مَقْبُوسَةٌ من هَجِيرٍ - موسى رَحوم عبَّاس - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

مَقْبُوسَةٌ من هَجِيرٍ - موسى رَحوم عبَّاس

لأُمِّي عينان كعيني صقر

يجوسُ المكانَ من على قمةٍ عالية

لأمِّي نظرةٌ لا تخيبُ، فهي تَمِيزُ في نظرةٍ واحدة الثَّوبَ 

الذي يقتل البردَ، من الثَّوبِ الذي استنْفَدَ أيامَه الباقية!

بسرعةِ البرقِ تجدلُه كُرَةً من حِبَالٍ

أسألها عمَّا تنتوي فعله

تقول: سأصنعُ ” مسَّاكة” لأيامكَ القادِمَة

أُمِّي لا تقرأ فوكوياما 

من علَّمها أنَّ أيامي مقبوسةٌ من هجيرٍ؟!

وأنَّني كلَّما حاولتُ القبضَ على لحظةٍ هاربة

وحاولتُ أن أجعلَ هذا الزَّمانَ ناعمًا مثل قلبك

كانت أصابعي تحترق!

لم أكن أشتكي، وكنتُ ألفُّ على الجرحِ القصيدةَ 

مَنْ يُخْبِرُ أمِّي بأنَّ هذا الشِّتاءَ طويلٌ

وأنَّي غريبٌ ومنبوذٌ على أرصفةِ المُدُنِ العَابرة

وأنَّ ثيابي لمْ تَعُدْ سَاترة!

أحملُ صوتي الذي غَدا مَالحًا

صوتي  لم يَعُدْ صالحًا للغناء

أقشِّرُّ حُزْني بمِدْيةِ الصِّبر

وأنثرُ على دربِ العصافيرِ حَبَّ التَّمني 

وهذي المنافي طاحونةُ الوقتِ والأمسيات 

قالت : لا تبتئسْ فكلُّ التُّرابِ يمكنُ أن يكون قبرًا لمجهولٍ 

ويحملُ رقمًا، وحسبُ!

فقلتُ: سأحملُ ظِلِّي بعيدا، وأدفن وجهي بين نَهْديْ غَمَامة

تعلمت ألا أبوح بسرِّي لِمَنْ لا يشاركُني النَّومَ مُلْتَحِفًا بالسَّماء

بل ربَّما توسَّدتُ حلميَ في الكهفِ

وحُزْنِي بَاسِطٌ ذراعيه بالبابِ

ولا وَرِقٌ عندي؛ لأقصِدَ تلكَ المدينةَ 

ولو اطَّلعْتَ عليَّ؛ لمُلِئْتَ مِنِّيَ رُعبًا، وقلتَ: خذوه للهاوية

فلا وقتَ لكلِّ أولئك الحالمين

الذين يشعلونَ الحرائقَ في الوقتِ

ويبنون فوقَ رمالِ أوهامهم جُسُورَ العُبورِ إلى الشَّمس 

قلتُ: أمَا لبثنا ثلاثَ مائةٍ سنينَ، وازددنا ألفا؟

أما آنَ لنا أن نطيرَ مِثلَ النُّسورِ 

هناك خلفَ الدِّماءِ وأشلائنا والمسَاء؟!

هذي البلادُ كَهْفٌ من الحُزْنِ 

ونحنُ بلا عددٍ نَدْلُفُ للبحرِ 

فنبني بيوتًا تُشبهُ القبرَ في القَاعِ، لَعَلَّ الرَّصاصَ يُخْطِئُنا مَرَّةً

أو لعلَّ ريحًا تُشْبِهُ الحُبَّ تدفعنا بِلا أشْرِعَة

وكنَّا نزرعُ الرِّيحَ، فنَحْصِدُ العَاصِفَة 

وهذه الفُلْكُ التي تُبْحِرُ صَوْبَ أحزانِنا كأنَّها زَوْرَقٌ من وَرَق

وأسْألُ: أينَ طريقُ الحريرِ على الخَارِطة؟

وأينَ عناقُ الفراتِ لدجلةَ، بل أينَ أرضُ السَّواد؟ 

وهل حلبٌ هي الأخرى تركبُ هذي السَّفينَ إلى البرِّ

في الجهةِ القابلة؟

لكنَّنا لا نحملُ من كلِّ زوجين اثنين؛ لتستمرَّ الحياةُ!

لهذا أغنِّي وحيدا 

وحيدا 

وحيدا 

ولمَّا أزَلْ أبحثُ عن طريقِ التَّوابلِ، أو طريقِ الحَرِير!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق