بعض من تأملات الظل - لبنى أحمد نور - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الخميس، 30 أبريل 2020

بعض من تأملات الظل - لبنى أحمد نور


بين الظلين أربع سنوات بالتمام. المكان نفسه، الشخص نفسه نظريًّا، لكن فعليًّا الكثير تغيَّر.
زرت دهب أول مرة مع صديقتي أماني، كنت قد أنهيت للتو الأشهر الثلاثة الأولى من عمل جديد ضاغط ومسبب للاكتئاب. قضيت أربعة أيام من السلام غير الطبيعي، وعدت للانتكاس بعدها بعنف.
في الحقيقة، ليست هذه هي الذكرى المسيطرة عليَّ الآن. في النهاية، اتضخ أن الأمر لم يكن تغيرًا وقتيًّا في المزاج، ولكنها كانت نقطة تحول، أو بالأحرى بداية فصل من فصول تحولي في السنوات الأخيرة، لكي يتخذ ظلي شكله الحالي.
أكتب الآن من مطعم على البحر، يشغل موسيقى عمرها 15 سنة على الأقل، لا تزعجني. على الطاولة المقابلة لي حبيبان. خلف الحبيبين اللذين يعبران عن عواطفهما بتلقائية، ثلاثة أصدقاء، أحدهم عرفته في حياة سابقة. ربما لم يبادلني المعرفة، أو ربما شغلته عني فكرة أخرى. الأكيد أن السكر زائد في طاجن أم علي، وليس عليّ إرغام نفسي على تناوله.
صوت الموج يغسلني. تفرجت على ثلاثة أفلام منذ أتيت إلى هنا البارحة. لو كنت في سريري في البيت، وسط الركام، لما صمدت لإكمال نصف ساعة من أحدها مهما كان جذابًا بالنسبة لي. أشياء أخرى كانت ستسلبني قدرتي على التركيز وعلى ترك نفسي للحكاية لتأخذني.
أنهيت الفيلم الثالث هنا على البحر قبل قليل. بطلة الفيلم عبارة عن يد شغوفة، انفصلت عن صاحبها من أجل الإمساك بذبابة. دفع يده ثمنًا للحاق بحلم لم يكن مقدرًا له أن يلحق به، لكن، هل هناك شيء اسمه القدر؟ أم أنك تكون سائرًا في اتجاه معين، وفجأة تقفز قفزة في اتجاه آخر بعيد عن التوقع؟ هل القفزات غير المتوقعة مقدرة هي الأخرى؟ وماذا عن فقدان أجزاء من نفسك؟ واكتساب أخرى؟ هل تتيه أجزاؤنا المفقودة وتظل تجوب الأنحاء بحثًا عنا؟ أو ربما عن خلاص ما؟
حذرتني نهى من أن سفري وحدي قد يستدعي عفاريتي الشخصية ويوقعني فريسة لها. شيء ما كان يخبرني بأن هذا لن يحدث، وكان الشيء على حق، لولا ثوان معدودة دمعت فيها بعد الفيلم الثاني، حينما هاجت مشاعري على أثر فكرة أثارها الفيلم من حيث لم يحتسب. على كل حال، الجرسون أحضر لي كوبًا آخر من الشاي ليشجعني على إنهاء طاجن السكر، ويبدو أن خطته تنجح.
هل يمكنك تخمين الظل الأحدث؟ هل يمكنك تخيل ما تغير وكيف وإلى أي مدى؟ الجلي بالنسبة لي أنني أكثر ثقة وتحققًا واتزانًا، وأنني لست حالةً ميؤوسٌ منها كما يحلو لي أن أفكر في أوقاتي السوداء. هذه المرأة ما زالت تخاف من الماء، لكنها بلا شك صارت تقطع مسافة أبعد عن الشاطئ، وتجرؤ على التخلي عن قلقها، وتحمل الحب لكل قطط العالم.
أشعر بالونس بصحبة نفسي، يروقني وجود الناس في الخلفية، ويعجبني غياب ذلك الاحتياج المريض لوجود الآخر. الآخر سيأتي حين يأتي، وسيحظى بأفضل نسخة مني ابن المحظوظة هذا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق