطورية .
انتم تؤكدون على أن السوق العالمية هي "كل بدون خارج"؟
روزا لكسميورغ أوضحت أن توسع الرأسمالية مرتبط دائما بما هو خارج. اي انه ينطلق من المركز ليمتص الأطراف .هذه الظاهرة تسمح للرأسمالية بالتوسع خارج أسوار الغرب. فمنذ فالاستعمار الاروبي لباقي مناطق العالم في القرن التاسع عشر واستيطان أمريكا للغرب الامريكي  حتى  نهاية والحرب الباردة  كانت الرأسمالية لها مركز جاذب.( مندفع نحو المركز)
لكن منذ سقوط الاتحاد السوفياتي  لم يتبقى له هامش او أطراف يمكن امتصاصها. فهذه الظاهرة تهني على المستوى الفلسفي  فالرهان هو فهم  الحقيقة  الجديدة لوحدة السلطة الامبريالية  من اجل الكشف عن نقاط ضعفها. اية سلطة ليس لها طابعا مطلقا بل
تتعرض في بعض الأحيان  للهزات : لكن الهزة الكبيرة لن تأتي من الخارج بل من الداخل وهذا المشوق
تمارس الإمبراطورية الهيمنة على الجمهور. فهذا الأخير يرجع الى الفيلسوف اسبينوزا: يعني مجموع الأفراد او الفرادات الإنسانية .فأنت توصي باستعمال مصطلح الجمهور عوض المصطلح القديم البرولياتاريا الذي تم تجاوزه؟
فمصطلحات من قبيل الشعب والبروليتاريا والطبقات الاجتماعية أصبحت في خبر كان.فالشعب ارتبط بفكرة الدولة – الامة  ,اما البروليتاريا فمرتبطة بالتقدم الصناعي في القرن التاسع العشر , اذ أن الدول الأمم اضعفت وان استغلال قوة العمل اخذ شكلا مختلفا. حيث بدا المبدأ الجديد يكمن في العمل اللامادي. والقطاع الثانوي في طريقه إلى الاندثار في الدول الصناعية لصالح قطاع الخدمات. مادام ان العمل اصبح ياخذ طابعا معرفيا وثقافيا فلا يمكننا أن نكممه . علىسبيل المثال مصورتك وهي تاخذ صورا نمطية ماذا تفعل؟ كيف نقدر هذاّ؟   ممكن ان يكون جميلا او انه بالكامل غير موفق؟ كيف نقيس ونعدد هذا العمل؟ فاللايقن يسيطر على العمل اللامادي ,فهذه المقولة لا يمكن اختزالها الى الأنشطة الثقافية أو الإبداعية. اذن لابد من ادماج المجال الوجداني الذي تطور جيدا.يتعلق الأمر بالممرضة التي تعنتي بمرضاها ومضيفة الطيران التي تهتم براكبي الطيارة .. في السابق كان الاستغلال الرأسمالي يركز على قوة العمل الخامة للعمال ومكان الاستغلال هو المعمل. فاليوم القدرات المعرفية والحاجات العاطفية هي التي تستغل .فلا يتعلق الأمر بالمعامل بل بالمتربولات – حيث يعيش اكثر من نصف البشرية – التي تمثل الآن النسيج الصناعي. فالاستغلال الذي نتعرض له الآن اكثر قساوة من السابق حيث ألان الراحة منعدمة. فعندما تشتغل بقدراتك العقلية أو بعواطفك فانت في الخدمة أربع وعشرون ساعة على أربع وعشرين ساعة.
أنت تنظر الى الجمهور كسلطة مضادة للإمبراطورية . كيف يمكن لمجموع من الأفراد المشتتين أن ينتظموا ويعيشوا عيشا مشتركا؟ 
هنا نقيس المشكل الكبير في التقليد  الفلسفي الغربي الذي حدد  مع الحداثة  الذي يسلم بهيمنة الفرد وقوة تكيفه. فالعلاقات الاجتماعية تم تنظيمها والتفكير فيها على قاعدة واحدة العقل الاداتي. مصدرها يكمن في الفرد أو في الفرادة المعزولة . في الفلسفة السياسية الحديثة منذ هوبز وروسو إلى هيغل  نجد نفس المسلمة الفرادة التي تهيكل كل العلاقات الاجتماعية.وتصور السيادة والشرعية الدستورية. فكرنا قديما بان الفرادة تعبر لان لها علاقة قوية مع الله والطبيعة او مع الفن. لكن هذا خطأ فكل فرد لن يؤمن حاجته من الغداء وتحولاته الا عن طريق الآخرين. يمكن لطفل ان يموت اذ لم يرعه شخص ما. روبنسون غير موجود ولن يوجد. لا احد يمكنه العيش لمفرده فالافراد في علاقة مع الآخرين تحت مظلة العيش المشترك. نحن نعيش في فضاء مشترك تلقائي نجدده باستمرار. ضد تعالي مفكرين العصر الحديث . فاهمية الفضاء المشترك جاءت من طرف فلاسفة اعتبرهم اكثر اهمية :اسبينوزا وميكيافيلي وماركس. حيث نجد عند ميكيافيلي تاكيد على دور الفقراء في في بناء  جمهورية عادلة وقوية , هناك امتداد قوي بين اسبيونزا وميكيافيلي في هذه النقطة ؛ بحيث أوضح اسبينوزا بان الجمهور ليس معطي بل يبنى .بالنسبة لماركس فالطبقات الاجتماعية والصراع الطبقي  يتارجح بين البعد الاقتصادي وانفتاح تحرري. فهؤلاء يدفعوننا الى التساؤل عن قضية إدارة الفضاء المشترك  باعتباره كذلك مصدر الثراء.فنحن الآن نشهد على استغلال الجمهور من طرف الإمبراطورية  التي علينا مقاومتها. فانا اقول دائما معركة سياسية واحدة تستحق التضحية   وهي معركة الحب ضد الأنانية.
هل يحملون المعارضين للعولمة مشروعا سياسيا حقيقيا؟
أنا متعاطف مع أولئك المعارضين للعولمة المتوحشة ويطالبون بعولمة بديلة  وانا قريب من المجموعة التي تحركت في جنوة عام 2001 , أثناء انعقاد القمة الصناعية الثمانية . لكن مع ذلك أرى بان الحركة الاجتماعية المطالبة بعولمة بديلة ,دخلت في أزمة عميقة بسبب عجزها عن إبداع أشكال دائمة لحضورها . فوراء هذا المشكل هناك مشكل التمثيلية. في الدول الغربية النخب ذات الانتخاب العالمي  لا تمثل مصالح المواطنين. فالتمثيل الممارس اليوم  ليس له طابع توسط اجتماعي  ولا يتناسب مع  ما طرحه منظري الديمقراطية اللبرالية . تطور وسائل الإعلام  المقومة الجديدة للتأثير الممارس من طرف وسائل الإعلام يمنع من عمله الجدي.
فالتحدي الكبير للمعارضين لعولمة هو الدخول إلى هذا الميدان  واقتراح إصلاحات مؤسساتية.
كما فهمنا فكل ذات في الدول الغربية تعاني من الانفصام: تستفيد من السوق الذي يستغلها. حيث نجد بالتزامن لجمهور والإمبراطورية كيف نتجاوز هذا التناقض؟
   فهذا التناقض قديم قدم الرأسمالية نفسها. فماركس شبه قديما العمل بعصفور حر: مع بنائه للعش يطير من هنا إلى هناك. فهذا بالتحديد عندما نحس باننا أحرار أكثر مع إنتاجيتنا ,من عبد محروم من حريته . مع تزايد العمل اللامادي والعقلي تتزايد حرية التفكير لتصيح ضرورة لنصبح منتجين. عليك ان تتحلي بقدر من التعليم , لتكون لك الاستقلالية في اتخاذ القرار. هناك سبب للأمل الحرية دخلت إلى عقل الجماهير.
ماذا تقولون حول الانتخابات الأخيرة بايطاليا؟
نتيجة الانتخابات غير واضحة على الأقل تسمح لنا بالتكهن بالمخاطر الحادقة  بالديمقراطية بايطاليا. فبيرلسكوني يمثل كل ما هو اكرهه في السياسة , لكن علينا ان نقبل بالدور البيو سياسي المتلفز من جهته, كشف عن عدمية التيار ما بعد الشيوعي الايطالي. فايطاليا أصبحت حقلا لتجارب اليمين الشعبوي كما كانت في العشرينات, لكن يجب ان نحترس الآن لان المظاهرات العنيفة من الممكن أن تظهر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق