عبد العزيز بومسهولي - شذرات حكمية - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الاثنين، 15 يونيو 2020

عبد العزيز بومسهولي - شذرات حكمية


١الطبيعة لا تستشيرنا، لأجل كوننا كائنات معنية بالعناية، أو لكوننا غايتها الأخيرة، كما زعم عقلاؤنا الفلاسفة، بالرغم من اعتقادنا "العلموي" و"التقنوي" بالسيطرة على الطبيعة؛ ولذلك تحب الطبيعة، أن تباغتنا بما نعجز ولو مؤقتا على كشف سره؛ عل الإنسان يتذكر الوجود، أو يتذكر قليلا أن مكر الإنسان ليس إلا من مكر الطبيعة. ومعناه أن الاستخدام المفرط لمكر الإنسان، قد يسيطر على الطبيعة بالفعل، ولكنه من جهة كونه هو أيضا، وكأيتها كائنات، ينتمي للطبيعة، فإنه لا يمكنه إلا أن يكون خاضعا للطبيعة، ومهما بلغ مكر الإنسان أقصاه في التحكم في الطبيعة، فإن الطبيعة وحدها قادرة على وقف تقدم هذا الكائن الزماني في الزمان، أي توقيف إمكانياته في الاستغلال المفرط للطبيعة، وكأن الطبيعة هي من يستخدمنا، لأجل غاياتها الأخيرة، أي لأجل الطبيعة وحدها، فليس للطبيعة من غاية سوى ذاتها.
٢إن شخصية سلطوية أو متسلطة، ليست شخصية سوية، بل هي شخصية كائن جبان رعديد٬إذ لا يستطيع الشخص المهووس بالتسلط، أن يتحكم بنفسه، لعدم اقتداره على لجم جموح اندفاعاته، وضبط ميولات نفسه العدوانية؛ ولذلك فإنه يوهم نفسه المعتلة بقوة شخصيته، بل وبعظمة ذاته، من خلال تصرفاته الرعناء تجاه الغير. وإذ إنه عاجز على أن يكون صارما مع نفسه، فإنه يظهر عنفا صارما مع الغير. غير أن هذه الصرامة، وهذا العنف الذي يختبأ فيه، لا يعكس اقتداره على الوجود، وإنما يعكس كرهه لغبطة الحياة، ومتعة مشاركة الوجود، وسعادة الكينونة.
٣مع ديكارت ضد ديكارت :
ليس لأنني أفكر فأنا موجود، بل لأنني موجود فأنا أفكر، لسبب بسيط كون الفكر صفة من صفات الوجود، والصفة التي يتضمنها الجوهر، يستحيل أن تكون سابقة عليه، ولا هي متأخرة عنه، إذ هي محايثة له بوصفها ماهيته التي يطويها في ذاته. ومعناه أن الوجود يثبث الفكر، أو على الأقل يظهر ذاته من خلال الفكر، فلا يحتاج الوجود لإثبات عينه من خلال شيء يتضمنه. أي أنني أوجد وجودا منفصلا في الامتداد، ومفكرا في الآن ذاته، ولذلك فإن وجودي ينطوي بالضرورة على صفاتي، وليست الصفات إلا صور لظهور الوجود ، وهو ما يعني أن الوجود بثبث ذاته من خلالي، أي من خلال ذات تنفصل كجسد ممتد، وتفكر كروح.
ولهذا لا تحتاج الأنا، لأن تقول أنا أفكر لإثبات وجودها، تحتاج فقط لأن تقول أنا أوجد، وهذه الصيغة وحدها دالة على الكينونة، على الفكر والجسد وعلى كل ما له علاقة بالوجود.
٤كل شذرة تخلو من المفارقة الحكمية، والحكمة الفارقة، والكثافة التي تلامس تجربة الفكر القصوى، كتجربة حياة، ليست شذرة بالمعنى الجدير بشذرة الحكمة، بل هي شذرة زائفة، أو هي بالأحرى مجرد رأي، حتى ولو كانت شبيهة في الشذرة سطحا، وحتى ولو كانت حشوا بمفاهيم من أجل التهويم والإدعاء. إذ أن الشذرة ليست من قبيل الموضوعات، ولكنها من قبيل المفارقات الناشئة عن العلاقات بين الموضوعات وبين هذه الموضوعات والذوات، وبين كل ذلك وبين الأحداث. ولذلك تقول الشذرة الحدث كله، لكنها لا تفصح عن كل شيء فيه إذ أن غايتها ليست بلوغ الموضوع، وإنما تفصح عن المفارقة التي غايتها بلوغ الحدث عينه.
٥ليس طول العمر، بطول امتداد سنوات العمر، فقد يطول عمرك كما ويتقلص كيفا، أي أنك في كل الحالات لا تعيش إلا ضنك العمر، وضيق العيش، فلا تكرر سوى تجربة السأم؛ وبالتالي يكون ما قد عشته لا يساوي قدر لحظة بارقة من لحظات الوجود؛ ولكن طول العمر يقاس بامتداد اللحظة فيك، وبتغلب اقتدارك على الفرح، على ميول الحزن فيك؛ وبارتفاع منسوب شغفك وتعلقك بغبطة الوجود في الحياة، على ترددات العدم في مجرى ديمومتك. ومعناه أنك قد تعمر طويلا ولكنك لم تعش إلا نادرا، وقد لا تعمر إلا قصيرا، غير أنك تكون عشت الحياة في كمالها البهي، بحيث تكون بالفعل قد عكست العالم برمته.
٦كل جريمة ضد الإنسانية ليست شأنا داخليا قطعا، لسببين جوهريين، أولهما كون هذا النوع من الجريمة غير قابل للتخصيص، إذ أن الجريمة هي ذاتها، هنا وهناك؛ وثانيهما كون الإنسان المستهدف بالجريمة، غير قابل للتجزيئ، إذ أن الإنسان هو ذاته، هنا وهناك. ولذا يمتنع أخلاقيا، تبرير عدم إدانة أية جريمة، بغض النظر عن درجة فضاعتها، بكونها شأنا داخليا. وهذا الموقف ، ليس مجرد خيانة للإنسانية، بل هو بحد ذاته جريمة ضد الإنسانية، ما دام يمنح شرعية زائفة، لكل قوة غاشمة تنصب نفسها وصية بالإكراه على شعب ما يتطلع للحرية، بفض كل نزاع مدني حول السلطة، في أية بقعة من هذا العالم الفسيح، باستعمال القوة المفرطة التي لا تفضي سوى نحو الجريمة ضد البشرية.
٧إن العالم يمضي، وهو يمضي دون اكثراث، دون عناية بأحد، لأنه ماض بدونك أو بغيرك. ولهذا لا تغتر ولا توهم نفسك أيها الإنسان بأنك محل عناية، وعناية قصوى، بل إنك لست شيئا على الإطلاق إن لم تكن محل عنايتك بذاتك. وما دام الزمن ماضيا، أي ما دامت زمنيتك الخاصة، تمضي كأيتها أشياء في الوجود، فإن اللحظة التي تستوعبها في كيانك هي ما يتبقى لك، أي هي الفرصة الوحيدة لاستمتاعك بالوجود، غير أن هذه اللحظة لا يمكن أن تستعيدها ثانية ما دمت عاجزا بئيسا لا يحب من الحياة سوى عدم الحياة، وذلك لأنك خدلت نفسك بأن جعلت كل رهانك في الماوراء.
٨أنا لا أستطيع أن أتنفس ؛
أنا أختنق حد الموت،
يضيق العيش بي، ليس لانعدام الهواء الذي تنعم به الطبيعة علينا معا وجميعا؛
ليس لضيق الوجود الذي يجود علينا بفسحة الحياة وجودها، بل لأنك هذا الأنت - الذي لا يحتمل وجودا لا يشبهه ليس في البشرية من حيث هي بشرية، بل فقط في عرض يلحق بالبشرية أي بما اقتضته نعمة الطبيعة، وليس بالاختيار، و بما تجود به هذه الطبيعة علينا من تنوع خلاق - تجتم علي ليس بجسدك الواطي فقط، بل بكراهية لعينة أشد وطئا، بكراهية لا تجلب سوى موت بخس، وعدم مجاني. وخراب لا يحتمل رعبه.
٩من غير متناه، يستحيل أن يوجد لامتناه على الأقل من جهة منطق المفارقات، وذلك لأن المتناهي هو الذي يجعل اللامتناهي ممكنا، بالقدر الذي يعني هذا في الوقت عينه، بأن اللامتناهي ذاته، لا يستطيع إثبات لا تناهيه، إلا من خلال متناه قادر على الإثبات أي على الكلام، أي من خلال الإنسان، ولذلك كان الانسان هو ذلك الكائن المتناهي الذي يحوي اللامتناهي في جوفه، ما دام يعبر عنه من جهة الإدراك، ومادام أن كل شيء في جسده مركبا من أجزاء لخلايا لا متناهية، حتى وإن كانت قابلة للتلاشي من جديد في جوف هذا اللامتناهي المطلق.
١٠الموت المجاني، ليس مجانيا لأنه مقدر سلفا لعبث الأقدار، بل هو مجاني لطيش انفعالات حقد دفين يحول بيننا وبين ذواتنا الحقة من جهة، وبيننا وبين حق الآخر في الوجود من جهة أخرى، وذلك لأنه إذ يدفعنا إلى حرمان الغير من ذاته، فإنه في الآن ذاته يحرمنا من ذواتنا الحقة.

المصدر : كش بريس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق