![]() |
لوحة أوكسانا زايكا - مورانو |
إن
الصورة بوصفها خطاب تنتج حضوراً يحفظ ما يراد من الخطاب إثباته لدى الجمهور
المتلقي له، ويأخذ مفهوم الحضور في بنية
الخطاب من معطيات يراد منها إيجاد الثبات في ذهنية المتلقي، وقد نأخذ من (دريدا)
مفهوم الحضور الميتافيزيقي الذي أكد على ثبات ما رسم في داخل العقل الميتافيزيقي
الغربي من صور ذهنية عن الأخر في خارج السياقات الثقافية الغربية، والتي تغاير
الحقائق الواقعية المغيبة، تحت حجج متعددة يراد منها تسيير الآخر على وفق سياسة
التطبيع مع المفاهيم الجديدة الواردة من الثقافات الأخرى والمندمجة
في داخل الثقافة الأصلانية التي تتزحزح من مكانها لصالح النتاج الثقافي الغربي
المؤيد بقوة كونية ومرجعيات التفوق والتنوير والمعرفة والتطور،إذ جعلت من الآخر
يقع تحت طائلة الاندهاش والسعي للاندماج لمواكبة التغيير الحاصل على المستوى
العالمي، هذا الحضور للعقل الغربي الموجه للعالمية على وفق إطار ثقافي جديد قائم
على رفض كل من يعارض، أو يختلف مع مبانيه الفكرية والفلسفية والأخلاقية معتبراً ان
الذي يخرج عن فكرة العالمية والقيادة المركزية للعالم هو خارج السياقات الإنسانية،
بحسب العقل الغربي، الذي وضع لها أسس وجعل من الحلقة محكمة وفق ضوابط المطابقة
والمسايرة مع التطور، وما العولمة وقيادتها من قبل أمريكا الا صورة من صور هذا
الحضور الجديد الذي هو امتداد للأفكار التقليدية الغربية. لذلك فأن تفكيك نوايا
العقل الغربي تأخذ بنظر الاعتبار إن هذا العقل الميتافيزيقي نظاماً فكرياً يعتمد
على أساس لا يمكن مهاجمته، أي على مبدأ أول لا يمكن التشكيك بصحته، والذي يبنى على
أساس تراتبيه كاملة من اليقينيات العدد (17) والمطلقات، الا ان هذا الادعاء يتبدد،
يقول (دريدا)، لأنها مبادئ قابلة للتفكيك وبالتالي قابلة لتبيان أنها إنتاجاً
محدداً للمعنى ذلك ان هذا العقل الميتافيزيقي ليس سوى نظام أنظمة معرفية واحد
تجدده منظومة معينة من قاعدة الثنائيات التي أخذت أشكالاً تقابلية : الخير/الشر،
الرجل/المرأة، الدال/المدلول، الكلام/الكتابة... الخ. من هذه الثنائيات تحقق تثبيت
حضور الصورة التي تعتمد على ثنائية الأشكال المتقابلة، وهذه الحقيقة في سوء النية
لدى الغرب المتحضر في إخضاع الآخر جاءت منذ أزمان بعيدة تعود الى مستويات الصراع
بين الشرق والغرب القوتين المتنافستين على مركز الحضارة. في الحضارات الأولى
مروراً بظهور الدين المسيحي والإسلامي وما تبعتها من حروب صليبية وغيرها وصولاً
الى الحقب الاستعمارية حتى العصر الحديث الذي جعلته الحضارة الإسلامية فيه مركز
لكل الصراعات الحديثة، وما دعوة (بوش الأبن) بعد أحداث (الحادي عشر من سبتمبر
2011) الا مدعاة الى هذا التوجه القديم المتجدد، في كون الحرب في الشرق الأوسط
وغيرها من البلدان الإسلامية، ما هي الا حرب صليبية متجددة الهدف منها إعادة الكره
مرة أخرى، كون الإسلام هو مصدر الشر في العالم ومسيحية بوش الابن هي دين العالم
المتسامح المدافع عن حقوق الإنسان، وفي ظل حربه في أفغانستان قَتَل ألاف الأبرياء
الذين لا حول لهم ولا قوة، وروج لكراهية الإسلام بعد الأحداث ضد مسلمي الغرب الذين
أصبحوا هدف لإعادة مفهوم الكراهية ضدهم، بحجة الاختلاف الفكري الذي جعل من الأحداث
ذريعة لاستغلالها ضد الآخرين وبالقوة العسكرية، لذلك كان لابد من رصد الخطاب
الغربي المميز للآخر كونه كافر ملحد،أو همجي جاء من وراء البحار ليهدم أبراج
الحضارة الغربية بطائرات، وما صورة العنف الأمريكي ضد الشرق حاضرة في الذهان من
خلال قنابله التي دمرت مدينتي (هيروشيما ونكزاكي) في اليابان وتدمير فيتنام،
وأخيراً أفغانستان والعراق، ليس لسبب إلا للاختلاف الفكري والحضاري،وهذا يتجلى في
منتقدي الفكر الغربي من خلال رصد صور الاختلاف، وما على القائمين على فضح هذا
الاختلاف إلا العمل على توضيح مقاصد هذا الإختلاف الفكري والثقافي والعقائدي الذي
يقوم عليه العقل الغربي، وهنا لابد من الدعوة الى تبني قراءة ترصد فعل الاختلاف،
أي يرصد البؤر التي يفيض فيها المضمون على مركزية الخطاب، ويميز المسيطر عليه من
اللا مسيطر عليه، ويعمل على اكتشاف المفارقات والتناقضات ليجعل (...) استكشاف
مركزية الكلمة وتدمير ميتافيزيقية الحضور كونها ترفض جميع المعاني غير المتطابقة
مع منطقها، لذلك فأن رصد الاختلاف يجعل من الحضور قابل للكشف عن كل ما يقبع خلفه
من واقع مغيب، والعمل على أن يكون للدال أكثر من مدلول وليس مدلولاً واحداً،
والبحث في عدد المدلولات التي تقبع خلفها معاني كثيرة ممكن ان تغير من المشهد
وصوره المختلفة، ومنها قصدية الإساءة والتشويه التي حفلت بها العقلية الغربية،
التي أكدت على معاني أحادية لها وجعل لها متقابلات، إذ أصبحت بمرور الزمن ثوابت في
داخل الوعي الغربي وذهنية جمهوره، كما في مسألة التعالي الغربي وإخضاع الآخر له،
وكذلك مسألة ان الإسلام هو دين حرب لا دين سلام متعكزين في نقله عدد من المستشرقين
من آيات قرآنية تشير الى القتال، أو بعض الأقاويل في التاريخ العربي الذي فهمت في
سياق غير سليم عن إن الرسول (ص) قد اخضع الأقوام الأخرى بالسيف وأدخلهم الى
الإسلام عنوة، وما في هذا السياق من أمثلة سنوضحها في الفصول القادمة من هذا
الكتاب.
إن مغايرة الحضور الميتافيزيقي
تهدف الى إثبات معاكس لهذا الحضور وهو الدعوة الى إثبات الواقع الحقيقي الذي تم
تغيره وتغيبه في الحضور الميتافيزيقي للعقل الغربي، وهذه المغايرة تقوم على مفهوم
الاختلاف والبحث في الأثر الذي تركته الأفعال الاستغلالية للثقافة المتعالية على
الثقافات المستلبة ومنها العربية، من التي وقعت تحت السيطرة، والتي جعلت من ديانات
الشعوب العربية والأخرى غير العربية، تفقد الكثير من نصوصها الصحيحة تحت طاولة
تنقيح الفكر العربي الإسلامي وتغيير العديد من ملامحه، ليس بقصد التصحيح كما هو
ظاهر في المنجز الإستشراقي وغيره من المؤسسات الغربية التي بحثت في هذا الفكر، بل
هو لقصد حرف العديد من نصوصه وأفكاره نحو المزيد من العنف والقتل، حتى يظهر جيل
جديد يحاول اعتناق هذه الأفكار التي تسهم في زعزعة الثبات في ان الدعوة الإسلامية
قامت على العدل والمساواة، بل لأجل جعلها قائمة على قطع الرؤوس وسبي النساء وإصدار
أحكام خارجة عن الدين وعن قيم الرسول (ص) وأهداف الإسلام السامية، لذلك فأن البحث
في الاختلاف في شقيه الغربي وما يخفي وراءه من أهداف، والشرقي الإسلامي وما يتطابق
مع صفات وقيم الرسول (ص) وتبيان المغير بها وتأكيد المتوافق معها يسهم في إعادة
النظر من قبل الأجيال الحالية والقادمة وتغير نظرتها تجاه ما حفل به التاريخ
الإسلامي البعيد والقريب من منجزات خالدة خارج التحريف والتشويه والإساءة التي
يستند عليها الفكر الغربي في حرف الأنظار عن الصور السامية للإسلام المحمدي الأصيل.
وهنا يأتي العمل حول مفهوم الاختلاف وأثاره وحقيقته ومقاصده في إيجاد علاقة سليمة
متبادلة مع الأفكار في مختلف اتجاهات العالم، وليس فقط الفكر الغربي وحضوره
الميتافيزيقي المبني على صور ثابتة في وصف
آخر المختلف، فالأوَلى في هذا الفكر الغربي والقائمين عليه إشاعة اختلاف الثقافة
وما فيها من صور نحو بناء عالم متكامل ومتساوي في إيجاد الفرص المتكافئة وليس إشاعة ثقافة الاختلاف التي تقوم على مبادئ
حفل بها الفكر الغربي والدعوات، ومنها (البقاء للأقوى) و (الغاية تبرر الوسيلة)
حتى وان كانت هذه الوسائل لا تتفق مع مبادئ حقوق الإنسان التي تدعيها القوى العظمى
المسيطرة على العالم.
إن مبادئ الاختلاف مع مغايرة تثبيت
الحضور قائم على البحث في آليات إنتاج الاختلاف ذاته وكيفية بناء منظومة معرفية
قادرة على قلب معادلة الحضور وإيجاد ما هو مختلف فيها. ان هذه العملية الاختلافية، نضجت في دراسة
الفكر الغربي وميتافيزيقا الحضور لديه على يد عدد من مفكري الاختلاف ومنهم (دولوز)
في (التكرار و الاختلاف) و(ليوتار) في المختلف، وحفريات (فوكو) وتفكيك (جاك دريدا)
الذي نحن في توظيف مفهومة للاختلاف في دراسة المنتج الغربي وقصيدة الإساءة فيه، إذ
تقوم استراتيجيته على قراءة النص (الفلسفي، الأدبي، الفني، الاختلاف، الواقع
الاجتماعي، الحدث التاريخي، المؤسسة...) قراءة اختراقية تخترق سُمك النسيج الخطابي
وتكسّر النواة الصلبة التي تؤسس منطقة وتحكم نسقه وتزيح المفاهيم والدلالات التي
تطبع خصوصية كل نص مقروء وتتجاوز خطاب الهوية والشمولية الذي يتضمن النص ويدعو
اليه باختصار، اختراق وإزاحة وتجاوز النص تستدعي، من منظور فلسفات الاختلاف، هدم
منطق الحضور ومركزية الذات.
إن البحث في داخل النص الذي
أنتجته الحقب الغربية التي تستند الى مفاهيم التغييب للآخر في ظل مفاهيم وثنائيات
وجدت حتى تثبت مركزية الفكر الغربي، كان لابد من البحث فيها على وفق سياق تجاوز ما
هو ثابت ومعلن والبحث فيما هو مغيب ومهمش، أي البحث في هوامش النصوص والوقائع
والتواريخ الغربية، والبحث ايضاً فيما غيب من أصول ثقافية وحقائق قامت عليها
علامات مهمة في تاريخ الشعوب، وكذلك البحث في الأثر الذي تركته هذه الحقائق في
حياة الشعوب والأمم، ومطابقته مع ما هو مغيب ومهمش ومختلف عليه في الثقافة الغربية.
إن المعنى الحقيقي للاختلاف هو
الحفر في طرفي المعادلة والربط بين ما هو مبعد بشكل قسري في الجانب المسيطر وبين
ما هو مغيب في الثقافة الأصلانية حتى نصل الى الأثر الذي يحيي الصورة الأصلانية
القادرة على دعم حضارتنا وثقافتنا وأرثنا التاريخي، فلماذا نبقى مؤيدين للآراء
الغربية حول ثقافتنا والمتهمة دائماً بالرجعية مقابل المركز الغربي ؟، ولماذا نحن
في هوامش الإحداث والتطور والعلوم، بينما نصدق بكل ما يورد ألينا من معارف وأفكار
حتى وان لم تتطابق معنا ؟ إذن، أين الاختلاف الذي يثبت بأننا أصحاب حضارة ومنجزات،
وأصحاب رسالة دون ان نقع تحت طائلة الاتهام بالإرهاب، فهل كان الرسول (ص) في
تصرفاته وأقواله يدعو الى التطرف ؟ أم كانت رسالته قائمة على قوله تعالى (لا أكراه
في الدين) ؟ وهل كانت معاملته مع أعدائه قائمة على الترهيب والتشريد واخذ الحقوق
دون وجه حق ؟ أم كانت سياسته قائمة على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان ؟
فما هي دعوى تشويه صورة الرسول (ص) في الذهنية الغربية سوى أنها قائمة على مبدأ
التشويه المتعمد والقصدية في الإساءة، حتى ظهرت صورته وهي مليئة بالأوصاف غير
اللائقة بحقه، وهو خير مثال للمتتبع لمبدأ التثبيت للحضور في الصورة الخاصة
بالرسول محمد (ص) ومغايرتها للواقع الحقيقي الذي أثبته (الله جل وعلا) له في كتابه
العزيز (وانك لعلى خلق عظيم)، أين هذا الخلق العظيم من مبدأ التشويه ووصفه
بالهرطقة و الشعوذة كما وصفه عتاة قريش والقبائل المتحالفة معها عندما بعث
بالرسالة الكريمة، وهو اليوم يتكرر في الإساءة اليه، وما خفي في التاريخ الغربي
كان أعظم، مما جعل هذا التاريخ يثبت المفتريات ويحجب الحقائق و الوقائع عن الذهنية
الغربية والمواطن العادي فيها.
إن البحث في الاختلاف يعني إيجاد
روابط بين ما يغيب من حقائق في العقلية الغربية وبين مصادرها الأصلية، التي تعد من
الدلائل على ازدواجية العقل الغربي تجاه القضايا الإنسانية، ومنها مسألة الإساءة
للرسول الكريم. ان البحث في الصورة التي قدمها الفكر الغربي للإسلام بصورة عامة
وللرسول بصورة خاصة يجب ان تغير بإظهار الحقيقة التي يجب ان تأخذ مكانها الحقيقي
وليس المزيف، حتى ان المخرج الذي قدم على أخراج فيلم يسيء للرسول (ص) قد اثبت انه
على خطأ بعد ان قرأ عن الإسلام وعن حياة الرسول (ص) وتغيرت وجهة نظره التي
سنتناولها في الفصول القادمة، لذلك فلا بد من تقديم الحقيقة الكاملة، من خلال
البحث والحفر واختراق النتاج الغربي الذي يسيء للرسول (ص)، ولابد ان ندرس في هذا
الكتاب أو في غيره من المؤلفات التي تسير في نفس النهج والبحث في المقاصد والنوايا
التي تهدف الى هذا التشويه. ان الصورة تبقى قلقة وغير ثابتة إذا ما قدمت أمامها
حقائق تثبت عدم صحتها وعدم جديتها في تناول كامل الحقيقة، وظهار الملامح الكاملة
التي الموضوع من جوانبه المختلفة، لذلك فأن الخطاب الغربي يبقى محل تساؤل إذا ما
قارنه البعض مع طبيعة الفكر الرسالي لنبي الإسلام (محمد ص) ومنهجه القويم في
الدعوة الى مجتمعات صالحة ينتشر فيها السلام والرحمة على جميع البشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق