الصديق أحمد الزيواني روائي جزائري معاصر، مختلف ومغاير
للسائد الأدبي، كونه قد اختار لنفسه مسلكا أدبيا يتخذ من البعد الصحرواي والإفريقي
فضاء تتمسرح فيه أحداث أعماله الإبداعية، فمن رواية مملكة الزيوان (2013) التي
ترسم لنا تمثيلات المجتمع في منطقة أدرار بالجنوب الغربي من الجزائر، إلى رواية
كماراد (2015) التي تفتح حديثا عن الهجرة السرية انطلاقا من دول الساحل الإفريقي
مبينا طريقها الشاق والطويل. وصولا إلى روايته الأخيرة "منّا قيامة شتات
الصحراء الصادرة عام 2021. وهي رواية تحفر في لحظة تاريخية تخص الشتات البشري الذي
خلفه جفاف وقحط 1973 في صحراء تيلمسي وأدغاغ إفوغاس من شمال مالي، هذا الشتات الذي
سيتوزع عبر مناطق مختلفة من صحراء الجزائر، خاصة مناطق تيمياوين وتمنراست وبرج
باجي مختار.
وتحيل
كلمة "منّا" (وهي باللغة التارقية)على دلالة القحط والجفاف، لهذا فإن
هذه الكلمة/الدلالة هي التي تنبني عليها جميع أحداث الرواية، فالقحط الذي أصاب
صحراء شمال مالي عام 1973 هو السبب الدافع إلى الهجرة واللجوء إلى مناطق الإغاثة
خاصة في المناطق الحدودية الجزائرية، وذلك فرارا من الموت، نحو طريق النجاة. حيث
" باتت "أهوال قيامة محققة قريبة من خيام الصحراء وحللها المرتحلة"
ويصور
عثمان/غسمان من شخصيات الرواية الحالة المزرية التي لحقت بهم جراء هذا القحط
قائلا: "ثمة أمر آخر عمدنا إليه بعد ذلك، وإن بدا طريفا، غير إنه حصل بلا
تعليق، زحفنا إلى "أقمبر" و"جنمبا" وهي جلود البقر والإبل؛
تحرق وتسحق ثم تتخذ طبيخ طعام"
كما يجتهد الروائي في رسم جملة من التفاصيل التي لها
علاقة عضوية بحياة الصحراء، مستحضرا عبر شخصيات عمله طريقة عيش القبائل التارقية سواء
في شمال مالي قبل القحط، أو في المناطق الجزائرية، برج باجي مختار وتمنراست. التي
استقر فيها السكان الناجون خاصة ما يعرف بتسمية "تهاقرت الشومارة" وهو
من الأحياء الهامشية الواقعة في مدينة تنمراست، حيث رفع هؤلاء شعار "ابني
واسكت".
يستحضر الروائي مظاهر الحياة اليومية لأهل الصحراء، وهو
ما يظهر من خلال مواطن الحديث عن بساطة هذه الحياة، فهناك وصف لبساطة طعامهم
وطريقة إعداده، مثل أكلة تاقلة المشهورة في الصحراء الكبرى، وكذا عدم تنازلهم عن
طقس جلسة إعداد وشرب الشاي، وهو طقس أساسي لدى سكان الصحراء لا يتنازلون عنه أبدا حتى
ولو كانوا في أصعب الأوقات.
ويوظف الروائي أيضا تراثا صحراويا/ تارقيا في كثير من
مواضع عمله عبر ذكر الأسماء والألقاب والأماكن والأكلات والقبائل والأعراق
والأغاني والموسيقى، والأمثلة المتداولة. فنجد توظيفه لأسماء الأماكن مثل صحراء
تيليمسي، وأدغاغ إفوغاس ومنّكا ، وأسماء الأشخاص مثل بادي ولولة وهكتا،وأخمنو،
وسوخا ...
ويتبين أيضا أن الروائي على اطلاع واسع بجغرافيا المنطقة
التي تدور فيها أحداث روايته، فهو عارف بالصحراء الكبرى، ووديانها وجبالها
وحيواناتها ومساحاتها المترامية، وهو كذلك ملم بتفاصيل حياة قبائلها وأعرافها
وثقافتها، ورؤيتها للعالم وللوجود، إذ يملك قدرة فائقة على التمييز بين القبائل
العربية، والتارقية وطريقة تعاملها مع الحياة في الصحراء رغم ما يظهر لغير العارف
مدى تشابهها إلى حدّ التطابق.
ويتخذ الروائي من صحراء شمال مالي ومناطق تمنراست وبرج
باجي مختار وأدرار وجانيت في الجزائر، وكذا مناطق من ليبيا وتشاد وجنوب لبنان فضاء
تقع فيه أبرز أحداث عمله الروائي، فشخصية "بادي" بن عثمان الأدناني
الناجي من "منّا" 1973 رفقة أهله، هي الشخصية المحورية التي تساهم في
تحريك مسار السرد.
وبادي هو أحد
أبطال الرواية الذين أخذوا على عاتقهم مهمة المساهمة في إنشاء دولة الأزواد التي وعدهم بها معمر القذافي
في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. لهذا نجده رفقة سوخا واخمنو وغلواتة وغيرهم من
شباب الشتات قد خذرهم هذا الوعد، فراحوا ينخرطون في مهمة تحقيق الحلم، (وهو ما لم
يتحقق)، ليفقدوا سنوات عديدة من شبابهم، نعم فقدوا ذلك لأنهم ببساطة وجدوا أنفسهم
منهمكين في المشاركة في حروب لا تعنيهم أصلا، فقد شاركوا في الحرب ضد الكيان
الصهيوني عام 1980، ثم انخراطهم في حرب
ليبيا ضد تشاد عام 1988، كل هذا بهدف حلم الوطن الجديد.
وتفتح الرواية حديثا عن العلاقات الإنسانية وطبيعتها في
الصحراء، فهناك حديث عن الحب الصافي الذي يجمع بين بادي وهتكا ابنة خاله، وكيف
أنها انتظرته طيلة سنوات غيابه رغم ما مرت به عائلتها من ظروف حياتية قاسية. كما
تظهر في الرواية صور وحالات التعايش بين مختلف الأعراق والقبائل التي تتقاسم
الحياة والعيش في الصحراء الكبرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق