ذٰلِكَ ٱلْشَّرَكُ ٱلْاِرْتِدَادِيُّ: يَقِينِيَّاتُ ٱلْشَّكِّ أَمْ شَكِّيَّاتُ ٱلْيَقِينِ؟ (1) - غياث المرزوق - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

السبت، 25 فبراير 2023

ذٰلِكَ ٱلْشَّرَكُ ٱلْاِرْتِدَادِيُّ: يَقِينِيَّاتُ ٱلْشَّكِّ أَمْ شَكِّيَّاتُ ٱلْيَقِينِ؟ (1) - غياث المرزوق


كَمْ مِنَ ٱلْعُمْرِ وَٱلْعُمْرِ يَقْضِي ٱلْمَرْءُ ذَائِدًا عَنْ أَفْكَارِهِ ظَنِينًا،  قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ أَنَّهُ لَمْ يَذُدْ إِلاَّ عَنْ أَفْكَارٍ أَنْبَتَهَا بِعَقْلِهِ آخَرُونَ يَقَينًا؟ 

 بِيرْتْرَانْدْ رَسِلْ 

بَلَغَنِي بالأمْسِ غيرِ البعيدِ، مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُهُ على هٰذا المَلأِ الأدْنَى، بَلَغَنِي أنَّ كاتبًا صِحَافِيًّا «قُدْسَاوِيًّا» مُتَمَرِّسًا، في تقريرِهِ الصَّحَفِيِّ الحديثِ العهدِ نسبيًّا، «جَحِيمُ الشَّكِّ أمْ نَعِيمُهُ؟» (القدس العربي، 26 أيار 2018)، كان قد أجرى مقارنةً، أو بالأحرى موازنةً، منهجيةً موضوعيةً عابرةً بين ثلاثةِ أعلامٍ فُذُوذٍ متباعدينَ تباعُدًا زمنيًّا لافتًا للاِنتباهِ: أوَّلُهُمْ، الفيلسوفُ التاريخِيُّ التونسيُّ ابنُ خلدونٍ، الذي كان ينظرُ إلى الرواياتِ التاريخيةِ كلِّها نظرًا سَبَبِيًّا (شَكِّيًّا) ويرجِّحُ الأقربَ منها إلى الحقيقةِ؛ وثانيهمْ، الفيلسوفُ الرياضيُّ الفرنسيُّ رينيه ديكارت، الذي كان يَسْعَى كلَّ السَّعْيِ إلى إدراكِ هذهِ الحقيقةِ من خلالِ تفْعِيلِ قَوْلَتِهِ الشَّكِّيَّةِ الشهيرةِ «أنا أُفَكِّرُ، إذنْ أنا مَوْجُودٌ»؛ وثالثُهُمْ وأخيرُهُم، «الفيلسوفُ» الأدبيُّ المصريُّ طه حسين، الذي قِيلَ إنَّهُ كان يَحْذُو حَذْوَ تفْعِيلِ المَقُولَةِ الشَّكِّيَّةِ الديكارتيةِ ذاتِها، وذلك التماسًا للوُصُول إلى ذاتِ الحقيقةِ من جرَّاءِ مَا قد ظُنَّ، وما انْفَكَّ يُظَنُّ، أنَّهُ سَبْرٌ وتمْحيصٌ «شَكِّيَّانِ» في دُنَى الأدبِ العربيِّ عامَّةً، وفي دُنْيَا الشعرِ الجاهلي خاصَّةً. عندئذٍ، يتساءلُ الكاتبُ الصِّحَافِيُّ تساؤُلَ الناقدِ والسَّاخرِ بكلِّ حَصَافةٍ واتِّزانٍ: بعدَ مُضِيِّ قُرونٍ مِدَادٍ من جُهُودٍ علميةٍ جادَّةٍ «مماثلةٍ» قَدْ بذلَهَا أولئك الأعلامُ الأفْذَاذُ الذينَ لمْ يَكُنْ حتى لِأيٍّ منهمْ ولا لِأيٍّ منِ أمثالهِمْ أنْ يدَّعي بامْتلاكِ ناصيةِ الحقيقةِ كاملةً، ما زلنا نقرأُ ونقرأُ في مُتونِ الكتاباتِ العربيةِ، حتى هذهِ الأيامِ العصيبةِ والعصبِيَّةِ، ما زلنا نقرأُ عباراتٍ «يقينيَّةً» مُطْلَقَةً أو بالكادِ من على شاكلةِ «مِمَّا لا شَكَّ فيهِ»، أو «مِمَّا لا يختلفُ فيهِ (أو عليهِ، أو حَوْلَهُ) اثنانِ»، أو ما شابه ذلك – فمِنْ أينَ وأيَّانَ، يا تُرى، جاءَ كَتَبَةُ هذهِ الكتاباتِ باليقينِ كلِّهِ، وقدِ اسْتنقعتْ أَلْبَابُهُمْ وأَسْبَابُهُمْ كلَّ هذا الاستنقاعِ؟ ومنْ ثمَّ، يستأنفُ الكاتبُ الصِّحَافيُّ «القُدْسَاوِيُّ» المُتَمَرِّسُ حديثَهُ بشيءٍ من الخَوْضِ في غِمَارِ الجَدَلِ التَّنَافَوِيِّ بينَ الشَّكِّ واحْتمالِ كونِهِ «جَحِيمًا» بسببٍ مِمَّا قد يقتضيهِ من مُسَاءَلةٍ وتَسَاؤلٍ لا ينتهيانِ، من جانبٍ أوَّلَ، وبينَ اليَقِينِ وتَعَذُّرِ، أو حتى اسْتحالةِ، كونِهِ «نَعِيمًا» حتى لو أدركَ المُسَائلُونَ والمتسائلُونَ إدراكًا ضَالَّتَهم، من جانبٍ آخَرَ. وفي هذا الجَدَلِ التَّنَافَوِيِّ، على سبيلِ الإرْدافِ العابرِ كذلك، ما يُذَكِّرُ بذلك الرأيِ الرشيدِ الذي ارْتَآهُ الكاتبُ والمؤرِّخُ والفيلسوفُ الفرنسيُّ الشهيرُ بحِذْقِهِ وظَرْفِهِ، ڤولْتير (فرانسوا-ماري أورويه)، ذلك الرأيِ الذي يقولُ باسِمًا ومتهكِّمًا إنَّ الشَّكَّ ليسَ فِعْلاً سَارًّا ولا عَمَلاً سَائغًا بَتَّةً، وإنَّ اليقينَ إنَّمَا هو السُّخْفُ بذاتِهِ وإنَّمَا هو العَبثُ بعينِهِ.  

 

وكما أبلغَ مَنْ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُهُ على المَلأِ الأدْنَى، فضلاً عنْ ذلك كلِّهِ، ليس ثَمَّةَ خلافٌ مبدئيٌّ يُمكنُ إبداؤُهُ البتَّةَ، ها هنا (وهٰذا البَتُّ إنْ هو إلاَّ منْ بابِ «اليقينِ» المُضَادِّ، إنْ صَحَّ ذلك)، فيما يرمي إليهِ طرحُ المقالِ الآنفِ الذِّكْرِ، وعلى الأخصِّ من حيثُ تلك الإشارةُ الجليَّةُ إلى ذينك الاستجوابِ والاستنطاقِ الذاتيَّيْنِ اللذَيَن كان الفيلسوفُ العقلانيُّ الألمانيُّ إيمانْويل كَانْتْ نفسُهُ يلجأُ إليهما على الدوام في ضوءِ ما توصَّل إليهِ من معرفةٍ حِسِّيةٍ (يقينيةٍ، أو شبهِ يقينيةٍ) عن عالم ما كانَ يُسمِّيهِ بـ«الظواهرِ» Phenomena، من طرفٍ أوَّلَ، وما توصَّل إليهِ من معرفةٍ حَدْسِيةٍ (شَكِّيَّةٍ، أو جِدِّ شَكِّيَّةٍ) عن عالم ما كانَ يَدْعوهُ بـ«البَوَاطِنِ» أو بـ«اللاظواهر» Noumena، من طرفٍ آخَرَ. إذْ أنَّ لهٰذِهِ الإشارةِ الجليَّةِ، في هذه القرينةِ بالذاتِ، أن تُفيدَ أيَّما إفادةٍ في تنبيهِ، أو حتى في تحذيرِ، أولئك الكَتَبَةِ المعنيِّينَ الذين يردِّدونَ ترديدًا في مُتونِ كتاباتِهِمْ تلك العباراتِ «اليقينيَّةَ» المُطْلَقَةَ، حينما يتحدثونَ عن قضايا فلسفيةٍ من الأهميةِ بمكانٍ، ومن هٰذا القبيلِ المعرفيِّ الحَدْسِيِّ (الشَكِّيِّ، أو الجِدِّ شَكِّيٍّ)، تحديدًا. فلا أحدَ مِنَّا، احتذاءً واقتداءً بذينك الاستجوابِ والاستنطاقِ الذاتيَّيْنِ المتواصلَيْنِ، في مقدورهِ أنْ يمتلكَ ناصيةَ اليقينِ مُطْلقًا حتى لو بلغَ من المعرفةِ الحِسِّيةِ ومن المعرفةِ الحَدْسِيةِ مبلغًا أبعدَ بكثيرٍ مِمَّا بلغَهُ إيمانْويل كَانْتْ ذاتُهُ – وهٰذا النَّفْيُ التوكيديُّ، في حدِّ ذاتِهِ، إنَّمَا يتجلَّى كمثالٍ بَيِّنٍ كلَّ البَيَانِ من أمثلةِ «مِمَّا لا شَكَّ فيهِ»، أو «مِمَّا لا يختلفُ فيهِ اثنانِ»، على سبيلِ نقيضةٍ من نقائضِ الحُجَّةِ والبُرْهانِ! وليس ثَمَّةَ خلافٌ مبدئيٌّ يُمكنُ إبداؤُهُ البتَّةَ ها هنا، علاوةً على ذلك، فيما يرمي إليهِ طرحُ التقريرِ الصَّحَفِيِّ المعنيِّ عينِهِ، وبالأخصِّ من حيثُ ذلك التلميحُ الجليُّ إلى مسألةِ مَا يؤدِّي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ ومَا تقتضيهِ هٰذهِ الشخصيةُ حُكْمًا مسبقًا من تعدُّديةِ الأقلامِ التي تكتبُ عنها ومن تعدُّديةِ الأفواهِ التي تتكلَّمُ عليها. وهٰكذا، ففي هٰذا الفعلِ ورَدِّ الفعلِ، في الوجهِ الحَميدِ من مسألةِ مَا يؤدِّي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ هٰذهِ، ففيهِ مَا يبيِّنُ كيفَ أنَّ هناك الكثيرَ من النُّزَهَاءِ والمُخْلِصِينَ والمُنْصِفينَ مِمَّنْ آثَرُوا، بطبيعةِ الحالِ، أنْ يؤازِرُوا حاكمًا عادلاً كلَّ العَدْلِ (إنْ تواجَدَ حَقًّا) مُؤازرةَ الواقفينَ اللازِبينَ إلى جانبِ الحَقِّ، في كلِّ مكانٍ وفي كلِّ زمانٍ، أيًّا كانتْ آثارُ المُغْرضينَ والوشائجِ، وأيَّةً كانتْ أسبابُ المُعْرضينَ والنتائجِ. 

 

ولكنْ، وفي هٰذا الفعلِ ورَدِّ الفعلِ ذاتِهِ، في الوجهِ الخَبيثِ المقابلِ من قضيةِ مَا يُفْضِي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ ذاتِها، مَا يوضِّحُ أيضًا كيفَ أنَّ هناك الكثيرَ الكثيرَ من السُّفَهَاءِ والمُرائينَ والمتملِّقينَ والمتزلِّفينَ مِمَّنْ كانوا، وما زالوا، يدافعونَ عن طاغيةٍ عَتيٍّ معيّنٍ دفاعًا مُسْتميتًا، على الرَّغمِ من وُجودِ، قُدَّامَ أعينهمْ، كافَّةِ الدلائلِ القطعيةِ التي تدلُّ على انتماءِ هٰذا الطاغيةِ العَتيِّ إلى هَاوِيَةِ الشَّرِّ والإثْمِ المُطْلَقَيْنِ، لا محالَ – وهٰذا الإيجابُ التوكيديُّ، في حدِّ ذاتِهِ كذلك، إنَّما يتبدَّى كمثالٍ واضحٍ كلَّ الوُضُوحِ من أمثلةِ «مِمَّا لا شَكَّ فيهِ»، أو «مِمَّا لا يختلفُ فيهِ اثنانِ»، على سبيل نقيضةٍ أخرى من نقائضِ الحُجَّةِ والبُرْهانِ! وهلْ ثَمَّةَ، حتى في عالَمِ الخيالِ، مَنْ تخْفَى عليهِ خَفَاءً بعدُ، في سياقِ هذهِ النقيضةِ الأُخرى بالذاتِ، خافيةُ الاستقراءِ بأنَّ «نيرانَ» الثورةِ المضادَّةِ التي تتأجَّجُ في أعقابِ نُشُوبِ أيَّةِ ثورةٍ شعبيةٍ في التاريخ البشريِّ، قديمِهِ وحديثِهِ، إنَّما ترتكزُ، في اشتدادِ قوَّتِها وفي استمرارِ تأثيرِها في مواجهةِ الشعوبِ الثائرةِ، أيَّما ارتكازٍ على ما يقُولُهُ قولاً وما يفْعَلُهُ فعلاً أولئك السُّفَهَاءُ والمُراؤونَ والمتملِّقونَ والمتزلِّفونَ أنفسُهُمْ؟ وهلْ ثَمَّةَ، حتى في عالَمِ الخيالِ ذاتِهِ، مَنْ تخْفَى عليهِ خَفَاءً كذاك بعدُ، في سياقِ هذهِ النقيضةِ الأُخرى ذاتِها، خافيةُ الاستنباطِ بأنَّ الفيلسوفَيْنِ الاجتماعيَّيْنِ الألمانيَّيْن الصديقَيْنِ الصَّدُوقَيْنِ كارل ماركس وفريدْريك إنْغِلْز، حينما عَمَدَا متعمِّدَيْنِ في كتابهِما ذاك المشتَرَكِ الشهيرِ بالعنوانِ التوصِيفيِّ، «الأيديولوجيا الألمانية» Die deutsche Ideologie، حينما عَمَدَا إلى نحتِ مَا اصطلحَا عليهم عَيْنَ الاصطلاحِ بـ«سِفْلةُ الطبقةِ العاملة»، أو بـ«حُثَالةُ الݒروليتاريا» Lumpenproletariat، إنَّما كانا يشيرانِ بهٰذا الاصطلاحِ الفريدِ، على وجهِ التحديدِ، إلى تلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، من شُذَّاذِ القومِ التي كانتْ، وما زالتْ، تُكَوِّنُ الأغلبيةَ السَّاحقةَ من أولئك السُّفَهَاءِ والمُرائينَ والمتملِّقينَ والمتزلِّفينَ أنفسِهِمْ؟ وتلك السِّفْلَةُ، أو تلك الحُثَالةُ، من شُذَّاذِ القومِ، في أيِّ مجتمعٍ من المجتمعاتِ البشريةِ، كانتْ، وما زالتْ، تضُمُّ بينَ أذرعِها الأحَاقِرَ من المجرمينَ والعَنَافِيطِ والأخَاسِسَ من البَوَّاقِينَ والعَضَارِيطِ والأخَاسِئَ من القَوَّادِينَ والشَّرَامِيط والأَدَانِئَ من النُّقَطَاءِ العَتُوفينَ والعِسَفَةِ العَتَفَةِ المَاهِنِينَ من غيرهِمْ ومن غيرهِمْ – هٰذا إنْ لم يُعْمَدْ، بأيِّ شيءٍ من التفصيلِ والإسهابِ، في هٰذا السياقِ، إلى ذكْرِ مَا أفرزتْهُ آفاتُ الثوراتِ المضادَّةِ على الألسُنِ المتهكِّمةِ إفرازًا إبداعيًّا، بُعَيْدَ اندلاعِ الثوراتِ الشعبيةِ «الرَّبيعيةِ» في هٰذا العالم العربيِّ الرَّثِيمِ، من مصطلحاتٍ عامِّيَّةٍ قُحًّا، كمثلِ: «الشَّبِّيحَة» و«المِنْحِبَّكْجِيَّة» و«النَّبِّيحَة» و«البَلْطَجِيَّة»، وغيرِها وغيرِها، تمامًا على غرارِ ذاك الاصطلاح الماركْسِيِّ-الإنْغِلْزِيِّ الفريدِ. 

 

لا خلافَ مبدئيًّا على كلِّ مَا قدْ أنِفَ ذِكْرُهُ، لا خلافَ بتاتًا: في الوجهِ الخَبيثِ المقابلِ من قضيةِ مَا يُفْضِي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ، يدافعُ السُّفَهَاءُ والمُراؤونَ والمتملِّقونَ والمتزلِّفونَ بالحَمِيَّةِ عن شَخْصِ الطاغيةِ العَتيِّ المَعْنِيِّ تشويهًا لوجهِ الحقيقةِ، ويتيحونَ بذاتِ الحَمِيَّةِ من ثمَّ لتلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، منهمْ أنْ يحملوا مَا يتيسَّرُ ومَا يتعسَّرُ لهُمْ من «مشاعِلِ» الثورةِ المضادَّةِ، إلى أجلٍ مَسَمًّى، حتى لو كانوا يشُكُّونَ أو يُوقِنونَ أنَّ هٰذهِ الثورةَ المضادَّةَ عينَها لا تعدُو، في واقعِ الأمرِ، أنْ تكونَ طورًا مذمُومًا من أطوارِ الثورةِ الشعبيةِ (الكونيةِ) ذاتِها، طورًا محْتُومًا زمَانيًّا ومحْسُومًا مكانيًّا مَهْمَا امْتَدَّ زمَانُهُ ومَهْمَا احْتَدَّ مكانُهُ، طورًا محْمُومًا ومسْمُومًا لا بُدَّ لهُ، من كلِّ بُدٍّ، من أنْ يسْعَى إلى حَتْفِهِ بِأظْلافِهِ، حينما تندلعُ ألْسِنَةُ اللَّهَبَانِ الخَبيءِ من جديدٍ عاليًا عاليًا، وحينما تُعْلِنُ بسَعِيرِها العَارمِ إرْهاصَاتِ الطور الأخيرِ، طورِ الحَسْمِ الثوريِّ الذَّخِيرِ، شاءتْ أرجاسُ تلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، أم أبتْ. غيرَ أنَّ ذاكَ الجَدَلَ التَّنَافَوِيَّ بينَ الشَّكِّ واحْتمالِ كونِهِ «جَحِيمًا» وبينَ نقيضِهِ اليَقِينِ وتَعَذُّرِ، أو اسْتحالةِ، كونِهِ «نَعِيمًا» لا يُؤخذُ هٰكذا على عِلاَّتِهِ بذينك التبسيطِ والاختزالِ المُفرطَيْنِ اللذينِ أشارَ إليهما الكاتبُ الصِّحَافيُّ «القُدْسَاوِيُّ» المُتَمَرِّسُ عَيْنُهُ في مقالهِ الآنفِ الذِّكْرِ في المُسْتَهَلِّ إشارةً ناقدَةً وساخرَةً بالقَصْدِ، فيمَا يتبدَّى، على الرَّغْمِ من كَوْنِ هٰذهِ الإشارةِ المقصُودَةِ قد شملتْ، بادِئَ ذِي بدْءٍ، مدى أفقيَّةِ الرُّؤْيَةِ الأُحَادِيَّةِ، في حدِّ ذاتِهَا، ومدى غنائيَّةِ هذهِ الرُّؤْيَةِ للعالَمِ وللتاريخِ، على حدٍّ سَواءٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق