ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (3) - غياث المرزوق - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأربعاء، 17 مايو 2023

ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (3) - غياث المرزوق

إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْسَّاعَةِ ٱلْهَرْجَ.

قِيلَ: وَمَا ٱلْهَرْجُ؟ قَالَ: ٱلْكَذِبُ وَٱلْقَتْلُ [أَيْضًا].

قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ ٱلْآنَ؟

قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلٰكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!

ٱلْرَّسُولُ مُحَمَّدٌ

(3)

إنَّ مَا حَثَّني على كتابةِ هذا القسمِ الثالثِ (ومَا اجْتَرَّ كذاكَ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ أَقْسَامٍ أُخَرَ)، في المَقامِ الأوَّلِ في حقيقةِ الأمرِ، إنَّمَا هو مَا جَاءَ من الأخواتِ القارئاتِ والإخوةِ القرَّاءِ من تعقيباتٍ لهَا مدلولاتُهَا الوَزِينَةُ في سيَاقِ مَا يَحْصُلُ الآنَ من مُجْرَيَاتٍ ومُسْتَجِدَّاتٍ يومًا بعدَ يومٍ. وكمَا قلتُ تذكيرًا في فحوى القسمِ الثاني من هذا المقالِ أيضًا، في مَعْمَعَانِ ذلك الطورِ المَذْمُومِ والمَسْمُومِ، طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ المَحْتُومِ والمَحْسُومِ الذي تمرُّ بِهِ سَيْرورةُ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ في أنحاءٍ مختلفةٍ من هذا العالمِ العربيِّ الشَّجِيِّ، ثَمَّةَ، على أقلِّ تقديرٍ، عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» مكمِّلانِ لبعضِهِمَا البعضِ، أولهُمَا داخليٌّ مباشرٌ وثانيهمَا خارجيٌّ لامباشرٌ، ذانك العاملانِ القَمْعِيَّانِ اللذانِ يعملانِ على إدَامَةِ هذا الطورِ المَعْنِيِّ بالذاتِ، وعلى دَيْمُومَةِ مُنْتَهَاهُ بأيَّتِمَا ذريعةٍ سياسيةٍ براغماتيةٍ بَخْسَةٍ كانتْ، حتى لو كانتْ ذريعةً لاأخلاقيةً في الصَّميمِ وحتى لو كانتْ ذريعةً لاإنسانيةً، لا بَلْ مَا دُونَ-حَيَوانِيَّةً، في صَميمِ الصَّميمِ: يتمثَّلُ العاملُ القَمْعِيُّ الأوَّلُ، من طرفٍ أوَّلَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ العسكريِّ و«السَّمْكريِّ» المَرْئيِّ الذي كانَ فَلُّ الطُّغاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، في أيٍّ من «الجمهوريَّاتِ» أو حتى من «الاشتراكيَّاتِ»، ومَا انفكُّوا كذاكَ، يتولَّوْنَ القيامَ بِهِ على أكملِ وَجْهٍ، في الجَهَارِ فيمَا يتبدَّى، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وخليفة بلقاسم حفتر، كمَا ذُكِرَ. ويتمثَّلُ العاملُ القَمْعِيُّ الثاني، من طرفٍ آخَرَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ الاقتصاديِّ و«العتاديِّ» اللَّامَرْئِيِّ الذي باتَ فَلُّ الطُّغاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أنفسِهِمْ (أو، بالقمينِ، ممثِّليهِمْ من أولئك «الانفتاحِيِّينَ» و«الحَداثوِيِّينَ» الجُدُدِ)، في أيَّةٍ من تلك «الإماراتِ» أو من تيك «المملكاتِ»، ومَا فَتِئُوا بذاكَ، يتولَّوْنَ القيامَ بِهِ على قَدَمٍ وسَاقٍ، ولكنْ في الخفاءِ فيمَا لَا يتبدَّى، من أمثالِ محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، كما ذُكِرَ أيضًا. كلُّ هذا «القيامِ على القَدَمِ والسَّاقِ» إنْ هو، في جوهرِ الشَّأْنِ، إلاَّ تخوُّفٌ كَائِنٌ كَنِينٌ من وُصُولِ المَدِّ الثوريِّ إلى عُقر الديارِ، في «الإماراتِ» أو في «المملكاتِ» بالذواتِ، وَاعِدًا بآلاءِ الحُرِّيَّةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ، بوصفِهِمَا ألَدَّ عدوَّتَيْنِ جاثمتَيْنِ هُنَا وهُنَاكَ لِهٰذَيْنِ الطاغيتَيْنِ الفاشِيَّيْنِ «الانفتاحِيَّيْنِ» و«الحَداثوِيَّيْنِ»، دونَ غيرِهِمَا – ناهيكُمَا، بالطبعِ، عن أنَّ هذا «القيامَ على القَدَمِ والسَّاقِ» لا يتمُّ أيَّ تمَامٍ إلاَّ من خلالِ أوامِرَ مدروسَةٍ أَيَّمَا دَرْسٍ تأتيهمَا من لفيفِ أسيَادِهِمَا في أمريكا وبريطانيا وإسرائيلَ، على وَجْهِ التحديدِ، أوامِرَ مدروسَةٍ تأتيهِمَا إتْيَانًا آنًا بعدَ آنٍ، وعلى شَاكلةِ الإرسَالِ بميدَاءِ «التَّحَكُّمِ عنْ بُعْدٍ» Remote Control تِبْعًا لظروفِ الزَّمَانِ والمَكَانِ – وناهيكُمَا، كذلك، عن ذلك التَّحَابُبِ «الفُجَائيِّ» بينَ عُرْبَانِ النَّفْطِ والعَفْطِ في «الإماراتِ» وبينَ رُوسِ الشَّفْطِ في «الاتحاداتِ»، على وَجْهٍ أكثرَ تحديدًا، ذلك التَّحَابُبِ العَجَائبيِّ والغَرَائبيِّ الذي أسْفَرَ عنهُ إتْمَامُ التَّصَافُقِ الليليِّ والنهاريِّ إبَّانَئِذٍ مَا بينَ هذِهِ الشركةِ الإماراتيةِ الشهيرةِ «مبادلة البترول» وتلك الشركةِ الروسيةِ الأشهرِ «غازبروم» Газпром، وذلك سَعْيًا حَاثًّا حثيثًا إلى تطويرِ عددٍ من حُقولِ النَّفْطِ والعَفْطِ والشَّفْطِ في الجانبِ الغربيِّ من «سيبيريا» Siberia، وعلى مَقْرَبَةٍ كذاك من سُفُوحِ تلك الجِبَالِ التي تَسَمَّتْ عَصْرَئِذٍ بالـ«أورالِ» Ural باسْمِ ذلك البطلِ الأسطوريِّ الرُّحَامِسِ المِقْدَامِ والمُتَحَزِّمِ شَامِخًا كلَّ الشُّمُوخِ بـ«حِزَامٍ نَضَيدٍ بالحَصَيَاتِ والصُّخُورِ»، تمامًا مثلمَا يتحزَّمُ عُرْبَانِ النَّفْطِ والعَفْطِ هٰؤلاءِ شَامِخِينَ بذاتِ الشُّمُوخِ تقليدًا حَمِيًّا بـ«أحْزِمَةٍ نَضِيدَةٍ بالفَشَكَاتِ والخَرَاطِيشِ»!

ثَمَّةَ في هذا المآلِ، إذنْ، أكثرُ مِنْ سَنَتَيْ «عَسَلٍ» مَا انْفَكَّتَا تلتهبَانِ تَشَاغُفًا وتَعَاشُقًا بينَ أطرافِ ذلك الثالوثِ المُدَنَّسِ، آلِ الصَّهَايِينِ وآلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ، في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ. لكنَّ اشتدادَ أوَارِ هذا الالتهابِ، في إبَّانِ هٰتَيْنِ السَّنتَيْنِ ومَا خَلَتْ قبلَهُمَا (ومَا تَلَتْ بعدَهُمَا) من سَنَوَاتِ الاِرْتِهَازِ واللااِرْتِهَازِ، لا ينشَأُ نُشُوءًا ذَاتِيًّا لاإراديًّا هٰكذا كيفمَا اتَّفَقَ، بلْ ينشَأُ نُشُوءًا آخَرِيًّا إراديًّا يَرْقُبُ «رَسْمَهُ البَيَانيَّ» Diagram مِرْقَابٌ مِقْرَابٌ رُقُوبَ الدَّيْدَبَانِ «الأمينِ»، وكذاكَ منْ لَدُنْ طَرَفَيْ ثَانُوءٍ دَنَسِيٍّ آخَرَ، أوَّلُهُمَا أمريكيٌّ «ترامْبيٌّ» جَليٌّ في أكثرِ الأحَايينِ، وثانيهُمَا روسيٌّ «بوتينيٌّ» جَليٌّ أوْ خَفِيٌّ حَسْبَمَا يقتضيهِ دورُهُ المَكِينُ – وحتى قبلَ أنْ يتجلَّى ثَالِثٌ أمريكيٌّ «بايدنيٌّ» مَهِينٌ. من هُنا، يجيءُ الرَّسْمُ البَيَانيُّ للصُّورةِ «الليبراليةِ» و«التقدُّميةِ» التي افترَاهَا طاغيةُ آلِ النَّهَايِينِ الفاشيُّ، محمد بن زايد، لطاغيةِ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيِّ الآخَرِ، محمد بن سلمان، أمامَ العَالَمِ العربيِّ. فمَا إنْ بانتْ إرهاصَاتُ هذهِ الصُّورةِ المُفْتَرَاةِ بالذاتِ حتى شَرَعَ الطاغيةُ الفاشيُّ الأخيرُ في تعزيزِهَا أمامَ العَالَمِ الغربيِّ، من خلالِ إصْدارِ بَعْضٍ من المَرَاسيمِ «التحرُّريةِ» للنِّسَاءِ خَاصَّةً، رغمَ قَمْعِهِ الجَوْرِيِّ لأغلبيَّةِ الناشطاتِ والمثقفاتِ قَمْعًا آلَ بِهِنَّ في سُجُونِ آلِ السَّعَادِينِ مَا بينَ أحكامِ التأبيدِ والتنكيلِ وحتى الإعدامِ. ومن هُنا أيضًا، يجيءُ الرَّسْمُ البَيَانيُّ الآخَرُ ذاكَ للصُّورةِ «الكاريزماتيةِ» و«الشَّعْبَوِيَّةِ» التي اكْتَرَاهَا طاغيةُ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيُّ المَاثِلُ، محمد بن سلمان، بدورِهِ هو الآخَرُ، لطاغيةِ آلِ النَّهَايِينِ الفاشيِّ المُمَاثِلِ، محمد بن زايد، أمامَ العَالَمَيْنِ العربيِّ والغربيِّ، تباعًا – ولَوْ أنَّ هذِهِ الصُّورةَ المُكْتَرَاةَ جاءتْ، في الأساسِ، بإيعَازٍ أمريكيٍّ مباشرٍ لمُجَرَّدِ النظرِ إلى طاغيةِ آلِ النَّهَايِينِ الفاشيِّ المُمَاثِلِ عَيْنِهِ كـ«أفضلِ خادمٍ مَاهِنٍ وفيٍّ» للمَصَالحِ الأمريكيةِ اقتصَّاديًّا وعسكريًّا في دُوَلِ الخَليجِ، على أقلِّ تقديرٍ. فلا غَرْوَ، إذنْ، أن تكونَ الأحُبُولةُ الإستيراتيجيةُ هي ذاتُهَا، منذُ البَدْءِ ذاتًا: «التَّعَاضُدُ الأمْنِيُّ مِنْ أجْلِ مُحَارَبَةِ الإرْهَابِ المُتَمَثِّلِ في تنظيمِ «الإخْوَانِ المُسْلِمينَ» تَمَثُّلاً، وأمثالِهِ»، تلك الأحُبُولةُ الوَضِيعةُ التي لمْ يَبْرحْ فَلُّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، في «الجمهورياتِ» أو في «الاشتراكيَّاتِ»، يتذرَّعُونَ بِهَا بغيةَ الاسْتِوَاءِ الأبديِّ على عُروشِ الحُكْمِ، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وخليفة بلقاسم حفتر. وهٰكذا، فإنَّ ذلك التَّسَافُدَ الثَّالُوثِيَّ المُدَنَّسَ، تحتَ مِرْقَابٍ دائمٍ من ذلك التَّسَافُحٍ الثَّانُوئِيِّ الدَّنَسِيِّ، إنَّمَا كانَ، ولَمَّا يَزَلْ، يعملُ دَائِبًا على مُسَانَدَةِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ «الخَرِيفيِّ» أطولَ مَا يُمْكِنُ زمانًا في مَوَاطِنِهِ الأصليةِ، من جانبٍ أوَّلَ، وعلى إخْمَادِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ «الرَّبِيعِيِّ» أقصرَ مَا يُمْكِنُ أوانًا لكيلا يمتدَّ إلى عُقْرِ الدِّيَارِ في «الإماراتِ» و«المملكاتِ»، من جانبٍ آخَرَ. إنَّهُ ذلك العَمَلُ الدَّؤوبُ من لَدُنْ آلِ النَّهَايِينِ (ومن ورائِهِمْ كذاكَ آلُ السَّعَادِينِ أنفسُهُمْ) لَهُوَ الذي تَمَخَّضَ عنهُ تَمَخُّضًا شَنٌّ عنيفٌ لكلِّ أنواعِ الحملاتِ الإعلاميةِ والتسليحيةِ كيْ يُعَادَ الحُكْمُ الطغيانيُّ العسكريُّ الإجراميُّ في مصرَ، متمثِّلاً في الطاغيةِ الفاشيِّ العتيِّ المُصْطَنَعِ، عبد الفتاح السيسي بالعَيْنِ، وذاك بحُجَّةِ أنَّ لدى الرئيسِ المنتخَبِ انتخابًا ديمقراطيًّا، محمد مرسي، «مَآربَ إخْوَانِيَّةً» في البلادِ (قبلَ أنْ يُغَيِّبَهُ المَوْتُ عَنْ هذهِ الدُّنْيَا). وإنَّهُ ذلك العَمَلُ الدَّؤوبُ من لَدُنْ آلِ النَّهَايِينِ (ومن ورائهِمْ كذاكَ آلُ السَّعَادِينِ أنفسُهُمْ بالمثابةِ ذاتِهَا) لَهُوَ الذي أسْفَرَ عنهُ إِسْفَارًا سَعْيٌ حثيثٌ إلى انتقاضِ أيِّمَا شكلٍ من أشكالِ التَّجْرِيبِ الديمقراطيِّ في تونسَ، متمثِّلةً إذَّاكَ على الأَدْنَى بَدئِيًّا في حركةِ «النهضةِ» بالذاتِ، وذاك بحُجَّةِ أنَّ لهذِهِ الحركةِ المنتخَبَةِ انتخابًا ديمقراطيًّا كذلكَ «مَرَاميَ إخْوَانِيَّةً» في البلادِ، بذاتِ الغِرَارِ – هٰذا إنْ لمْ يُورَدْ أَيُّ شيءٍ بالإسْهَابِ عن تآمُرِ آلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ تآمرًا مخابراتيًّا تَعَاضُدِيًّا (سِرِّيًّا) على مزاولةِ الاضطهادِ اللاإنسانيِّ أشكالاً بحقِّ كلِّ ناشطٍ قياديٍّ «إصلاحِيٍّ» (نسبةً إلى حركةِ «الإصلاحِ» الإماراتيةِ) ذي «تطلُّعَاتٍ إخْوَنْجِيَّةٍ» مَأْرَبًا – وهٰذا إنْ لمْ يُذْكَرْ أيُّ شيءٍ آخَرَ بالإطْنَابِ، إضَافَةً إلى ذلكَ، عن تواطؤِ آلِ النَّهَايِينِ وآلِ الصَّهَايِينِ تواطؤًا مخابراتيًّا تَضَافُرِيًّا (أشدَّ سِرِّيَّةً حتى) على ممارسةِ الاغتيالِ مادونَ-الحَيَوَانِيِّ أنواعًا بحقِّ كلِّ ناشطٍ قياديٍّ «حَمْسَاويٍّ» (نسبةً إلى حركةِ «حماس» الفلسطينيةِ) ذي «توجُّهَاتٍ إخْوَنْجِيَّةٍ» مَأْرَبًا كذاك، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ.

وقدِ انحطَّتْ مُمَارَسَةُ الاغتيالِ مادونَ-الحَيَوَانِيِّ هذِهِ إلى أحَطِّ دَرَكَةٍ من دَرَكَاتِ التوحُّشِ والتغوُّلِ في حَدَثِ الاغتيالِ «القَنْبَليِّ» Cannibalistic المُريعِ للكاتبِ الصِّحَافيِّ السُّعُودِيِّ (شبهِ المُعَارِضِ)، جمال خاشقجي، ذلك الحَدَثِ الواقعِ في اليوم الثاني من شهرِ تشرين الأول عامَ 2018، وعلى يُدِيِّ فريقٍ مؤلَّفٍ من خمسةَ عشرَ رجلَ أمْنٍ سُعُودِيًّا من أخَسِّ وأخْسَأِ مَا يُمْكِنُ أنْ يتصوَّرَهُ العقلُ البشريُّ من جنسِ «البَشَرِ» في ذينك الوُلُوغِ والتَّوَلُّغِ الاحترافيَّيْنِ في دِمَاءِ الجَريمةِ. رِجَالُ أمْنٍ سُعُودِيُّونَ قَدْ نَصَبُوا للكاتبِ الصِّحَافيِّ السُّعُودِيِّ، قُبَيْلَ يومِ ميلادِهِ الستِّينَ، كَمِينًا في مبنى قنصليَّةِ بلادِهِمْ في مدينةِ إسطنبولَ التي استدرجُوهُ واستجلبُوهُ بحيلةٍ زَنِيمَةٍ ذَمِيمَةٍ إليهَا من حيثُ يقيمُ في أمريكا، وذاك لأنَّهُمْ، بِمَحْضِ جَبَانَتِهِمْ وخَرَاعَتِهِمْ ومَهَانَتِهِمْ، مَا كانوا قدِ استطاعوا أن يغتالُوهُ ذلك الاغتيالَ «القَنْبَليَّ» المُريعَ في مبنى سِفَارَةِ بلادِهِمْ في مدينةِ واشنطن، ولا حتى أن يستدرجُوهُ وأن يستجلبُوهُ بأيَّةِ حيلةٍ زَنِيمَةٍ ذَمِيمَةٍ أخرى إلى أنيابِ عِصَابةِ آلِ السَّعَادِينِ أنفسِهِمْ في البلادِ. رِجَالُ أمْنٍ سُعُودِيُّونَ قَدْ نَصَبُوا للكاتبِ الصِّحَافيِّ السُّعُودِيِّ كَمِينًا لكَيْمَا يُصَفُّوهُ تصفيَةً لمْ تَعُدْ خافيةً على أحَدٍ من أيَّةٍ من جهاتِ الأرضِ الأربعِ، في هذا الآنِ وهذا الأوانِ، من حيثُ همجيَّتُهَا وحُوشِيَّتُهَا، لا بلْ من حيثُ «قَنْبَليَّتُهَا» ومادونَ-حَيَوَانِيَّتُهَا، في شتى أنواعِ التذليلِ والتعذيبِ والتزهيقِ والتقطيعِ والتذويبِ، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ. وأيَّةً كانتْ تداعياتُ هذهِ الجريمةِ الشنعاءِ، في المشهدَيْنِ العربيِّ والغربيِّ الرَّاهنَيْنِ، فإنَّهُ لَمِنَ العسيرِ جدًّا، إنْ لمْ يَكُنْ مِنَ المستحيلِ بَتًّا، أنْ يُصَارَ إلى الفَصْلِ المُتَعَمَّدِ بينَ الصَّعيدَيْنِ السياسيِّ والاقتصاديِّ المترتِّبَيْنِ على تلك التداعياتِ في حَدِّ الذواتِ. حتى أنَّ طاغيةَ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيَّ، محمد بن سلمان، حينمَا لمَّحَ أيَّامَئذٍ تلميحًا إلى قوَّةِ قطر الاقتصاديةِ في مَعْرِضِ هٰتِيكَ الإجابةِ عن السُّؤَالِ عن هُوِيَّةِ الآمرِ الفعليِّ بتنفيذِ تلك الجريمةِ النكراءِ (في أثناءِ مؤتمرِ «الصحراءِ» الذي جُرِّدَ إذَّاكَ من صفتِهِ «الدافوسية» السويسريةِ عنوةً)، كانَ يُلَمِّحُ بعَيْنِ التَّلْمِيحِ إلى إمكانِ استردادِ هٰذِهِ الـ«قطر» من أحضانِ تركيا عَلَنًا، ويُلَمِّحُ من ثمَّ بعَيْنِ التَّلْمِيحِ ذاتِهِ إلى إمكانِ استردادِهَا كذاكَ من أحضانِ إيرانَ سِرًّا، وذلك من أجلِ التمهيدِ لتأسيسِ مَا بَاتَ يُدْعى مُذَّاكَ آخِرًا بـ«التحالف الإستيراتيجي الشرق-أوسطي» Middle East Strategic Alliance، ذلك التحالفِ الذي كانَ عربانُ النفطِ المُتَأَمْرِكُونَ يدعُونَهُ باختصارِهِ المعرَّبِ «ميسا» MESA، والذي أعلنَ عنهُ السِّمْسَارُ معتوهُ أمريكا، دونالد ترامب، بينَ دولِ الخليجِ والسُّعُوديةِ (وكذلك مصرَ والأردنِّ) بمثابةِ، أو بالأحرى بذريعةِ، «إجراءٍ وقائيٍّ يحمي أبناءَ السُّنَّةِ من المَدِّ الشِّيعيِّ الفارسيِّ». وكانتْ لتطلُّعاتِ تركيا، على اعتبارِ القنصليةِ السُّعُوديةِ الكائنةِ في مدينتها إسطنبولَ مسرحَ ارتكابِ الجريمةِ المعنيةِ، وكانتْ لهَا مآربُهَا السياسيةُ والاقتصاديةُ هي الأخرى، وسواءً كانَتْ هناك مَسَاعٍ دبلوماسيةٌ أردنيةٌ، أو غيرُ أردنيةٍ، نحوَ تنسيقٍ ثنائيٍّ سُعُودِيٍّ-تركيٍّ مَرَامُهُ الأساسيُّ تحويلُ ملفِّ الجريمةِ المعنيةِ من ملفٍّ سياسيٍّ محضٍ إلى ملفٍّ قضائيٍّ (جنائيٍّ)، أمْ لمْ تَكُنْ. وهٰكذا، فإن الخلافَ السياسيَّ الجوهريَّ في أعقابِ اغتيالِ ذلكَ الكاتبِ الصِّحافيِّ، جمال خاشقجي ذَاتِهِ، لا يدورُ استثناءً حولَ ماهيَّاتِ أفرادٍ معيَّنينَ كهٰكذا كاتبٍ صِحافيٍّ في حدِّ ذاتِهِ، بلْ يدورُ كعادتِهِ «التاريخيةِ»، أو بالخَليقِ «اللاتاريخيةِ»، حولَ ماهيَّةِ التمثيلِ العِصَابَاتيِّ «المَافْيَوِيِّ» للمذهبِ السُّنِيِّ (الأرثوذكسي) في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ تحديدًا: السُّعُوديةُ من طرفِ عصابةِ آلِ سعود (الأبديةِ) تدَّعي هذا التمثيلَ بوصفِهَا «ماهدةَ» الرسالةِ الإسلاميةِ الأولى، وتركيا من كَنَفِ عصابةِ آلِ أردوغان (اللاأبديةِ) تزعمُ هذا التمثيلَ عينَهُ بكونِهَا «كانفةَ» الخلافةِ العثمانيةِ الكبرى، ومصرُ من جانبِ عصابةِ آلِ السيسي (الأبديةِ-اللاأبديةِ) تعتزي هذا التمثيلَ عينَ عينِهِ باعتبارِهَا «ضَامَّةَ» الكثافةِ السُّكَّانيةِ الأكبرِ، من هذا الخُصُوصِ، وهَلُمَّ جَرًّا. وبالتالي، فإن كلَّ تلك الحركاتِ الإسلاميةِ، أو حتى شبهِ الإسلاميةِ، التي انضوتْ، بنحْوٍ أو بآخَرَ، تحتَ لواءِ تنظيمِ «الإخْوَانِ المُسْلِمينَ»، بمَا فيها هذا التنظيمُ «الإخوانيُّ» نفسُهُ، إنَّمَا هي أجزاءٌ متجزِّئةٌ مِمَّا يُسَمَّى إجماعًا أو بالكادِ بـ«الإسلام السياسيِّ»، لا بالمثابةِ العكسيةِ، ومَا تبتَنِيهِ ابْتِنَاءً، مثلمَا يظنُّ عددٌ غيرُ قليلٍ من المحلِّلينَ السياسيِّينَ، وإنَّ جُلَّ وسائلِ الإعلامِ العربيِّ الإسلاميِّ، وبالأخصِّ مَا تجلَّى من تلك الوسَائلِ المَمْلُوكَةِ من لَدُنْ أنظمةِ الطغيانِ الإجراميةِ ذاتِهَا، إنَّمَا تحاولُ أن تُرَكِّزَ كلَّ التركيزِ على شَيْطَنَةِ هذا التنظيمِ «الإخْوَانِيِّ» ذاتًا، وعلى أبْلَسَتِهِ كذاكَ سَعْيًا حثيثًا لِتحقيقِ مَآرِبَ بَخْسَةٍ أُخْرَى، ليسَ إلاَّ – وهَا هُوَ طاغيةُ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيُّ، محمد بن سلمان، متمتِّعًا بالكامِلِ من «قواهُ العقليةِ»، فيمَا تبدَّى، حينمَا صرَّحَ بشيءٍ من تصريحٍ مبثوثٍ في يومٍ من الأيَّامِ، إِذْ قالَ فيهِ: «إنَّ جمال خاشقجي إنَّمَا هو إسلاميٌّ سياسيٌّ (إخوانيٌّ) خطيرٌ جدًّا»!

تلك، إذنْ، هي حَالُ الخلافِ السياسيِّ حولَ ماهيَّةِ التمثيلِ العِصَابَاتيِّ «المَافْيَوِيِّ» للمذهبِ السُّنيِّ (الأرثوذكسيِّ)، تلك هي حَالُهُ أينمَا حَلَّ وأينمَا نزلَ في أمداءِ التاريخِ العربيِّ الإسلاميِّ في الأغلبِ والأعمِّ، وعلى الأخصِّ إثْرَ نشوءِ الإسلامِ وإثْرَ نشوبِهِ كذاكَ كثورةٍ اجتماعيةٍ لَهَا مدلولُهَا التاريخيُّ في مدينتَيْنِ صغيرتَيْنِ نسبيًّا، مكةَ ويثربَ (قبلَ الهجرةِ)، أو مكةَ والمدينةِ (بعدَ الهجرةِ ذاتِهَا)، مدينتَيْنِ كانتا متَّكِئَتَيْنِ، بالحرفِ أو حتى بالمَجَازِ، على حَافَّةِ الإمبراطوريةِ الرُّومَانيةِ عَصْرَئِذٍ. فَمَا إنْ حقَّقتْ هذِهِ الثورةُ الاجتماعيةُ غاياتِهَا الأوَّليَّةَ المَأمُولَةَ والمَحْمُولَةَ، في حقيقةِ الأمرِ، حتى تحوَّلَ هذا الإسلامُ من ثمَّ تحوُّلاً من دِينٍ كانَ لَهُ أن يُحَاكِيَ معنَى التبسيطِ ومعنَى التواضُعِ في كلِّ تجلِّياتِهِمَا بـ«جِنْحٍ مَهِيضٍ» إلى دِينٍ صَارَ لَهُ أن يُحَاكَ وأن يُمَاحَكَ بِمغزَى التعقيدِ وبِمغزَى التعاظُمِ في كلِّ أشكالِهِمَا بـ«مُلْكٍ عَضُوضٍ». حتى أنَّ هناك حديثًا نبويًّا جَاءَ ذكرُهُ أكثرَ من مرَّةٍ في مواضعَ عدَّةٍ من كتبِ الحديثِ والتأريخِ في العصرِ الوسيطِ، فجاءتْ إعادةُ ذكرِهِ بعدَئذٍ كذاكَ في كتابِ «النهايةُ في غريبِ الأثر» للمؤرِّخِ الإسلاميِّ الشهيرِ ابن الأثير (1160-1233)، وذاك على شاكلةِ مَا معناهُ حَسْبَ صيغتَيْهِ المُثْبَتَتَيْنِ إِثْبَاتًا، هٰهُنا هٰكذا: ففي روايةٍ أولى من جَانِبٍ أَوَّلَ، «اَلْخِلاَفَةُ [مِنْ] بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ عَضُوضٌ»؛ وفي روايةٍ ثانيةٍ من جَانِبٍ آخَرَ، «اَلْخِلاَفَةُ فِي أُمَّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، وسَتَرَوْنَ [مِنْ] بَعْدِي مُلْكًا عَضُوضًا» (أي: «مُلْكٌ» في الأَوَّلِ، أو «مُلْكًا» في الأَخِيرِ، إِذْ يُصِيبُ الرَّعِيَّةَ فِيهِ عَسْفٌ واعْتِسَافٌ وظُلْمٌ، وكَأنَّهُمْ يَعُضُّونَ فيهِ على النَّوَاجِذِ عَضًّا، وبنيةُ الـ«عَضُوضُ» هُنَا إنَّمَا هي مِنْ أبْنِيَةِ الغُلُوِّ والإِغْرَاقِ في علمِ الصَّرْفِ). وهٰكذا في هذِهِ الحَالِ العَجْفَاءِ، إِذَنْ، وبعدَ هٰتِيكَ الثلاثينَ سنةً بالذواتِ، أو يزيدُ من المِحَنِ، فقدْ مرَّتْ حَالاتُ التاريخِ العربيِّ الإسلاميِّ ذاتًا بحالاتٍ من هذا العَسْفِ وهذا الاعْتِسَافِ وهذا الظُلْمِ بالإتْبَاعِ المُدَانِ، وعلى مدى أكثرَ من أربعةَ عشرَ قرنًا كاملاً مُكَمَّلاً من الزمَانِ، إلى أن بزغَتْ فجأةً دونَ آنِفِ إيمَاءٍ من عَالَمِ الظلامِ ذلكَ المُسْحَمِّ، على سَبِيلِ المِثَالِ لا الحَصْرِ، إلى أن بزغَتْ «إشراقةٌ» من «إشراقاتِ» ذاكَ الخطابِ المَعْنِيِّ إبَّانَئذٍ لطاغيةِ آلِ السَّعَادِينِ الأبَوِيِّ الفاشيِّ، سلمان بن العزيز (هذِهِ المرَّةَ). وبغضِّ الطَّرْفِ عن تلكِ الحَالةِ المِسْقَامِ التي يُرْثَى لهَا أيَّمَا رِثَاءٍ في قراءَةِ ذلك الخطابِ المَعْنِيِّ، من لدُنْ طاغيةِ آلِ السَّعَادِينِ الأبَوِيِّ الفاشيِّ ذاتِهِ، فقدْ جَاءَ فيهِ، من جملةِ مَا جَاءَ فيهِ، بعدَ كلِّ تلك الأكاذيبِ والألاعيبِ التي تَخرَّصَتْ بهَا عِصَابةُ آلِ سعود (الأبديةُ في الزَّمَانِ) حولَ الآمرِ الحقيقيِّ بمقتلِ الكاتبِ الصِّحافيِّ، جمال خاشقجي، والتي لمْ تَكُنْ لِتنطليَ بأيِّ نحوٍ من الأنْحَاءِ حتى على السُّذَّجِ والمغبونينَ من الأنَامِ الأشدِّ غَبَاءً من ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءِ ٱلْقَهْرِيِّ ٱلْتَّكْرَارِيِّ المَوْسُومِ بهِ أيٌّ من فَلِّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أنفسِهِمْ، جَاءَ في ذلك الخطابِ المَعْنِيِّ بحرفيَّتِهِ مَا يلي: «إنَّ المملكةَ [العربيةَ السُّعُوديةَ] قدْ تأسَّسَتْ على نَهْجٍ إسلاميٍّ يرتكزُ على إرسَاءِ العَدْلِ [على وَجْهِ التحديدِ]»!                                       

ومَنْ مِنْ آنَامِ إسْمَاعِيلَ الآنَ، في هٰذا الزَّمَانِ العَصِيبِ، تَخْفَى عليهِ هٰذِهِ الخَافِيَةُ الحَافِيَةُ؟ – مَنْ مِنْ هٰؤلاءِ الآنَامِ تَخْفَى عليهِ خَافِيَةُ أنَّ هٰذِهِ المملكةَ [العربيةَ السُّعُوديةَ]، في حدِّ ذاتِهَا، قَدْ تأسَّسَتْ على نَهْجٍ وَهَّابيٍّ أبويٍّ ذُكوريٍّ وراثيٍّ مُتَوَارَثٍ لا يخدمُ إلاَّ في تأبيدِ وإلاَّ في تأزيلِ عِصَابةِ آلِ سعود الإجراميةِ في الحُكْمِ إلى يومِ يُبْعَثُونَ؟ والأنكى من ذلك كلِّهِ، أنَّ أزلامَ هٰذِهِ العِصَابةِ الإجراميةِ، أيًّا كانوا منذُ عهدِ مؤسِّسِهَا الأولِ، محمد بن سعود (1744-1818)، إنَّمَا يعلمونَ علمَ اليقينِ بأنَّ الرَّسُولَ الكريمَ نفسَهُ كانَ قد رفضَ هٰذا الحكمَ الوراثيَّ المُتَوَارَثَ رفضًا قاطعًا منذُ بداياتِ مَا بَثَّ من الرسَالةِ الإسلاميةِ بَثًّ الهُنْوِ والهَنِيَّةِ إلى أن وافتهُ بعدَ ذلك الحينِ عَيْنُ المَنِيَّةِ – فلا السُّنَّةُ (الأرثوذكسُ) أمَامَ القائمِ الدائِمِ من «حَالِهَا» في شيءٍ من هٰذِهِ الرسَالَةِ الحَرِيَّةِ، ولا حتى الشِّيعَةُ (اللاأرثوذكسُ) قدَّامَ القائمِ المُوَائِمِ من «حَالِهَا» في شيءٍ من هٰذِهِ الرسَالَةِ الثَّرِيَّةِ. وهُنَا تَكْمُنُ إنسَانيةُ الرَّسُولِ الكريمِ اللافتُ للانتباهِ وللنظرِ، وهُنَا يَكْمُنُ تمهيدُهُ الاستثنائيُّ الفريدُ لأَوَّلِ نظامٍ إنسانيٍّ اِشتراكيٍّ حقيقيٍّ في التاريخِ البشريِّ برمَّتِهِ، حتى قبلَ مَا جَاءَ بهِ كارل ماركس، ومَا أدراك مَا جَاءَ بهِ كارل ماركس، بالعَدِيدِ من القرونِ. غيرَ أنَّ الطَّامَّةَ الكبرى ومَهْزَلَةَ المَهَازِلِ هٰهُنَا إنَّمَا تَكْمُنَانِ، أَوَّلاً، في ذينك الجَشَعِ اللاإنسانيِّ والطَّمَعِ اللاأخلاقيِّ اللذينِ يستحوذانِ أيَّمَا استحواذٍ على ذهنيَّاتِ أزلامِ هٰذِهِ العِصَابَةِ الإجراميةِ في تَسَلُّمِ مَقاليدِ الحُكْمِ إلى حَدِّ الذُّهَانِ السَّرِيرِيِّ المُزْمِنِ؛ وتَكْمُنَانِ، ثانيًا، في لُهَاثِ أزلامِ هٰذِهِ العِصَابَةِ الإجراميةِ المُسْتَدِيمِ وَرَاءَ دَيْمُومَةِ هٰذا الحُكْمِ لُهَاثًا أكثرَ دَيْمُومَةً حتى من لُهَاثِ الكلابِ بالذواتِ؛ وتَكْمُنَانِ، ثالثًا، والأهمُّ من ذلك كلِّهِ، في تدميرِ أزلامِ هٰذِهِ العِصَابَةِ الإجراميةِ بالتالي لتلك الفكرةِ الإنسَانيةِ الاشتراكيةِ العظيمةِ التي كانَ الرَّسُولُ الكريمُ قَدْ أشرقَ بإشراقاتِهَا الأولى منذُ بزوغِ الإشراقاتِ الأُولَيَاتِ من فَجْرِ الإسلامِ. ولَا يتفوَّقُ على أزلامِ هٰذِهِ العِصَابَةِ الإجراميةِ في هٰذا التدميرِ «التاريخيِّ»، أو بالحَرِيِّ هٰذا التدميرِ «اللاتاريخيِّ»، المتعمَّدِ لتلك الفكرةِ الإنسَانيةِ سِوَى أزلامِ عِصَابةِ آلِ الأسد الأشدِّ إجرامًا، في واقع الأمرِ. كلُّ هٰذا التدميرِ «التاريخيِّ»، أو التدميرِ «اللاتاريخيِّ»، بعينِهِ إنَّمَا يَدُلُّ دونَمَا أيِّ شكٍّ على أنَّ أزلامَ هٰذِهِ العِصَابَاتِ الإجراميةِ كلِّهَا ليسَ لَهُمْ سِوَى أن يخدموا، بكلِّ ذلٍّ وبكلِّ هَوَانٍ، في تحقيقِ مَآربِ الصهيونيةِ العالميةِ وآرَابِهَا الجَلِيَّةِ، حتى قبلَ أنْ يكونَ لَهُمْ، في الأسَاسِ، أن يخدموا في تحقيقِ مَآمِلِ الإمبرياليةِ الغربيةِ وآمَالِهَا المَلِيَّةِ – ولِهٰذَا الكَلَامِ، فِيمَا بَعْدُ، بَقِيَّةٌ!

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق