النزوع الإنساني والكوني في الشّعر الصوفي ابن عربي نموذجا - د. علي كرزازي - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الخميس، 14 يناير 2021

النزوع الإنساني والكوني في الشّعر الصوفي ابن عربي نموذجا - د. علي كرزازي

من أهم خصائص التجربة الصوفية، هذا البعد الكوني الذي يسم القيم المعرفية والأخلاقية والتربوية والجمالية التي تنطوي عليها، وفي الآن ذاته، يتساوق أيما تساوق مع جوهر الشريعة وثوابت الدين الإسلامي، وكذا مع المبادئ الكونية التي تشكل المقاصد البعيدة للأديان والفلسفات الكبرى ذات العمق الإنساني.

ولن نمتر في حقيقة كون ابن عربي واحدًا من أولئك الصوفيين الذين نجحوا في جعل التصوف منجما أخلاقيا وروحيا متنوع المكونات ومتعدد المجالات وثر المسارات، ومنهلا للقيم والمثل الكونية التي يمكن أن تعتمد كقاعدة لتأسيس بنيات الحوار والتعايش والتآخي والتسامح بين المكونات الداخلية للثقافة الإسلامية من جهة، وبينها وبين الثقافات الأجنبية من جهة أخرى.

إن هذا الغنى الروحي والروحاني الذي تهبه دائرة التصوف هو ما يبدد ويحطم قلاع الاغتراب التي تطبق على الإنسان؛ وذلك من خلال التوكيد على إنسانية الإنسان بعامة وتحريره من كل قيود وتناقضات الواقع والحياة، من هنا كان هذا الحرص الأكيد من الصوفي على إيلاء الإنسان في منظومته الفكرية مكانته التي يستحقها والمستنبطة أصلا من التصور القرآني للحقيقة الإنسانية، تلك الحقيقة التي احترمت الكائن البشري وبوأته مركز الصدارة في سلم الكرامة، وأوضحت للناس أجمع أن بني البشر من طينة واحدة، وأن هذه الطينة تتساوى فيها جميع الأجناس، يقول عز وجل في تأكيده وتشديده على هذا المعطى: "ولقد كرمنا بني آدم"[1] كما بين أصل الطبيعة الإنسانية الواحد وأرومتها المتحدة، والتي استند إليها في دعوته إلى التعاطف والمحبة والتآزر والتآخي، فخاطب بني آدم كافة -دون تخصيص- بهذا النداء البليغ الذي يتوجه إلى الأصل الفطري لكل كائن من الكائنات البشرية، يقول العزيز الكريم: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به الأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا"[2].

من هذا المنطلق، اعتبر التوجيه الرباني القرآني الاعتداء على الوجود البشري اعتداء على البشرية قاطبة، مثلما أن إحياء فرد واحد هو إحياء للحقيقة الإنسانية كلها، يقول تعالى: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"[3].

وعلاوة على هذا وذاك، دعا الإسلام إلى احترام أديان الآخرين وعدم التهجم واستهجان عقائدهم وأفكارهم: "لكم دينكم ولي دين"[4]، كما نص على التعايش السلمي بين رؤى الناس ومناهجهم مقرًّا بالحق في الاختلاف في قوله سبحانه: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما أتاكم، فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"[5]. ولم يفته في هذا الباب أن يقرّ مبدأ العدل العام حتى في العلاقة مع العدو "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا"[6]، بل لم يترك سبيلا موصلا إلى التعايش والتسامح إلا وحث عليه، حتى ما تعلق بأدبيات الحوار والمجادلة، يقول عز وجل: "و قولوا للناس حسنا"[7] وكذلك: "و جادلهم بالتي هي أحسن"[8].

استنادا إلى هذه الأسس الأخلاقية والتربوية والحضارية الإسلامية -وغيرها كثير- صاغ ابن عربي -ومعه المتصوفة- نزعته الإنسانية الهادفة إلى تحقيق قيم الإخاء والتسامح والسلام والوحدة بين البشر، وهي النزعة التي يمكن تلمس أساسيتها في مذهبه الصوفي الفلسفي المتمثل في وحدة الوجود، مركزين بالأساس على بعض المقولات كـ: الإنسان، الحب، الرحمة، وحدة الأديان والإنسان الكامل.

أعلى ابن عربي من شأن الإنسان في تنظيراته معتبرا إياه مظهرا لتجليات الله وغاية غايات الوجود، بل هو مبدأ العالم ورمز الكمال المعنوي، يقول في الفصوص: "فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم فكان آدم عين جلاء تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في الاصطلاح القوم -بالإنسان الكبير-"[9] ويرى في موضع آخر، أن الله لما "أراد كمال هذه النشأة الإنسانية (....) أعطاها جميع حقائق العالم وتجلّى لها في جميع الأسماء كلها، فحازت الصورة الإلهية والصورة الكونية، وجعلها روحا للعالم (....) فلو فارق العالم هذا الإنسان مات العالم"[10].

الإنسان إذن مظهر كوني يشمل جميع المعاني الإلهية، ما دام أنه مخلوق على الصورة الإلهية، بل إنه صورة للعالم كذلك بما أنه يجمع في نشأته كل مكونات هذا العالم، ومن ثم جاءت تسميته بالعالم الصغير[11]، وبالتالي استحق بامتياز أن يكون خليفة الله في أرضه: "فلما أوجد (الله) هذا الخليفة (الإنسان) على حسب ما أوجده، قال له: أنت المرآة وبك ينظر إلى الموجودات وفيك ظهرت الأسماء والصفات. أنت الدليل علي، وجهتك خليفة في عالمك تظهر فيهم بما أعطيتك، تمدهم بأنواري، تعذبهم بأسراري، وأنت المطالب بجميع ما يطرأ في الملك"[12]، بل إن مرتبة الإنسان لتسمو عند ابن عربي على مرتبة الملائكة، إن على مستوى العلم أو العبادة، يقول: "وليس للملائكة جمعية آدم (....) وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها ولا قدسته عين تقديس آدم وتسبيحه".[13] والإنسان - بحسب مذهب وحدة الوجود- يتأله فيغدو موضوعا للخير الأسمى والعدل المطلق، وبذلك يصبح قتله مقصورا على الله وغير جائز لغيره إلا بأمره، يقول ابن عربي: "اعلم أن هذه النشأة الإنسانية بكاملها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها إما بيده -وليس إلا ذلك- أو بأمره، ومن تولاها بغير أمر الله، فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله وسعى في خراب من أمره الله بعمارته".[14]

إن قتل الإنسان من خلال هذا المنظور لا يعدو أن يكون إبطالا للغاية من إيجاد الخلق، وتعدّيا على الحق، وسيرا في طريق الشقاء: "وإذا علمت أن الله راعى هذه النشأة وإقامتها فأنت أولى بمراعاتها، إذ لك بذلك السعادة، فإنه مادام الإنسان حيا يرجى له تحصيل صفة الكمال الذي خلق له، ومن سعى في هدمه، فقد سعى في منع وصوله لما خلق له"[15].

على هذا الأساس، نافح ابن عربي عن قضية الإنسان وأحله في مركز الكون، سعيا منه إلى تجذير وتأصيل النزعة الإنسانية في فلسفته الصوفية على نحو غير مسبوق، مما يدفعنا إلى تثمين ما ذهب إليه يوسف اليوسف في قوله: "أن الإنسان الذي رآه ابن عربي بوصفه سر العالم وروحه وعلة وجوده، لا يقل عن كونه القيمة العليا التي لا تبذلها أية قيمة دنيوية أخرى، وبذلك صار الكائن البشري ماهية جليلة المقدار في مذهب الشيخ، وإذا ما تذكر المرء أن البنيوية مع مشيل فوكو قد أعلنت موت الإنسان والعالم البنيوية كليهما، فإنه سوف يدرك الفرق بين هذه الحضارة الحديثة التي أسميها حضارة السخام، وبين الحضارات القديمة التي قدست الإنسان، وجعلته الكائن الوحيد الذي يستحق السكنى إلى جوار الله سبحانه"[16].

من مستتبعات مذهب وحدة الوجود عند ابن عربي، نجد مفهوم الرحمة، وهو ومفهوم يسند ويدعم النزعة الإنسية الصوفية المبنية على التسامح والتعايش، والطامحة إلى زرع المحبة في أعماق النفوس البشرية بغية خلق عالم إنساني كله أمن وسلام، وكدأبه دائما عاد ابن عربي إلى المرجعية القرآنية السمحة كي يقبس منها ما يبني به تصوره للرحمة، حيث فصل القول بخصوص هذه الفكرة، حينما قرن في كتابه "فصوص الحكم" اسم النبي سليمان بالحكمة الرحمانية في الفص السابع عشر "فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية" مشيرا إلى أن سليمان أتى "بالرحمتين: رحمة الامتنان ورحمة الوجوب اللتان هما: الرحمن الرحيم"[17].

يقول أبو العلا عفيفي في تعليقه على هذه المسألة: "على هذين الاسمين الإلهيين: الرحمن الرحيم الوارد ذكرهما في كتاب سليمان إلى بلقيس والواردان أيضا في فاتحة كل سورة من سور القرآن الكريم، بنى ابن عربي فكرة فلسفية من أخصب الأفكار في مذهبه، وليس بين الاسمين من الناحية اللغوية فرق كبير، ولكنهما يستعملان في اصطلاحه الخاص للدلالة على الحق، باعتبارين مختلفين تمام الاختلاف؛ فالرحمن هو واهب رحمة الامتنان، والرحيم هو واهب رحمة الوجوب، ورحمة الامتنان هي الرحمة العامة الشاملة لجميع الخلق [....] فهي الرحمة التي أشار إليها في قوله: "ورحمتي وسعت كل شيء" [....] أما رحمة الوجوب، فهي التي أوجبها الحق على نفسه في قوله: "كتب ربكم على نفسه الرحمة "وفي قوله: "فسأكتبها للذين يتقون" إلخ"[18].

إجمالا يمكن التمييز لدى المتصوفين بين معنيين للرحمة: الرحمة الإلهية ويسميها ابن عربي بحضرة الرحموت؛ أي إشارة منه إلى اتساعها وشموليتها ولا نهائيتها مصداقا لقوله تعالى: "ورحمتي وسعت كل شيء"[19] حتى إنها "وسعت أسماءه، فإنها عين ذاته كعلمه كما قال على لسان الملائكة: "ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما" [سورة غافر الآية: 7] ولهذا قال الإمام المحقق جعفر بن محمد الصادق الرحمن اسم خاص أي: بالله تعالى بصفة عامة أي صفة له شاملة للكل؛ لأنه لا يمكن غيره أن يسع الكل"[20] ومن ثم يصبح اسم الرحمن مرادفا لاسم الله، وكلاهما متضمنان وجوبا لأسماء الله الحسنى يقول تعالى: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى"[21]. وهذا التضمن يدل على سريان الرحمة اللامتناهي، والذي لا تقف في وجهه الأضداد من قبيل الضار والمميت والذل؛ لأنها تنطوي في داخلها على الرحمة، ولولاها ما كانت لتعرف الرحمة الله.

لقد وازى الصوفية بين الرحمة والوجود، حينما سموا النفس الأول الذي صدر عنه الوجود بالنفس الرحماني، يقول ابن عربي: "فأول كلام شق أسماع الممكنات كلمة: كن، فما ظهر العالم إلا عن صفة الكلام وهو توجه نفس الرحمن على عين من الأعيان ينفتح في ذلك النفس شخصية ذلك المقصود، فيعبر عن ذلك الكون بالكلام وعن المتكون فيه بالنفس"[22]، هكذا إذن يتضح أن الوجود تغمره الرحمة، بل هو الرحمة الإلهية ذاتها، إذ هي الأصل في الأشياء ولا غرو إن كانت ترصع غرة ومتفتح كل سور القرآن[23] أعني البسملة بسم الله الرحمن الرحيم، يقول عبد الجبار الرفاعي في هذا الصدد: "إن افتتاح كل سورة بالبسملة يعني أن الرحمة المشبعة بالبسملة حاكمة ومهيمنة على مضمون السورة وأغراضها، فإن كان المضمون عقائديا أو غيره"[24].

وما دامت الرحمة هي أصل الوجود ومآله، فقد كان ابن عربي حسن الظن بالرحمن الرحيم، حينما قدم تفسيرا طريفا لمسألة العذاب الذي سيناله الكافرون معتبرا إياه غير العذاب الذي يفهمه أهل الظاهر، بل هو رحمة بما أنه مشتق من العذوبة، وبناء على ذلك فسر عذاب أهل النار لننتهي إلى أن كل الناس سيظفرون بالنعيم لكن بشكل متفاوت، ففي الوقت الذي سينعم فيه أهل الجنة بالقرب من الحق والنظر إليه، فان أهل النار مع نعيمهم معذبون بآلام الحجاب مما يعني أن عذابهم هذا روحي لا مادي "وهكذا ينتهي ابن عربي -وجوديا- إلى اعتبار الثواب والعقاب والخير والشر والنعيم والعذاب، وكل الثنائيات المرتبطة بوجود العالم والإنسان وجهان لحقيقة وجودية واحدة ويؤول أمر الوجود إلى الرحمة التي بدأ منها في النفس الإلهي الذي رحم به الله الأسماء من بطونها، وأظهر حقائقها، فالرحمة ما كانت إلا له من حيث أسماؤه في البداية، والرحمة لا تكون إلا له في المآل والنهاية"[25].

أما الرحمة الإنسانية، فتستشف من التصور الصوفي للعلاقة مع الآخر، ومن دفاع المتصوفة المستميت على أخلاق المحبة والود، تلك الأخلاق التي تسمو بالنفوس لتطهرها من الأدران والأغيار والأكدار وتحليها بالأنوار والأسرار لتتحقق بالمحبة الإلهية التي تجعل صاحبها يركن إلى الرحمة والرضا والعطف والشفقة والمودة، متأسيا في ذلك بنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جعل من المحبة الإنسانية خلاصة وجماع التعاليم الدينية إذ يقول: "(إن من عباد الله أناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله عز وجل)"، فقال رجل من هم وما أعمالهم؟ قال: (قوم يتحابون بروح الله عز وجل من غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها بينهم، والله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس)"[26].

استرشادا بهذا التوجيه النبوي الشريف، عمل الصوفيون على إبراز العمق الإنساني للقيم الإسلامية نظرا وسلوكا من خلال تبنيهم لمسلكيات خلقية منبنية على قواعد التضحية والتسامح وتقديم المساعدة والعون دون تمييز عرقي أو تعصب ديني، وتحفل في هذا الصدد المرويات الصوفية بالعديد من نماذج وأمثلة الخلق الصوفي في صفائه وجماله وسماحته، من ذلك تمثيلا لا حصرا حكاية أبي يزيد البسطامي مع الصبي المجوسي، والتي جاء فيها:

"بكى صبي مجوسي في جواره ليلة من الليالي، ولم يكن لهم سراج فوضع أبو يزيد السراج في كوخهم حتى سكت صبيهم بضوء السراج برا وشفقة، فقالت أم الصبي لأبيه لما حضر وكان غائبا حين بكائه: ألا ترى إلى شفقة ابن عيسى بن سروشان قد فعل مثل هذا فعجب من شفقته عليهم ودعت بركة شفقته أن أسلموا عن آخرهم"[27].

ومن حكايات هذا الصوفي التي تعكس روح الأخوة في أنبل معانيها وأسمى مقاصدها ما نصه:

"كان في جوار أبي يزيد فقيه يحسده على ما كان يجري الله على يديه، فتقدم إلى أبي يزيد رجل وقال له: إذا تبصر بنا هذا الفقيه يقول لنا: لا تشتغلوا بما لا يعنيكم، ألا تتعلمون ما ينفعكم؟ ما هذا الذي يحملكم على خدمة هذا المهووس الذي لا يحسن أن يتطهر، فقال أبو يزيد قولوا له: عليك بنفسك، فالزم دينك أن ترك عليك، فإني لا آمن عليك أن تموت حين تموت مسلما، فأخبر الفقيه بذلك فأغاضه ذلك، فقضي أن الفقيه مرض، فأوصى أن لا يدفن في مقابر المسلمين، فإنه على دين النصارى، فلما مات اختلفوا فيه فحمل إلى مقابر النصارى.

وكان أبو يزيد بعد ذلك يقول: ما شيء بأعون على أحدكم من تعظيمه لأخيه المسلم وحفظ حرمته، ولا شيء أضربكم من تهاونكم بإخوانكم وتضييع حقوقهم، وقال: أقرب الناس من الله أكثرهم شفقة على خلقه"[28].

ما يستفاد من الحكايتين هو إبداء الصوفي لروح التعايش والتآخي والتسامح والشفقة إزاء الآخر، سواء أكان مسلما أو كتابيا أو حتى مجوسيا، مما يعني تمثله (أي الصوفي) لأسمى معاني الرحمة والتقيد بها في معاملاته وسلوكه؛ وذلك نتيجة إيمانه الراسخ بأن المحبة باب مشرع على الإنسانية وفسحة رحيمة في اتجاه الآخر طافحة بالتعاطف والتحابب والعطف والبذل والحدب.

لا شك أن الجذر الروحي والروحاني الكامن في كل الأديان السماوية هو ما يعزز النزعة الإنسانية الكونية التي شدد عليها الصوفية من خلال رؤاهم الطامحة إلى تشييد عوالم ساطعة شفيفة وممتلئة بالمعنى، يجهد فيها الإنسان نفسه للاتصاف بصفات الله وأخلاقه من خلال سعيه الدؤوب للفناء فيه، وهو ما يدل عليه تعريف الجنيد للمحبة حين اعتبرها "دخول صفات المحبوب على البدل من صفات المحب"[29].

هكذا انبرى الصوفيون -كل بحسب تجربته- إلى التماهي بخلال الله والانخراط في مدياتها الرحبة في إطار مذهب وحدة الوجود الذي أصبح -بحسب يوسف اليوسف- ينبوعا لفلسفة صوفية قائمة الذات على يد ابن عربي الذي "عرض نظرية وحدة الوجود ضمن نسيج مشبع بالجدلية الشديدة [.....] وفضلا عن ذلك، فإنه قد خلص مقولة "الوجد" من ميدان التجريد الذهني القاحل إلى مناخ ذاتي يمزج الفكر بالوجدان الذوقي الشفاف، ولاسيما وجدان الحب الذي هو برهنة ضرورية لازمة لهذا المذهب الكوني الشامل".[30]

تأسيسا على ذلك، يصبح الحب هو اللبنة الأساسية في قيام صرح هذا المذهب، مادام عامل توحيد ووحدة ودعوة إلى "القبول بالآخر وجودا، بل الاعتقاد في ضرورة وجوده كمظهر من مظاهر الرحمة الإلهية التي تجلت في آيات وحقائق تتيح للإنسان فسحة الحياة بأشكال وأنماط متعددة في مجاليها ومرائيها، متوحدة في ينبوعها ومصبها"[31].

على هذا النحو، حاولت الثقافة الصوفية أن تذيب جليد الخلافات بين الإنسان وأخيه الإنسان من خلال بث روح التسامح والنظرة المتساوية إلى كل النحل والملل والنزعات متجاورة حدود الأديان وأشكال اختلافاتها، وفي هذا الإطار تأتي دعوة ابن عربي إلى دين الحب مثله في ذلك مثل ابن الفارض الذي ينشد:

ومذهبي، في الحب مالي مذهب وإن ملت يوما عنه فارقت ملّتي[32]

يستحيل الحب عند الصوفية إلى دين وعقيدة تصهر كل الأديان في بوتقة واحدة وتدمجها على أساس المحبة بين الناس؛ وذلك من منطلق أن الديانات السماوية منبعها واحد، والإيمان بالله موجود فيها جميعها على اختلاف حقيقته، والأنبياء أبناء تعلات، وأماكن العبادة على اختلافها محترمة مقدسة، والعقائد لا تؤسس على الإكراه، والإنسان في هذا الوجود ليس إلا مظهرا للتجلي والفيض الإلهي، والتعامل مع الغير قانون إلهي لا يعدو الاحترام والتقدير[33].

لا جرم إذن إذا كان التصوف الأندلسي بخاصة يعكس الكثير من الجوانب المشرقة للحضارة الإسلامية، وخاصة ما تعلق بهذا البعد الكوني في الإنسان، فهو (أي التصوف الأندلسي) ثمرة وزبدة هذا التلاقي والتلاقح الخلاق بين أبرز ديانتين سماويتين عرفهما حوض الأبيض المتوسط، وهما: المسيحية والإسلام، ولا يخفى على المرء ما تحبل به هاتان الديانتان من قيم إنسانية قائمة على التعايش والسلم والمحبة، مما يزكي ذلك البعد الوجودي والكوني للإنسان، ولعلنا نعثر على أبرز ملامح وتجليات هذا البعد الوجودي في ما بلوره ابن عربي من تصورات حول مفهوم الإنسان الكامل، وهو المفهوم الإشكالي الذي ارتبط -عنده- أشد الارتباط برؤيته لخلق العالم، والإنسان الكامل لديه هو الغاية من الخلق والمقصود من العالم، وإذا كان هذا الأخير برز عن عدم إلى وجود، فإن الإنسان بخلاف ذلك ظهر من وجود إلى وجود، يقول ابن عربي: "فجميع العالم برز من عدم إلى وجود إلا الإنسان وحده، فإنه ظهر من وجود إلى وجود، من وجود فرق إلى وجود جمع، فتغير عليه الحال من عدم إلى وجود، فبين الإنسان والعالم ما بين الوجود والعدم، ولهذا ليس كمثل الإنسان شيء"[34].

وما يزكي هذا التمييز والتفرد هو كون الإنسان الكامل مخلوق على الصورة الإلهية "خلق الله آدم على صورته"، مما أهله لحيازة صورة العالم وصورة الحق ففضل المجموع، إذ هو: "النسخة الجامعة، المختصر الشريف، حقيقة الحقائق، كل شيء، أصل العالم، مركز الدائرة، المفيض، روح العالم، نور محمد صلى الله عليه وسلم، عين الجمع والوجود، مرآة الحق والحقيقة"[35].

وبهذا الاعتبار، ارتقى الإنسان الكامل ليكون أكمل الموجودات على الإطلاق، بما أنه الغاية من الخلق وإيجاد العالم، ولذلك اعتبر ابن عربي كل ما سوى الإنسان خلق إلا الإنسان فانه خلق وحق" فالإنسان الكامل أو على التحديد النبي (ص) هو مرتبة الإجمال في مقابل التفصيل التي تبدأ بآدم، تماما كما يجمع آدم البشر فالنبي محمد (ص) يجمع العالم"[36]، وخصيصة الجمع هاته التي ليست سوى ذلك البعد الكوني الذي عنيناه سالفا، هي ما يصبغ على الوجود تلك السمة الإنسانية فـ "الكمال لا يتحقق إلا فيمن يمثل الجمع بين الواقع والمثال، وبالتالي جاز أن يكون الرسول -دون غيره- هو الذي يضفي على الوجود وعلى الخلق معنى كاملا ومعنى إنسانيا قبل كل شيء، فرسول الإسلام إذن هو قمة الكمال الإنساني، هذا الكمال الذي كان يمثله أصدق تمثيل سواء في حياته الخاصة أو في حياته المجتمعية التي تشخصت في الإسلام كدين كامل يجمع بين مختلف الحقائق والاعتبارات، سواء كانت متعلقة بحقائق المثال (عالم الغيب الميتافيزيقيا) أو حقائق الواقع"[37]. ومن ثم، فإن الإنسان الكامل هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي يجسد المعيار أو المثل الأعلى الذي يسعى الإنسان للتحقق بصفاته، ليكون إنسانا كاملا أو قطبا بحسب التعبير الصوفي.

ومن أبرز المتصوفة الذين تعرضوا لمفهوم الإنسان الكامل، نجد تلميذ ابن عربي عبد الكريم الجيلي الذي أفاد من تصورات أستاذه في هذا الباب، ليقرر أن الصورة المحمدية أو الحقيقة المحمدية هي أصل الوجود وحقيقة الحقائق السابقة لخليقة الخلائق، وبالتالي فالإنسان الكامل عنده هو الرسول (ص) والباقون من الأنبياء والأولياء والكمل صلوات الله عليهم ملحقون به لحوق الكامل بالأكمل، وقد صاغ الجيلي في هذا الشأن شعرا ضمنه مفهومه للإنسان الكامل من ذلك قوله في قصيدة له سماها ب "النوادر العينية في البوادر الغيبية":

فـيا أحدي الذات في عين كثرة               و يا واجد الأشياء ذاتك شاسـع

تجليت في الأشياء حـين خلقتها              فها هي ميطت عنك فيها البراقع

قطعت الورى من ذات نفسك قطعة                   ولم تك موصولا ولا فصل قاطع

ولكنها أحكـام رتبتك اقتضـت                ألوهية للضـد فيهـا التجامـع

فأنت الورى حقا وأنت إمامـنا                وأنت لما يعلو وما هـو واضع

وما الخلق في التمثال إلا كثلجة              وأنت بها الماء الذي هو نابـع[38].

لا شك إذن، أن الولي (الصوفي) في سعيه لحيازة رتبة الكمال، إنما يعمل على استعادة التجربة الروحية النبوية، فهذا ابن الفارض يقول:

ولي من مفيض الجمع عند سلامه على بأو أدنى إشارة نسبــة[39]

وفي شرح هذا البيت، يقول النابلسي "وقوله "من مفيض الجمع" منزله ومرسله، وهو محمد صلى الله عليه الذي تستمد الأولياء كلهم من مشكاة أنواره، ويغترفون من تيار بحار أسراره وقوله: "عند سلامه علي"، وهو قوله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، فإن الناظم قدس سره دخل في جملة عباد الله الصالحين وقوله: "بأو أدنى"؛ أي في مقام القرب المحمدي الذي حصل له صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج بحكم قوله تعالى: "فدنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى "هو مقام الجمع المحمدي، وقد حصل للناظم قدس الله سره من فيضه عليه بطريق الميراث للمقام"[40].

إن العلاقة هاهنا بين النبي والولي متأسسة بالوراثة، انطلاقا من الحديث النبوي الشهير الذي ينص على أن العلماء ورثة الأنبياء، يقول ابن عربي: "فالوارث الكامل من الأولياء منا من انقطع إلى ربه بشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن فتح الله له في قلبه في فهم ما انزل الله عز وجل على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بتجلّ إلهي في باطنه، فرزقه الفهم في كتابه عز وجل، وجعله من المحدثين في هذه الأمة، فقام له هذا مقام الملك الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رده إلى الخلق يرشدهم إلى إصلاح قلوبهم مع الله ويفرق لهم بين الخواطر المحمودة والمذمومة، ليبين لهم مقاصد الشرع وما ثبت من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لم يثبت بإعلام من الله أتاه رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما، فيرقي هممهم إلى طلب الأنفس بالمقام الأقدس ويرغبهم فيما عند الله كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالته"[41].

وباستمداده من مشكاة الحقيقة المحمدية، يكون العارف الكامل بحسب ابن عربي هو المؤهل أكثر من غيره لإدراك أن العبادة الحقة هي البحث عن الحقيقة في جميع تجليات الصور، أو لنقل هي دين الحب الشامل الذي يجلل جميع أصناف الناس من دون تمييز ولا إقصاء ليجمعهم طريق واحد تنتظم فيه العقيدة والألوهية والإنسان حول مبدأ واحد، ذلك هو الله، المثل الأعلى للخير المطلق والكمال المطلق والجمال والجلال المطلقين.

ولسنا نختلف مع الدارسين الذين رأوا في دعوة ابن عربي إلى وحدة الأديان نوعا من تجاوز صراعات وارتكاسات الواقع التاريخي للقرن السابع الميلادي، الذي كان يحبل بالصدام الديني والعنصري[42]، فضلا عن كونها توقا إلى خلق عالم حلمي مختلف تختفي فيه كل سلطة وكل علاقة بالسلطة، عالم تؤثثه لغة الحب والعشق الإلهي[43]، ويصبح فيه الصوفي أو الوالي نموذجا راقيا يشع بالنزوع الإنساني والكوني المتوهج الذي يحتضن كل الديانات والأعراق في إخاء وسلام وتسامح، تلك هي عقيدة الحب الشامل والرحمة الإلهية اللامتناهية:

لقد صار قلبي قابلا كل صورة              فمر عن لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائـــف                 وألواح توراة ومصحف قران

أدين بدين الحب أني توجهـت               ركائبه فالحب ديني وإيمانـي[44]

هكذا إذن يرسم الحب خارطة الطريق التي تسلم إلى الاتصال بالمطلق، حيث العودة إلى الأصول وتحقيق وحدة الكائن، وبذلك يتم تجاوز النفي والاغتراب، يقول أدونيس: "توضح لنا كل من التجربتين الصوفية والسوريالية، كيف أن حياة الإنسان مغامرة سفر بين حياته الزائفة الحاضرة، وبين حياته الحقيقية الغائبة، وهي مغامرة تمر في مرحلتين: وعي المنفي الداخلي - الأنا المغترب من جهة، والهبوط في النفس في أعماق الذات من جهة أخرى"[45].

تنتهي رحلة الصوفي ومع نهايتها ينمحي الاغتراب الذي طبع تجربته في القول والحياة، لكن يبقى إبداعه قراءة دائمة وموصولة لكتاب الوجود وكشفا مستمرّا لأسرار التجلي وشاهدا على "كائن يسعى إلى تكوين نفسه كذات حرة قادرة مبدعة، كائن يفيض عن كل اللغات والمقولات، وعن الأحكام والشرائع وعن كل المؤسسات والاستراتيجيات".[46]

الهوامش:

[1] سورة الكهف الآية 70

[2] سورة النساء الآية 1

[3] سورة المائدة الآية 34

[4] سورة الكافرون الآية 5

[5] سورة المائدة الآية48

[6] سورة المائدة الآية 9

[7] سورة البقرة الآية 83

[8] سورة النحل الآية125

[9] ابن عربي، فصوص الحكم، تحقيق ابو العلا عفيفي، دار الكتاب العربي، بيروت 2002. ص 49

[10] ابن عربي، الفتوحات المكية، م. س. ج 2، صادر بيروت ب. ت. ص 468

[11] المرجع السابق. ص 150

[12] ابن عربي، كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية، طبعة لندن سنة 1332ه /1919م. فون س نيبرج، الباب 17: في خواص الأسرار المودعة في الإنسان نقلا عن محمد العدولوني الإدريسي، مدرسة ابن عربي الصوفية، م س، ص 31

[13] ابن عربي، الفصوص، م س ص 51

[14] ابن عربي، فصوص الحكم / م.س. ص 167

[15] المرجع نفسه. ص 168

[16] يوسف اليوسف، ابن عربي ومذهبه الإنساني، عن جريدة الصباح ضمن موقع: www.alsabaah.com

[17] ابن عربي، الفصوص، م. س. ص 151

[18] المرجع السابق. ص ص 205-206

[19] سورة الأعراف الآية 156

[20] عبد الرزاق بن أحمد القاشاني، شرح القاشاني على فصوص الحكم، ضبطه وصححه ونسقه وعلق عليه د. عاصم الكيالي، دار الكتب العلمية، ط1 بيروت 2007. ص 291

[21] سورة الإسراء الآية 110

[22] ابن عربي، الفتوحات المكية. ج2. صادر صادر. ب. ت. ص181

[23] سورة التوبة وان كانت غير مفتتحة بالبسملة إلا أنها تضمنت العبارة بداخلها بحسب ابن عربي، انظر الفتوحات، م.س.ج3. ص ص 147-148

[24] عبد الجبار الرفاعي، إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين، عن جريدة الصباح ضمن موقع: www.alsabaah.com

[25] نصر الله حامد أبو زيد، فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي، ط5 المركز الثقافي، البيضاء، 2003م.ص 407

[26] أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء وطبقة الأصفياء، الجزء الأول دار الفكر مصر 1416ه/1996م ص 5

[27] نقلا عن أبو زيد البسطامي، سلطان العارفين في القرن الثالث الهجري ترجمة، شطحاته وفوائده، إعداد وتحقيق الشيخ أحمد فريد المز يدي، دار الكتب العلمية، الطبعة 1/2008، بيروت ص 195

[28] أدونيس، الصوفية والسوريالية، ط1 دار الساقي بيروت1992م ص ص178-179

[29] علي حرب، الممنوع والممتنع: نقد الذات المفكرة، ط2، المركز الثقافي العربي، البيضاء، 2000، ص 162

[30] المرجع نفسه. ص196

[31] نقلا عن أبي نصر السراج الطوسي، اللمع في التصوف، تحقيق: نيكلسون مطبعة ليدن 1914م.ص 86

[32] ابن الفارض، شرح القيصري على التائية، م. س. ص 195

[33] إبراهيم الوراق، التصوف وحوار الحضارات، عن مجلة أقلام ضمن موقع: www.dahsha.com

[34] ابن عربي، الفتوحات المكية، ج3.م، س. ص 390

[35] معن زيادة، الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الأول: الاصطلاحات والمفاهيم، مادة: إنسان كامل، معهد الإنماء العربي 1988م.

[36] المرجع السابق، مادة: إنسان كامل

[37] د. عبد المجيد الصغير، التصوف كوعي وممارسة: دراسة في الفلسفة الصوفية عند أحمد بن عجيبة، دار الثقافة، البيضاء، ط1/1999.

[38] عبد الكريم الجيلي، قصيدة النادرات العينية، تحقيق يوسف زيدان، دار الجبل بيروت1988 ص 74

[39] ابن الفارض، شرح القيصري على تائية ابن الفارض الكبرى، تعليق أحمد فريد المزيدي، ط1 دار الكتب العلمية، بيروت، 2004م ص 220

[40] عبد الغني النابلسي، كشف السر الغامض، مخطوط، نقلا عن د. عباس يوسف الحداد، الأنا في الشعر الصوفي، م.س. ص 267

[41] ابن عربي، الفتوحات المكية، ج1.م.س.ص 251

[42] انظر يوسف اليوسف، ابن عربي ومذهبه الإنساني، م.س. وكذلك د. نصر حامد أبو زيد، فلسفة التأويل، م.س ص 366

[43] منصف عبد الحق، الكتابة والتجربة الصوفية، نموذج محيي الدين بن عربي، ط1 مطبعة عكاظ الرباط 1988م، ص 366

[44] ابن عربي، ترجمان الأشواق، ط3 دار صادر بيروت 2003م. ص43-44

[45] أدونيس، الصوفية والسوريالية، م. س ص ص178-179

[46] علي حرب، الممنوع والممتنع: نقد الذات المفكرة، ط2، المركز الثقافي العربي، البيضاء، -2000 ص 162

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق