تفادي الموت هو الحلم الذي شغل فكر كثير من العلماء ولأجله تداعت أعظم العقول في محاولة يائسة لتجنب لقائه، وقد ظهرت هذه الأيام بين شعاب وادي السيليكون الأميركي وضواحي موسكو المترفة مراكز بحثية يتسابق العلماء والخبراء فيها لتحقيق نوع جديد من الحياة الأبدية، فهل ينجح هؤلاء فيما تعثر به أسلافهم؟
إن فشل العلم والطب في إيجاد حل للموت الجسدي -على فرض أن الموت هو مشكلة الحياة- استدعى تدخل خبراء الحوسبة والتقنيات وعلوم المستقبل لطرح اقتراح منطقي، وهو حل بديل يسمى الخلود الرقمي أو الحياة في السيليكون، تيمنًا بمادة السيليكون المستخدمة في صناعة رقائق الحاسوب.
وتعتمد فكرة الخلود الرقمي على فرضية أن الإنسان هو حالة معرفية قائمة في الدماغ، يمكن تحريرها من الجسد أثناء الحياة واستحضارها
بعد الموت لتعيش حياة ثانية وفق كيان حوسبي ذكي مستقل قائم بذاته، يعي ما حوله، وله القدرة على الإحساس والتعلم والتواصل والشعور.
وفي هذا السياق، تجرى عملية نقل لمكنونات وآلية عمل دماغ إنسان بعينه إلى وحدة تخزين ليطل علينا مرة أخرى -بعد مراسيم دفنه ربما- عبر شاشة أو وسط افتراضي كالإنترنت ليكمل حياته الثانية ويتفاعل معها إلى الأبد.
وبمعايير تقنية اليوم، يظل هذا الحل ضربًا من ضروب الخيال العلمي ولم تتحقق منه إلا إنجازات بسيطة، إذ يبرز التحدي الأكبر في كيفية الولوج إلى المعلومات المخزنة في خلايا الدماغ ثم استقرائها ونقلها إلى وحدة تخزين أو "دماغ سيليكوني" مماثل في بنيته وآلية عمله للدماغ البشري، فضلاً عن عدم توفر قدرة معالجة حوسبية حتى الآن يمكنها مقارعة ومحاكاة الوعي البشري الذي يتطلب قدرة حسابية خارقة بإجماع العلماء.
ويرى إيان بيرسون -أحد المفكرين في مستقبل التقنية- أن استقراء الدماغ دون فتحه بمبضع أو منشار جراحي ممكن نظريًا، وذلك بنشر جزيئيات نانو معزولة ضمن الدماغ عند نقاط التقاء كل خلية عصبية مع أخرى، ليتم عندها قياس النبضات الكهربية الصادرة
عن الخلايا العصبية ثم بثها لاسلكيا إلى أجهزة استقبال تقع خارج الجسم تعمل على تسجيل عنوان الخلية العصبية وقوة الإشارة الكهربية الصادرة والواردة عند نهاياتها، مما ينتج في المحصلة خارطة كنز دماغية يمكن عنونة مكامنها واستحضار البيانات المخزنة فيها تماما مثلما يجري في شريحة ذاكرة في الحاسوب.
إلا أن المفكر المذكور يستدرك أن تقنية النانو لا تزال في مراحلها الأولى ويتوقع أن القدرة على استقراء معلومات الدماغ وتحديد مسالكه العصبية من دون تدخل جراحي قد يصل حيز التطبيق قبل أواخر القرن الحالي.
الخلود الافتراضي
تمكن خبراء المعلوماتية حتى الآن من تحقيق قدر لا بأس به من نظرية الخلود الرقمي بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي كبديل عن المحاكاة الفعلية لعمل الدماغ البشري.
فقد طرحت بضع شركات معلوماتية منتجات تسوق على أنها حل من حلول الحياة الافتراضية الدائمة على شبكة الإنترنت، وأفضل ما تستطيع تلك البرامج عمله هو تحديث حالة الشخص على شبكات التواصل الاجتماعي -مثل فيسبوك أو تويتر- والتواصل إلى ما لا نهاية مع الأصدقاء والاقارب والأحفاد أثناء الحياة و بعدها.
يعمل البرنامج على مبدأ الذكاء المكتسب من المعلومات التي يدخلها المستخدم بإرادته، حيث يدرب المستخدم البرنامج على شخصيته ويغذيه بجميع المعلومات المراد مشاركتها أو الإفصاح عنها للآخرين، كل بحسب درجة قرابته مع المستخدم.
وتتميز هذه البرامج بقدرتها اللامحدودة على الاستحواذ على معلومات متعلقة بالشخصية والأفكار والذكريات والصور كما يمكن تدريبه على محاكاة صوت المستخدم ليتحدث البرنامج مع الآخرين ويتفاعل معهم عند الحاجة.
وقد تطورت الحلول البصرية والصوتية إلى درجة أن خرج علينا أحد الموتى قبل شهرين بجسده الافتراضي ليغني أغنية لم يسبق له أن غناها أو ألفها في حياته وسط دهشة واستهجان وفرح وغضب محبيه في المسرح ولاحقًا على الإنترنت. حيث وصل حد تطور التقنيات الرسومية ومحاكاة الأصوات البشرية إلى درجة القدرة على استنساخ صورة وصوت الإنسان بصورة مقنعة تمامًا.
ينحصر الخلود الرقمي أو الافتراضي اليوم في ما يقوم به الإنسان من أرشفة ورقمنة إرادية أو لا شعورية لمعلوماته ثم المشاركة بها سواء على الشبكات الاجتماعية أو في برنامج خلود افتراضي معين. وهنالك شعور قوي بأنه في يوم من أيام هذا القرن سنتمكن من تنزيل دماغ بشري كامل على شريحة ذاكرة ونكون صداقات جديدة مع من رحلوا.
المصدر: الجزيرة نت
إن فشل العلم والطب في إيجاد حل للموت الجسدي -على فرض أن الموت هو مشكلة الحياة- استدعى تدخل خبراء الحوسبة والتقنيات وعلوم المستقبل لطرح اقتراح منطقي، وهو حل بديل يسمى الخلود الرقمي أو الحياة في السيليكون، تيمنًا بمادة السيليكون المستخدمة في صناعة رقائق الحاسوب.
وتعتمد فكرة الخلود الرقمي على فرضية أن الإنسان هو حالة معرفية قائمة في الدماغ، يمكن تحريرها من الجسد أثناء الحياة واستحضارها
بعد الموت لتعيش حياة ثانية وفق كيان حوسبي ذكي مستقل قائم بذاته، يعي ما حوله، وله القدرة على الإحساس والتعلم والتواصل والشعور.
وفي هذا السياق، تجرى عملية نقل لمكنونات وآلية عمل دماغ إنسان بعينه إلى وحدة تخزين ليطل علينا مرة أخرى -بعد مراسيم دفنه ربما- عبر شاشة أو وسط افتراضي كالإنترنت ليكمل حياته الثانية ويتفاعل معها إلى الأبد.
وبمعايير تقنية اليوم، يظل هذا الحل ضربًا من ضروب الخيال العلمي ولم تتحقق منه إلا إنجازات بسيطة، إذ يبرز التحدي الأكبر في كيفية الولوج إلى المعلومات المخزنة في خلايا الدماغ ثم استقرائها ونقلها إلى وحدة تخزين أو "دماغ سيليكوني" مماثل في بنيته وآلية عمله للدماغ البشري، فضلاً عن عدم توفر قدرة معالجة حوسبية حتى الآن يمكنها مقارعة ومحاكاة الوعي البشري الذي يتطلب قدرة حسابية خارقة بإجماع العلماء.
ويرى إيان بيرسون -أحد المفكرين في مستقبل التقنية- أن استقراء الدماغ دون فتحه بمبضع أو منشار جراحي ممكن نظريًا، وذلك بنشر جزيئيات نانو معزولة ضمن الدماغ عند نقاط التقاء كل خلية عصبية مع أخرى، ليتم عندها قياس النبضات الكهربية الصادرة
عن الخلايا العصبية ثم بثها لاسلكيا إلى أجهزة استقبال تقع خارج الجسم تعمل على تسجيل عنوان الخلية العصبية وقوة الإشارة الكهربية الصادرة والواردة عند نهاياتها، مما ينتج في المحصلة خارطة كنز دماغية يمكن عنونة مكامنها واستحضار البيانات المخزنة فيها تماما مثلما يجري في شريحة ذاكرة في الحاسوب.
إلا أن المفكر المذكور يستدرك أن تقنية النانو لا تزال في مراحلها الأولى ويتوقع أن القدرة على استقراء معلومات الدماغ وتحديد مسالكه العصبية من دون تدخل جراحي قد يصل حيز التطبيق قبل أواخر القرن الحالي.
الخلود الافتراضي
تمكن خبراء المعلوماتية حتى الآن من تحقيق قدر لا بأس به من نظرية الخلود الرقمي بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي كبديل عن المحاكاة الفعلية لعمل الدماغ البشري.
فقد طرحت بضع شركات معلوماتية منتجات تسوق على أنها حل من حلول الحياة الافتراضية الدائمة على شبكة الإنترنت، وأفضل ما تستطيع تلك البرامج عمله هو تحديث حالة الشخص على شبكات التواصل الاجتماعي -مثل فيسبوك أو تويتر- والتواصل إلى ما لا نهاية مع الأصدقاء والاقارب والأحفاد أثناء الحياة و بعدها.
يعمل البرنامج على مبدأ الذكاء المكتسب من المعلومات التي يدخلها المستخدم بإرادته، حيث يدرب المستخدم البرنامج على شخصيته ويغذيه بجميع المعلومات المراد مشاركتها أو الإفصاح عنها للآخرين، كل بحسب درجة قرابته مع المستخدم.
وتتميز هذه البرامج بقدرتها اللامحدودة على الاستحواذ على معلومات متعلقة بالشخصية والأفكار والذكريات والصور كما يمكن تدريبه على محاكاة صوت المستخدم ليتحدث البرنامج مع الآخرين ويتفاعل معهم عند الحاجة.
وقد تطورت الحلول البصرية والصوتية إلى درجة أن خرج علينا أحد الموتى قبل شهرين بجسده الافتراضي ليغني أغنية لم يسبق له أن غناها أو ألفها في حياته وسط دهشة واستهجان وفرح وغضب محبيه في المسرح ولاحقًا على الإنترنت. حيث وصل حد تطور التقنيات الرسومية ومحاكاة الأصوات البشرية إلى درجة القدرة على استنساخ صورة وصوت الإنسان بصورة مقنعة تمامًا.
ينحصر الخلود الرقمي أو الافتراضي اليوم في ما يقوم به الإنسان من أرشفة ورقمنة إرادية أو لا شعورية لمعلوماته ثم المشاركة بها سواء على الشبكات الاجتماعية أو في برنامج خلود افتراضي معين. وهنالك شعور قوي بأنه في يوم من أيام هذا القرن سنتمكن من تنزيل دماغ بشري كامل على شريحة ذاكرة ونكون صداقات جديدة مع من رحلوا.
المصدر: الجزيرة نت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق