ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (1) - غياث المرزوق - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأربعاء، 3 مايو 2023

ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (1) - غياث المرزوق

إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْسَّاعَةِ ٱلْهَرْجَ.

قِيلَ: وَمَا ٱلْهَرْجُ؟ قَالَ: ٱلْكَذِبُ وَٱلْقَتْلُ [أَيْضًا].

قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ ٱلْآنَ؟

قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلٰكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!

ٱلْرَّسُولُ مُحَمَّدٌ

(1)

قلتُ افْتِتَاحًا في مقالٍ آنفٍ إنَّ ذٰلِكَ الغَبَاءَ القَهْرِيَّ التَّكْرَارِيَّ إنَّمَا هُوَ، بِجَلِيِّ الكلامِ، دَاءٌ نفسيٌّ عُضَالٌ يَسْتَحْوِذُ كلَّ الاسْتِحْوَاذِ على ذِهْنِيَّاتِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ كافَّتِهِمْ، أينمَا ثُقِقُوا في أرْجَاءِ هذا العَالَمِ العربيِّ المُوحِشِ واللَّهِيفِ، وفي أمثالِهِ كذلك. وقلتُ أيضًا إنَّ هذا الدَّاءَ النفسيَّ العُضَالَ، مِنْ حيثُ تكوينُهُ الفعليُّ، إنَّمَا تَبْتَنِيهِ بنْيَتَانِ نَقِيضَتَانِ في آنٍ واحدٍ، إحْدَاهُمَا بنيةٌ فِطْرَانِيَّةٌ وأُخْرَاهُمَا بنيةٌ خِبْرَانِيَّةٌ (بالمعنى المُكْتَسَبِيِّ): فهُوَ، من طرفٍ أوَّلَ، دَاءٌ فِطْرَانِيٌّ بِبُنْيَانِهِ هذا لأنَّ الطاغيةَ الفاشيَّ العَتِيَّ المُصْطَنَعَ المَعْنِيَّ ليسَ فردًا مُتَفَرِّدًا قائمًا في ذاتهِ ولِذَاتِهِ كيفمَا اتَّفَقَ، بَلْ فرعًا مُتَفَرِّعًا، في الأسَاسِ «الوَضْعِيِّ» أو شِبهِهِ، عن جَذْرٍ تَالِدٍ يتغلغلُ، أو حتى عن جُذُورٍ تليدةٍ تتغلغلُ، أيَّمَا تَغَلْغُلٍ في ثنايَا «نظامٍ كُلِّيَّانِيٍّ»  Totalitarian Regime مُفْتَعَلٍ ومُصْطَنَعٍ اصطناعًا أجنبيًّا، في الحَيِّزِ الأولِ، نظامٍ كُلِّيَّانِيٍّ لا يعْدُو كذاك أنْ يكونَ، في حقيقةِ الأمرِ، «نظامًا أبَوِيًّا» Patriarchal System وِراثِيًّا ومُتَوارَثًا يطمعُ في الدَّوَامِ المُطْلَقِ في الحُكْمِ للذُّكُورِ من «سُلالَتِهِ» دونَ غيرِهِمْ إلى يومِ يُبْعثُونَ، سَوَاءً تسرْبَلَ هذا النظامُ بِسِرْبَالٍ «مَلَكِيٍّ» أو «عَاهِلِيٍّ» سَافرٍ أم تقنَّع بِقنَاعٍ «جمهوريٍّ» أو حتى «اشتراكيٍّ» طافرٍ. وهُوَ، من طرفٍ آخَرَ، دَاءٌ خِبْرَانِيٌّ (بالمعنى المُكْتَسَبِيِّ) بِبُنْيَانِهِ كذلك لأنَّ الطاغيةَ الفاشيَّ العَتِيَّ المُصْطَنَعَ المَعْنِيَّ يَكادُ أنْ يُعيدَ للنَّاظِرِ المنتمي، أو حتى للنَّاظِرِ اللامنتمي، بِناءَ عَيْنِ المَشاهِدِ السياسيةِ، أو حتى المُسَيَّسَةِ، بالحذافيرِ طُرًّا، تلك المَشاهِدِ التي تَجَلَّى فيها مَنْ سَبَقَهُ مِنْ أسْلافِهِ مِنَ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ «الأَمَاثِلِ»، سَوَاءً أيضًا من حيثُ المَسَارُ الذَّميمُ الذي سَارُوا عليهِ وهُمْ باقُونَ، أو عَائِشُونَ، أمْ من حيثُ المَصِيرُ الدَّميمُ الذي صَارُوا إليهِ وهُمْ فانُونَ، أو سَاقطونَ – نَاهِيكُمَا، بالطبعِ، عَنْ تِبْيَانِ البحثِ العلميِّ في بنيةِ الدماغِ والجهازِ العصبيِّ تحديدًا لعَرَضِ أو أَعَرَاضِ ارتفاعِ مَنْسُوبِ ذاك الهرمونِ المُسَمَّى عُضْوِيًّا بالـ«دوپامين» Dopamine، ارتفاعًا زائدًا عن حَدِّهِ لدى فَلِّ هؤلاءِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ «الأَمَاثِلِ»، مِمَّا يمنحُهُمْ شُعُورًا مَاثلاً بِـ«الجَذَلِ» المُفْرِطِ حَدًّا وإلى حَدِّ التمثيلِ المَرَضِيِّ الخَطِيرِ لإحدى هَيْئَتَي هذا الدَّاءِ الذِّهْنِيِّ المَدْعُوِّ نفسيًّا كذاك بـ«الوُهَامِ» Paranoia، ألا وهي هَيْئَةُ «الوُهَامِ العُظَامِيِّ»، في مقابلِ هَيْئَةِ «الوُهَامِ الصُّغَارِيِّ» التي يعرضُونَهَا في حالاتٍ سريريَّةٍ معيَّنَةٍ أٌخرى كذلك. وقد كانَ الكلامُ الجَلِيُّ في مُتَتَالِيَةِ أقسَامِ هذِهِ المقالاتِ كلِّهَا، أو حتى جُلِّهَا، يدورُ حولَ فَلِّ أولئك الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ من ذاك النظامِ الكُلِّيَّانِيِّ ذاتِهِ لدَى تَقَنُّعِهِ بِقناعٍ «جمهوريٍّ»، أو «اشتراكيٍّ»، ابتداءً من نشوءِ مَا سُمِّيَ، حينَئذٍ، بـ«حركاتِ التحرُّرِ الوطني»، أو بـ«حركاتِ التحرُّرِ القومي»، بُعَيْدَ أوَارِ «الحربِ العالميةِ الثانيةِ» WWII، وانتهَاءً باندلاعِ، لا بَلِ استمرَارًا وإكمَالاً، لِنشُوبِ نيرَانِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ هذا الذي سُمِّيَ بـ«الرَّبيعيِّ» خلالَ هذا العقدِ الدَّمَوِيِّ والدَّامِي من هذا الزمانِ المُدَمَّى – وعلى الأخصِّ في تلك البلدانِ العربيةِ التي تقنَّعتْ طَبَقَاتُ حُكْمِهَا بالقناعِ «الجمهوريِّ»، أوِ «الاشتراكيِّ»، المُتَكَلَّمِ عنهُ هٰهُنا في كلٍّ من تونسَ وليبيا ومصرَ واليمنِ وسوريا، على أقلِّ تقديرٍ (اُنْظُرَا، أيضًا، القِسْمَ الثانيَ مِنْ مَقَالِي: «ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّعَلُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّغَلُّمِ؟» (2)، للمَزِيدِ مِنَ الاطِّلاعِ).

بَيْدَ أنَّ سَيْرُورَةَ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ المُسَمَّى بـ«الرَّبيعيِّ» في هذِهِ البلدانِ العربيةِ بالذاتِ، وبالأخصِّ في البلدينِ المذكورَيْنِ الأخيرَيْنِ منهَا، في واقعِ الأَمْرِ، لمْ تَكُنْ سَيْرُورَةً دائبةً ذلك الدُّؤُوبَ الذي كانَ يُؤْمَلُ منهُ أنْ يَشْرَحَ الصُّدُورَ وأنْ يُثْلِجَ القُلوبَ من المعنيِّينَ بهكذا أَمْرٍ، ذلك الدُّؤُوبَ نحوَ حُرِّيَّةٍ وعدالةٍ اِجتماعيَّةٍ كانتْ شُعُوبُ هذِهِ البلدانِ المقهُورةُ من كلِّ الجِهَاتِ، ومَا بَرِحَتْ كذاك، تَتُوقُ إليهِمَا أيَّمَا تَوَقَانٍ، كبدايةٍ لحَاضِرٍ جَديدٍ وبدايةٍ لمستقبلٍ مَجيدٍ. ومَرَدُّ ذلك، في التحليلِ المفيدِ أولاً وآخرًا، إلى رُجْحَانِ كَفَّةِ الميزانِ، ميزانِ الرَّيْهِ والهَيَجَانِ، رُجْحَانًا زمنيًّا ليسَ غيرَ في الوَجْهِ الخَبيثِ المقابلِ (للوَجْهِ الحَميدِ أو السَّليمِ) من قضيةِ مَا يُفْضِي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ، عندمَا يدافعُ أولئك السُّفَهَاءُ والمُراؤونَ والمتملِّقونَ والمتزلِّفونَ، على اختلافِ مَشَارِبِهِمْ ومَآرِبِهِمْ، عندمَا يدافعونَ عمدًا، وحتى هذِهِ اللحظةِ بالذاتِ، عن شَخْصِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ (كمثلِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، وأمثالِهِمَا) تشويهًا وتشنيعًا سَافِرَيْنِ وصَارِخَيْنِ لوَجْهِ الحقيقةِ، وعندمَا يتيحُونَ من ثمَّ لتلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، منهمْ أنْ يحملوا مَا يتيسَّرُ وَ/أوْ مَا يتعسَّرُ لَهُمْ من «مشاعِلِ» الثَّوَرَانِ المُضَادِّ، إلى أجلٍ مَسَمًّى، حتى لو كانوا يظنُّونَ أو يُوقِنونَ أنَّ هذا الثَّوَرَانَ المُضَادَّ عينَهُ لا يعدُو أنْ يكونَ، إبَّانَ المَسَارِ التاريخيِّ «الطبيعيِّ»، طورًا مذمُومًا من أطوارِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ (الكونيِّ) ذاتِهِ، طورًا محْتُومًا زمَانيًّا ومحْسُومًا مكانيًّا مهمَا امتدَّ زمَانُهُ ومهمَا اتَّسَعَ مكانُهُ، طورًا محْمُومًا ومسْمُومًا لا بُدَّ لَهُ، من كلِّ بُدٍّ، من أنْ يسْعَى دائبًا إلى حَتْفِهِ بِأظْلافِهِ، حينمَا تندلعُ ألْسِنَةُ اللَّهَبَانِ الخَبِيءِ من جديدٍ عاليًا عاليًا، وحينمَا تُعْلِنُ هذهِ الألْسِنَةُ إعلانًا بسَعِيرِهَا العَارمِ إرْهاصَاتِ الطورِ القَرَاريِّ الأخيرِ، طورِ الحَسْمِ الثوريِّ الذَّخِيرِ ومَا بَعْدَ الأخيرِ والذَّخِيرِ، شاءَتْ أرْجَاسُ تلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، ومَنْ تُكِنُّ الوَلاءَ لهُمْ من لفيفِ أسيادِهَا من الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أولئك، أمْ أبتْ. ففي «مَعْمَعَانِ» هذا الطورِ المذمُومِ والمحْمُومِ والمَسْمُومِ في حدِّ ذاتِهِ، طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ المحْتُومِ والمحْسُومِ الذي تمرُّ بِهِ سَيْرورةُ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ المَدْعُوِّ بـ«الرَّبيعيِّ» في تلك البلدانِ العربيةِ الآنفةِ الذكرِ (إذْ يتبدَّى هذا الطورُ في ترميمِ الوِفَاقِ الدبلوماسيِّ من جديدٍ كذاك لاستعادةِ أولئك الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ «العَقُوقِينَ» منهُمْ إلى حظيرةِ الطغيانِ والاستبدادِ القديمةِ، تمَامًا مثلمَا يَحْصُلُ الآنَ في هذا الاستقطابِ الإفْكِيِّ والنِّفَاقِيِّ لِعَيْنِ الطاغيةِ الفاشيِّ الإجرَاميِّ بشار الأسد بالذاتِ)، ينجلي الآنَ كذاك كلَّ الانجلاءِ عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» منفصلانِ انفصَالاً ظاهريًّا ولكنَّهُمَا في جوهرِ الشَّأْنِ مكمِّلانِ لبعضِهِمَا البعضِ، أوَّلُهُمَا داخليٌّ مَرْئِيٌّ مباشرٌ وثانيهُمَا خارجيٌّ لامَرْئِيٌّ لامباشرٌ، عاملانِ قَمْعِيَّانِ ليسَ لَهُمَا إلاَّ أنْ يَعْمَلا بِدَأَبٍ مَصُونٍ على إدَامَةِ هذا الطورِ الثَّوَرَانِيِّ المُضَادِّ ذاتًا، وعلى دَيْمُومَةِ مُنْتَهَاهُ من ثَمَّ، بأيَّتِمَا ذريعةٍ سياسيةٍ براغماتيةٍ كانتْ، حتى لو كانتْ هذِهِ الذريعةُ لاأخلاقيةً في الصَّمِيمِ، وحتى لو كانتْ هذهِ الذريعةُ لاإنسَانيةً، لا بَلْ مَا دُونَ-حَيَوانِيَّةً حتى، في صَمِيمِ الصَّمِيمِ.

يتبدَّى العاملُ القَمْعِيُّ الداخليُّ المَرْئِيُّ المباشرُ، من جانبٍ أوَّلَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ العسكريِّ و«السَّمْكريِّ» الجَلِيِّ الذي كانَ فَلُّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، في «الجمهورياتِ» أو في «الاشتراكيَّاتِ»، ومَا انفكُّوا كذاك، يتولَّوْنَ القِيَامَ بِهِ على أكملِ وَجْهٍ بكلِّ مَا أُوتوا «مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ»، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، كَمَا ذُكِرَ تَوًّا. ففي قرينةِ هذا المَآلِ الوَخِيمِ الذي آلَتْ إليهِ الآنَ «سوريا» الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الأوَّلِ، على سبيلِ التمثيلِ المُؤَوَّلِ، فإنَّ مَا يُسَمَّى بـ«عَسْكَرةِ» الثَّوَرَانِ الشعبيِّ «الرَّبيعيِّ» التي تُؤْخَذُ غالبًا كمأخَذٍ جِدِّ سَلبيٍّ على هذا الثَّوَرَانِ بالذاتِ لَمْ تَجِئْ، بادئَ ذي بدءٍ، بمثابةِ قرارٍ إراديٍّ تبنَّاهُ أيُّ طرفٍ من الأطرافِ شعبيٍّ ثائرٍ على الطغيَانِ والاستبدَادِ هكذا عنوةً، بلْ جاءتْ بمثابةِ ردِّ فعلٍ مؤجَّلٍ أيَّمَا تأجيلٍ، بعدَ أنْ بلغَ السَّيْلُ الزُّبَى، على مَا قامَ بِهِ أزلامُ النظامِ الأسديِّ الطائفيِّ المَافْيَويِّ الإجراميِّ من عَسْفٍ واعتسَافٍ عسكريَّيْنِ بحقِّ العُزَّلِ مِمَّنْ ثارُوا ثَوَرَانًا سلميًّا، في المقامِ الأوَّلِ. حتى أنَّ هذا النظامَ الأسديَّ الطائفيَّ المَافْيَويَّ الإجراميَّ ذاتَهُ، على سبيلِ التمثيلِ الراهنِ أيضًا، إنَّمَا يتحمَّلُ المسؤوليةَ كلَّهَا عن أكبرِ نسبةٍ من نِسَبِ الاختفاءِ القَسْريِّ (نسبةٍ قَدْ بلغتْ حينذاك 90% منهُ)، حيثُ يخضعُ المختفونَ والمختفياتُ، على اختلافِ أعمارِهِمْ وأعمارِهنَّ، قَسْرًا وقَهْرًا إلى أسَاليبَ تعذيبيَّةٍ غايةٍ في الوحشيَّةِ والهمَجيَّةِ والحُوشِيَّةِ، وأشدَّ من ذلك حتى – وهذِهِ النسبةُ الشُّؤْمَى إنَّمَا تستبيءُ قمَّتَهَا اللاإنسانيةَ، لا بَلْ مَا دُونَ-الحَيَوانِيَّةَ، وحدَهَا، ووحدَهَا فقط، في مقابلِ نسبةِ الاختفاءِ القَسْريِّ الذي تتحمَّلُ المسؤوليةَ عنهُ بكليَّتِهِ كذلك بقيةُ الأطرافِ الأُخرى، أطرافِ هذينِ الاحترابِ والتحَارُبِ «المُحْتَدِمَيْنِ»، في المسرحِ السُّوريِّ الدَّمويِّ والدَّامي (نسبةٍ لمْ تبلغْ، بالمِيدَاءِ المُقَارَنِ، سوى 10% منهُ)، كمثلِ تنظيمِ «الدولةِ الإسلاميةِ» (أو «داعش»، اختصارًا)، وتنظيمِ «هيئةِ تحريرِ الشَّامِ» (أو «جبهةِ النُّصْرةِ»، سَابقًا)، وتنظيمِ «حزبِ الاتحادِ الديمقراطيِّ الكرديِّ»، وغيرِهَا من تنظيماتِ فصائلِ هاتيك «المعارضةِ المسَلَّحَةِ» الأُخرى، حَسْبَمَا جاءَ في تقريرٍ حَدِيثِ العَهْدِ إذَّاكَ صَادرٍ عن «الشبكةِ السوريةِ لحقوقِ الإنسانِ» ذاتِها. ويتبدَّى العاملُ القَمْعِيُّ الخارجيُّ اللامَرْئِيٌّ اللامباشرُ، من جانبٍ آخَرَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ الاقتصاديِّ و«العتاديِّ» الخَفِيِّ الذي باتَ فَلُّ الطُّغاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ (أو، بالحَرِيِّ، حتى من ذواتِ ممثِّليهِمْ من أولئك «الانفتاحِيِّينَ» و«الحَداثوِيِّينَ» الجُدُدِ)، في «الإماراتِ» أوْ في «المملكاتِ»، ومَا فَتِئُوا كذاك، يتولَّوْنَ القِيَامَ بِهِ على قَدَمٍ وسَاقٍ، ولكنْ من وَرَاءِ الكواليسِ والكراريسِ، بكلِّ مَا أُوتوا من «حِرَانٍ»، لا بلْ من «خِلاءٍ» بعبارةٍ إبْلِيَّةٍ بَدَوِيَّةٍ بَيْدَاويَّةٍ أقربَ إليهِمْ، من أمثالِ وليِّ عهدِ أبو ظبي، محمد بن زايد، ووليِّ عهدِ آلِ سعودٍ، محمد بن سلمان، على وجهِ التحديدِ. كلُّ هذا «القِيَامِ على القَدَمِ والسَّاقِ» إنْ هو، في بَاطِنِ الأمرِ، إلاَّ تخوُّفٌ، أو حتى تَوَجُّسٌ، دفينٌ من وُصُولِ المَدِّ الثوريِّ إلى عُقر الدِّيَارِ وَاعِدًا بآلاءِ الحُرِّيَّةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ بوصفِهِمَا، في واقعِ الشَّأْنِ السِّيَاسيِّ، «ألَدَّ عدوَّتَيْنِ» جَاثِمَتَيْنِ قُدَّامَ هٰذَيْنِ الطاغيتَيْنِ الفاشِيَّيْنِ «الانفتاحِيَّيْنِ» و«الحَداثوِيَّيْنِ»، دونَ غيرِهِمَا كذلك – ناهيكُمَا هٰهُنَا، أيَّتُهَا القارئةُ الكريمةُ وأيُّهَا القارئُ الكريمُ، عن أنَّ هذا «القيامَ على القَدَمِ والسَّاقِ» بالذاتِ لا يتمُّ أيَّ تَمَامٍ إلاَّ من خلالِ أوامِرَ مدروسَةٍ تأتيهِمَا إِتْيَانًا من لفيفِ أسيَادِهِمَا في كلٍّ من أمريكا وبريطانيا وحتى إسرائيلَ، على وجهٍ أكثرَ تحديدًا، أوامِرَ مدروسَةٍ «مُرَوْسَمَةٍ» تأتيهِمَا إِتْيَانًا مَا بينَ آنٍ وآنٍ، وعلى شَاكلةِ «التَّحَكُّمِ عنْ بُعدٍ» Remote Control، تِبْعًا لظروفِ الزَّمَانِ والمَكَانِ.

وهٰكذا، فيمَا يتبدَّى حتى هذِهِ النقطةِ ذاتًا، على هٰكذا مِنْوَالٍ حَزِينٍ أو مُحْزِنٍ ليسَ لَهُ إلاَّ أنْ يُعِيدَ عَيْنَ «الذكرى» إلى وَرَاءِ الوَرَاءِ، في ذلك التاريخِ القديمِ الأشَدِّ حُزْنًا أو الأشَدِّ إحْزَانًا، كانَ العربُ يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا حينمَا كانوا يَحْيَوْنَ حَيَاةَ التهدُّمِ والبَدَاوَةِ، أوْ حينمَا كانوا من قبلُ «كَأُمَّةٍ وَحْشِيَّةٍ، أَهْلَ نَهْبٍ وَأَهْلَ عَبَثٍ»، على حدِّ تعبيرِ العلاَّمَةِ الفذِّ ابنِ خلدونٍ. وهٰكذا، فيمَا يتبدَّى حتى هذِهِ النقطةِ ذاتًا كذلك، على هٰكذا مِنْوَالٍ ألِيمٍ أو مُؤْلِمٍ ليسَ لَهُ إلاَّ أنْ يستعِيدَ عَيْنَ «الذكرى» ذاتِهَا إلى أمَامِ الأمَامِ، في هذا التاريخِ الحديثِ الأشَدِّ ألَمًا أو الأشَدِّ إيلامًا، صَارَ العربُ يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا حتى عندمَا صَارُوا يَحْيَوْنَ حَيَاةَ «التقدُّمِ» و«الحَضَارَةِ»، لا بلْ صَارُوا مَعَ هذهِ الحياةِ كُلِّهَا يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا قتلاً عُصَابيًّا وقتلاً ذُهَانيًّا لمْ يسبقْ لأيٍّ منهُمَا مثيلٌ في أيٍّ من التاريخِ القديمِ والتاريخِ الحديثِ أيًّا، وذاك لأنَّهُمْ صَارُوا كذاك من بعدُ «كَأُمَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً، أَهْلَ كُلِّ النَّهْبِ وَأَهْلَ كُلِّ العَبَثِ»، استئناسًا بتعبيرِ ابنِ خلدونٍ ذاتِهِ، أو بصُورةٍ أرْقى بَيَانًا وبَلاغَةً وفَصَاحَةً حتى، عندمَا صَارُوا من بعدُ «كَأُمَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً بِكَثِيرٍ، أَهْلَ كُلِّ الهَرْجِ وَأَهْلَ كُلِّ الكَذِبِ وأَهْلَ كُلِّ القَتْلِ»، استئناسًا بتعبير الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ بالذاتِ، هذا التعبيرِ بالذاتِ الذي وقعَ عليهِ الاختيارُ كعبارةٍ تصديريَّةٍ لِهٰذَا المقالِ حَرِيَّةٍ! – ولهٰذَا الكَلَامِ، فيمَا بَعْدُ، بَقِيَّةٌ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق