الهروب - عادل المعموري - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الخميس، 28 ديسمبر 2017

الهروب - عادل المعموري

خمسة أيام وهو يقبع بين شجيرات القصب ، لم يعد يتذكر ان للطعام رائحة بطعم العافية ولا ذلك الماء العذب ،هل بالأمكان أن يرفع رأسه ولو لبرهة ،هل يستطيع هذا الرأس المثقل بعذابات الوهم الذي غادرته تباشير الفرح والنصر ؟كيف السبيل الى الخروج من هذا المستنقع الآسن؟ ..هم امامة لايبعدون عنه سوى مائة متر ..فوق الجسر المقابل ..يحملون أسلحتهم ويتفرسون بعيون فارقها الوسن ..يبحثون عن الفارين .مرتان خلال الخمسة ايام الماضية فتشوا القصب.. وبحثوا في كل شبر من هذا النهر .عن بقايا جنود هربوا وتفرقوا في تلك القرى المشتتة ..هربوا من معسكرهم الكبير يبحثون عن ملاذ آمن ..فانفتحت عليهم نيران جهنم من كل حدب وصوب .قرى لا يعرفون عن اهلها شيئا ..ولا يهتدون الى طرقها ومسالكها ..الطَرقُ على الأبواب لم يعد يجدي نفعا ..اهالي القرى رجالا ونساء ..طردوهم خوفاعلى أنفسهم من بطش هؤلاء الذين لا يعرفون الرحمة ..توغلوا في قراهم واستباحوا بيوتهم وارغموهم على الوقةف معهم ..منهم من رفض وكان مصيرة القتل ..والبعض انظم اليهم مرغما والغالبية العظمى شدوا على ايديهم وقالوا لهم نحن معكم مناصرون ..الجوع يمزق أمعائه ..والعطش أخذ منه مأخذا ..ماءٌ آسن قذر ..وطعام مفقود لا وجود له ..شعاع الرؤية بهتَ في عينيه، ولم يعد يميز شيئا .. لا يعرف كم قضى من الزمن وهوتحت الماء مستخدماً قدماه لدفع الماء .كانت طرطشة الماء وحركة القصب والأحراش تغطّي اصوات الرصاص كم ودّلو أن تغيب الشمس سريعاً ..لعلّهُ يجد منفذاً للخروج ..كل حشرة مرت بجانبه كان مصيرها أن تكون لقمة مُرّة في فمه ..حتى غدت رؤوس الحشرات مرمية بقربه لا عد لها ..كان ينظر الى صاحبه وهو يتألم بصمت والدم النازف من جسده قد تخثر فوق الجرح .. رفع صاحبه راسة من الطين وتمتم ..اِذاأظلم الليل أتركني وارحل ..لا فائدة من اِنقاذي ....__كيف اتركك وارحل ؟ _-ارجوك اِرحل إني ميتٌ لا محالة ..ولكن لو سنحت لك الفرصة بالنجاة ..لاىتنساني .. __هل تستطيع السباحة الى الضفة الثانية ؟انا مستعد لسحبك معي تحت الماء ؟ ___لا لا ..ساغرقك معي ..اِنج أنت بنفسك ..واذا وصلت سألما ..تذكر ان في هذا المكان أخ لك ينتظر نجدتك ..سكت الجندي الجريح، وعاد يضع وجهه المغبر فوق الطين ..بينما ..حاول الآخر ..أن يرفع راسهُ قليلا ....إنهم مشغولون بحديث ساخن لم بلبث ان تحول الى جدال ..زحف على بطنه،، وقبل ان ينزل الى النهر القى نظرة أخيرة على صاحبه ..ثم غطس في الماء ...رغم حرارة الصيف ..لم يكن عمق النهر مثل سطحه .لقد كان باردا جدا ..جعلهُ يرتجف،، كان ضوت الرصاص ُيعينهُ على ضرب الماءبقدميه كي لا ينتبه لوجوده احد ..عبرَ الى الضفة الثانية وسحبَ نفساً طويلا ..فيما ِالتصقت عيناه المذعورتان بمجموعة اخرى تقف في حافة النهر ..إلى أين الهروب ؟كل هذه المسافات وهذا العناء ..ولاأجد ثمة بصيص صغير للنجاة .. توقف قليلاً واخذ يذرع المكان بعينيه المتعبتين .. آه وجد منفذاً ..أخذ يزحفُ دون أن ينتبه اليه احد ..توّغل عند رأس القرية ..وجدَ كوخاً متداعيا ..منفردا ..خشيّ أن يجد فيه أحد ..أو يكون طعماً له لأصطيادة ..بخلسة وروّية.. اِقترب من الكوخ ..لم يسمع صوتا فيه ..ولجَ الى الداخل ..وجد بطانية وسرير متهالك من سعف النخيل ..رمى بنفسه فوقه ...هدأت أنفاسه المتلاحقة قليلاّ..بحث في زوايا الكوخ عن شيء يأكله ...دفن رأسه بين ركبتيه وأستسلم لنعاس داهمه بعد انقطاع طويل ...هوّمت عيناه ..وغفى ..لم يشعر الاّ وأحدهم يقف عند راسه بيده بندقية ..لم يتبينه جيدا ..كان الرجل ملثماّ ... ___أرجوك لاتقتلني ؟ ___من انت ؟ ___ أنا عامل في أحد مصانع كركوك ... __هل أ نت جندي من جنود سبايكر ؟ __أقسم لك ..إني عامل من العمال وقد أضعتُ الطريق,, أرجوك هل من كسرة خبز ؟ __أنت جائع اذن ..اِنتظرني ..بدا وجيب قلبه يخفق من جديد ..ماذا يخبيء له القدر من مفاجآت؟ ..ان لم يمت هناك سيموت الآن هنا على يد هذا القروي ..لحظات وعاد الرجل الملثم وفتح كيس اسود. وكان بداخله حبة طماطم كبيرة ورغيف من الخبز الساخن ..أكلهما بنهم ..وتجشأ قليلا ..وبدا يلمس من الرجل انه لا يريد به ىسوءا ..تمتم الجندي :اريد طريق الشارع الرئيسي العام ؟وجهتي نحو سامراء ؟ -__ها ..لاىتستطيع ذلك ..الجماعات المسلحة في كل مكان وسيقتلوك تعال معي الى داري ..ستكون بأمان ..قاده معه الى بيت حجري كبير ..وادخله من باب خلفي ..وأوصد عليه باب الغرفه وهو يقول له ---ِاسمع أنت في أمان ..نمْ قرير العين فوالله لن أسّلمُك لأحد ..مهما كانت التضحيات..تمددَ على الفراش الوثير،،وو ضع راسه على الوسادة القطنيه ثم غاب في نوم عميق ..وكان قد عقد صلحا مع النوم بعد هجر طويل .نام وهو ُيمّني النفس بالخلاص بعد ان ماتَ جميع رفاقه ذبحاً بالسكين ..فزع من نومه وهو يرى صاحبه الجريح يناديه،، نهض على قدميه وأخذ يطرقُ الباب ..عدة طرقات ولا من مجيب ..عاد الى فراشهِ وهو يبكي بكاء مُرّا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق