"كانت توني موريسون تحديا جميلا لضميرنا وخيالنا الأخلاقي ،
يا لها من هديةٍ أنْ نتنفس الهواء الذي تنفسته، ولو لفترة قصيرة"
هذا ما أفاض به الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ، عن عواطفه
وموقفه عن الأديبة الأمريكية الراحلة توني موريسون.
ولكنّ موريسون التي استسلمت للموت أخيرا ، عن عمر ناهز
الثمانية والثمانين عاما ، تاركة وراءها تراثا إبداعياً غزيرا ، يمجّد
القيم النبيلة لدى الإنسان ، ويتصدى للوحشية المتوغلة في أعماقه ،تلك الوحشية التي
جعلت البشر يستعبدون بشرا آخرين ،ويمتلكونهم ويتصرفون بمصائرهم.
فهذه المبدعة ، واسمها الحقيقي ( كلويه أنطوني دفور) والتي
استبدلته بعد زواجها بالمهندس المعماري موريسون ، والتي ولدت في ثلاثينات القرن
الماضي. شهدت قوانين الفصل العنصرية ، واكتوت بنار التقسيم والتمييز وفق لون
البشرة. ولكن طموحها كان أكبر من الظروف المحيطة بها ، فقد حاولت اقتحام
معاقل القوانين التعسفية السائدة آنذاك ، من خلال الثقة بالنفس ، وبناء
قدراتها المعرفية التي جعلتها تتبوأ المراكز العلمية المكرسة للبيض من الأمريكيين
.وكانت قضيتها الرئيسية ، السعي إلى تحرير زنوج أمريكا من القيود العرقية .
لقد زرع فيها ابوها - الذي كان ضحية للتمييز العنصري- الخيال الجامح من خلال
سقيها بالتراث الحكائي الافريقي ، الذي جعلها تتشبع بهذه الرؤى الحادة التي يمتزج
فيها الخيال بالواقع.
لذلك فقد حفلت أعمالها بهذه الرؤى. لقد اعتمدت في نسج
بعض رواياتها من قصاصات صحفية لأحداث حقيقية ، ومآسي مريرة للأمريكيين السود في
زمن استعبادهم. ومنها روايتها الشهيرة ( محبوبة) والتي تتحدث عن امرأة هاربة من
الرق إلى ولاية أخرى، وحينما حاولت شرطة الولاية إرجاعها إلى الرق من جديد ،
ذبحت ابنتها كي لا تموت في ذل العبودية. هذه الرواية التي تحولت إلى فيلم سينمائي
كبير من بطولة الفنانة والإعلامية الكبيرة( أوبرا وينفري). والتي صرّحت بقولها عن
الكاتبة موريسون بقولها :
"من غير الممكن تخيل المشهد
الأدبي من دون موريسون. إنها ضميرنا ، هي رائعتنا ، هي حكايتنا"
كانت موريسون معجبة بالأديب الأمريكي فوكنر. والذي
اعتبرته أبا روحيا لها في مشوارها الإبداعي، كما كانت متأثرة بعبقرية
تولستوي الروائية وفكره الإنساني .
بعد انفصالها من زوجها جاءت الكتابة كنوع من التعويض. ولكن هذه
الكتابة أصبحت همّا يرافقها ، وسلاحها الوحيد لتأكيد البقاء ، لذلك ظلت تكتب
كي تؤكد ذاتها السوداء ، وكي تنتصر على الإحباطات التي تحيط بها.
لقد حفرت في الذاكرة المشحونة بالعذابات ، وكان حصيلة ذلك احدى
عشرة رواية مشحونة بالتخيل والميثولوجيا. وبرؤى جسدت طبيعة الصراع
الذي نشا في أمريكا. فهي ترى بأن بلدها أمريكا قد
"استعبد الآخرين فاستعبد نفسه "
لقد نالت جائزة نوبل للأدب عام ١٩٩٣ عن
جدارة واستحقاق. وهي أول امرأة سوداء تنال هذه الجائزة. وقد وصفتها
لجنة الجائزة بالقول :
"إنّ رواياتها تبعث الحياة من جانب أساسي من الواقع الأمريكي ،
وتضيء ذلك الواقع ولاسيما المتصل بحياة السود "
رحلت هذه الكاتبة الكبيرة عن عالمنا ، بعد أنْ كرست جهدها
الإبداعي في سبيل القضايا الإنسانية النبيلة. كما أنها وقفت ضد الهيمنة
الإسرائيلية ضد حقوق الشعب الفلسطيني
لقد اختصرت تجربتها الكتابية بقولها :
"لم يكن لدي سوى مخيلتي، وحس كبير من السخرية، ومعاملة جليلة
للكلمات"توني موريسون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق