هل من معنى للتفكير الفلسفي اليوم؟ - نور الدين الشابي - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الجمعة، 20 مارس 2020

هل من معنى للتفكير الفلسفي اليوم؟ - نور الدين الشابي

استهلال
إذا كان بعض الوضعيين المناطقة لا يرون اليوم حرجا في إعلان موت الفلسفة واعتبارها لغوا وثرثرة بتعلة أن مواضيعها القديمة قد غدت مواضيع العلوم المعاصرة بحيث لم يتبق لديها إلا المسائل الميتافيزيقية العقيمة، فإننا نعتقد أن في راهن البشرية ما يقيم الدليل على حاجتنا المتزايدة للتفكير الفلسفي: فلعلّ من أكثر مهام الفلسفة لُزوما اليوم أن تكون قولا في الرّاهن البشري والتزاما بمحاولة فهمه، وهو أمر نبّه إليه الفيلسوف الألماني المعاصر يورغن هابرماس عندما تساءل: “ما فائدة الفلسفة؟” (هابرماس، 1975، ص 25)، مبينا أنه على الفلسفة أن تتخلّى عن ادّعاء المعرفة المطلقة، وأنّه ينبغي لها أن تكون تفكيرا في شكل وجودنا، الآن وهنا. إننا نحتاج إلى تدبّر السّمة الغالبة على شكل وجودنا الرّاهن في العالم، وما يحدُث فيه، وما هو، في الحاضر، جديرٌ بالمعنى بالنّسبة إلى التّفكير الفلسفي.
ولذلك فإن مطلوبنا، في هذا المقام، ليس عرض تعريفات الفلاسفة للفلسفة تاريخيا، فأمر كهذا يظل من باب الإحصاء لا من باب النظر والتمحيص، إنما مطلوبنا التنبيه إلى ما يبرر الحاجة إلى التفكير الفلسفي في عصرنا الراهن. أعني أن الأمر لا يتعلق بالنسبة إلينا بالحديث عن الفلسفة كموضوع أو كإرث معرفي بقدر ما يتعلق بتدبر ما يجعلنا اليوم في حاجة إلى التفكير الفلسفي كممارسة ومنهج في مقاربة الأشياء وموقف من الحياة.
ولعلنا مدركون، إن نحن عمقنا النظر في راهن البشرية، أن ما يغلب على شكل وجودنا كوكبيا اليوم أمران: أولهما هيمنة القول العلمي الذي يوفر نماذج تفسيرية للأشياء والأفعال كما يقدم طرق التحكم فيها تحقيقا لبدأ النجاعة المتمثلة في السيطرة على الطبيعة وإخضاعها للإنسان، وهو ما يعبر عنه التقدم الهائل في مجال النظريات العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية المعاصرة. أما ثانيهما فهو شيوع ضروب من العنف بين البشر ما فتئت تستشري كوكبيا بشكل تراجيدي من قبيل الحروب والنزاعات والجرائم الإرهابية مع ما ولدته من مظاهر البؤس والدمار والهلع. ومن ثم فإن سؤالنا عن معنى التفكير الفلسفي اليوم إنما القصد منه البحث فيما يمكن أن يقدمه التفكير الفلسفي راهنا في مواجهة خطرين: استتباعات التقدم العلمي القائم على مبدأ النجاعة والمهدد للقيم، من جهة، واستتباعات شيوع العنف بين البشر المهدد لشروط إمكان التعايش، من جهة ثانية.
فما مستطاع التفكير الفلسفي اليوم أمام تنامي مطلب النجاعة على حساب القيم، وتنامي العنف المقوض لأسباب التعايش بين الناس؟
في السؤال عن الفلسفة
لعل ما نحتاج إليه – اليوم- هو صوت الحكمة الكامن في الإنسان، وهو الصوت الذي كانت الفلسفة تنشده مع الإغريق القدامى: أليس المعنى الاشتقاقي للفلسفة في اللغة الإغريقية هو محبة الحكمة؟ حيث أن كلمة فيلوصوفيا الإغريقية مكونة من لفظين: فيليا وتعني صداقة أو محبة، وصوفيا ومعناها الحكمة. وتعني الحكمة، عند الإغريق، المعرفة بحقائق الأشياء وامتلاكها والعمل بالفضيلة بعد معرفتها. ولكن الفيلسوف لا يدعي امتلاك الحقيقة بل هو يسعى إلى معرفتها قدر المستطاع، وهو لا يدعي الوصول إلى الحقيقة بشكل نهائي بل يراجع حتى الحقائق التي توصل إليها. ومن ثم فإن الفلسفة ليست الحكمة بل محبة الحكمة والسعي إليها. ولذلك يقول الفيلسوف الألماني المعاصر كارل يسبرس: “إن اللفظ الإغريقي فيلسوف يتعارض مع لفظ حكيم، إنه يشير إلى من يحب الحكمة تمييزا له عمن يمتلكها. إن هذا المعنى يستمر إلى اليوم، فماهية الفلسفة البحث عن الحقيقة وليس امتلاكها […] أن يكون المرء فيلسوفا هو أن يكون على الدرب، والأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة، وكل جواب يصبح سؤالا جديدا”. (Jaspers, 1964, 12).
وينبغي أن ندرك أن تعريف الفلسفة يختلف من مفكر لآخر، وهو ما يبينه مارتن هيدجير الذي يعتبر أنه لا يمكن الحديث عن إجابة وحيدة عن سؤال ما الفلسفة، بل عن عدة إجابات (Heidegger, 1958, 18).وبقطع النظر عن تعدد التعاريف فإنه يمكن أن نجيب عن سؤال ما الفلسفة بطريقتين: إما باعتماد الطريقة التاريخية المتمثلة في عرض تعاريف الفلاسفة للفلسفة تاريخيا، وإما بممارسة التفكير الفلسفي.
غير أن اعتماد المقاربة التاريخية يكتفي بعرض تعريفات الفلاسفة للفلسفة وسردها، وهي مقاربة غير شرعية للسؤال لأنها خيانة لروح الفلسفة أعني لضرورة أن نفكر بأنفسنا. حيث تجعلنا المقاربة التاريخية ندور من الخارج حول الفلسفة وفي موضع عال عليها، وبالتالي بمعزل عنها. وعلى العكس من ذلك فإن الإجابة الشرعية عن سؤال “ما الفلسفة؟” هي الإجابة التي تجعلنا نتحرك داخل الفلسفة ونقيم داخلها ونسلك وفق طريقتها. وطريقة الفلسفة هي التفكير الفلسفي الذاتي وهو المسمى التفلسف: إن خير جواب عن سؤال ما الفلسفة ليس عرض تعريفات الفلاسفة لها، لأننا نكون بذلك خارج التفكير الفلسفي بما هو تفكير ذاتي، بل إن خير جواب عن هذا السؤال هو ممارسة التفكير الفلسفي. وعوض الانشغال بسؤال ” ما الفلسفة؟ ” قد يكون من الضروري طرح سؤال ” كيف نفكر فلسفيا؟ كيف نتفلسف “؟
والجواب عن ذلك أننا نفكر فلسفيا عندما نفكر بأنفسنا، تفكيرا ذاتيا، عقليا وإشكاليا يحول بعض ما تعتبره عامة الناس بديهيات إلى مشكلات تستحق التفكير. وإن نحن فكرنا بأنفسنا في راهن البشرية تفكيرا إشكاليا أمكننا القول إن ما يغلب على هذا الراهن مبدأ النجاعة وشيوع العنف.
مطلب النجاعة وسؤال القيم
إنه لمن اليسير أن نلاحظ أن الغالب على شكل الوجود البشري اليوم هو مبدأ النجاعة المتمثل في المردودية الاقتصادية والجدوى والربح وفق مقتضيات السوق، بحيث أصبحت الأشياء تُقاس بمدى ما تحققه من منافع مادية للإنسان. ولا شك أن مطلب النجاعة مطلب أساسي للعلم الذي لا يهدف إلى تفسير الظواهر المدروسة فحسب بل يسعى إلى التحكم فيها، وهو ما مكن الإنسان من السيطرة المطردة على الطبيعة بواسطة التقنية. ومن ثم فإن الحضارة التكنوقراطية هي حضارة قائمة على حسابات إجرائية تهدف إلى إخضاع الطبيعة.
ولكن للتقدم العلمي مظاهر سلبية ما فتئت تظهر للعيان: التقنية التي اجتاحت الحياة الاجتماعية وكيفتها معها بحيث أصبحت الأدوات تسيطر على الأفراد، التلوث البيئي المهدد للطبيعة والإنسان، التسلح، التطورات الحاصلة في مجال البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية وانعكاساتها على الإنسان واقعا وقيمة…. إلخ.
ولا شك أن البيولوجيا (علم الأحياء) قد بلغت اليوم درجة هامة من درجات التطور قد تنعكس سلبا على الإنسان، وهو ما يتجلى على وجه الخصوص من خلال البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية: لقد أصبح بالإمكان التحكم في الخصائص البيولوجية للكائنات الحية والتلاعب بالجينات خلال التجارب التي تُجرى على النباتات والحيوانات، فالعلماء يتلاعبون في مخابرهم بالحشرات والطيور، فيقلبون جنسها ويغيرون سماتها البيولوجية بواسطة مواد كيميائية. وهذه التجارب تهدد باستمرار الإنسان نفسه بالتلاعب به جينيا. وهو ما توقعه عالم الأحياء الفرنسي جون روستان عندما قال في كتابه “خواطر بيولوجي”: “إن أطفالنا سيكونون غدًا مادة للتجارب، سنحدد جنسهم ونفرض عليهم، باستعمال هرمونات إضافية، شخصية معينة جسديا وذهنيا…. أما أنا فإني أفضل أن أعيش في الزمان البدائي الذي كان فيه الآباء يقنعون بمن ينجبون، لأني لست على يقين من أن هؤلاء الأبناء الذين يجيئون بالتعديل والتدبير يثيرون في أنفسنا من المشاعر ما يثيره فيها أبناؤنا”(Rostand, 1954, 36).
والحق أن التفسير العلمي البيولوجي اليوم هو بالأساس تفسير إجرائي وكمي يستبعد بطبيعته الغايات والمسألة الأخلاقية على نحو قد يفضي إلى قطيعة بين العلم والأخلاق، والحال أنهما كانا متصلين ببعضهما شديد الاتصال عند الإغريق، حيث لا معنى للحكمة النظرية أي المعرفة دون حكمة عملية قوامها الفضيلة والأخلاق. أما العقلانية العلمية الراهنة فهي عقلانية أداتية غرضها استخدام العقل ومنتجاته التقنية بهدف تحقيق المنافع المادية بمعزل عن الأبعاد القيمية. ولكن، ينبغي أن ندرك أننا نحيا في عالم من القيم التي نحتاج إليها حاجتنا إلى المنافع المادية.
ما نحتاجه اليوم تحالفٌ بين العلم والأخلاق، فالعلم المؤسس على النجاعة لوحدها لا يمكنه أن يفكر طالما أن هدفه لا يتجاوز تفسير المادة والتحكم فيها. ولكن ننسى أن الإنسان ليس مادة وليس جسدا فحسب بل هو فكر وروح: لقد لبى العلم الوضعي كل متطلبات الجسد المادية وتغاضى عن مطالب الروح القيمية، وبتعبير الفيلسوف الفرنسي المعاصر هنري برجسون، في كتابه “منبعا الأخلاق والدين”، فإن “الجسم تضخم تضخما هائلا، وظلت النفس التي تثوي فيه كما كانت، وأصبحت بالنسبة إليه صغيرة جدا، فما تملؤه، وأصبحت بالنسبة إليه ضعيفة جدا فما تستطيع أن توجهه”(برجسون،1971، ص 333).
وربما نحتاج اليوم إلى تطوير مناهجنا التعليمية بحيث تُدرس المسائل المتعلقة بالأخلاق لطلاب العلوم وغيرهم من الطلاب على نحو يجعلهم يدركون قيمة المقاربة الفلسفية للأشياء بما يسمح لهم بتحقيق ذلك التحالف بين العلم والأخلاق، بين النجاعة والقيم.
ونحن نحتاج أيضا إلى تحالف آخر هو التحالف بين الإنسان والطبيعة: لقد بين الكيميائي البلجيكي المعاصر إيليا بريغوجين، الحائز على جائزة نوبل سنة 1977، أنه قد حان الوقت حتى يتحمل الإنسان مسؤولية مغامرته استكشاف الطبيعة والسيطرة عليها وما تبع ذلك من مظاهر تدمير الطبيعة وتلويثها. وهو يدعو الإنسان إلى احترام الطبيعة والحفاظ عليها والإنصات إليها. ويدعو إلى بناء ” تحالف جديد بين الإنسان والطبيعة”((Prigogine, Stengers, 1986, 295، يعيد إحياء ذلك التحالف القديم الذي كان بين الإنسان والطبيعة عند الإغريق القدامى حين كانت سعادة الإنسان في انسجامه مع الطبيعة وموجوداتها.
وحاصل ذلك أننا نحتاج اليوم إلى عقد تحالفات جديدة بين النجاعة والقيم، بين العلم والأخلاق وبين الإنسان والطبيعة.
شيوع العنف وضرورة التعايش
أما الخاصية الثانية التي تسم العصر الراهن فهي شيوع العنف بين البشر كوكبيا. ولما كان التفكير الفلسفي تفكيرا قائما على العقل ومقصده الحكمة فإنه يرى في العنف مشكلا: لقد كان الإغريق يستخدمون لفظ “لوغوس” لتسمية العقل، غير أن نفس اللفظ يعني الخطاب والحوار، وليس ذلك من باب الصدفة لأن الحوار مظهر من مظاهر المعقولية، طالما أن خير وسيلة عقلية لإدارة الاختلاف بين البشر هو الحوار والتواصل وليس العنف. ولعل ذلك ما يفسر قول إيريك فايل في كتابه “منطق الفلسفة”: “إن العنف لمشكل بالنسبة إلى الفيلسوف”(Weil, 1967, 58). إذ أن العقل هو ما يميز الإنسان عن الحيوان وهو الذي يسمو به من كائن الغريزة والأهواء إلى كائن الفكر. غير أن راهن البشرية يشهد أن ما هو سائد، في كثير من بقاع الأرض، هو العنف وليس العقل.
ونحن نقصد بالعنف هنا كل إكراه ينزله الإنسان بالإنسان، وقد يكون جسديا أو معنويا، ظاهرا أو خفيا، ذا طابع فردي أو جماعي، وهو قائم على وهم الاعتقاد بأن القوة تصنع الحق، والحال أننا ندرك أن الحق يصنعه القانون وليس القوة.
ومن مظاهر هذا العنف تنامي سباق التسلح والحروب والنزاعات المستشرية بين البشر والتي تهدد الوجود الإنساني مع ما يصحبها من ضروب البؤس والتشريد التي تعود بالبشرية إلى مراحلها البدائية والهمجية. ولعل ذلك ما يفسر صرخة الكاتب والشاعر الفرنسي بول فاليري (1871-1945) في وجه الهمجية التي يعيشها العالم الحديث: “إنهم لا يفقهون ما يصنعون”، لأن الأمر يمكن أن ينتهي بتهديد الوجود الإنساني. وقد نكون في حاجة اليوم إلى فولتير جديد، فلقد كان فولتير مفكرا فرنسيا (1694-1778) تجرأ على نقد أشكال التعصب في عصره، وقد نكون في حاجة اليوم إلى فولتير جديد ينبه البشرية الراهنة إلى عواقب همجيتها: “من أين لنا بفولتير جديد يجرم العالم الحديث؟ لكأن كل ما بذلناه من مجهود فكري، وكل ما شهدته معرفتنا الوضعية من نمو مذهل لم يفد إلا في كونه قد زاد زيادة ساحقة ووحشية من الوسائل التي تؤدي إلى القضاء على النوع البشري، وخاصة إلى الإطاحة بما ادخره قرونا بعد قرون من آمال في تهذيب طبعه”(بول فاليري، مؤلفات، الجزء الأول).
ومن بين أشكال العنف السائدة اليوم الجرائم الإرهابية التي بلغت ذروتها خلال حدث الحادي عشر من سبتمبر. وهي جرائم مرتبطة أساسا بالتعصب، لا بالدين الإسلامي، وهو ما نبه إليه المفكران المعاصران يورغن هابرماس وجاك درّيدا: لقد بينا أن “الإرهاب العالمي” مرتبط أساسا “بالتعصب” أكثر من ارتباطه بالإسلام. فغالبا ما يُنسبُ الإرهاب اليوم إلى العرب والدّين الإسلامي، غير أن هابرماس ودرّيدا يعترضان على هذا الخلط بشكل جليّ، حيث يعتبر هابرماس أنه من الضّروري التّمييز بين الدّين الإسلامي والجماعات الإرهابية، إذ أن لجوء هذه الجماعات إلى الدّين إنما القصد منه تبرير الفعل، وأنه بإمكانها اللجوء إلى أيّ لغة أخرى لتحقيق ذلك الهدف (Habermas, 2015). والإرهاب حسب هابرماس هو الشّكل المتطرّف للعنف غير المشروع، إذ لا يحدّه قانون أو مواضعة ضمن أطر التّواصل الاجتماعي والسياسي من حوار وحِجاج وتوافق، وهو من هذه الناحية تعبير عن انقطاع التّواصل. ولمّا كان الإرهاب مجرّدا من كل أهداف سياسية واقعية وواضحة فإنه لا يزيد عن كونه ضربا من ضروب الجريمة.
وبالمثل فإن درّيدا يميّز بين الإسلام و”الإرهاب”(دريدا، 2004، ص 13). وهو يعتبر أن الإرهابيين لا يمثّلون “الإسلام”، وإن كانوا ينسبون أنفسهم إليه، كما أنهم لا يمثّلون “العرب” بالضّرورة: “يجب تقسيم، أو تمييز المجموعات التي قد نسعى إلى أن نوزّع عليها مسؤولية هذا الإرهاب: هم ليسوا “العرب” بالعموم، ولا الإسلام، ولا الشرق الأوسط العربي” (بورادوري، 2003، ص188).  ويلزم عن ذلك أن الإرهاب ليس من روح الدّين بقدر ما هو مرتبط بفهم “متطرف” للدّين. ولمفهوم “التطرف” دلالة مخصوصة، حيث يشير إلى فكرة التّشدّد وفرض الآراء: إنه تعبير يُستخدم لوصف ذهنية خاصة ذات موقف متشدد، تصرّ على فرض قناعاتها ولو كان ذلك بالقوة.
ولعله من الضروري التنبيه أيضا، في هذا السياق، إلى أن نعوم تشومسكي يؤكد بدوره على ضرورة عدم الخلط بين الإرهابيين والعرب والمسلمين، حيث يقول: ” لا يوجد شخص يتمتع بأقل قدر من العقلانية يعرّف العرب بأنهم أصوليون”(تشومسكي،2002، ص18).
وفي تقديرنا أنه بوسع الفلسفة أن تقدم الكثير اليوم لمغالبة أشكال التعصب والتشدد وذلك بتنبيه الناشئة إلى قيم التسامح والحوار وإدارة الاختلافات بواسطة الحجة والإقناع والابتعاد عن أشكال العنف المادية منها والمعنوية.
وفي هذا السياق يرى هابرماس أنه بات من الضروري اليوم التأكيد على فكرة التسامح بين الناس (بورادوري، 2003، ص91)، بحيث لا يمكن لأيّ موقف خصوصي أن يدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة على نحو يجعله يقصي، بواسطة العنف المادّي، بقيّة المواقف المختلفة عنه، فضمن هذا الأفق تكون العلاقة بين البشر علاقة تسامح في ظل قوانين تساوي بين الجميع.
خاتمة:
وجماع القول إن مطلوب الفلسفة، اليوم، أن تكون قولا في الرّاهن البشري وما يسمُه من هيمنة للنجاعة وللعنف. ويقتضي النّظر في هذين الأمرين الغالبين على شكل وجودنا البشري الراهن تدبُّر أسبابهما وسبل الحد من مخاطرهما وذلك بربط النجاعة بالقيم من جهة والتنبيه إلى شروط التعايش من قبيل التسامح والحوار والتواصل على نحو يمكن من الحد من مظاهر العنف بين البشر. ونحن نعتقد، في هذا السياق، أنه بوسع الفلسفة، كخطاب عقلي قائم على التعقل والحكمة، أن تقدم الكثير خاصة في مجالات التأليف والندوات العلمية والتربية والتعليم.
المراجع:
برجسون، هنري (1971)، منبعا الأخلاق والدين، ترجمة سامي الدروبي وعبد الله عبد الدائم، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة.
بورادوري، جيوفانا (2003)، الفلسفة في زمن الإٍرهاب، حوارات مع يورغن هابرماس وجاك درّيدا، ترجمة خلدون النبواني، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت.
تشومسكي، نعوم (2002)، 11-9، تعريب ابراهيم محمد ابراهيم، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة.
درّيدا، جاك (2004)، “إيمان ومعرفة منبعا الدين في حدود العقل”، ضمن كتاب الدّين في عالمنا، ترجمة محمد الهلالي وحسن العمراني، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء.
.Habermas, (2015), « Le djihadisme, une forme moderne de réaction au déracinement », Le Monde, 21-11-2015
.Heidegger, Martin (1958), what is Philosophy? New Haven, College and University Press, Twayne Publishers
Jaspers, Karl (1964), The way to wisdom, an introduction to philosophy, Translated by RALPH MANHEIM , Yale University Press, New Haven, Connecticut
.Prigogine (Illya), Stengers (Isabelle) (1986), La nouvelle alliance, Paris, Gallimard
.Rostand, Jean (1954), Pensées d‘un biologiste, Paris, Gallimard
.Weil, Eric (1967), Logique de la philoosophie, Paris, Vrin


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق