كلَّما
اصفرَّتِ الأوراقُ في خريفِ هذه البلاد
وأصبحتْ أغصانُها شاحبةَ الوجوه
رحتُ أُلبِسُ الأشجارَ ثوبيَ الوحيد
وأرشدُ الطَّيرَ إلى أعشاشِها البعيدة
عَلَّها تعودُ قبل النَّوْءِ
فدربُها طويلةٌ
طويـــــــــــــــلة
وحرسُ الحدود لا ينقصه الرَّصاصُ والبارود
أخلعُ قلبي كي أهشَّ بالدَّمِ السَّخينِ للرياح
أنِ ابتعدي، مازالَ للخريفِ بِضْعُ يومٍ
وأغمضي عينيك حين تبدأ الأشجار بالتعري
فقلبي الوحيدُ
حارسُ الفصولِ والظِّلال
وهو مَنْ يقاسمُ الخريفَ حُزْنَه
وربَّما يصيرُ نَايًا للرِّياحِ في المساء
أو غيمةً ينبتُ دمعها كشجرِ الصَّبَّارِ
إذا ما أقبلَ الشِّتاء
لكنْ!
لماذا يُقبِلُ الشِّتاءُ بَغْتةً كحرسِ السُّجون؛
ليجعلَ الأغصانَ في أيديهمُ مثل الهراواتِ
التي تنوس فوق رأس الخائفين المُدلجين
على ذُرا التِّلال في بلادنِا البعيدة
أقولُ
هذه حبيبتي تمتدُّ في البَياض
تطوي طيورَ رغبتي في جُنحِها الطَّويل
وتمنحُ الدِّفْءَ لها إذْ يجثمُ الشِّتاءُ هكذا
كحرسِ السُّجون!
وعندما تنبجسُ العيونُ والأنهارُ من سمائنا
كأنَّها الدِّماء
أشرعُ في بناءِ ألفِ سدٍّ حولَ الجسدِ المُمتد في البياض
في وِدْيانِهِ الصَّغيرة
بالقربِ من هِضَابه الجميلةِ الصَّقيلة
يا لهذا الجسد المُحاط بالوديان والهضاب!
أنتظرُ الرَّبيعَ؛ لينبتَ الرُّمان في حدائق الصُّدور
والجُلَّنارُ يُعلنُ الحياة
كي أحرسَهُ
أمَسَّهُ كمذنبٍ في غُرفةِ اعتراف
وكلَّما مَسَسْتُهُ فَرَّتْ زرازيرُ الهوى مِنْ خوفِها
وأزهرَ الليمونُ والزيتونُ في أحواضِهِ الخضراء
عندها يحملُ القلبُ فؤوسَ حُزنِهِ الشَّفيف
فلاحًا يُقلِّبُ تُرْبَةَ العشقِ بِمعْوَلِ المَجاز
يرشُّ ماءَ الحُبِّ
في تشقُّقِ الشِّفاه
وتجثو الشُّمسُ كاهنةً تباركُ توبتي للمرَّةِ الألفِ
لكنَّني أعودُ لمثلها لألفِ ألفٍ
لأبنيَ من غُبَارِ الوقتِ سورًا مثلَ سُورِ الصِّين
يمنعُ عنِّيَ الأحلامَ
والأوهامَ
ويمنعَ ما تناسلَ مِن جرادِ الخَوْفِ
يمضغُ خُضرةَ الأشياءِ
رغم أنَّا نقرعُ الطبولَ في الشَّوارعِ المُضاءةِ الأرجاء
لا الصَّيف تَحْملُنا على جُنْحِ السَّراب
وعندها ننجو
ولا قَرُّ الشِّتاء!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق