حوار مارتن هايدغر لمجلة دير شبيغل - ترجمة حمودة إسماعيلي - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

حوار مارتن هايدغر لمجلة دير شبيغل - ترجمة حمودة إسماعيلي

عرفت الفلسفة في تاريخها عدة انعطافات، أبرزها انعطافة نيتشه الذي قلب الطاولة الفلسفية على اعتبار أن قيمها لا تصلح للحياة بعدما تحجرت أخلاقياتها، عند نيتشه هناك لزوم لقلب التاريخ الفلسفي حتى ينقلب الخطاب الميت أو الداعي/الممجد للموت إلى خطاب نحو الحياة والوجود والمرح. عند هايدغر يصل الأمر لأكثر من ذلك، باعتبار أن ذلك التاريخ بانعطافاته ليس سوى انحرافا في التفكير، "تناسيا" كما يصفه في تأويلاته الأنطولوجية، بذلك تطلب الأمر العودة لأسس ذلك التاريخ ـ الإغريقي بجوهره ـ للتساؤل مجددا حول أهم المقولات الفلسفية كـ"الإنسان"، "الوجود"، و"الفكر". لوضع التفكير في اللامفكر فيه، أو التفكير مجددا بأننا لم نكن نفكر. هايدغر كما هو مفكر إبستيمولوجي ذا خطاب فلسفي (بامتياز) هو أيضا بالعمق مفكر سياسي  بالمعنى الواسع للممارسة السياسية : كتنظير/رؤية/توقع. في هذا الحوار الذي أجراه معه كل من رودولف أوغشتاين وجورج وولف لمجلة الشبيغل الألمانية ب23 سبتمبر (أيلول) 1966 : يتداخل ما هو فلسفي بما هو سياسي في حديث هايدغر ـ الذي يتجلى بكامل هيئته الفكرية ـ حول رؤيته للحضور الإنساني الحديث والحالة الراهنة للعالم، ليرتكز بحديثه أكثر على السياسة التكنولوجية للعالم اليوم، الوضع الذي تصفه الفرنسية سيمون دي بوفوار بتعبيرها : "مهما كانت الدولة، رأسمالية أو اشتراكية، فالإنسان مسحوق أينما كان من طرف التكنولوجيا، التي تجعله متغرّبا عن عمله، مسجونا، ومجبرا على التخلف".
تم نشر الحوار بـ31 من شهر ماي (أيار) سنة 1976، بعد خمسة أيام من وفاة هايدغر ـ بناءً على طلبه بأن لا ينشر الحوار بحياته ـ تحت عنوان "إله فقط هو من باستطاعته إنقاذنا"، وهي جملة تضمنها حديث هايدغر بالحوار، وتم اعتماد نفس العنوان بالترجمات التالية لهذا الحوار :

س : أستاذ هايدغر، لقد لاحظنا مرارا وتكرارا بأن مشروعك الفلسفي طغت عليه بطريقة ما أحداث بحياتك، بالرغم من أنها لم تدم طويلا، إلا أنها لم تُوضَّح، فهل ذلك عائد لافتخارك الكبير بها أم لأنك وجدت أنها غير مناسبة للتعليق ؟
هايدغر ـ تقصد 1933 ؟

س : أجل، قبلها وبعدها. نرغب بوضع ذلك في سياق واضح ثم ننطلق من هناك نحو بعض الأسئلة ذات الأهمية بالنسبة لنا، مثل : ماهي الإمكانيات التي تتوفر عليها الفلسفة للتأثير بالواقع، بما في ذلك الواقع السياسي ؟ وهل هذه الإمكانية لا تزال بعد موجودة بالمجمل ؟ وإذا كانت، فممّا تتألف ؟
هايدغر ـ إنها أسئلة مهمة. هل سأكون قادرا على الإجابة عن جميعها ؟ لكن اسمحلوا لي أن أبتدأ القول بأنه لم يكن لدي ارتباط بأي نشاط سياسي قبل أن أصبح عميدا للجامعة. بشتاء سنة 1932/33، كنت في إجازة وقضيت معظم الأوقات بمقصورتي (بمدينة توتنبورغ).

س : كيف حدث أن أصبحت عميدا لجامعة فرايبورغ ؟
هايدغر ـ بسبتمبر (أيلول) من سنة 1932، زميلي فون مولندورف، أستاذ التشريح، انتُخب عميدا. بجامعة فرايبورغ، العميد الجديد تولى منصبه ب15 من شهر أبريل. خلال دورة شتاء 1932/33 الدراسية، كنا غالبا نتحدث عن الوضع، ليس فقط الوضع السياسي، بل أيضا وخاصة عن وضع الجامعات، عن وضع الطلاب ـ والذي كان، بشكل ما، ميؤوس منه. رأيي كان : بقدر ما أستطيع الحكم على الأمور، أن الإمكانية الوحيدة التي ظلت هي محاولة موازنة التنمية الناشئة مع تلك القوى البناءة التي لا تزال حقا مفعمة بالحيوية.

س : إذن لقد رأيت أن هناك رابطا بين وضع الجامعة الألمانية والوضع السياسي بألمانيا عامة ؟
هايدغر ـ لقد تابعت بالتأكيد مسار الأحداث السياسية بين شهر يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) سنة 1933، وتحدث عن ذلك بعدة مناسبات مع الزملاء الشباب كذلك. لكن في نفس الوقت كنت أشتغل حول تفسير ممتد يشمل فكر الماقبل سقراط، وببداية الدورة الصيفية عدت لفرايبورغ. بتلك الأثناء تولى الأستاذ فون مولندورف منصبه كعميد بمنتصف شهر أبريل. وفقط بعد أسبوعين، تم فصله عن منصبه من طرف وزير الثقافة بـبادن ساعتها، واكر. الواقع أن العميد قام بحظر نشر ما يسمى بالبيان اليهودي، وبالجامعة، كان ذلك كما هو مرجح، سببا للترحيب بالقرار الوزاري.

س : هل كان السيد فون مولندورف ديموقراطيا اشتراكيا. ما الذي فعله بعد إقالته ؟
هايدغر ـ في يوم إقالته قدم عندي فون مولندورف وقال : "هايدغر، يجب عليك الآن تتولى إدارة الجامعة". قلت له بأني لا أفقه شيئا بالإدارة. نائب العميد بذلك الوقت، ساور (عالم لاهوت)، قام مع ذلك بحثّي على خوض غمار الانتخابات المقبلة حول المنصب، وإلا سيكون هناك خطر تعيين موظف كعميد. تناقشت مع الزملاء الشباب مسائل هيكلة الجامعة لسنوات، فحاصروني بطلبات لتولي منصب الإدارة. ترددت لفترة طويلة. بالنهاية أعلنت استعدادي لتولي المنصب، لكن فقط لأجل مصلحة الجامعة، وفقط إذا تمكنت من التيقن من إجماع المجلس الجامعي بالموافقة. ظلت الشكوك حول كفاءتي بالإدارة، بذلك، وبصباح يوم انعقاد الانتخاب ذهبت لمكتب العميد وأخبرت زملائي فون مولندورف (الذي بالرغم أنه أقيل من منصبه كعميد، إلا أنه كان حاضرا) ونائب العميد ساور بأنني لا أستطيع تولي المنصب. غير أن هذان الزميلان أجابا بأن الانتخابات أعدت بطريقة لم يعد ينفع بعدها أن أسحب ترشيحي.

س : بعد هذا أعلنت بالنهاية أنك مستعد. كيف إذن تطورت علاقتك بالاشتراكيين الوطنيين ؟

هايدغر ـ بعد يوم من تولي إدارة الجامعة، حضر لدي قائد الطلبة مرفوقا بطالبين بالمكتب الذي كنت اشغله كعميد، وطلب مجددا بنشر البيان. فرفضت. غادر الطلبة الثلاث مؤكدين لي أن قيادة طلبة الرايخ (Reichsstudentenführung) سيصلها خبر الحظر. بعد ذلك بأيام تلقيت اتصالا من مكتب SA (كتيبة النازية السياسية) للتعليم العالي بالقيادة العليا SA، من شخص د.باومان قائد المجموعة-SA. قال بأن البيان المذكور، والذي سبق وضعه بالجامعات الأخرى، يجب أن يُنشَر. إذا رفضت، فمن المتوقع أن تتم إقالتي أو حتى تتعرض الجامعة للغلق. رفضت وحاولت استمالة دعم وزارة بادن للثقافة لقرار المنع. أوضح (الوزير) بأنه لا يستطيع فعل شيء يعارض الSA. فظللت متشبثا بعدم سحب قرار المنع.

س : ذلك لم يكن معروفا بهذا الشكل من قبل.
هايدغر ـ كنت بالفعل قد سميّت الدافع الأساسي الذي جعلني أقرر تولي منصب إدارة الجامعة بمحاضرتي الافتتاحية «ما الميتافيزيقا ؟» قُدّمت بـفرايبورغ سنة 1929 : "المجالات العلمية متباعدة عن بعضها البعض. فالطرق التي يتم من خلالها التعاطي مع مواضيعها مختلفة بالأساس. هذا التفكك المتعدد للتخصصات متماسك اليوم فقط من خلال التنظيم التقني للجامعات والكليات كما لا يزال يحتفظ بدلالته فقط بسبب الأغراض المحددة للإدارات. بالرغم من ذلك، فإن الجذور العلمية بأرضيتها الأصلية قد اضمحلت". ما كنت أحاول القيام به خلال مدة تولي للمنصب بالنسبة للحالة التي تعرفها الجامعات (والتي صارت اليوم متدهورة بشكل رهيب) تم توضيحه برسالتي الجامعية.

س : نسعى لمعرفة كيف وإذا كان هذا التصريح بسنة 1929 يتوافق مع ما قلته بخطابك الافتتاحي كعميد سنة 1933. ونقتطف هنا جملة من السياق : "الإشادة ب«الحرية الأكاديمية» ستصبح ملغاة من الجامعة الألمانية، لأن هذه الحرية ليست أصيلة بل لأنها سلبية". نعتقد بأن هذا التصريح يعبر على الأقل عن جانب من الآراء التي ليست بالغريبة عنك حتى اليوم.
هايدغر ـ طبعا، لا زلت على موقفي. بالنسبة لهذه «الحرية الأكاديمية» كانت بالعمق سلبية بامتياز : التحرر من مجهود الاندماج بالتفكير والتأمل الدراسي العلمي أمر متطلب. إضافة، إلى أن الجملة التي اقترحتموها لا يجب عزلها، إنما وضعها بسياقها. عند ذاك سيتوضح ما أردت تبيانه ك«حرية سلبية».

س : حسنا، هذا مفهوم. نعتقد بالرغم من ذلك، بأننا نسمع نبرة جديدة في رسالتك الجامعية وأنت تتحدث، بعد أربع شهور من ترأس هتلر للرايخ، حول "عظمة وروعة هذه الانطلاقة".
هايدغر ـ أجل، كنت مقتنعا بذلك أنا كذلك.

س : هل يمكن أن توضّح لنا قليلا أكثر ؟
هايدغر ـ بكل سرور. بذلك الوقت لم أرى بديلا. في خضم تداخل الآراء والاتجاهات السياسية ل32 من الأطراف، كان من المحتم إيجاد هوية وطنية، وخصوصا اجتماعية، وجهة نظر، ربما على غرار محاولة فريديش ناومن. يمكن أن أشير هنا، كمثال، لمقالة إدورد سبارنغر الذي ذهب فيها أبعد مما برسالتي الجامعية.

س : متى بدأت بالتعامل مع الظروف السياسية ؟ فال32 طرفا كانوا متواجدين لمدة طويلة. حتى أنه كان الملايين من العاطلين ب1930.
هايدغر ـ بذلك وقت، كنت منشغلا تماما بالمسائل التي قمت بتطويرها في «الكينونة والزمان» (1927) وبالكتابات والقراءات خلال السنوات اللاحقة. إنها مسائل جوهرية حول التفكير والتي تهتم بشكل غير مباشر بالقضايا الوطنية والاجتماعية. وكأستاذ جامعي، انشغلت بشكل مباشر بمسألة ماهية العلم، ومن ثم، تحديد مهمة الجامعة. هذه المحاولة عبّرت عنها بعنوان رسالتي الجامعية «إثبات الجامعة الألمانية لذاتها». لم تعرف رسالة جامعية أخرى بذلك الوقت عنوانا مخاطرا. لكن هل قام أولئك المنتقدون للخطاب بقراءته بروية، متفكرين فيه بجدية، ليفهموه من زواية نظر للوضع بذلك الوقت ؟

س : إتباث الجامعة لذاتها، بوضع مضطرب، ألا يبدو ذلك بشكل ما غير ملائم ؟
هايدغر ـ لماذا ؟ "إتباث الجامعة لوجودها" كان ضد ما كان يسمى بالعلم المسيّس (السياسي)، كما كان يُدعى من قِبل الطلبة الاشتراكيين الوطنيين. كان للعنوان معنى مختلف عن الآن. لم يكن له ارتباط بـ"العلم السياسي" كما هو الآن، إنما بالأحرى ضمن : العلم على نحو معانيه وقيمه، وتقييمه باستخدامه التطبيقي لصالح الأمة (Volk). هذا الموقف المضاد للتسييس العلمي، تم التطرق له بشكل خاص في الرسالة الجامعية.

س : هل نفهمك بشكل صحيح ؟ فيما يتعلق بالجامعة والذي شعرت بأنه "انطلاقة جديدة"، كنت ترغب بتأكيد الجامعة ضدا ربما على التوجهات الطاغية، حتى لا تُسلب للجامعة هويتها ؟
هايدغر ـ بالتأكيد، لكن في نفس الوقت "تأكيد الذات" يعبر عن تحديد ذاتي لمهمة استعادة معنى جديد، في مواجهة التنظيم التقني المجرد للجامعة، من خلال التأمل في التراث الفكري الغربي والأوروبي.

س : أستاذ، هل نفهم من ذلك بأنك فكرت إثر ذلك بأن انعاشا للجامعة يمكن له أن يتحقق مع الاشتراكيين الوطنيين ؟
هايدغر ـ هذا خطأ في الصياغة. كان يلزم الجامعة أن تتجدد من خلال تأملها الخاص، وليس من خلال الاشتراكيين الوطنيين، وبالتالي تكسب موقفا حازما ضد خطر التسييس العلمي - بالمعنى المعطى سابقا.

س : لهذا السبب أعلنت عن ثلاث ركائز برسالتك الجامعية : خدمة العمل (Arbeitsdienst)، الخدمة العسكرية (Wehrdienst)، خدمة المعرفة (Wissensdienst). من خلال ذلك، يبدو أنك فكرت بوجوب رفع خدمة المعرفة لمكانة مساوية، مكانة لم يقم الوطنيون الاشتراكيون بمنحها لها ؟
هايدغر ـ ليس هناك من إشارة لأية ركائز. لو تمعّنت بروية، ستلاحظ على أنه بالرغم من أن خدمة المعرفة صُنفت بالمرتبة الثالثة، إلا أنها تصنف بالمرتبة الأولى من حيث دلالتها. فيجب الأخذ بعين الاعتبار أن العمل والدفاع، ككل الأنشطة الإنسانية، يلزمهما أن يرتكزا على المعرفة ويستنيران بها.

س : لكن يجب علينا (لقد اكتفينا تقريبا من الاقتباس البغيض) أن نشير لتصريح آخر هنا، والذي لا نعتقد بأنك لا زلت مقتنعا به لغاية اليوم. "لا تدع النظريات والأفكار تصبح قواعد لكينونتك. الفوهرر (Führer) نفسه ولوحده هو حاضر ومستقبل الواقع الألماني وقوانينه".
هايدغر ـ هذه الجملة لن تجدها بالرسالة الجامعية، لكن فقط في الصحيفة المحلية لطلبة فرايبورغ، وذلك ببداية دورة شتاء 1933/34 الدراسية. عندما توليت المنصب، كان واضحا بالنسبة لي أن ذلك لن يتم إلا بتقديم تنازلات. اليوم لن أكتب هذه الجملة التي استشهدت بها. بل حتى بعام 1934، لم أكن لأقول شيئا من هذا القبيل. لكن اليوم، واليوم أكثر إصرارا من قبل، كنت لأعيد الخطاب حول «إثبات الجامعة الألمانية لذاتها»، بالرغم من الإجماع بعدم العودة للقومية. المجتمع أخذ مكانه بالأمة (Volk). مع ذلك، فإن الخطاب لن يكون أكثر من زفير ضائع اليوم مثلما كان من قبل.

س : ربما سنقاطعك مجددا بسؤال ؟ صار واضحا حتى الآن بالمحاورة أن تصرفك خلال 1933 كان يتأرجح بين قطبين. الأول، كان يجب عليك قول عدة أمور على غرار ad usum Delphini (باللاتينية ل"استخدام الدلفين"، إشارة للأعمال المنقحة لأجل الاستهلاك العام). هذا كان القطب الأول، القطب الآخر كان، بالرغم من ذلك، إيجابيا. عبّرت عنه بطريقة : لدي إحساس بأن هناك شيءٌ جديد، إنها انطلاقة جديدة - بالطريقة التي قلتها بها.
هايدغر ـ أجل صحيح.

س : بين هاذين القطبين - كان الأمر مقنعا تماما آخذين بالاعتبار زواية النظر للوضع بذلك الوقت..
هايدغر ـ أكيد. لكن يجب أن أشدد على أن مفهوم ad usum Delphini لم يقل الكثير. آمنت في ذلك الوقت بأن هناك مسارا جديدا يكمن بالاستجواب المجابه مع الاشتراكية الوطنية، بل الطريق الوحيد الذي ظل، نحو نهضة ما، يمكن لها أن تنبثق.

س : أنت تعلم بأنه نتيجة ارتباطك هناك بعض الاتهامات الموجهة ضدك وتتعلق بتعاونك مع حزب العمال الألمان الوطني الاشتراكي (NSDAP) وشركائه. هذه الاتهامات بشكل عام يعتقد بأنها لا تزال غير قابلة للنقد لحد الآن. فقد اتُّهمت، على سبيل المثال، بمشاركتك بمحرقة الكتب التي أقامها الطلبة أو شباب هتلر.
هايدغر ـ لقد قمت بحظر محرقة الكتب والتي كان من المقرر إنشاؤها أمام مبنى الجامعة الرئيسي.

س : لقد اتُّهمت كذلك بحيازتك لكتب لمؤلفين يهود مُنعت من مكتبة الجامعة أو من قسم الفلسفة بالجامعة.
هايدغر ـ كمسؤول إداري، كانت مسؤوليتي تتمحور حول المكتبة. لم أذعن للمطالب المتكررة حول عزل كتب المؤلفين اليهود. الملتحقون سابقا بمحاضراتي يمكن لهم أن أيدلوا اليوم بشهاداتهم ليس فقط بأنه لم يتم عزل أي كتب لمؤلفين يهود، بل بأن هؤلاء المؤلفين اليهود، خصوصا هوسيرل، كان يُقتبس منهم ويُناقَشون مثلما كان الأمر قبل 1933.

س : سنأخذ علما بذلك. لكن كيف يمكن أن تفسر لنا أصل هذه الشائعات ؟ هل هي مكيدة ؟
هايدغر ـ مما أعلم حول المصادر، أميل للتصديق بذلك. غير أن دوافع الافتراء تقبع عميقا. احتمال أن تولي منصب الإدارة كان مجرد حافز وليس السبب المحدد. لذلك فإن الجدالات تشتعل بالغالب دائما كلما كان هناك حافز.

س : كان لديك طلبة يهود أيضا بعد 1933. علاقتك ببعضهم، بالمحتمل ليس الكل، تخللها الدفئ كما هو مرجح. أكان ذلك حتى بعد 1933 ؟
هايدغر ـ موقفي ظل كما هو ولم يتغير بعد 1933. طالبة من أقدم طلابي وأكثرهم تفوقا، هيلين فايس، والتي هاجرت بعدها لسكوتلندا، تحصلت على شهادة الدكتوراة من جامعة بازل (بعدما لم يعد بإمكانها أن تتلقاها بجامعة فرايبورغ) بأطروحة متميزة عن «السببية والصدفة في فلسفة أرسطو»، طبعت بـباسل سنة 1942. بنهاية مقدمة الكتاب كتبت : "محاولة في التفسير الظاهراتي، والتي نعرض جزءها الأول هنا، تمت بمساعدة التفاسير الغير المنشورة لمارتن هايدغر عن الفلسفة الإغريقية". هاهنا ترى نسخة بإهداء مكتوب بخط اليد مرسلة من قبل الكاتبة سنة 1948. لقد قمت بزيارة د.فايس عدة مرات بـبازل قبل وفاتها.

س : كنت وياسبرز صديقان لمدة طويلة. هذه الصداقة بدأت تتوتر بعد 1933. يشاع بأن هذا التوتر له ارتباط بكون لياسبرز زوجة يهودية. هل الترغب بالتعليق على الأمر ؟
هايدغر ـ ما ذكرته ليس له أي أساس من الصحة. أنا وياسبرز أصدقاء منذ 1919. لقد قمت بزيارته وزوجته خلال الدورة الدراسية الصيفية لسنة 1933، عند إلقائي لمحاضرة بهايدلبرغ. كارل ياسبرز أرسل لي كل منشوراته بين 1934 و1938 - "مع متمنيات مفعمة بالمودة". يمكن أن تلقي عليها نظرة إذا أردت.

س : تقول هنا "متمنيات مفعمة بالود". حسنا، ربما لا يجب أن تكون المتمنيات "مفعمة بالود" إذا سبق وتعرضت العلاقة للتوتر. سؤال آخر مشابه : لقد كنت تلميذا لإدموند هوسيرل، سلفك اليهودي بكرسي الفلسفة بجامعة فرايبورغ. لقد أوصى عليك بالجامعة كأستاذ خلفا له. علاقتك به لا يمكن ألا يشملها الامتنان.
هايدغر ـ لقد اطلعت على الإهداء بـ«الكينونة والزمان».

س : بالطبع.
هايدغر ـ بسنة 1929 قمت بتحرير كتاب تذكاري لذكرى ميلاده السبعين. وخلال الاحتفال في بيته ألقيت كلمة، والتي نشرت بالمنشورات الأكاديمية Akademische Mitteilungen شهر ماي 1929.

س : لاحقا، على الرغم من ذلك، عرفت العلاقة توترا. هل يمكن أن تقول إلى ماذا يرجع ذلك بالأساس ؟
هايدغر ـ اختلاف وجهات نظرنا حول المسائل الفلسفية تزايدت. ببداية الثلاثينيات، سوّى هوسيرل الحسابات مع ماكس شيلر ومعي بشكل علني. وضوح تصريحات  هوسيرل لم تدع شيئا يمكن نشدانه. أعجز عن فهم الدافع الذي حث هوسيرل على معارضة فكري بذلك الشكل العلني.

س : بأية مناسبة كان ذلك ؟
هايدغر ـ تحدث هوسيرل بجامعة برلين أمام مدرج من 600 شخص. أورد ذلك هاينريش موزام بإحدى أكبر الصحف البرلينية بـ"نوع من جو الصالات الرياضية".

س : الجدال ليس له أي أهمية بهذا السياق. ما يهم هو أنه لم يكن هناك جدال فيما يتعلق بسنة 1933.
هايدغر ـ لم يكن.

س : تلك كانت ملاحظات منا على كل حال. هل صحيح أنك قمت فيما بعد بإزالة إهداء هوسيرل من «الكينونة والزمان» ؟
هايدغر ـ  لا، لكن ذلك صحيح. لقد قمت بتوضيح الأمور في كتابي «الطريق نحو اللغة». جاء بالنص : "لمواجهة الادعاءات الزائفة العديدة والواسعة الانتشار، دعونا نعلن صراحة بأن الإهداء بـ«الكينونة والزمان»، المذكور بنص الحوار بالصفحة 16، تم نقله لبداية الكتاب في طبعته الرابعة سنة 1935. لكن حينما وجد الناشر أن الطبعة الخامسة بسنة 1941 مهددة بالعزل، وبأن الكتاب سيصير محظورا، تم الاتفاق أخيرا، على اتباع اقتراح نيماير (الناشر) ورغبته، بأن يتم سحب الإهداء من الطبعة الخامسة. شرطي كان انطلاقا من أن الإهداء قد مُنح بالفعل، أن يظل الهامش بالصفحة 38. والذي جاء فيه : "لم يكن للتحقيق المتبع أن يأخذ أي خطوات تقدمية بالكشف عن «الأشياء في ذاتها». المؤلف يشكر بالأساس إدموند هوسيرل، الذي من خلال توفير توجيهه الشخصي الثاقب والسماح بمراجعة تحقيقاته الغير منشورة بحرية، تمكن المؤلف من سبر غور أكثر المجالات تنوعا للأبحاث الظاهراتية خلال سنوات دراسته بـفرايبورغ".

س : نحتاج لسؤالك إذا ما كان فعلا، أنك قمت باعتبارك عميدا بجامعة فرايبورغ، بمنع الأستاذ الفخري هوسيرل بدخول أو استخدام مكتبة الجامعة بما في ذلك القسم الخاص بالفلسفة.
هايدغر ـ هذا افتراء.

س : إذن ليس هناك من رسالة تتضمن هذا المنع ضد هوسيرل، فمن أين جاءت بالتالي هذه الإشاعة ؟
هايدغر ـ لا أعرف كذلك، وليس لدي أي تفسير عن ذلك. بإمكاني البرهنة على استحالة ذلك خلال المثال التالي، وهو الأمر الغير معروف. طلبت الوزارة الحكومية من كل من مدير العيادة الطبية، البروفيسور تانهاوزر، وفون هيفيزي، أستاذ الفيزياء الكيميائية والحائز على جائزة نوبل فيما بعد - وكلاهما يهودي - أن يتم فصلهما. خلال إدارتي كنت قادرا على إبقائهما بإجراء مقابلة مع الوزير. فهل من المعقول أن أقوم بإبقائهما وأتخذ في نفس الوقت موقفا معارضا ضد هوسيرل، أستاذ فخري والذي قام بتدريسي، فبنمط الإشاعات يبدو الأمر سخيفا. علاوة على ذلك، قمت بحظر مظاهرة ضد تانهاوزر كان الطلبة والمحاضرون قد قرروا تنظيمها أمام مقر عيادته. بالنعي الذي نشرته عائلة تانهاوزر بالصحيفة المحلية، كُتب : "حتى 1934، كان المدير الشرفي للعيادة الطبية بجامعة فرايبورغ بـبريسغاو. بروكلين، ماساتشوستس 12-18-1962". ذكرت صحيفة جامعة فرايبورغ بفبراير 1966 بأن الأستاذ فون هيفيزي : "بين أعوام 1926-1934، كان على رأس المؤسسة الفيزيائية الكيميائية لجامعة فرايبورغ بـبريسغاو". بعد استقالتي من منصب الإدارة، كلا المديران تم عزلهما عن مناصبهما. بذلك الوقت، كان هناك محاضرون بدون رواتب ظلوا متعلقين بوظائفهم لفترة ثم تركوها،  وفكروا من تم بأن الوقت قد حان للتحرك. حينما قدم هؤلاء القوم لملاقاتي، أشحت بوجهي عنهم.

س : أنت لم تحضر جنازة هوسيرل سنة 1938. لماذا ؟
هايدغر ـ اسمح لي بقول ما يلي حول ذلك : هذا الادعاء بأنني قطعت علاقتي بـهوسيرل لا أساس له من الصحة. بعثت زوجتي برقية بإسمينا إلى السيدة هوسيرل في شهر ماي من سنة 1933. تضمت تعبيرنا عن "الامتنان اللامتغير"، والبرقية كانت مرفوقة بباقة من الزهور إلى منزلهما. بعد فترة وجيزة تلقينا ردا من السيدة هوسيرل عبارة عن بطاقة شكر أوردت فيها أن العلاقة بين أسرتينا قد انفصلت. اعتبرت نفسي إنسانا فاشلا لأني عجزت عن التعبير مرة أخرى عن امتناني وإعجابي بـهوسيرل وهو بسرير المرض وكذلك بعد موته. لكني بعث برسالة اعتذار عن ذلك للسيدة هوسيرل فيما بعد.

س : هوسيرل مات ب1938. لكنك استقلت مسبقا من منصب العميد بفبراير 1934. كيف حدث ذلك ؟
هايدغر ـ سأزيد من توضيح هذه النقطة. كان اهتمامي ساعتها منصبا على التمكن من التنظيم التقني للجامعة، ذلك يعني تجديد الكليات (الأقسام) من الداخل، من وجهة نظر المهام الدراسية. انطلاقا من هذا الاهتمام، اقترحت واجب تعيين الزملاء الشباب وخاصة البارزين منهم بمجالاتهم، على رأس الكليات الفردية بالدورة الشتوية الدراسية 1933/34، وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار انتماءهم الحزبي. هكذا أصبح الأستاذ إريك وولف رئيسا على قسم القانون، الأستاذ شادفايت رئيسا لقسم الفلسفة، الأستاذ سورغل رئيس قسم العلوم الطبيعية، البروفيسور فون مولندورف، والذي سبق له أن استقال من منصبه كعميد بالربيع، رئيسا للقسم الطبي. غير أنه بحلول عيد الميلاد 1933، بدا واضحا لي أنني لن أكون قادرا على تنفيذ مهامي المتعقلة بتجديد الجامعة نتيجة معارضة كل من الزملاء والحزب على حد سواء. زملائي لم يعجبهم الأمر، ذلك، على سبيل المثال، أنني قمت بدمج الطلبة بمواقع المسؤولية في إدارة الجامعة ـ كما هي المسألة حتى اليوم. استُدعيت بأحد الأيام إلى كارلسرواه Karlsruhe، حيث أمر الوزير عن طريق مساعده الأقرب وبحضور الغولايتر Gauleiter (المسؤول الإقليمي للحزب النازي) زعيم الطلاب، باستبدال كل من رئيس قسم القانون ورئيس القسم الطبي بعضوين آخرين من هيئة التدريس ذوي انتماء حزبي. رفضت ذلك، وقلت بأني سأقدم استقالتي إذا أصر الوزير على طلبه. وذلك هو ما حدث في فبراير 1934. استقلت بعد 10 شهور فقط من تعييني، في حين أن أن العمداء بذلك الوقت يقضون سنتين أو أكثر بمناصبهم. وبينما كانت الصحافة المحلية والأجنبية قد علقت على أمر تعييني بطرق مختلفة، اتخذت الصمت بخصوص استقالتي.

س : هل تحادثت مع وزير تعليم الرايخ، برنهارد راست بذلك الوقت ؟
هايدغر : أي وقت ؟

س : 1933، راست قام برحلة إلى هنا بفرايبوغ والتي لا يزال الحديث عنها.
هايدغر ـ إننا نتحدث عن حدثين مختلفين. فبمناسبة إحياء ذكرى وفاة شلاغتر المدفون بمسقط رأسه، شناو بـفيزنتال Schِnau im Wiesental، قمت باستقبال الوزير رسميا وذلك لفترة وجيزة. من جهة أخرى لم يتخذ الوزير مني أي موقف. انطلاقا من ذلك لم أسعى للتحادث معه. شلاغتر كان طالبا بجماعة فرايبورغ وعضوا بالأخوية الكاثوليكية. النقاش أخذ كلمته في نوفمبر 1933 بمناسبة المؤتمر الجامعي ببرلين. حيث قمت بعرض وجهات نظري عن العلم والبنية المفترضة للكليات أمام السيد الوزير. فأنصت بانتباه لكل ما قلته ذلك أنني استشعرت الأمل بأن ما قدمته قد يحدث تأثيرا. غير أن شيءً لم يحدث. أنا لا أرى سببا كوني مُلاما نتيجة محادثتي لوزير تعليم الرايخ في حين أن كل الحكومات الأجنبية بنفس الوقت كانت تتسابق للاعتراف بـهلتر وعرض المجاملات الدولية النمطية.

س : هل تغيرت علاقتك بالحزب النازي بعد استقالتك من إدارة الجامعة ؟
هايدغر ـ بعد استقالتي، عدت للتدريس. بالدورة الدراسية الصيفية 1934 حاضرت عن "المنطق". بالدورة الدراسية التالية 1934/35، قدمت أول محاضرة عن هولدرلين. المحاضرات عن نيتشه بدأت بسنة 1936. كل أولئك الذين كان باستطاعتهم الاستماع سمعوا بأن ذلك كان مواجهة مع الاشتراكية الوطنية.

س : كيف تم نقل المنصب ؟ أنت لم تشارك بالاحتفال ؟
هايدغر ـ طبعا، رفضت المشاركة باحتفال نقل العميد.

س : أكان خليفتك عضوا مخلصا للحزب ؟
هايدغر ـ كان عضوا بقسم القانون. صحيفة الحزب Der Alemanne أعلنت عن تعيينه كعميد بعنوان رئيسي عريض : "أول عميد اشتراكي وطني للجامعة".

س : هل لاقيت صعوبات مع الحزب بعد ذلك، ماذا حدث ؟
هايدغر ـ كنت مراقبا باستمرار.

س : ألديك مثال عن ذلك ؟
هايدغر ـ أجل، قضية الدكتور هانك.

س : كيف عرفت ذلك ؟
هايدغر ـ لأنه قدم عندي بنفسه. كان قد تحصل على الدكتوراة وهو أحد الملتحقين بحلقتي الدراسية بدورة الشتاء 1936/37 والدورة الصيفية 1937. فقد أُرسل إلى هنا بفرايبورغ من طرف الSD (خدمة الأمن؛ Sicherheitsdienst) وذلك لجعلي تحت المراقبة.

س : لماذا قدم عندك هكذا بشكل مفاجئ ؟
هايدغر ـ بسبب الحلقة الدراسية عن نيتشه بالدورة الصيفية ل1937 وبسبب طريقة العمل الذي تم بالحلقة، لقد اعترف لي بأنه لم يعد قادرا على متابعة مهمة المراقبة المسندة إليه. أراد أن يخبرني بهذا الوضع حتى انتبه لنشاطي بالمستقبل كأستاذ.

س : عدا ذلك لم تكن هناك مشاكل مع الحزب ؟
هايدغر ـ عرفت فقط بأن أعمالي لم يكن مسموحا بمناقشتها، على سبيل المثال مقالة «نظرية أفلاطون عن الحقيقة». المحاضرة التي قدمتها عن هولدرلين بالمعهد الجرماني في روما بربيع سنة 1936 هوجمت من طرف مجلة شباب هتلر Wille und Macht (إرادة وقوة) بشكل لا يُسر بالمرة. بالنسبة للمهتمين يجب أن يطلعوا على الانتقادات ضدي بمجلة إرنست كريك Volk im Werden (أمة المستقبل). لم أكن ضمن الوفد الألماني المشارك بالمؤتمر الدولي للفلسفة بـبراغ سنة 1934 أو حتى تمت دعوتي للمشاركة. وكان من المقترح أيضا أن يتم استبعادي من مؤتمر ديكارت الدولي بـباريس سنة 1937. بدا ذلك غريبا بالنسبة للمتواجدين بـباريس حيث أن مُترأس المؤتمر (الأستاذ بريهيي بجامعة السوربون) سأل لماذا لم أكن بين الوفد الألماني. أجبته بأن منظمي المؤتمر هم من يجب عليهم أن يستفسروا وزارة تعليم الرايخ بخصوص هذه المسألة. بعد فترة، تلقيت دعوة من برلين للانضمام للوفد بشكل متأخر. فرفضت، محاضرة «ما الميتافيزيقا ؟» و«في ماهية الحقيقة» بيعتا من تحت الشباك داخل سترات مغبرة ودون عنوان. بفترة قصيرة بعد 1934 سُحبت المحاضرات من السوق إثر تحريض من الحزب. لم يكن مسموحا بمناقشتها إلا بمجمع الأساتذة الاشتراكيين الوطنيين، وذلك كموضوع يدخل في إطار الانتقادات السياسية للحزب.

س : في 1939، الحرب.. أحَدَث ما هو أسوأ ؟
هايدغر ـ بالسنة الأخيرة من الحرب، 500 من أبرز الفنانين والعلماء تم إعفاؤهم من أي نوع من الخدمة العسكرية. ولم أكن من بين هؤلاء المعفيين. على العكس من ذلك، بصيف سنة 1944 أُمرت بحفر الخنادق بمحاذاة نهر الراين، بكايزرشتول Kaiserstuhl (سلسة جبال).

س : بالجهة المقابلة، سويسرا، كارل بارث كان يحفر الخنادق.
هايدغر ـ طريقة حدوث ذلك مثيرة للاهتمام. قام العميد باستدعاء الجميع لقاعة المحاضرات. فألقى خطابا قصيرا مفاده أنه يتفق مع الزعامة الحزبية للاشتراكية الوطنية بما في ذلك الزعامة الإقليمية للحزب (الغولايتر). أراد أن يقسّم الهيئة الجامعية إلى ثلاث مجموعات : الأولى والتي يمكن الاستغناء عنها كليا، الثانية والتي يمكن الاستغناء عنها جزئيا، والثالثة والتي لا يمكن الاستغناء عنها. أول من يتصدر لائحة المجموعة الأولى هو مارتن هايدغر، بعده يأتي جرهارد ريتر. بالدورة الدراسية الشتوية 1944/45، بعدما أنهيت العمل بالخنادق بالقرب من نهر الراين، ألقيت محاضرات بعنوان «الفكر والكتابة الشعرية» Dichten und Denken، بشكل ما تعتبر  متابعة لحلقتي عن نيتشه، ما يعني مواجهة مع الاشتراكية الوطنية. بعد الدرس الثاني، تم تجنيدي بـVolkssturm القوات المدنية الدفاعية. أكبر أعضاء الهيئة الجامعية سِناًّ يتم استدعاؤه للخدمة العسكرية.

س : لا أعتقد أننا سنسمع حديث الأستاذ هايدغر عن مسار الأحداث حتى، كما يمكن أن نقول بشكل قانوني، استلامه لقبا فخريا. وهو شيء معروف.
هايدغر ـ بالواقع، الأحداث نفسها غير معروفة، ليست بالشيء الجيد.

س : إلا إذا رغبت بقول شيء عنها.
هايدغر ـ لا.

س : ربما يجب أن نلخص. كسياسي، بالمعنى الضيق للكلمة، وليس بمعانها الواسع، كنت محصورا بالسياسات التي كانت تفترض انطلاقة جديدة بـ1933.
هايدغر ـ من خلال الجامعة..

س : من خلال الجامعة افترضَت هذه السياسات انطلاقة جديدة. حوالي سنة بعد ذلك، تخليت عن الوظيفة مجددا حتى تتولى العملية. غير أنه في محاضرة سنة 1935، والتي نشرت بنفس السنة تحت عنوان «مقدمة في الميتافيزيقا»، ذكرت بأن : "الأعمال التي صارت متوفرة اليوم" خلال 1935 "والتي تقدم باعتبارها فلسفة الاشتراكية الوطنية، غير أن لا علاقة لها بالحقيقة الجوهرية وعظمة هذه الحركة (والتي تواجه مكننة العالم والموجود الإنساني الحديث)، تلقي بشباكها في المياه العكرة للقيم والشموليات". هل قمت بإضافة العبارات التي بين قوسين في 1953، حينما طبعت ـ حتى تفسر للقراء ب1953 بما عنيته ب"الحقيقة الجوهرية وعظمة هذه الحركة"، والتي هي الاشتراكية الوطنية سنة 1935 ـ أو أن هذه الملاحظة التي بين قوسين كانت موجودة بالفعل سنة 1935 ؟
هايدغر ـ كانت موجودة بمخطوطتي وتتوافق تماما مع مفهومي للمكننة (التكنولوجيا) بذلك الوقت، لكن ليس فيما بعد عند تفسيري لجوهر التكنولوجيا كبنية. السبب في أني لم أقرأ العبارات بصوت عال، هو اقتناعي بأن مستمعي سيفهمون قصدي بشكل صحيح. أما الأغبياء والمخبرون والمتلصصون فقد فهموا القصد بشكل مختلف - وذلك ما كانوا يرغبونه.

س : بلا شك يشمل ذلك الحركة الشيوعية أيضا ؟
هايدغر ـ أجل بالتأكيد، كشكل من مكننة العالم.

س : ربما يشمل ذلك المساعي الأمريكية كذلك ؟
هايدغر ـ أردت قول ذلك أيضا. بالثلاثين سنة الأخيرة، بدا واضحا أن الحركة العالمية للتكنولوجيا الحديثة والتي لديها قدرة على تغيير مجرى التاريخ يمكن لها أن تأخذ شكلا متطرفا. السؤال الحاسم اليوم بالنسبة لي، هو كيف يمكن لنظام سياسي أن يتأقلم مع العهد التكنولوجي الحالي، وأي نظام سياسي ساعتها سيكون ؟ هذا ما لا أمتلك له جوابا. ولا أعتقد بأن ذلك النظام سيكون الديموقراطية.

س : الديموقراطية ليست سوى مصطلح متعدد يتضمن مفاهيم مختلفة. المسألة هي في توفر إمكانية لإعادة تشكيل هذا النظام السياسي أو لا. بعد 1945 قدمت أراءك حول تطلعات العالم الغربي السياسية، وتحدث في خضم ذلك عن الديموقراطية، عن التعبير السياسي للمسيحيين في نظرتهم للعالم، وكذلك عن الدولة الدستورية - وقمت بنعت كل هذه التطلعات بـ"النصفية".
هايدغر ـ دعني بالأول أسألك أين تحدّثت عن الديموقراطية والأمور الأخرى التي ذكرتَها. لقد قمت بنعتها بـ"النصفية" لأنني بالواقع لا أعتقد بأنها قادرة على مجابهة العالم التكنولوجي. أعتقد بأن خلفهم تلك الفكرة التي ترى بأن التكنولوجيا بجوهرها هي شيء يقع تحت سيطرة البشر. برأيي، هذا ليس شيئا مستحيلا. التكنولوجيا بجوهرها شيء لا يمكن للبشر أن يحكموه بالسلطة.

س : أي من الاتجاهات السياسية المذكورة، تلائم أكثر بنظرك زمننا الراهن ؟
هايدغر ـ ذلك ما لا أراه. غير أني أرى سؤالا حاسما هنا. بداية يجب إيضاح ما عنيتهموه بـ"تلائم زمننا الراهن"، أي زمن نعني هنا. إن الأهم من ذلك هو التساؤل عما يتوائم وزمننا الراهن قياسا بـ"الحقيقة الباطنية" لأنشطة البشر، أو قياسا بـ«الفكر والكتابة الشعرية»، بالرغم من كل الاستهجانات لهذه العبارة، فليست الأنشطة هي التي يجب أن تحدنا بالقياس.

س : إنه لأمر ملفت للنظر أنه طوال هذا الزمن لا يزال البشر غير قادرين على التحكم في أدواتهم، انظر للمهارة السحرية. ألا يعتبر تشاؤما مبالغا فيه نوعا ما القول بأننا لن نكون قادرين على التحكم في هذه الأدوات الأعظم طبعا للتكنولوجيا الحديثة ؟
هايدغر ـ تشاؤم، لا. التشاؤم والتفاؤل مواقف تقع بشكل وجيز في عالم نحن بصدد التفكير فيه باستمرار. لكن قبل كل شيء التكنولوجيا الحديثة ليست "أداة"، وبالمجمل لا شيء لديها لتفعله بالأدوات.

س : لماذا يجب أن تتم الهيمنة بالتكنولوجيا ؟
هايدغر : لم أقل هيمنة. قلت بأنه لا يوجد بعد مسار يتوافق مع جوهر التكنولوجيا.

س : يمكن للواحد أن يعترض بسذاجة : ما الذي يجب أن نتوافق معه ؟ فكل شيء يشتغل. أكثر فأكثر تزداد محطات توليد الطاقة الكهربائية. الإنتاج يزدهر. الناس بالمناطق التي تشهد رقيا تكنولوجيا بالعالم تستفيد من ذلك بالشكل المطلوب. إننا نعيش في رخاء. فما الذي ينقص بالفعل هنا ؟
هايدغر ـ كل شيء يشتغل. هذا هو الغريب في الأمر. كل شيء يشتغل والاشتغال يقودنا أكثر وأكثر نحو مزيد من الاشتغال، والتكنولوجيا تدفع بالبشر بعيدا وتقتلعهم من جذورهم شيئا فشيئا. لست متأكدا إن كنتَ أنتَ متخوفا، المؤكد بالنسبة لي هو أنني شعرت بالخوف عندما شاهدت مؤخرا صورا للأرض تؤخذ من على سطح القمر. لسنا بحاجة لقنبلة نووية على الأطلاق؛ عملية اجتثات البشر قد بدأت بالفعل. كل ما لدينا هو ظروف تكنولوجية محضة. لم تعد أرضا هذه التي يعيش فيها الإنسان اليوم. مؤخرا جمعتني محادثة مطولة مع رينيه شار بـبروفانس ـ كما تعلم، الشاعر والمقاوم. قاعدة صواريخ تبنى ببروفانس، والبلد يخرَّب بشكل مروع. الشاعر، والذي لا يمكن الاشتباه في شاعريته وتمجيده للمثالية، قال لي بأن الاجتثات الحالي للوجود الإنساني هو النهاية إذا لم يكسب الفكر والشعر قوة لاعنفية مرة أخرى.

س : الآن، يجب أن نقول على أنه بالرغم من رغبتنا بالبقاء بالأرض، ومن المحتمل أننا لن نضطر لمغادرة الكوكب بفترتنا الحياتية، من يعرف ما إذا كان مصير البشر سيظل على هذه الأرض ؟ يبدو ممكنا أن البشر لا يتمتعون بأي مصير بالنهاية. غير أنه بالإمكان توفر إمكانية أن نرى البشر يغادرون الأرض نحو كواكب أخرى. وذلك بالتأكيد لن يحدث إلا بعد وقت طويل.  لكن أين كُتب أن مكان البشر هو هنا ؟
هايدغر ـ من خلال تجربتنا وتاريخنا الإنسانيين، وعلى الأقل على حد علمي، أجد أن كل شيء مهم وعظيم انبثق بتوفر الإنسان على موطن وتجذره بتقاليد. أدب اليوم، على سبيل المثال، مدمر إلى حد كبير.

س : مدمر كلمة مثيرة للريبة هنا نظرا لأنها كلمة عدمية تستدعي سياقا واسعا من المفاهيم خاصة من خلالك ومن خلال فلسفتك. ومن المفاجئ حقا أن نرى علاقة تربط بين التدمير والأدب الذي يمكن أنك أو من المفروض اعتبارك جزء منه.
هايدغر ـ أود أن أبيّن بأن الأدب الذي قصدته ليس عدميا، من الجانب الذي أُعرِّف فيه معنى العدمية.

س : من الظاهر أنك لاحظت، بما أنك أعربت عن ذلك، موجة عولمية تستدعي أو استدعت بالواقع الدولة التكنولوجية المطلقة ؟
هايدغر ـ أجل! لكن تحديدا الدولة التكنولوجية يجب أن تتوافق أقل شيء مع العالم والمجتمع المحددين من خلال جوهر التكنولوجيا. الدولة التكنولوجية تود بأن تكون الخادم الأكثر عماء وإذعانا لقوة التكنولوجيا.

س : جيد. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه : "هل سيظل الفرد قادرا على التأثير في هذه الشبكة من الحتميات بالنهاية، أو الفسلفة قادرة على ذلك، أو أنهما كلامهما، حيث تقود الفلسفة فردا أو عدة أفراد نحو نشاط معين ؟"
هايدغر ـ هذه الأسئلة تعيدنا لبداية الحوار. إن جاز لي تقديم جواب سريع وربما عميق نوعا ما، لكن انطلاقا من تأمل مطول : الفلسفة لن تكون قادرة على إحداث تغيير مباشر بالحالة الراهنة للعالم. وهذا لاينطبق فقط على الفلسفة بل على كل مساعي وتأملات الإنسان. وحده إله القادر على إنقاذنا. أعتقد بأن السبيل الوحيد لخلاصنا هو أن نتأهب، من خلال الفكر والشعر، لظهور الإله أو لغيابه خلال الانحدار؛ ليس أن نعتبر هكذا موته كالوفيات العبثية، إنما نعي أنه بانحدارنا، ننحدر مع غياب للإله.

س : هل هناك علاقة بين فكرك وانبثاق هذا الإله ؟ أهناك علاقة سببية ؟ هل تعتقد أن بالإمكان دفع هذا الإله للظهور نتيجة التفكير ؟
هايدغر ـ لا يمكن أن ندفعه للظهور عبر التفكير. أكثر ما يكون أن نقوم به هو أن نظل متأهبين.

س : أيمكن أن نساعد ؟
هايدغر ـ يمكن للتأهب أن يكون الخطوة الأولى. العالم لا يمكنه أن يكون ما هو وكما هو من خلال الإنسان، لكن أيضا لا يمكن أن يكون كذلك دون وجود هذا الإنسان. في اعتقادي ذلك مرتبط بواقع ما أسميه "كينونة"، باستخدام الكلمة التقليدية، المبهمة، البالية الآن، فهي تحتاج للإنسان. الكينونة ليست كينونة من دون وجود إنساني يفصح عن ذاته، وبحاجة للحماية والهيكلة. فأنا أرى جوهر التكنولوجيا فيما أسميه تشييد. هذا الإسم، يساء فهمه بسهولة عند سماعه أول مرة، لفهم النقاط بشكل صحيح، عد لأعمق تاريخ للميتافيزيقا، التي لا تزال تحدد وجودنا (دازين) اليوم. أعمال التشييد تعني : بأن الوجود الإنساني مقبوض، مزعوم، ومهاجم من طرف قوة تَبرز بجوهر التكنولوجيا. اختبار أن البشر مشيَّدين من قبل بعض الأشياء هي أن البشر ليسوا هم أنفسهم وليسوا قادرين على السيطرة على ذواتهم، تحديدا اختبار كشف إمكانية إدراك أن البشر محتاجين بالكينونة. إمكانية اختبار كينونة الاحتياج، كينونة معدّة لهاته الاحتمالات، كامنة ضمن ما يشكل أحدث تكنولوجياتنا. الفكر لا يستطيع أن يفعل أكثر من مساعدة البشر على هذا الإدراك، والفلسفة لحد هنا نهاية.

س : بأزمنة سابقة ـ وليس فقط بالأزمنة السابقة ـ كان يعتقد بأن الفلسفة فعالة بشكل غير مباشر (نادرا بشكل مباشر). ذلك أنها تساعد تيارات جديدة على الظهور. فقط خذ الألمان، أسماء عظيمة كـكانط، هيغل، حتى نيتشه، دون ذكر ماركس، ذلك يمكنه أن يؤكد بأن الفلسفة تمتلك، وإن بطرق ملتوية، تأثيرا هائلا. أتعتقد بأن فعالية الفلسفة وصلت لنهايتها ؟ وحين تقول بأن الفلسفة ماتت، وأنها لم تعد موجودة هل يشمل ذلك فكرة أن فعالية الفلسفة (إن كانت بالفعل قد وجدت) اليوم، على الأقل، لم تعد موجودة ؟
هايدغر ـ قلت ذلك فقط بشكل غير مباشر وليس بشكل مباشر، التأثير ممكن من خلال نوع آخر من التفكير. هكذا يستطيع الفكر، كما كان، التسبب في تبديل حالة العالم.

س : نرجوا أن تعذرنا، لا نرغب بالتفلسف ( لسنا بمستوى ذلك)، غير أنه هنا لدينا رابط بين السياسة والفلسفة، لذا نرجوك أن تغفر لنا دفعنا لك لهكذا محادثة. فقط قبل قليل قلت بأن الفلسفة والفرد غير قادران على فعل شيء سوى...
هايدغر ـ ...هذا التأهب لجعل الذات مفتوحة على وقوع غياب الإله. اختبار هذا الغياب ليس "اللاشيء"، بل بالأحرى تحرير الإنسان مما أطلق عليه "السقوط داخل الكينونة" في الوجود والزمان. التفكّر في ماهية اليوم (الحاضر) جزء من حالة التأهب التي نتحدث عنها.

س : غير أنه ساعتها يجب أن يتوفر بالواقع الباعث للذلك، سواء من طرف إله أو أيا كان. حتى الفكر، في توافقه الخاص، لم تعد له فعالية اليوم ؟ ذلك رأي الناس بالماضي، وباعتقادي لا يزال كذلك.
هايدغر ـ غير أن ذلك ليس بشكل مباشر.

س : أشرنا سابقا لـكانط، هيغل، وماركس باعتبارهم مؤثرين عظام. غير أن الدفعات أتت من لايبنتز كذلك ـ بتطوير الفيزياء الحديثة، ومن ثم أصل العالم الحديث بشكل عام. نعتقد بأنك قلت للتو بأنك لا تتوقع بعد حدوث مثل هذا التأثير اليوم.
هايدغر ـ لا طبعا من الجانب الفلسفي. الدور الذي لعبته الفلسفة لحد الآن استولى عليه العلم اليوم. ولنوضح بشكل كاف "تأثير" الفكر، يجب أن نمتلك بعمق النقاش ما هو أكثر من ماهية التأثير ومعناه هنا. لذلك، يجب القيام بتفرقة حريصة بين السبب، الباعث، التأييد، الدعم، المانع، والتعاون. غير أن ما سنقدر على القيام به هو الحصول على البعد المناسب لعمل هذه التفرقات إذا قمنا بنقاش كاف لمبدأ السبب الكافي. الفلسفة تذوب داخل العلوم المتفردة : علم النفس، المنطق، وعلم السياسة.

س : بنظرك من أخذ مكانة الفلسفة اليوم ؟
هايدغر ـ السيبرنتيقا (علم المكننة الحوسبية أو الذكاء الصناعي).

س : أو أن الورع هو الذي لايزال مفتوحا ؟
هايدغر ـ لكن هذا لا يعد فلسفة.

س : ما هو إذن ؟
هايدغر ـ أسميه الفكر الآخر.

س : تسميه بالفكر الآخر. أيمكن أن تزيد من توضيح ذلك قليلا ؟
هايدغر ـ هل فكرت في الجملة التي اختمت بها محاضرتي حول «السؤال المتعلق بالتكنولوجيا» : "التساؤل هو تقوى الفكر" ؟

س : وجدنا تصريحا لك بمحاضراتك حول نيتشه يبدو لنا مناسبا. قلت فيه : "لأن أعظم صلة ممكنة تسود التفكير الفلسفي، أن كل المفكرين العظام يفكرون في نفس الشيء. مهما بدى هذا التشابه ضروريا وغنيا ذلك أن الفرد الواحد لن يستنفذه، فبالأحرى أن كل فرد يرتبط بالجميع بمزيد من الصرامة". من الواضح، على الرغم من ذلك، أنك ترى بأن هذه البنية الفلسفية تنحو باتجاه نهاية معينة.
هايدغر ـ لقد انتهت لكنها بعد لم تعد بالنسبة إلينا غير صالحة. بالأحرى تحضر مجددا بالنقاش. مشروعي بأكمله بما يشمله من محاضرات وندوات خلال الثلاثين سنة الماضية كان بالأساس مجرد تأويل للفلسفة الغربية. طريق العودة للأسس التاريخية للفكر، التفكير من خلال الأسئلة التي لم تطرح منذ الفلسفة الإغريقية - وذلك لايخرج عن التقليد. غير أني أقول بأن طريق هذا التقليد الميتافيزيقي للتفكير، الذي انتهى مع نيتشه، لا يقدم لنا أي إمكانية لاختبار الخصائص الأساسية للعصر التكنولوجي، العصر الذي يبدأ للتو، بواسطة التفكير.

س : بحديث لك مع راهب بوذي قبل زهاء سنتين، تحدثت عن "طريقة جديدة كليا للتفكير"، وقلت "بالزمن الراهن قلة قليلة من الناس من تقدر أن تنجز" هذه الطريقة الجديدة للتفكير. هل تود أن تقول بأن هناك قلة قليلة من الناس التي تمتلك تلك الروئ، باعتقادك، الممكنة والضرورية ؟
هايدغر ـ "تمتلك" في معناها المبدئي، أنهم يستطيعون، بطريقة معينة، "قول" الرؤى.

س : أجل، لكن بالمحادثة مع البوذي، لم تقم بوصف كيفية تحقق ذلك بشكل واضح.

هايدغر ـ لا أستطيع التوضيح. لا أعلم شيئا عن كيف يمكن لهذا التفكير أن يكون "فعالا". فمن الممكن أن مسار التفكير اليوم يؤدي للصمت، بهذا ذاك التفكير محمي من الطرد بغضون سنة. ومن الممكن أيضا أن يتطلب ثلاثة قرون ليصبح "فعالا".

س : نفهم ذلك بشكل جيد. لكن بما أننا لن نعيش ثلاث قرون، إنما الآن وهنا، فإننا نرفض الصمت. فنحن، سياسيين، شبه سياسيين، مواطنين، صحفيين هلم جرا.. نقوم بشكل مستمر بنوع من القرار أو غير ذلك. يجب أن نأقلم أنفسنا مع النظام الذي نعيش في ظله، يجب أن نحاول تغييره، يجب أن ننظر من الباب الضيق للإصلاح، وللباب الذي لايزال أضيق للتطور. إننا نتوقع المساعدة من الفيلسوف، حتى لو كان الأمر بالطبع، مجرد مساعدة غير مباشرة، مساعدة بطرق ملتوية. أما الآن فإننا نسمع : لا أستطيع المساعدة.
هايدغر ـ أنا لا أستطيع.

س : ذلك يثني الغير-متفلسف.
هايدغر ـ لا أستطيع لأن المسائل جد صعبة ذلك أنها يمكن أن تعاكس معنى هذا الدور الفلسفي بإبرازها العام، التبشير بها، ونشر الأحكام الأخلاقية. ربما أمكن لي أن أجازف بهكذا تصريح : السر في الهيمنة الكوكبية للاتفكير بجوهر التكنولوجيا أنه يتواءم مع المقدمات الملتبسة للتفكير الذي يحاول أن يفكر اعتمادا على هذا اللاتفكير الجوهري.

س : أنت لا تعتبر نفسك من أولئك الذين، إذا تم فقط الاستماع لهم، يمكنهم فتح مسار ؟
هايدغر ـ لا! لا أعلم مسارا يؤدي لتغيير مباشر للحالة الراهنة للعالم، بافتراض أن هكذا تغيير لدى الممكن الإنساني. لكن يبدو بالنسبة لي أن محاولة التفكير بإمكانها الإيقاظ، التوضيح، وتقوية التأهب الذي أشرنا له سابقا.

س : إجابة واضحة. فقط يجب علينا انتظار أن يحدث لنا شيء ما بالثلاثة قرون المقبلة ؟
هايدغر ـ المسألة لا تتعلق بمجرد انتظار حدوث شيء بعد مرور ثلاثة قرون، بل بالتفكير قُدما، دون تداعيات نبوية، في الفترة القادمة من زواية نظر الخصائص الأساسية للعصر الحالي، والتي بالكاد يتم التفكير من خلالها. التفكير ليس خمولا، بل بحد ذاته فعل القيام بحوار مع مصير العالم. من البادي بالنسبة لي أن الفارق، النابع من الميتافيزيقا، الناشئ بين النظرية والتطبيق، ومفهومية التنقل بينهما، يعيق مسار التبصر نحو ما أفهمه كتفكير. ربما تجدر بي الإشارة إلى محاضراتي المنشورة بسنة 1954 تحت مسمى «ما المسمى بالتفكير ؟». هذه القطعة هي الأقل قراءة ضمن كل منشوراتي، وربما هي كذلك، سمة لعصرنا.

س : إنها كذلك بالتأكيد، دائما هناك سوء فهم للفلسفة بالاعتقاد أن على الفيلسوف أن يمتلك نوعا من التأثير المباشر بفلسفته. دعنا نعد للبداية. يبدو لامنطقيا إمكانية رؤية الاشتراكية الوطنية من جهة، تحقيقا لتلك "المواجهة الكوكبية"، ومن جهة أخرى بالنهاية، الأكثر فظاعة، وجبروتا، وبنفس الوقت، الاحتجاج الأكثر عجزا ضد المواجهة "الكوكبية المحددة تكنولوجيا" والموجود الإنساني الحديث ؟ من الواضح، أنك تتعامل مع متناقضات فيما يخصك، مثلها مثل عديد إنتاجات أنشطتك والتي لا يمكن أن تفسر في الواقع إلا من جهتك، بمختلف أجزاء كينونتك التي لا تمس الجوهر الفلسفي، متشبثة بالعديد من الأمور التي تعلم بما أنك فيلسوف أنها غير ذات استمرارية ـ على سبيل المثال مفاهيم كـ"وطن"، 'تجذر"، وأمور مشابهة. كيف يمكن للتكونولوجيا الكوكبية و"وطن" أن يتلاءما معا ؟
هايدغر ـ لم أود قول ذلك. يبدو لي أنكم تأخذون التكنولوجيا بالمطلق. أنا لا أعتقد بأن حالة الموجود الإنساني في عالم التكونولجيا الكوكبية قدرا كارثيا لا مفر ولا خلاص منه؛ بالأحرى أعتقد بأن مهمة الفكر تحديدا هي المساعدة، ضمن حدوده، مساعدة الموجود الإنساني لتحقيق علاقة كافية بجوهر التكنولوجيا في المجمل. بالرغم من أن الاشتراكية الوطنية سلكت نفس الاتجاه، غير أن هؤلاء الناس كانوا جد محدودين في تفكيرهم لإنجاز علاقة واضحة مع ما يحدث اليوم ومع ما كان يجري بغضون الثلاثة قرون.

س : هذه العلاقة الواضحة، هل هي لدى الأمريكيين اليوم ؟
هايدغر ـ بالمجمل لا. لا يزالون عالقين بتلك الطريقة من التفكير؛ البرغماتية (النفعية) التي تعزز العملية التكنولوجية وكذلك التلاعب، وبنفس الوقت تقف عقبة أمام الفكر في مساره لفهم خصائص التكنولوجيا الحديثة. بهذه الأثناء، توجد هنا وهناك بالولايات المتحدة الأمريكية محاولات لكسر هذه الوضعية الفكرية البرغماتية. ومن منا قادر على أنه يقول إذا ما ما تم في يوم ما بروسيا والصين ألا تستيقظ التقاليد القديمة للفكر، الأمر الذي سيساعد الناس على جعل علاقة حرة مع العالم التكنولوجي شيئا ممكنا ؟

س : وإذا لم يكن أحد قادر على جعلها، والفيلسوف عاجز عن جعلها (ممكنة) لهم..
هايدغر ـ لا يتعلق الأمر بي بإقرار إلى أين سأصل بمحاولتي في الفكر وكيف سيتم تلقيها وتحويلها إنتاجيا بالمستقبل. بسنة 1957 قدمت محاضرة بعنوان «مبدأ الهوية» لجامعة فرايبورغ بعيدها السنوي. أخيرا خاطرت في بضع خطوات فكرية، بعرض المدى الذي يمكن أن تبلغه التجربة الفكرية في ماهية الخصائص الأكثر جوهرية للتكنولوجيا الحديثة. حاولت أن أُظهر أن التجربة يمكن أن تذهب بعيدا جدا كانفتاح على إمكانية أن يختبر البشر في العصر التكنولوجي العلاقة المتطلبة والتي ليس فقط لم يسمعوا بها بل التي ينتمون لها كذلك. لفكري ارتباط جوهري بشعر هولدرلين. غير أني لا أرى بأن هولدرين مجرد شاعر، يعمل على موضوع، ضمن مواضيع شتى، بالنسبة لمؤرخي الأدب. أعتقد بأن هولدرين هو الشاعر الذي يشير نحو المستقبل، الذي يترقب الإله، وبالتالي لا يمكن أن يظل مجرد موضوع بحثي في تاريخ المخيلة الأدبية.

س : بالحديث عن هولدرين (ونعتذر عن اقتباسنا مجددا)، في محاضراتك عن نيتشه قلت بأن "فهم الصراع المختلف بين الديونيسي والأبوليني، بين الشغف المقدس والحساب الرصين، هو أنه أسلوب قانون مستتر بالمصير التاريخي للألمان، وبيوم ما يجب أن نكون مستعدين وجاهزين لهيكلته. هذا التعارض ليس مجرد صيغة تساعدنا على وصف «ثقافة». بهذا الصراع، وضع كل من هولدرين ونيتشه علامة استفهام أمام مهمة الألمان لإيجاد جوهرهم التاريخي. فهل سنكون قادرين على فهم هذه الإشارة، علامة الاستفهام تلك ؟ هناك شيء واحد مؤكد : إذا لم نقم بفهم ذلك، فإن التاريخ سينتقم منا". لا نعلم بأي سنة بالضبط كتبت ذلك، نعتقد بأنه كان بسنة 1935.
هايدغر ـ الاقتباس يعود ربما لحلقة عن نيتشه معنونة بـ«إرادة القوة كـفن» سنة 1936/37. ومن الممكن كذلك أني ذكرتها بالسنوات التالية.

س : هل تود أن تشرح لنا أكثر ؟ ذلك يبعدنا عن التعميمات نحو مصير محدد للألمان.
هايدغر ـ يمكن أن أضع ما قيل بالاقتباس بهذا الشكل : إني على قناعة أن تغييرا يمكن التهييء له وفقط من نفس المكان الذي انبثق فيه أصل العالم التكنولوجي الحديث. لا يمكن أن يأتي من خلال بوذية الزن أو ما سواها من التجارب الشرقية بالعالم. إن إنقاذ التقليد الغربي وتجديده يحتاج لتغيير بمستوى التفكير. والتفكير لا يمكن تحويله إلا من خلال تفكير له نفس الأصل والمصير.

س : تقصد بالضبط المكان الذي انبثق عنه العالم التكنولوجي، ذلك ما يجب، باعتقادك..
هايدغر ـ ...أن يتم تجاوزه بالمعنى الهيغلي، وليس إلغاؤه، تجاوزه، لكن ليس من طرف الموجود الإنساني لوحده.

س : هل تقوم بتعيين مهمة محددة بشكل خاص للألمان ؟
هايدغر ـ نعم، بهذا المعنى، من خلال حوار مع هولدرين.

س : هل تعتقد بأن الألمان يمتلكون استعدادا خاصا لهذا التحدي ؟
هايدغر ـ أنا أعتقد في العلاقة الجوهرية الخاصة بين اللغة الألمانية واللغة والفكر الإغريقيين. ذلك ما تأكد لي مرة بعد أخرى اليوم عند الفرنسيين. فحينما يبدؤون في التفكير فإنهم يتحدثون الألمانية. وهم يصرون بأن ذلك لا يمكنه أن يتحقق من خلال لغتهم.

س : هل تود هكذا بأن تبين لنا التأثير القوي الذي لديك على الدول الرومنسية، بالأخص فرنسا ؟
هايدغر ـ لأنهم يرون بأنهم لا يحصلون على شيء بكل عقلانيتهم عند محاولتهم فهم جوهر عالم اليوم. التفكير يمكنه التحول قليلا كما يمكن للشعر. بأحسن الأحوال يمكن إعادة صياغته. فحالما تتم محاولة الترجمة الحرفية، كل شيء يتبدل.

س : فكر مقلق.
هايدغر ـ سيكون من الجيد إذا اتخذ هذا القلق بشكل جدي على نطاق واسع وإذا تم أخيرا النظر للتحول المهم الذي عانى منه الفكر الإغريقي عندما تُرجم للاتينية الرومانية، حدث لا يزال لغاية اليوم يمنعنا من تأمل كاف للكلمات الأساسية بالفكر الإغريقي.

س : أستاذ، إننا بالواقع دائما نفترض بتفاؤل أن شيء ما يمكنه أن يتواصل وحتى أن يُترجم، لأنه إن كان هذا التفاؤل متضمنا بالفكر فبالإمكان إحداث تواصل على الرغم من الموانع اللغوية، إذاك ضيق لفكري يهدَّد.
هايدغر ـ أتودون دعوة الفكر الإغريقي بالضيق الفكري في مقابل النسيج الفكري للإمبراطورية الرومانية ؟ الرسائل العملية (Business) يمكن أن تترجم لجميع اللغات. العلوم (تشمل اليوم العلوم الطبيعية، مع الفيزياء الرياضية كعلم أساس) يمكنها أن تترجم لكل لغات العالم. ولمزيد من التوضيح، فهي لا تُترجم، بالأحرى نفس اللغة الرياضية تتحدث. إننا هنا نلمس منطقة واسعة يصعب تغطيتها.

س : ربما ذلك ينتمي لهذا الموضوع أيضا : حاليا، بدون مبالغة، هناك أزمة بالنظام الديموقراطي البرلماني. وذلك حاضر منذ مدة طويلة، بالأخص في ألمانيا، وليس فقط بألمانيا. ذلك حاضر بالدول الكلاسيكية للديموقراطية، في إنجلترا وأمريكا. بفرنسا لم تعد تعتبر أزمة حتى. والآن، سؤال : أيمكن أن يعجز المفكرون عن تقديم المشورة، حتى كمنتجات فكرية، أم يجب استبدال هذا النظام بواحد آخر (جديد)، وكيف يجب أن يبدو، أو أن الإصلاح يجب أن يكون ممكنا، والمشورة حول إمكانية هذا الإصلاح ؟ بشكل آخر، الشخص الغير مهيأ فلسفيا - والذي سيكون بطبيعة الحال الشخص الذي يمتلك أشياء بيده (بالرغم من عجزه عن تحديدها) والذي يتموضع في أيادي الأشياء - هذا الشخص سيستمر في التوصل لاستنتاجات خاطئة، لربما حتى استنتاجات متهورة بشكل فظيع. إذن : أيجب على الفيلسوف ألا يكون مستعدا للتفكير حول كيفية إمكانية ترتيب عيش مشترك للبشر بهذا العالم، بالطريقة التي مكننوا بها أنفسهم تكنولوجيا، والتي من الممكن أن تتغلب عليهم ؟ أليس  من اللائق التوقع من الفيلسوف تقديم النصح فيما يعتبره إمكانيات للعيش ؟ ألا يجب أن يقدم الفيلسوف باختصار جزءً، حتى لو كان بسيطا، من خلال وظيفته ونداءه إذا لم يكن يتحدث عن شيء ؟
هايدغر ـ بقدر ما أستطيع أن أرى، الفرد كفرد غير مؤهل لفهم العالم بشكل كامل من خلال التفكير لغاية المدى الذي يمكّنه من تقديم إرشادات عملية؛ خصوصا بمواجهة مهمة إيجاد أول قاعدة للتفكيره نفسه مرة أخرى. فطالما أن التفكير يأخذ نفسه بجدية بنظر التقليد العظيم، فإنه منهك بوجوب تهييء نفسه لتقديم إرشادات. بأي  إمكانية يمكن لهذا أن يحدث ؟ بعالم الفكر، ليس هناك من تصاريح موثوقة. الشرط الوحيد للتفكير يأتي من المسألة المفكر فيها. ذلك، مهما يكن، هو ما يستحق التساؤل قبل كل شيء. لجعل هذا الوضع أمرا مفهوما، يلزم نقاش حول العلاقة بين الفلسفة والعلوم، والتي (العلوم) بنجاحها التقني العملي تجعل من التفكير في المعنى الفلسفي يبدو أكثر فأكثر شيء لا جدوى منه. الوضع الصعب الذي وجد التفكير نفسه فيه بالنظر إلى مهمته أدى به للاغتراب، وهو الموقف الذي تغذيه العلوم من خلال تموقعها القوي، ما أجبر التفكير على التخلي بنفسه عن الإجابة عن الأسئلة العملية والأديولوجية المتطلبة اليوم.

س : أستاذ، بعالم الفكر ليس هنالك من تصاريح موثوقة. بالتالي لا يمكن أن نندهش من الفن الحديث الذي يعايش ظرفا صعبا، قيامه بتصاريح موثوقة. بينما، تسميها «مدمرة». غالبا يعتقد الفن الحديث نفسه بأنه فن تجريبي. أعماله محاولات..
هايدغر ـ سيسرني التجريب.

س : ...محاولات للخروج من الحالة المعزولة للموجود الإنساني والفنانين، وخارج كل مئة محاولة، هناك واحدة تصيب الهدف.
هايدغر ـ هذا هو السؤال المهم. أين يقف الفن ؟ أي مكان يشغل ؟

س : جيد، غير أنه الآن تطلب شيئا من الفن لم تعد تطلبه من الفكر.
هايدغر ـ لم أطلب شيئا من الفن. وضعت فقط سؤالا حول المكان الذي يشغله الفن.

س : إذا كان الفن جاهلا بمكانه، فهل ذلك يجعل منه مدمرا ؟
هايدغر ـ حسنا، لنتجاوز. أود أن أوضح، مع ذلك، بأني لا أعتقد بأن الفن يقف خارج مسار، خاصة وأنه لا يبدو واضحا أين يتجه ببصره أو على الأقل كيف ينظر لما هو أكثر خصوصية بالفن.

س : الفنان، كذلك، يفتقر للالتزام بالتقليد. قد يجده جميلا، ويمكن أن يقول : هذه هي الطريقة التي يمكن أن يرسم بها الواحد 600 سنة مرت أو 300 سنة مرت أو حتى ثلاثين سنة. غير أنه لم يعد قادرا على ذلك. حتى لو أراد، فإنه لا يستطيع. من تم يصبح الفنان العظيم مزوِّرا عبقري، كـهانز فان ميخيرن Hans van Meegeren، الذي بإمكانه الرسم "أفضل" من معاصريه. غير أن هذا الأمر لم يعد يعمل. بذلك فالفنان، الكاتب، الشاعر هم بوضع مماثل للمفكر. كم من المرات يجب أن نقول أغلقوا أعينكم.
هايدغر ـ إذا اتخذت "الثقافة الصناعية" إطارا لتصنيف الفن والشعر والفلسفة، بذلك سيكون التكافؤ مبرَّرا. رغم ذلك، إن لم تكن فقط الصناعة هي من ينفتح عن التساؤل بل كذلك ما نطلق عليه بالثقافة المتساءل حولها، فإن التفكر في هذه التساؤلية سيعود كذلك لمسؤلية عالم الفكر، ومحنة الفكر بالكاد يمكن تخيلها. لكن أعظم مصيبة للفكر موجودة اليوم، بقدر ما يمكن أن أراها، هي أنه ليس هنالك من مفكر يتحدث بعد، مفكر عظيم بشكل كاف يتمكن من وضع الفكر، بشكل مباشر وعملي، قبل موضوع مادته وبالتالي في مساره. عظمة ما يجب أن يكون فكرا هو مسألة عظيمة بالنسبة لنا اليوم. ربما أمكن لنا أن نكافح ببناء جسر ضيق لا يمتد بعيدا، لأجل العبور.

س : أستاذ هايدغر، تقبل شكرنا لك بإجراء هذا الحوار.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق