ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمُوسِيقِيُّ: شِقَاقُ ٱلتَّأْيِيسِ أَمْ نِفَاقُ ٱلتَّسْيِيسِ؟ (1) - غياث المرزوق - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأربعاء، 15 فبراير 2023

ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمُوسِيقِيُّ: شِقَاقُ ٱلتَّأْيِيسِ أَمْ نِفَاقُ ٱلتَّسْيِيسِ؟ (1) - غياث المرزوق

لوحة دمشق لمحمد عبد الله غنوم


إِنَّ ٱلْكِتَابَةَ، حَتَّى فِي أَعْلَى وَفِي أَجْلَى مَرَاتِبِهَا ٱلْاِسْتِيهَامِيَّةِ، لَثَوْرَةٌ دَائِمَةٌ عَلَى حِذْقِيَّةِ ٱلْرَّاقِعِ، ثَوْرَةٌ دَائِمَةٌ عَلَى فِعْلِيَّةِ ٱلْوَاقِعِ! - جيمس جويس

 

أذكُرُ جيدًا كذلك أنَّ صَدِيقًا قريبًا لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُهُ على المَلأِ الأدْنَى كانَ قدْ ردَّ بتعقيبٍ نقديٍّ يَسْتَجْلِبُ الاهتمامَ كلَّهُ، فعلاً، على مقالِ صبحي حديدي «يومُ ليوبولد بلوم العجائبيُّ» (القدس العربي، 19 حزيران 2017) – وهو المقالُ الأخيرُ الذي يُعِيدُ بنَحْوٍ أو بآخَرَ كتابةَ كُلٍّ من مقالَيْهِ الآخَرَيْنِ، على الترتيبِ: المقالِ الآنِفِ «صورةُ جيمس جويس في شبابِهِ» (القدس العربي، 20 حزيران 2016) والمقالِ الآنَفِ «ألغازُ جويس وسُلْطَةُ المُخَيِّلَةِ» (القدس العربي، 14 حزيران 2015). فقدْ جاءتْ هذهِ المقالاتُ في أحْيَانِهَا تِبَاعًا حَوْلِيًّا، مثلما هو مألوفٌ في أدبِ، أو آدابِ، الكتابةِ النقديةِ وغيرِ النقديةِ، على حَدٍّ سِوًى، فقدْ جاءتِ احتفاءً أدبيًّا (وَوَاجِبِيًّا، كذلك) بالذكرى السَّنويةِ لِمَا يُسَمَّى محليًّا داخلَ إيرلندا وعالميًّا خارجَها بـ«يَوْمِ بْلُوم» الواقعِ في اليومِ السَّادِسَ عَشَرَ من شهرِ حزيرانَ من كلِّ عامٍ، ذلك اليومِ الذي تجري فيهِ «مَيْمَنَاتُ» الأحداثِ الظاهريةِ، جَهْرًا، و«مَشْأَمَاتُ» الأجداثِ الباطنيةِ، سِرًّا، في رائعةِ جيمس جويس «يُولِيس» Ulysses بالذاتِ (أو «عُولِيس»، كما يعرِّبُهَا اِسميًّا بعضٌ من المترجمينَ والنقَّادِ الأدبيِّينَ العربِ). ففي هذهِ الرائعةِ المتعدِّدةِ الوُجُوهِ والأقنعةِ، يتبدَّى ذلك اليومُ، والحالُ هذهِ، على اعتبارِهِ أطولَ يومٍ فَنِّيٍّ مُتَخَيَّلٍ في تاريخِ الأدبِ (الروائيِّ أو، بالحَرِيِّ، اللاروائيِّ) المكتوبِ باللغةِ الإنكليزيةِ، إنْ لمْ نقُلْ «والمكتوبِ بغيرِ اللغةِ الإنكليزيةِ»، قاطبةً. وقدْ رِيمَتْ، مَا بينَ هَزْلٍ وجِدٍّ، كتابةُ «يَوْمُ بْلُوم» Bloomsday (أو «يَوْمُبْلُوم»، نَقْحَرَةً) كتابةً لاتينيَّةً على شاكلتِها التكثيفيةِ الحَالِيَّةِ بما يُوحِي رَسْمًا ووَقْعًا إنكليزيَّيْنِ إِيحَاءً ليسَ إلاَّ، وذلك احتذاءً واقتداءً بالثورةِ اللغويةِ النفسيةِ الفريدةِ التي شنَّها جيمس جويس ذاتُهُ، من خلالِ ما انتهجَهُ من منهجٍ كتابيٍّ تركيبيٍّ وتراكُبيٍّ فريدٍ، شنًّا «حرفيًّا» وشنًّا «مجازيًّا» على بنيانِ اللغةِ الإنكليزيةِ ذاتِها، بوصفِها لغةً استعماريةً وإمبرياليةً في الصَّميمِ، وبصفتِهَا من ثمَّ لغةً عنصريةً وعِرْقِيَّةً في صَميمِ الصَّميمِ: إذْ كُتِبتْ هذهِ الكتابةُ عمدًا مُتَعَمَّدًا على خلافِ ما يُكتبُ عادةً حَسْبَمَا هوُ موروثٌ ومُتَوَارَثٌ لِسَانيًّا، جيلاً بعدَ جيلٍ، في منظُومةِ هذهِ اللغةِ اللَّدَائِنيَّةِ نَحْوًا وصَرْفًا (أيْ «يَوْمُ بْلُوم» Bloom’s Day، على وجهِ الضَّبْطِ)، كما يتوقَّعُ في الرَّسْمِ وَ/أوِ في الوَقْعِ لِسَانُ الناطقِ الإنكليزيِّ السَّلِيقِيِّ، أو حتى لِسَانُ الناطقِ الإنكليزيِّ اللاسَلِيقِيِّ. تلك، إذنْ، كانتْ ثورةً لغويةً نفسيةً فريدةً، حقًّا، بالمعنيَيْنِ السياسيِّ القريبِ والسياسيِّ البعيدِ كلَيْهِمَا، شاءَ المُسْتَعْبِدُونِ «المُسَيَّدُونَ» مِنْ زَبَانِيَةِ المُسْتَعْمِرِ الإنكليزيِّ، ومَنْ تملَّقَهُمْ (وإليهِمْ) ومَنْ دَاهَنَهُمْ ودَالَسَهُمْ (ولُهُمْ) وإلى حَدِّ التَّوَاطُؤِ الوَضِيعِ واللَّكِيعِ مِنَ المُسْتَعْبَدِينِ «المُسَيِّدِينَ» مِنْ زَبَانِيَةِ المُسْتَعْمَرِ الإيرلنديِّ ذَوَاتِهِمْ، أمْ أَبَوْا. 

لقدَ كانتْ تلك ثورةً لغويةً نفسيةً فريدةً بالمعنى السياسيِّ القريبِ، من طرفٍ، لأنَّ جويس لمْ يَكُنْ يُريدُ في طَوِيَّتِهِ، منذُ البَدْءِ، أنْ تتمخَّضَ رائعتُهُ «يُولِيس» عن عملٍ روائيٍّ بأيِّ نوعٍ من أنواعِهِ الفَنِّيَّةِ المعروفةِ في العالَمِ بأسرهِ، مثلما يَخَالُهَا العديدُ من النقَّادِ الأدبيِّينَ في بلادِ الغَرْبِ (حتى قبلَ أنْ يَخَالَهَا مثلَهُمُ العديدُ من النقَّادِ الأدبيِّينَ في بلادِ العَرَبِ)، بلْ كانَ يَرُومُ في صَرِيمَتِهِ أنْ تُسْفِرَ هذهِ الرائعةُ الاستثنائيةُ عنْ عملٍ كتابيٍّ (لاروائيٍّ) تتجلَّى فيهِ تجلِّيًا أجناسُ الكتابةِ كلُّها، وتتجلَّى فيهِ تجلِّيًا أكثرَ ما تحملُهُ هذهِ الأجناسُ بينَ طيَّاتِها من جَمَائِلَ أو قَبَائِحَ أو بينَ بينَ. كانَ يقضي يومًا بأكملِهِ، أو يزيدُ، دُونَمَا كَلَلٍ أو مَلَلٍ أو هَوَادةٍ حتى على المَأْتَاةِ ببَحْتِ جُمْلةٍ يَتِيمَةٍ، أو بمَحْضِ عبارةٍ لَطِيمَةٍ، تُحْبِرُ، في الحيِّزِ الأولِ، ذائقتَهُ المُوسِيقِيَّةَ من كلِّ جهةٍ ذاتيةٍ أو حتى موضوعيةٍ، وتسعى من ثمَّ، في الحيِّزِ الثاني، إلى إحْبَارِ الذائقاتِ المُوسِيقِيَّةِ النظيرةِ عندَ صِنْوانِهِ الظِّمَاءِ من الإيرلنديِّينَ والإيرلنديَّاتِ، أيَّةً كانتْ خلفيَّاتُهُمُ الثقافيةُ أو حتى «اللاثقافيةُ»، وتسعى، في المقابلِ، في الحيِّزِ الأخيرِ، إلى خَدْشِ أسْمَاعِ زَبَانِيَةِ المُسْتَعْمِرِ الإنكليزيِّ خاصَّةً، وإلى نَفْخِ أوْدَاجِهِمْ وإيغَارِ صُدُورِهِمْ أينما كانوا، وإلى تنغيصِ حَيَوَاتِهِمْ وتذكيرِهِمْ على الدوامِ بما ارتكبوهُ من شُرُورٍ وآثامٍ بإزاءِ بناتِ وأبناءِ هذهِ «الأمَّةِ» السِّلْتِيَّةِ الإيرلنديةِ، أو حتى الاسكتلنديةِ. وقدَ كانتْ تلك ثورةً لغويةً نفسيةً فريدةً بالمعنى السياسيِّ البعيدِ، من طرفٍ آخَرَ، لأنَّ جويس كانَ يعلمُ علمَ اليقينِ بأنَّ أيَّةَ نزعةٍ «قوميَّةٍ» تُؤَطِّرُهَا عَنْوَةً أُطُرٌ مكانيةٌ وَ/أوْ زمانيةٌ، بأيَّةِ مثابةٍ «أيديولوجيَّةٍ» موجَّهةٍ كانتْ، لا تعدو أن تكونَ، من حيثُ المبدأُ، شكلاً قميئًا من أشكالِ العنصريةِ الفِطْرِيَّةِ، أو حتى العرقيةِ الحُوشِيَّةِ، في حدِّ ذاتِها. لهذا السببِ، لمْ يَكُنْ هذا الكاتبُ العالميُّ الفذُّ، في حقيقةِ الأمرِ، يكتفي بهكذا تمرُّدٍ لغويٍّ نفسيٍّ محدَّدِ المَعَالِمِ «القوميَّةِ»، كما يُمكنُ أنْ يتراءَى على السَّطْحِ والظهرِ للرَّائي المنتمِي، أو للرَّائي اللامنتمي حتى – فقدْ كانَ هذا الكاتبُ العالميُّ عينُهُ في العُمْقِ والغَوْرِ، قَبْلَئِذٍ، قدْ تمرَّدَ خَائِلاً خَيْلُولةً مَقْصُودَةً على كلِّ «سِيمَاءٍ مُؤَسْأَسٍ» Institutionalized Countenance من سيماءَاتِ القوَّةِ، أو السُّلْطَةِ، بالذاتِ، وذلك عَبْرَ تَجْسِيدَاتِها التَّراتُبِيَّةِ السَّائدةِ، ابتداءً من تجسيدِهَا الاجتماعيِّ في العائلةِ (النَّمُوذَجِيَّةِ التقليديةِ)، واهتداءً إلى تجسيدِهَا الدينيِّ في الكنيسةِ (الكاثوليكيةِ، أو حتى البروتستانتيةِ)، ومرُورًا بتجسيدِهَا الثقافيِّ في الأكَادِيمْيَا الهَرَمِيَّةِ الجَوْفَاءِ، وانتهاءً بتجسيدِهَا السياسيِّ في الدَّوْلةِ القوميةِ العَجْفَاءِ. 

هكذا، إذنْ، كانتْ نُخْبَةُ المبادئِ التمرُّديةِ، أو النضاليةِ، التي اتَّخذَهَا جويس على المستوى المحلِّيِّ اتِّخاذًا مَسِيريًّا، قبلَ كلِّ شيءٍ، دونَ أنْ يحيدَ عنْ سَبيلِ أيٍّ من هذهِ المبادئِ قَيْدَ شَعْرَةٍ، كما حَادَ الكثيرُ من أسلافِهِ ومعاصريهِ من الكُتّابِ الإيرلنديِّينَ (المحلِّيِّينَ)، على الأخصِّ – هذا فضلاً عنْ حُيُودِ الكثيرِ المُمَاثِلِ مِمَّنْ كانوا يعتبرونَ أنفسَهُمْ أدباءَ أو شعراءَ محلِّيِّينَ، أو حتى «وطنيِّينَ»، ومِمَّنْ قدْ أثبتُوا في مُسْتَهَلِّ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ مَدَى انتهازيَّتِهِمْ ومَدَى انهزاميَّتِهِمْ أيَّما إثباتٍ داخلَ هذهِ البلادِ، بلادِ العربِ، الكئيبةِ بالذواتِ. وهكذا، إذنْ، كانتْ صَفْوَةُ المَنَاهِي الثوريةِ، أو الكفاحيةِ، التي اعتمدَهَا جويس على المستوى العالميِّ اعتمادًا مَصِيريًّا، بعدَ كلِّ شيءٍ، دونَ أنْ ينحرفَ عنْ صِرَاطِ أيٍّ من هذهِ المَنَاهِي قَيْدَ أُنْمُلَةٍ كذلك، مثلما انحرفَ العديدُ من أسلافِهِ ومعاصريهِ من الكُتّابِ الأوربيِّينَ غيرِ الإيرلنديِّينَ (العالميِّينَ)، على الأعمِّ – وهذا علاوةً أيضًا على انحرافِ العديدِ المُشَابِهِ مِمَّنْ صَاروا يظنُّونَ أنفسَهُمْ أدباءَ أو شعراءَ عالميِّينَ، أو حتى «كَوْنِيِّينَ»، ومِمَّنْ قدْ برهَنُوا في أعقابِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ ذاكَ مُنْتَهى طائفيَّتِهِمْ ومُنْتَهى عنصريَّتِهِمْ وعرقيَّتِهِم أيَّما بُرهانٍ خارجَ تلك البلادِ، بلادِ العربِ، الكَرِيبةِ بالذواتِ كذلك. فلا غَرْوَ، مِمَّا كانَ مُرْتَقَبًا من تكامُلِ أو من تعاضُدِ هذينِ المستوَيَيْنِ المحلِّيِّ والعالميِّ، أنْ يصُبَّ جويس جَامَ اكْتراثِهِ كلِّهِ (وقدْ كانَ اكتراثًا هُجَاسيًّا عُصابيًّا، ولا ريبَ) على ما يُسمَّى بـ«الإيقاعِ اللَّحْنِيِّ» Melodic Cadence للكَلِمِ إبَّانَ نَظْمِهِ إيَّاهُ في آناءِ الصَّمْتِ وفي أطرافِ الضَّجيجِ، من جانبٍ موازٍ للمستوى (المحلِّيِّ) الأول، وأنْ يصُبَّ جامَ اعتنائِهِ كلِّهِ كذلك على ما يُدْعَى بـ«التكاثُفِ الزَّمَنِيِّ» Temporal Condensation حتى بينَ إيقاعٍ لحنيٍّ وإيقاعٍ لحنيٍّ آخَرَ، بحيثُ إنَّ اللحظةَ الزمنيةَ الوحيدةَ قدْ تكونُ حُبْلى بِحُقْبَةٍ زمنيَّةٍ «لاسياسيَّةٍ» مُؤَيَّسَةٍ بِرُمَّتِهَا (أو، على النَّقيضِ، بِحُقْبَةٍ تاريخيةٍ سياسيَّةٍ أو مُسَيَّسةٍ بِكُلِّيَّتِهَا)، من جانبٍ موازٍ للمستوى (العالميِّ) الثاني – وإنَّ حَدَّ، لا بَلْ حِدَّةَ أو شِدَّةَ، هذا التكامُلِ، أو التعاضُدِ، ما بينَ المستوَيَيْنِ المَعْنِيَّيْنِ هذينِ لَهُمَا اللذانِ يُمَيِّزَانِ جويس، بوصفِهِ قائلاً ذا موهبةٍ موسيقيةٍ لاحِبَةٍ، عنْ أيِّ قائلٍ «لاروائيٍّ» قَدَامَوِيٍّ أو ما قبلَ قَدَامَوِيٍّ في الأدبِ الشِّفَاهيِّ، إنْ جازَ التعبيرُ، فيُمَيِّزَانِهِ (أي جويس) من ثمَّ، بصفتِهِ كاتبًا ذا موهبةٍ كتابيةٍ لا تقلُّ لُحُوبًا، عنْ أيِّ كاتبٍ «روائيٍّ» حَدَاثَوِيٍّ أو ما بعدَ حَدَاثَوِيٍّ في الأدبِ اللاَّشِفَاهيِّ، إنْ جازَ التعبيرُ، كذلك. 

وَلِلْحُبِّ الحقيقيِّ (الغَيْريِّ، لا الأنانيِّ)، ها هُنا، إشْرَاقَةٌ وإصْبَاحٌ يتجلَّيَانِ في مَعْمَعَانِ ذينك التمرُّدِ والثَّوَرَانِ، لا مَحَالَ: ففي ذلك اليومِ بالذاتِ على أرضِ الواقعِ، واقعِ دبلنَ المدينةِ الشَّجِينَةِ، في «يَوْمِ بْلُوم» الواقعيِّ الواقعِ في اليومِ السَّادِسَ عَشَرَ من شهرِ حزيرانَ من العامِ 1904 تحديدًا، كانَ اللقاءُ الغراميُّ الأولُ بينَ الشابِّ الدَّعَّابِ دَعَابَةً «ثقافيَّةً» أو «أدبيةً»، جيمس جويس نفسِهِ، وبينَ حبيبتهِ الشابَّةِ الدَّعَّابَةِ دَعَابَةً «لاثقافيَّةً» أو «لاأدبيةً» (أو حتى «سُوقِيَّةً»)، نورا بارْنَكِلْ، حبيبتهِ التي صَارتْ زوجتَهُ وفقًا لـ«قانُونٍ اجتماعيٍّ» خاصٍّ تَوَخَّيَاهُ فيما بعد، فصَارتْ من ثمَّ رفيقةَ عمرِهِ المستديمةَ أينما حلَّ وأينما نزلَ. وهكذا، دونَما أيِّ سابقِ إيمَاءَةٍ شاهدةٍ واعدةٍ، فقدْ كانَ الكتابُ الخالدُ «يُولِيس» ذاتُهُ بمثابةِ هديةٍ «أدبيةٍ» أو «لاأدبيةٍ» لا تُقَدَّرُ بأيِّمَا ثمنٍ كانَ من الكاتبِ العالميِّ الفذِّ إلى رفيقةِ عمرِهِ ذاتِهَا، وذلك من أجلِ تخليدِ ذلك اليومِ، يومِ لقائِهِمَا الغراميِّ الأولِ، تخليدًا عالميًّا بقدرِ ما كانَ منهجُهُ الكتابيُّ التركيبيُّ والتراكُبيُّ الفريدُ يَصْبُو إليهِ من عالميَّةٍ لا مِرَاءَ فيها – وكان ذاك الاحتفاءُ «الحَفِيُّ» العالميُّ بـ«يَوْمِ بْلُوم» داخلَ إيرلندا وخارجَها حتى هذا اليومِ، على الرَّغم من أنَّهُ لمْ يَعُدْ، في هذا اليومِ بالذاتِ، يمثِّلُ، مثلما كانَ الكاتبُ العالميُّ بالذاتِ يتمنَّى، نوعًا مُسْتَحَبًّا من أنواعِ ما يُمْكِنُ أنْ نسمِّيَهُ بـ«شِقَاقِ التَّأْيِيسِ»، لا شكلاً مُسْتَكْرَهًا، أو أكثرَ حتى، من أشكالِ ما يُمْكِنُ أنْ ندعوَهُ بـ«نِفَاقِ التَّسْيِيسِ».  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق