توني موريسون - رحمن خضير عباس - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأحد، 8 سبتمبر 2019

توني موريسون - رحمن خضير عباس


"كانت توني موريسون تحديا جميلا لضميرنا وخيالنا الأخلاقي ، يا لها من هديةٍ أنْ نتنفس الهواء الذي تنفسته، ولو لفترة قصيرة"
هذا ما أفاض به الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ، عن عواطفه وموقفه عن الأديبة الأمريكية الراحلة توني موريسون.
 ولكنّ موريسون التي استسلمت للموت أخيرا ، عن عمر ناهز الثمانية والثمانين عاما ،  تاركة وراءها تراثا إبداعياً غزيرا  ، يمجّد القيم النبيلة لدى الإنسان ، ويتصدى للوحشية المتوغلة في أعماقه ،تلك الوحشية التي جعلت البشر يستعبدون بشرا آخرين ،ويمتلكونهم ويتصرفون بمصائرهم.  
  فهذه المبدعة ، واسمها الحقيقي ( كلويه أنطوني دفور) والتي استبدلته بعد زواجها بالمهندس المعماري موريسون ، والتي ولدت في ثلاثينات القرن الماضي. شهدت قوانين الفصل العنصرية ، واكتوت بنار التقسيم والتمييز وفق لون البشرة. ولكن طموحها كان أكبر من الظروف المحيطة بها ،  فقد حاولت اقتحام معاقل القوانين التعسفية السائدة آنذاك  ، من خلال الثقة بالنفس ، وبناء قدراتها المعرفية التي جعلتها تتبوأ المراكز العلمية المكرسة للبيض من الأمريكيين .وكانت قضيتها الرئيسية ، السعي إلى تحرير زنوج أمريكا من القيود العرقية .  لقد زرع فيها ابوها - الذي كان ضحية للتمييز العنصري- الخيال الجامح من خلال سقيها بالتراث الحكائي الافريقي ، الذي جعلها تتشبع بهذه الرؤى الحادة التي يمتزج فيها الخيال بالواقع.
 لذلك فقد حفلت أعمالها بهذه الرؤى.  لقد اعتمدت في نسج بعض رواياتها من قصاصات صحفية لأحداث حقيقية ، ومآسي مريرة للأمريكيين السود في زمن استعبادهم. ومنها روايتها الشهيرة ( محبوبة) والتي تتحدث عن امرأة هاربة من الرق إلى ولاية أخرى،  وحينما حاولت شرطة الولاية إرجاعها إلى الرق من جديد ، ذبحت ابنتها كي لا تموت في ذل العبودية. هذه الرواية التي تحولت إلى فيلم سينمائي كبير من بطولة الفنانة والإعلامية الكبيرة( أوبرا وينفري). والتي صرّحت بقولها عن الكاتبة موريسون بقولها :
           "من غير الممكن تخيل المشهد الأدبي من دون موريسون. إنها ضميرنا ، هي رائعتنا ، هي حكايتنا"
   كانت موريسون معجبة بالأديب الأمريكي فوكنر.  والذي اعتبرته أبا روحيا لها في مشوارها الإبداعي، كما كانت متأثرة بعبقرية  تولستوي الروائية وفكره الإنساني .
  بعد انفصالها من زوجها جاءت الكتابة كنوع من التعويض. ولكن هذه الكتابة أصبحت همّا يرافقها ، وسلاحها الوحيد لتأكيد البقاء  ، لذلك ظلت تكتب كي تؤكد ذاتها السوداء  ، وكي تنتصر على الإحباطات التي تحيط بها.  
    لقد حفرت في الذاكرة المشحونة بالعذابات ، وكان حصيلة ذلك احدى عشرة رواية  مشحونة بالتخيل والميثولوجيا.  وبرؤى جسدت طبيعة الصراع الذي نشا في أمريكا.  فهي ترى بأن بلدها أمريكا قد
 "استعبد الآخرين فاستعبد نفسه "
       لقد نالت جائزة نوبل للأدب عام ١٩٩٣  عن جدارة واستحقاق.  وهي أول امرأة سوداء تنال هذه الجائزة.  وقد وصفتها لجنة الجائزة بالقول :
"إنّ رواياتها تبعث الحياة من جانب أساسي من الواقع الأمريكي ، وتضيء ذلك الواقع ولاسيما المتصل بحياة السود "
    رحلت هذه الكاتبة الكبيرة عن عالمنا ، بعد أنْ كرست جهدها الإبداعي في سبيل القضايا الإنسانية النبيلة. كما أنها وقفت ضد الهيمنة الإسرائيلية ضد حقوق الشعب الفلسطيني
   لقد اختصرت تجربتها الكتابية بقولها : 
"لم يكن لدي سوى مخيلتي، وحس كبير من السخرية، ومعاملة جليلة للكلمات"

توني موريسون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق