التاريخ : من سلطة الوثيقة إلى قوة الممارسة - د. إسماعيل نوري الربيعي - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأحد، 27 أكتوبر 2019

التاريخ : من سلطة الوثيقة إلى قوة الممارسة - د. إسماعيل نوري الربيعي


الإفراط في التاريخ، يلحق الضرر بالحياة – نيتشه -
تقوم هذه القراءة على محاولة  الفصل بين اتجاهين بارزين في موضوع التاريخ.  يتمثل الأول في تيار (الحقيقة التاريخية)، الذي يقول  أن التاريخ يقوم على الحقائق.  ومن هذا فإنه يعلي من شأن الاعتماد الرئيس والمطلق على (الوثيقة)،  باعتبارها الوسيلة الوحيدة، القادرة على كشف الملابسات والتداخلات والغموض،  الذي يغطي الحدث و الواقعة. و تيار (الممارسة التاريخية)، حيث النظر إلى التاريخ  باعتباره وعيا، يتم الوصول إليه من خلال التفسير،  وتأويل الوقائع  والممارسات، اعتمادا على زاوية النظر والموقع من الأحداث.
على الرغم من الأهمية القصوى التي تنطوي عليها الوثيقة، بوصفها الأداة والوسيلة الرئيسة،  في ربط المتحد العلمي المتخصص في الدرس التاريخي.  إلا أنها تبقى مجرد وسيلة، خاضعة لطريقة الاستخدام، والتوجيه والتحريف والنظرة الجزئية وسوء الفهم.  ولا يخرج الحال عند تيار تأويل التاريخ، الذي لم يخل من التوجيه، والانخراط في أدلجة التاريخ وجعله بمثابة الوسيلة، التي يتم من خلالها تصفية الحسابات مع الآخر.
وقائع التاريخ تبقى خاضعة للرؤية الخاصة، ومن هذا فإن الحديث عن القوانين العامة التي تحكمه، تبقى عرضة للمؤثرات الصادرة،  عن طريقة التعامل مع السرد التاريخي.  ومستويات الحكي، وطريقة النظر إلى الإنسان، ومدى فاعليته على المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية . إنها المحاولة الساعية نحو ترصد العلاقات السائدة،  ومدى حضورها.  إن كان على صعيد الجماعة أم الفرد، باعتبارها المعين الذي يدعم طريقة النظر،  نحو ترسيم الأنماط السائدة من الإنتاج الاجتماعي، بشقيه (المادي والروحي).
التاريخ ورصد التحولات
بين السرد والتفسير تبرز مهمة المؤرخ، حيث عملية التعامل المباشر مع الواقعة.  ومن هذا تتبدى أهمية الآلية،  التي تحدد مسار التعامل مع المادة الأولية،  من أجل الرصد والتسجيل . انطلاقا من القدرة على تحليل المكونات الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية والثقافية.  بل والولوج في التفصيلات التقانية والإدارية، والمواقف الأيديولوجية.  سعيا إلى ترصد آليات التحول، وفرز العناصر المساهمة في انجاز تلك التغيرات، والكشف عن القوانين العامة، التي تحكم عملية التحول التاريخي)[1](.
وإذا كانت عملية التفسير تبقى عرضة للمواقف المسبقة، والرؤى الخاصة والمؤثرات التي تلقي بثقلها،  على طريقة التعامل مع الوقائع والأحداث.  فإن اتجاه البحث التاريخي يبقى خاضعا وبطريقة لازمة،  للقرائن والأدلة والإثبات.  حيث الدور الأهم الذي تتجلى به الوثيقة، تلك المادة الأولية والخام، وطريقة الاستنطاق لها.  وفي هذا يقترح المؤرخ الفرنسي ميشيل فوكو،  حزمة من الأسئلة تتمثل في :
1. ما الذي تحتويه الوثيقة من معلومات؟
2.  ما هي الحقائق التي تحتويها؟
3.  ما هي الشرعية التي تقوم عليها؟
4.  مدى القرب والبعد عن دائرة التأثير المباشر في صنع الحدث.
5. هل هي وثيقة صماء تقرر وضعا معينا، أم أنها أداة يراد منها  رسالة ما؟ ([2])
لعل السؤال المباشر هنا، يقوم على المدى الذي يمكن أن يتم إفراده،  لصالح الوثيقة وقيمتها في بناء المادة التاريخية.  فهل هي غاية أم أنها مجرد وسيلة ؟   يتم من خلالها العمل على إعادة بناء الحدث التاريخي،  عبر استنطاقها والسعي إلى تبويبها،  و تنظيمها وتفحصها بعمق وإمعان. وإذا كان التوجه يقوم على إفراد المساحة الواسعة،  نحو ترصد (المستويات، العناصر، العلاقات) التي تحتويها الوثيقة.  فإن المهمة الأبرز والأهم تبقى تقوم على جعل الوثيقة، أداة يتم من خلالها ترصد روح العصر، من دون الخضوع للأسبقيات والقبليات.
الوثيقة والموقف الذهني
بين الذاكرة والنص، تبرز أهمية رصد التحريفات، مهما كان نوعها وقيمتها.  ومن هذا تبرز قيمة التاريخ المدون والمكتوب، بإزاء الآخر الشفاهي.  والذي عادة ما يكون عرضة للنقصان والزيادات والمبالغات . إنها الذاكرة أولا، و ما يمكن أن يقال عنها من (قوة وضعف).  فيما يبقى التاريخ يقوم على التبيّن والتثبت،  ومحاولة الاقتراب من اليقين . وإذا كان المسعى نحو إبراز مقومات مرحلة معينة، من خلال الوقوف على ما تقوله الوثيقة، باعتبارها المادة الأصلية.  فإن طريقة الاستنطاق هذه، لا يمكن لها الإفلات من دائرة التوافق مع العقل الجمعي.  و تأثيرات التعميم و جاهزية التأويل المندرج ضمن الثقافة الواحدة.([3])
 ومن هذا التصور تتبدى أهمية الوقوف على النص الوثائقي، من خلال استبعاد حالة رد الفعل التي تفرضها في العادة،  حرارة الوثيقة.  لما فيها من التصاق مباشر بالحدث، حتى لتتحول في الكثير من الأحيان، إلى غطاء كثيف.  لا ينجم عنه سوى المزيد من التعمية، مع أهمية البعد عن التوجيه، أو نشر فكرة ما، أو تحديد وجهة  بعينها، أو الوقوع تحت تأثير نفوذ من قوة ما.([4])
في النقاء الوثائقي
كيف يمكن الوقوف على الوثيقة، من دون تدبر دقيق لمسألة الحقبة التاريخية ؟  هذا بحساب التدقيق في الفاصل الزمني، بين زمن إنشاء الوثيقة  بوصفها (نصا)،  قابل للدرس و التدقيق.  مقابل وضعية الإنشاء التاريخي اللاحق الذي يقوم به الباحث. ولعل السؤال الأهم يبقى هنا يدور في فلك، مدى استجابة الوثيقة لحاجة الباحث، أم خضوع الباحث لما تمليه الوثيقة من معلومات،  وتصورات ومهام ورؤى.، أي النهل المعلوماتي والإحصائي، وغض الطرف عن المعطيات الأخرى التي تتوافر فيها.
حتى وإن تم الوصف العام للوثيقة، بأنها متعلقة بميدان أو حقل ما، كأن يكون سياسيا أم اقتصاديا أم دينيا أم اجتماعيا الخ،،، إلا أن الرؤية الكلية تبقى حاضرة في المجمل من المعطيات التي تنطوي عليها. وما تظهر عليه الوثيقة من شكل سياسي، على سبيل المثال.  لا يمكن أن يغفل الجوانب الأخرى، والتي تشكل الركن الأساسي في الوعي التاريخي.  باعتبار مدى التفاعل للعوامل المختلفة، والمتنوعة في تشكيل التاريخ. وهكذا يكون التعامل مع الوثيقة، تلك التي تتبدى بمظاهر مختلفة، فهي قد تكون رسالة شخصية، أو مراسلة رسمية صادرة عن جهة حكومية، أو تقريرا رسميا، أو محاضر لاجتماعات. وإذا كانت المسألة تتوقف عند الصدق والزيف.  ومحاولة اكتشاف قيمة الوثيقة، فإن الأمر الأهم يبقى مرتكزا على طريقة التعامل مع تلك المادة التاريخية، والتي تمنح البحث التاريخي قيمة ومصداقية معرفية .([5])
هل يمكن الاكتفاء بانتقاء مقولة، أو الإشارة إلى حدث بعينه، يتم استلاله من الوثيقة،  ليكون بمثابة الشهادة التي لا يمكن الطعن بصدقها؟ أم أن طريقة التعاطي مع الوثيقة تحتاج إلى آليات  مختلفة.  تقوم على الفرز و التصنيف وتحديد المجالات، إن كان على صعيد تمييز الموضوع، أم  تمييز أثر الحقبة الزمنية في طريقة إنتاج الوثيقة.
البحث في الوثيقة
يتوافر البحث الوثائقي على المادة الغنية،  التي تقدمها السجلات الرسمية، تلك المتعلقة بالعقود والإيجارات،  والوقفيات والإرث والسجلات الشرعية من زواج وطلاق، والوصايا.  ومن دون الخضوع المباشر لسلطة المعلومة التي تختزنها الوثيقة،  فإن الأثر الأبرز يبقى قائما في طريقة تفعيل (الكم) الذي تتبدى عليه.  من أجل توظيفها على صعيد، ترصد تاريخ الذهنيات، ومحاولة ردم الفجوة، في طريقة معالجة موضوعات من نوع السلوك الاجتماعي، الوعي السياسي، التفاعلات الاقتصادية، التدين، الثقافة السائدة([6])
لا تكشف الوثيقة عن كم من المعلومات فقط، بل تتخطاه نحو المزيد من إفراز  معالم العلاقات التاريخية.  وعلى مختلف المستويات بين الحاكم والمحكوم، التابع والمتبوع، التقسيمات الطبقية، المعتقدات الشعبية، ثقافة العصر الذي كتبت فيه .
التاريخ وعبودية الغموض
في النقاش الساخن الذي يدور في الأوساط الأكاديمية حول المركزية والنسبية، والحقيقة والتأويل، والتحرر والخضوع.  يتعرض الدرس التاريخي إلى المزيد من التداخل والغموض.  إلى الحد الذي بات فيه الغموض،  يتسلل في العمق من التفاصيل المتعلقة بالحقل التاريخي، حتى صار الاتجاه نحو طرح  البدائل، الساعية إلى قتل التاريخ  . وتقديم الرواية بوصفها بديلا معرفيا، تحت دعوى تمتعها بالمرونة التي تخلقها الأجواء الأدبية، و إمكانية التحليق في فضاءات أرحب وأوسع، عن الصرامة والمباشرة التي تقوم عليها  الدراسات التاريخية التقليدية.([7])
في تجليات الذاتي والموضوعي، يتصدر المشهد طريقة التعامل مع مفهوم التاريخ.  وهل هو مسعى نحو البحث عن الحقيقة ؟  أم هو مجرد تأويل ؟   يكون المنطلق الأصل فيه، استجابة مباشرة للمكونات الذاتية، التي تعن على الباحث التاريخي.  حيث الانحياز والتصور المسبق، وسيادة وجهة النظر التي تحيط بعقل الباحث، وتسيطر عليه.  حتى تجعل من الدليل التاريخي الذي بين يديه، مجرد وسيلة، لا يوجد فيها سوى المسعى نحو تغيير مواضع الأحداث.([8])  وإذا كانت الغاية تسيطر على توجهات المؤرخ، في سبيل تثبيت وجهة نظر ما.  فإن آليات إعادة بناء الحدث التاريخي، تبقى بمثابة الكاشف عن التدخلات التي يعمد إلى إقحامها.  وهذا ما يتجلى في طريقة التعامل مع الوثيقة التاريخية، باعتبارها مادة خام قابلة للتشكيل، تكون  الحقيقة الكامنة فيها، خاضعة لموجهات السلطة المهيمنة([9])
في حفظ الماضي
كيف يتعامل الباحث مع المادة التاريخية ؟ و ما هو الهدف والغاية التي يقوم عليها البحث؟ هل بالتطلع نحو معرفة الماضي والتفاصيل المتعلقة به ؟ وما هي الفائدة التي يمكن أن يجنيها،  من الوقوف على تلك التفاصيل؟ ومن واقع التفاصيل التي تكشفها المصادر، فإن كم التنوع فيها، يبقى يقوم على المجمل من الأنشطة البشرية، تلك التي تبدأ بالآثار والمعمار والأدوات واللقى.  وصولا إلى الآثار الشفاهية التي تتركها الشعوب في فلكلورها الشعبي ؛  من رقصات وأغاني وأمثال شعبية،  و معارف سائدة ومفاهيم عامة،  و مدركات تميز هذا المجتمع عن ذاك.
وإذا كانت المجتمعات تسعى للعناية بالحفاظ على الذاكرة الجمعية، من خلال العناية بالتراب، والذاكرة وتوكيد الهوية الحضارية والثقافية . فإن الغاية الأصل لم تكن متوافقة مع هذا التوجه، بدليل أن المجتمعات ومن خلال تفاعلها الأصيل، مع البيئة التي تعيش فيها.  استطاعت أن تقدم نتاجها الثقافي،  من خلال السير والملاحم و الحكايات الشعبية.  وقد استمر النتاج التاريخي، يسير على هذا المنوال حتى بروز المحاولة التاريخية الأولى من قبل ثوسيدس  Thucydides في القرن الخامس قبل الميلاد، حينما توجه لدراسة الحرب البيلوبونزية([10])، بمنهج جديد قوامه البحث عن التدقيق والفحص،  و المتابعة الصارمة للحدث التاريخي.   استنادا إلى منهج الوصف والتفسير، من خلال الاعتماد على الملاحظة الشخصية.  والبحث عن شهود العيان، وإخضاع المجمل من الروايات التاريخية للفحص والتدقيق. وإذا كان ثيسيديس قد وضع اللبنة الأولى للمنهج الموضوعي في دراسة التاريخ، فإن المحاولات اللاحقة لم ترق إلى هذا المستوى، بل تصدرت المشهد الدراسات الساعية للمواجهة مع الأطراف المتقابلة، حتى أضحى التاريخ ميدان منافسة بين الحضارات، لا سيما المتجاورة منها.
الحقيقة والمنهج
ما الذي يمنح الوثيقة ذلك الموقع المميز،  في البحث التاريخي الحديث؟ في المسعى الذي يميز البحث التاريخي،  باعتباره تطلعا للبحث عن الحقيقة، وليس امتلاكها . يبرز المنهج النقدي واضحا وبمنتهى الجلاء، حيث الربط بين الفعالية البحثية النقدية، وقاسمها المشترك الذي يقوم على (الحقيقة).  لتبدأ فعاليات؛ (الجمع، الفحص، الاختيار، التحقيق، التنظيم والترتيب، التفسير). إنها القواعد المنهجية،  التي راحت تضع المفاصل الرئيسة في البحث التاريخي المعاصر. لمعالجة المجمل من الموضوعات التاريخية، وبمختلف الحقول؛  الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية والتربوية والثقافية والدينية.
الواقع أن الوثيقة لا تتوقف أهميتها عند مواطن الكشف، بقدر ما أضحت بمثابة الموجه،  نحو اختيار وتحديد المشكلة التاريخية. هذا باعتبار قوة المحتوى الذي تتحصل عليه، والأصالة التي تكتنز بها. ومن هنا فإن توجهات الباحثين، لا سيما في المجال الأكاديمي.  راح الأغلب منها يقوم على محاولات تتبع الموضوعات،  التي تشتمل على كم من الوثائق . إنه المسعى نحو ترصد أقوال وأفعال صانعي الحدث، والأحداث الفعلية المرتبطة بالتفكير والفعاليات الإنسانية،  خلال تلك الحقب.  إلا أن هذا لا يمنع الباحث من اللجوء إلى المراجع الثانوية، بغية الحصول على كم من المعلومات العامة المتعلقة بفترة البحث، والتي تعد بمثابة المفاتيح لفهم التصورات،  والرؤى المتعلقة بها.  وإذا كان الحديث عن مصدر ومرجع، أو التمييز بين أصيل وثانوي.  فإن هذا لا يمنع من بروز أحوال التداخل بين الطرفين، بدليل أن الحصول على الوثيقة الأصلية،لا يعني دائما إمكانية الوقوف على المعلومات الأساسية في بلوغ التفسير، المراد إيصاله بين المتتبع والحدث التاريخي. ومن هذا يكون التطلع للوقوف على المزيد من الفرضيات، تلك التي تكون بمثابة البوابة نحو قراءة المحاضر، والسجلات والتعليمات والأوامر الإدارية، والمذكرات الشخصية. والحكايات التي تتوافر عليها معطيات التاريخ الشفوي، و الصور والأفلام التسجيلية والصحف والمجلات. وكل هذا يبقى يدور في فلك تنظيم الحياة المتعلقة بفترة حياة، لم يكن القصد منها تقديم حقائق بعينها.  بقدر ما كانت تقوم على آليات للعمل،  تختص بجدولة وترسم معالم العلاقات الخاصة،  ضمن مجموعة بشرية في (زمان ومكان) ما.
إنها إشكالية الرصد لما هو متوفر، من المادة القابلة للتحقيق والدرس.  والإمكانية المتاحة لفصل ما هو مباشر،  وغير مباشر للمشكلة قيد البحث. وما هو غزير يصعب السيطرة عليه، وما هو نادر يعسر جمعه وحصره ضمن مصادر الموضوع. ومن دون الوقوع تحت تأثير الكم، فإن الأهم في  البحث التاريخي يبقى خاضعا، لآليات النقد الداخلي والخارجي، سعيا للحصول على الوصف الأكثر قربا،  لما حدث في الماضي.)[11](
في النقد الخارجي والداخلي
البحث التاريخي لا يقوم على التأثر المباشر، بما هو ظاهري، تحت دعوى الحصول على ملفات وثائقية،  و اعتبارها كنزا ثمينا.  بقدر ما تنطوي العملية برمتها على مدركات أساسية، قوامها مجموعة من المهارات والقدرات،  الأصيل منها والمكتسب. حيث الحدس والقدرة على التمييز والإدراك وسعة الإطلاع، والمتابعة النابهة والمتنوعة لمختلف شؤون المعرفة والثقافة.  هذا بالإضافة إلى التدريب والتعلم على يد المتخصصين. ومن هذا ينطلق الباحث في تقييم الوثيقة، من خلال النقد الخارجي  حيث ؛ ترصد الحقبة التاريخية التي تمت كتابة الوثيقة فيها، إن كان على صعيد الأسلوب ولغة الكتابة، والمادة المكتوبة فيها. وترصد وعي كاتب الوثيقة،  بالمرحلة والموضوع الذي يعالجه.  فيما تترى الأسئلة حول طبيعة الوثيقة، إن كانت معرّفة بكاتبها، أو محددة التاريخ، أم  قد تكون تعرضت إلى تعديل أو تشويه، وهل هي الأصل أم نسخة عنه؟
على صعيد النقد الداخلي، تكون العناية بالمعنى والغاية والقصد، الذي تحتويه الوثيقة،  ومدى موثوقية النص المكتوب. إنه البحث في الظروف التي أحاطت بكتابة الوثيقة،  والتدقيق في المعاني والعبارات المستخدمة.  ومدى تطابقها مع المفاهيم السائدة،  في زمن إنشاء الوثيقة . ومن هذا فإن البحث يتسع، ليشمل الظروف التي أحاطت بالكاتب،  والأسلوب الذي يتم فيه تقديم المعلومات.  إن كان مؤيدا أم معارضا، راضيا أم متبرما، مهللا أم ساخطا، محايدا أم منضويا ضمن اتجاه  معين، وهل هو قادر على رصد ملاحظات من هذا النوع الذي يذكره في النص، وما هي الملكات والإمكانات التي تجعل منه  قادرا على ترصد أوضاعا، لم يستطع غيره أن يكتشفها أو يضع ملاحظاته عنها. وهل ما يقدمه قائم على الملاحظة المباشرة أم النقل عن آخرين.  وهل هناك فاصل زمني بين وقت الإنشاء والحدث.  فيما يتم التقصي والبحث عن الانتماءات والولاءات، والعلاقات والظروف الاقتصادية والاجتماعية للكاتب، سعيا إلى ترصد الروح الموضوعية لديه . وما هي الدوافع وراء كتابة الوثيقة ؟ هل هي الرغبة في مواجهة طرف ما، أم محاولة للتميز ولفت الأنظار أم الرغبة في التحريض على جماعة وتشويه تاريخها. و تبقى عملية التحقق من التناقضات،  حاضرة و بأهمية واسعة، باعتبار عقد المقارنة المباشرة، للنصوص التي تهم الجهة التي أصدرت الوثيقة أو نفس الكاتب الذي حررها.  أو العمل على مطابقتها مع نصوص أخرى، لرواة أو كتاب ينتمون إلى أصول معرفية أخرى.
في آليات النقد
الوثيقة هي الابن الشرعي لزمنها. ومن هذا فإن عملية القراءة، لا بد لها أن تستبعد المؤثرات المعاصرة التي تحيط بالباحث .  مع أهمية الأخذ بنظر الاعتبار أن الوثيقة تعالج موضوعا بعينه، و عليه لا يمكن أن تقدم الوثيقة كل شيء. كما أن التمييز بين مصدر وآخر، أو الوقوع تحت تأثير مصدر دون آخر، يعد إخلالا في البحث العلمي، باعتبار أن موضوع البحث يحتاج إلى المزيد من الشواهد،  والأمثلة والقرائن والروايات والأحداث. في سبيل الوصول إلى التشكيل النهائي، الذي تقوم عليه صياغة الفرضية نحو حل مشكلة الموضوع.
قد يكون الوقوف على مصدر واحد، يحتل قيمة بارزة في البحث.  لكن هذا يبقى رهنا بتوافر الشواهد المساندة، من شهادات وأخبار وأحداث، تشير إليها المصادر الأخرى .  لكن الشواهد هذه (المساندة)، قد توقع الباحث في خطأ التقليد، لا سيما حين يتم تكرار ذات الخطأ،  في المراجع التي تنقل واحدة عن الأخرى.  وعليه فإن المراجعة النقدية لترصد التناقضات،  تساهم في تسهيل عملية الباحث،  في المقارنة بين المصادر المختلفة . حتى كانت التوجهات، نحو إعادة كتابة التاريخ، أو تنقية أصول التاريخ، أو محاولات رد الاعتبار على أحداث وموضوعات ووقائع، ورفض الافتراءات بحقهم.  لكن مثل هذه التوجهات، كان لها المساهمة المباشرة في جعل التاريخ، بمثابة حقل مواجهات أيديولوجية، بين الفرق والجماعات المتعارضة. المنهج النقدي هنا لا يمكن أن يستبدل رؤية بأخرى، وإلا فإنه سيقع في ذات التناقض، الذي يسعى إلى تفكيكه.  بقدر ما يقوم على تفعيل عمليات المقارنة،  بين المجمل من الروايات، الرسمي والعام والشفوي.
ما هو جزئي وكلي في الوثيقة
على ماذا يقوم التاريخ ؟  يقول البعض؛ (الحقائق).  ولكن عن أية حقائق يكون الحديث، هل هي المرتبطة بـ الحدث، أم بـ طريقة تفسيره؟، وهل يمكن اعتبار الحدث موضوعا مستقلا، أم أنه يبقى مرتبطا بطريقة التفسير الفردي أم الجمعي.  وما يمكن أن يعلق به من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية.([12])
حين يكون البحث المباشر عن (الطائفية في العراق)،  على سبيل المثال، فإن العلة هنا،  لا تتوقف عند طريقة مواجهة الطائفية.  بقدر ما تقوم على طريقة التمثل لمفهوم الطائفية، وتأثيره في الوعي السائد.  ولا سبيل لتقصي هذا الوعي، من دون اعتماد الحفريات المعرفية.  حيث البحث في الطبقات المتراكمة من حقب التاريخ .  حيث موقعة الجمل، فمعركة صفين، وصلا بموقعة كربلاء في العهد الأموي، مرورا بالعهد العباسي، والتداعيات الحضارية والثقافية، فالبرامكة وفتنة الأمين والمأمون، فالبويهيين، وبعدهم السلاجقة، فالهجوم المغولي وتدمير حاضرة الثقافة العربية الإسلامية(بغداد) .
 لتأتي الفترة المظلمة بكل أثقالها وأوزارها.  فالصراع العثماني_ الصفوي، والذي جعل من العراق(سرج رياح)، للنفوذ والنزاعات والاحتدامات والصراعات العقائدية والمذهبية. فالسيطرة العثمانية. فمشروع الدولة القومية في العراق، وتأسيس المملكة على يد فيصل الأول.  فحقبة ثقافة البيان رقم واحد (الانقلابات العسكرية والحزبية)، وحالة التتشظي الثقافي والسياسي والأيديولوجي، وصلا إلى سقوط بغداد عام 2003 .  وما أفرزته من استئصال متقابل، لا يقوم إلا على أساس الهوية الطائفية.
وإذا كان التغييب للتفاصيل، فإن تاريخ الحراك والوقائع وتاريخ المتصل الطويل، لا يكشف إلا عن هذا الكل، من التمثلات التي حطت على المجتمع العراقي، حتى ترسبت في الذاكرة الجمعية، وراحت تفقد إطارها الموضوعي .  لترسم غلالة عقلية، على طبيعة الوعي بالظاهرة الطائفية، ومن هنا فإن الإشكال لا يكمن في الطائفية، بقدر ما يقوم على طبيعة التمثل للطائفية.
سلطة الوثيقة والعقلانية الجديدة
كيف يمكن تمييز سلطة الوثيقة التاريخية ؟ وكيف يمكن لها أن تمارس تأثيرها في المجمل من الممارسات والعلاقات السائدة، إنها القوة الصامتة التي تتوافر عليها الوثيقة، باعتبار ما تتضمنه من تصورات،  ورؤى ثابتة حول أهميتها.  في استجلاء المغّيب وغير  الواضح من التاريخ.  ومن هذه القوة الكامنة،  تتبدى ملامح السلطة التي تتوافر عليها. و الواقع أن القوة التي تظهر بها الوثيقة لا تقوم على الإكراه والعنف والقمع، بقدر ما تستند إلى قوة التحريض وإنتاج المعنى، على مستوى العقل والمجتمع . إنها إرادة معرفة، باعتبار التصميم الذي يقوم بتصنيفه ميشيل فوكو بقوام:
1. الاستثارة والإنتاج. 2. الموجه المعرفي. 3.  فرز المعلن والمسكوت عنه. 4. الخضوع للنظام المعرفي السائد. 5. جوهر القوة بمظهر المعرفة.
من هذا التوزيع تبرز سلطة الوثيقة، لا بوصفها دليلا معرفيا.  بقدر  ما هي وسيلة قوة، يتم من خلالها ممارسة سلطة المعرفة،  على حساب الفضاء الذهني السائد.  والوثيقة بهذا المعنى تكون بمثابة الأداة التي يتم من خلالها، ممارسة الهيمنة وفرض السطوة، على التوجيه والإقحام وإنتاج المعنى.  عبر توجيه قوة المعرفة التاريخية، من خلال سلطة الأعراف السائدة والرائجة، وإخضاع المعنى للنسق الاجتماعي.  حيث المعنى البارد، والحرية من دون أحرار.
إنها الأزمة التي تتوافر عليها طريقة توظيف الوثيقة، بما يخدم الكلي على حساب الجزئي. وما يسفر عنه من تأزيم للمواقف الفردية.  إنها الهيمنة لقوة النسق، على حساب الاكتشاف المثير والعميق،  لـ (لحظة التحقق الإنساني في صناعة التاريخ)،  بالمعنى الفوكوي. ومن هذا الواقع تتبدى أهمية أن تكون الوثيقة، بمثابة الأداة والوسيلة المساعدة والعملية،  للكشف عن العلاقات التاريخية.  في لحظة بعينها، من دون الخضوع للتعميمات.  وهي بمثابة علاقة الربط بين الحدث (الواقعة التاريخية)، وما ينجم عنه من عواقب أم نتائج.  وهي الوسيلة لتحليل الخطاب، عبر تجهيز الموقف النقدي الجذري، القادر على نقد الذات أولا. بالتالي القدرة على استخدام العقل في توظيف الوثيقة، بما يخدم الحقيقة التاريخية .([13])
في البحث عن الواقع
خصوصية التجربة التاريخية في الغرب، جعلت موجهات الفكر فيه، تتوجه نحو توسيع مجال الفعل الذاتي داخل المجتمع.  والعمل على جعل المبادرة، نابعة من صميم التفاعلات.  وليس من منطلقات وتجليات التنظير،  الذي يطرحها العقل . إلا أن العلاقة القوية والوشائج العميقة،  بقيت تفرد بحضورها، ما بين توجهات الفعل الإنساني، والقوانين التي تفرضها الطبيعة،  وما يتضمنه من وعي تجربة التاريخ . لا سيما وأن مجال التعبير في المضمون السياسي والاجتماعي،  إنما يكون قوامه مستندا إلى توظيب معالم العلاقة، ما بين الإنسان والطبيعة التي يعيش في كنفها،  من خلال الرابط الذي ينظمه العقل العلمي. حيث المخاض الذي تبلور في الثورة الصناعية والنتائج المترتبة عنها.  إن كان على مستوى التنظيم والتقانة، وما أثمر عنها من وفرة في الإنتاج وتقدم واضح للاقتصاد، أم في التحول الصريح، الذي نال من طبيعة العلاقة بين الأفراد والسلطة.([14])
لم يكن من اليسير إغفال دور التوجهات السياسية والاجتماعية، التي برزت في تلك الحقبة . و مدى التأثير البالغ الذي أدته في حفز مجال التطور العلمي،  وقدرته على تبؤ مكانته الأثيرة والمهمة في صميم الواقع . وهكذا تكون فكرة التقدم وقد حضرت في صلب التفعيل التاريخي، من خلال تنامي الأطوار وانطلاقها من مجال الفكرة، الى محور الإرادة باعتبارها الحافز الأصل، في استيعاب لحظة الانتقال وتمثله العميق .
الجاذبية التي تبدت عليها النزعة العلمية،  والنجاحات البارزة والمميزة التي تحققت لها . جعلت منها في أشد حالات الوثوقية،  حول استنباط قوانين التطور التاريخي . هذا بحساب القدرة الكامنة فيها على ترصد الوقائع، وإخضاعها لمنطق التحليل والبحث الدقيق الصارم . إلا أن هذه الثقة المفرطة،  سرعان ما اصطدمت بالنزعة النقدية.   التي شرع بتفصيلها رواد النظرية الاجتماعية.  والذين لم يترددوا لحظة من توجيه أسهم نقدهم اللاذع والشديد، الى هذه التكاملية الشاملة التي تبدت عليها النزعة العلمية، باعتبار الادعاء بالاكتمال المكتسب من واقع النجاحات السابقة .)[15](
المضمون الجماعي
لا يمكن الركون إلى أحادية الطابع،  التي يمكن أن تفرض تأثيرها على نمط التفكير. ومن هنا يمكن القول إن مجال الانفتاح العقلي،  يمكن أن يكون له حضوره على صعيد الاستجابة، للمضامين الجديدة، النابذة للركود والوقوع تحت إسار التقليد والإتباع.  فنشدان الخلاص من المؤثرات الثابتة، باعتبار الاحتكام الى دور العقل . والتطلع نحو إفساح المجال،  لحضورية التنظيم الاجتماعي، المستند إلى العدالة والمساواة.  يمكن أن يستمد من المحتوى العميق، الذي تكتنز به المكونات التاريخية والثقافية للأمة . وعليه فإن التطلع نحو توظيب ملامح العلاقة،  ما بين التنظيم المأمول على صعيد المجتمع، والأنشطة الإنسانية داخل البيئة والمحيط، يمكن أن يثمر عنه نزوعا نحو وحدة اجتماعية فاعلة ومؤثرة، قوامها توجيه النظر نحو المستقبل بثقة وتصميم .
يكشف التاريخي عن العلاقة الوثقى،  ما بين السعي إلى الحداثة كمضمون تجديدي،  قوامه التفاعل مع المدركات التي يفرضها الواقع . وقوام الأهمية التي ينطوي عليها العقل،  لا بحساب التجريد أو المعيارية الكامنة فيه، بقدر ما يكون الاتجاه نحو التنمية والتعزيز لدوره والانتصار لمجالاته، لا سيما في مجال موضوع الانفتاح والتنوّع والاختلاف .  ومحاولة الخروج من التنميطات، التي هيمنت من خلالها فورة الانتصار،  الذي تحقق للعقل في حقبة تاريخية معينة . ومن دون الوقوع في لوثة الإغراء، الذي يفرضه الحضور القوي، أو تعاظم مجال الهيمنة  . يكون من المهم أن يتقدم السؤال، حول الأنساق الفاعلة في صلب الواقع الاجتماعي . وطبيعة العلاقة الحاكمة لهذه الأنساق، إن كان على الصعيد الديني أم السياسي،  أم الجوانب الرئيسة الأخرى، التي ينطوي عليها مضمون التفاعل الاجتماعي وتنظيماته .([16])
ومن هذا المعطى يكون البحث عن ملامح التأثير والتوجيه،  وطريقة التأثير الصادر عن هذا النسق أم ذاك. إلى الحد الذي يكون فيه مجال الاندراج،  في متوالية العلاقة الحاكمة ما بين الأنساق . ليكون السؤال من يفرض ملامح الرؤى والتصورات على من ؟ ومن دون السقوط في دوامة فعل الفرض والقسر . لا بد من التنويه هنا الى أن هذا الفعل،  يبقى طارئاً وعارضاً . هذا بحساب أهمية المبادرة، الصادرة عن المجتمع وطريقة الهضم، والتمثل الفاعل لنظامه الخاص.
اتجاه التاريخ
طغيان الفكر الشمولي لم يتوقف عند اتجاه بعينه. بل نجد التوجهات وقد تراوحت ما بين الرأسمالي،  الذي استحكم نطاق الفعل فيه،  نحو  الربحية والاستثمار والتنافس . والاشتراكي الذي حفز مجمل مدركاته، من أجل الخروج من إسار هيمنة الرأسمالي على علاقات الإنتاج. وما بين تنوع الاتجاهات، تبرز النزعة التاريخية في أشد حضورها، من خلال تأطير الرؤية حول المجتمع بصورته العامة . وطريقة الترصد في صلب الممارسات، وطبيعة التناقض الذي يحكم العلاقة ما بين المحددات العقلية، وأنماط الإنتاج النازعة نحو الربح . وبقدر ما يحضر الذاتي وما تفرضه المصالح الخاصة،  يكون العائق الشديد الحضور. حول مسألة الإيمان بالتطور التاريخي،  وخطه المرسوم الذي لا يحيد عنه . خصوصاً وأن مجال الإخضاع لمنطق التاريخ الواحد، يجعل من الفعل الاجتماعي في أشد حالاته اندراجا، في هذه الكلية التي تفرض بتفاصيلها على دور المؤسسة، التي كان لها الدور في توظيب معالم العلاقة ما بين المجتمع والسلطة. حيث المحددات واضحة غير قابلة للفرض والقسر . فيما تكون الكليانية في أشد حضورها،  عند مجمل التفاصيل من العلاقات. الى الحد الذي يتفاعل هذا الحضور في صلب مضمون التقدم.([17])
إذا كانت فكرة  التقدم قد تم تركزت في مجال الأفكار،  فإن التغيرات اللاحقة جعلت من الإنتاج صاحب السبق والأهمية على ما دونه. هذا بحساب التطورات التي فرضته التفصيلات المتعلقة بالثورة الصناعية، وما أفرزته من توجهات جديدة على مختلف الصعد الاجتماعية، والتنظيمية والتوسع في عمران المدن .و من هذا المعطى توسع مجال الحداثة، حتى انطبعت في ترسيم معالم الرؤية التاريخية . حيث توجيه المضامين نحو حفز مجال التفاعل،  المستند الى الإرادة الجماعية، النابذ لهيمنة وسلطة التراث، الذي غدا بمثابة المعيق لتوجهات التقدم.
الأصول المعرفية للتاريخانية جعلت من أطوارها وتحولاتها، خاضعة للمزيد من الملاحظات المتعلقة بمنطق التبرير.   لهيمنة السلطة وتوسيع مجال حظوتها على حساب الأفراد . وإذا كان الجانب الديني، قد تعلق بترسيم معالم التاريخانية، باعتبار النزعة الموجهة والمستندة إلى الخط الواصل ما بين البداية المرسومة،  وصولاً إلى النهاية المحددة. التي لا تقبل الحياد أو التبدل. فإن الطور الجديد كان قد ترسم معالم حضوره،  استنادا إلى العامل الاقتصادي . حيث الوثوق باتجاه التاريخ، استناداً إلى تطابق الذات في تفصيلاته . وطريقة الاندماج ما بين تيارات فكرية.كان من العسير أن تلتقي كالمادية والمثالية . لولا تفاعلات الحداثة و ما أفرزته من تأثيرات في إنتاج المزيد من التيارات و النزعات الفكرية، حتى كانت بمثابة الأرضية التي يتم من خلالها تقريب موجهات الوعي في المعنى التاريخي، الذي عانى من سطوة التوجيه.
العقل والإرادة
المخاض الفكري الذي انطوت عليه العقلية الحديثة، كان القوام فيه يستند إلى فكرة التقدم. والتي تجلت في بروز الدور، والأهمية للفاعل التاريخي،  الذي تصدر المشهد الجماعي . ومن دون الانضواء  في تراتبيات الهيمنة التقليدية . تلك  التي عملت على الإعلاء من شأن الخضوع لقوة التراث . كان الاتجاه نحو العقل و التركيز عليه، سعيا نحو الخروج من دوامة التدجين التي تفرضها هيمنة سلطة بعينه . هذا باعتبار الاستناد إلى روح الانفتاح على العالم،  ومحاولة الخلاص من الرؤية المحلية.  حيث توثيق عرى العلاقة بالمستقبل، الذي وضعت فيه الآمال والطموحات،  باعتبار ما تحقق للعالم من انجازات و كشزفات نظرية  و تقانية، كان لها الأثر المباشر في تغيير طريقة نظر الإنسان إلى العالم.   باعتبار توجيه جميع الإمكانات،  نحو الإنجاز المادي المباشر الذي تقوم السياسة بالإشراف عليه،  وتحديد معالم الرؤى والتصورات حول العالم،  انطلاقا من الممارسة والمنجز العقلي. ومن هذا المعطى يمكن الوقوف على تبلور مفهوم الضرورة التاريخية،  والذي يتم تفعيله من خلال حفز مجال الإرادة .([18])
توجيه النظر نحو المستقبل،  لم يكن نابذا لأهمية العناية بأمر الماضي.  وطريقة الوعي بإمكان الصراع المحتدم فيما بينهما، هذا باعتبار الالتفات إلى طبيعة التفاعلات الاجتماعية،  وما يمكن أن ينجم عنها من صراعات وتداخلات . ومن دون الاعتماد على العامل الأحادي في تفعيل التاريخ .  يبرز مكنون التقدم الذي يستمد حضوره، من جملة عوامل يكون الأبرز فيها العقل والاقتصاد والإرادة الجمعية.  حيث الترابط الجدلي الذي يمكن أن يصوغ ملمح الانسجام والتناسق، المستند إلى دور العامل الصناعي،  في توسيع مجال الإنتاج، وتطوير منافذ الاستثمار وصولا إلى تحقيق الأهداف. التي يترسمها الأفراد والجماعات داخل المجتمع . فيما يضطلع العامل السياسي بدور الحفز والحث للقدرات، من اجل تمكين فكرة التحديث،  وجعلها في صميم الواقع المعاش.([19])
الانتصار الذي تحقق للعقل في تدبيج فكرة الحداثة، بقي يعاني من التموضع والمحدودية.  إلا أن الدفع بالعوامل الأخرى من اقتصاد وفعل جمعي، كان له الإسهام البارز في توضيح معالم العلاقة،  داخل مفهوم الاندماج في الوطن.  والترفع عن لوثة الانتماءات الفرعية أو الخضوع لسطوة التراث،  وهيمنة القوى التقليدية داخل البنية الاجتماعية .([20])
 ومن هذا التوزيع العلائقي، المستند إلى الربط الصارم بين (العقل والإرادة).  يكون المنجز الإنساني وقد تبدى حاضرا بقوة في صلب التاريخ، انطلاقا من مستوى الترصد في مجال التوسع عند دور الفاعل الاجتماعي،  الذي تعمقت وتوطدت علاقته داخل المجتمع.  لينجم عن هذا تحديد الدور والغاية والهدف،  الذي تبدى في صلب مضمون المجتمع الحديث.  حيث الوثوق بأهمية التناسق ما بين الدعامة الاقتصادية،  بمجمل فعالياتها الإنتاجية،  وقدرة الدولة على التنظيم والإدارة،  وصولا إلى توسيع مجال الحراك الجماعي.
نظام التفاعل
كيف يمكن النظر إلى؛  (الذات والعقل)،  داخل العلاقة القائمة بين العناصر الرئيسة التي تمثل الواقع الاجتماعي. ليبرز السؤال المباشر حول مفهومي  ؛ النظام والتغيّر، اللذيّن بقيا يمثلان نقطة التوتر،  في توجيه التصورات إزاء المجتمع،  وطبيعة التفاعلات القائمة فيه . هذا بحساب التطلّع الجديد نحو توسيع مجال الوعي، وتفعيل نطاق التفكير . من خلال الاستناد إلى الرؤية المنفتحة،  القائمة على اشتراطات مجال نقد الظواهر.   والإفلات من هيمنة الثوابت والمسلمات، التي تفرضها سطوة القوى القديمة . ومهما كانت ملامح الكبت والثبات الذي تفرضه ملامح التطابق،حيث الاستناد إلى فكرة النظام الاجتماعي. وأهمية الاندراج في تفصيلاته،  وفروضه القائمة على الشروط.   وهيمنتها التي لا تقبل الإزاحة أو حتى المرونة، .يتبدى مضمون الفعل حاضراً بكل وضوح في انقسامية ملفتة، يكتنفه المزيد من حالات التقاطع والفورة العارمة . والتي تصدر عن ذوات، يرتكز هدفها في كسر الثابت والراسخ، والعمل بحدة نحو الإفلات والخلاص، بطريقة تتجاوز المكنون العقلي، إلى الحد الذي ينطوي على الإضرار بالذات،  وإلحاق الأذى بها.([21])
ما بين الاتحاد الذي يصل حد الاندماج . والفصل الذي يثير النزعة الارتيابية، يكون هذان العنصران ((الذات والعقل))،  في أشد حالات الاحتدام حول الظواهر، التي تفرد بحضورها على صعيد الواقع الاجتماعي. ومن دون الوقوع في دوامة تقديم عنصر على آخر، أو الاندراج في التراتبيات التي تفرضها حظوة عنصر ما،  ورسوخ تأثيره في الواقع  . يكون من المجدي توجيه مجال النظر نحو ملامح ترسيم الوعي بالتاريخ، والذي ظل على مدى طويل يقوم عند مجال ((النظام))،  الذي استحكم على مجمل النشاط العقلي الإنساني.  حيث الوثوق بالعناصر المؤثرة وأهمية اتحاده ا.
ومن أحوال التطور، والأوضاع التي فرضتها التغيرات،  التي طرأت على الواقع الاجتماعي.  بحساب تنامي الفعاليات التي ارتبطت بوثوق بترسمات الحداثة، برزت ملامح الفصل ما بين الذات والعقل. لتكون النتيجة وقد تواشجت عند مضمون التغير، الذي غدا الحافز الأبرز في توجيه مسار الوعي لدى المجتمع.([22])
وإذا كانت الفرضية  قد توقت طويلاً عند مجال الغاية الثابتة،  التي توجه مسار التاريخ، باعتبار الالتحام بالفرضيات التي قدمتها المزيد من الجدليات. أو الرسوخ عند مجال الغاية المحددة الذي ترسمته الأديان. فإن نظام التفاعل مع الحداثة،  قام على النهل من فكرة التغير. حيث توجيه مسار الفعل، وحشده في صلب الفعل الاجتماعي . والإقرار بأهمية انبثاق الوعي من صلب العلاقات والأنساق،  التي تميز المجتمع . من دون الخضوع للمؤثرات الخارجة عنه، ليتبلور مفهوم الفاعلية التاريخية. المنطوي على الوعي الجاد والعميق،  في أهمية توجيه الإمكانات والفعل نحو المضامين، التي تبرزها الإرادات والتحديات، والرؤى والتصوّرات في المجال الخاص. من دون الوقوع تحت إسار التنميطات العقلية، المستمدة من مصدرية أخرى، لا كرامة لها سوى سطوة العقلي على حساب الذاتي.([23])
الوعي بالظواهر
 كيف يمكن  تمييز الوعي التاريخي في مجتمع ما ؟ و ماهي الحدود الفاصلة، و الشعرة الرقيقة التي تميز وصف  لمجتمع ما،  بأنه تقليدي و هذا حديث؟  هل يمكن الاكتفاء بالجانب المظهري ؟ حيث التمدن و الإنشاء و التوسع باستخدادم التقانة الحديثة ؟ و هل يمكن للمجتمعات حتى ما بعد الحداثي منها،  أن يتخلص من إرث القديم ؟ لا سيما وأن سطوة القديم لا تتوقف عند التوجيه والحث.  بقدر ما تكون رواسبها كامنة في اللاوعي الجمعي،إلى الحد الذي تستقر مستويات التحليل للظواهر،عند المؤثرات القديمة.
وعلى هذا الأساس يحضر الجانب الصوري،  الموغل في السطحية في تفسير العديد من الظواهر الكبرى، ذات الأثر البارز في تحول المجتمعات. حتى أن التمثل هنا يبقى يعاني من النقص الفاضح، حول ترصد الآليات والفعاليات الرئيسة . خصوصا وأن الإتباع والنقل والاستيراد المباشر، يكون له الأثر البالغ في ترسيم التصوّر المشوه.  الذي يكون بمثابة القاعدة التي لا يمكن الاستغناء عنها، أو حتى الخلاص من سطوتها وحضورها الكثيف.
القصور والاضطراب في الوعي بالظواهر، بقي يمثل الدالة الأشد حضورا في المجتمعات التقليدية، و لعل سؤال الحداثة يكون الأكثر حضورا. والذي بقي يثير المزيد من المواجع والأسى في الذات العربية.  حتى أن الكثير من المنظرين العرب باتوا أسرى السؤال المقارنة،  الذي تم عقده ما بين التجربة العربية في التحديث، و التي بقيت على حالها الأولى الجنينية.  والتجربة اليابانية التي استطاعت أن تشق طريقها،  بثقة وحضور ملفت . بل أن مجال الإشعاع صار يصدر عنها،  كقوام قابل للنهل  والأخذ منها.   باعتبار الرسوخ والنضج الذي تبدّت عليه في الوسيط الحضاري الدولي.([24])
الفصل الذي بقي يعاني منه العقل العربي في تفسير الحداثة.  جعل منه رهنا لثبات الأنماط والسياقات القديمة  . حتى أن مكنونات التحليل لهذه الظاهرة،  بقيت تشرع بأسئلتها نحو الإمساك بشرط التوصيف القديم . الذي بقي يدور في فلك الانتقال من نظام إلى آخر. وكأن القضية تتعلق بتحقيب مرحلي.  قوامه الخلاص من وضع،   والإقبال على وضع آخر.  من دون الارتقاء إلى مكنونات التحول،  والتي تفرض تقديم الرؤى والتصورات.  حول الحادث وأثر الفاعل الاجتماعي فيه. بل أن مضمون التلقي يبقى الحاضر الأهم، على اعتبار غياب الإمكانات الذاتية وضمور الإرادة الحرة  . باعتبار واقع الهيمنة الأجنبية التي فرضت بحضورها،  على الكيان السياسي العربي، إبان بدء تجربة التحديث،والتي تم النظر إليها باعتبارها حتمية تاريخية، لا يمكن الإفلات من تأثيرها . بعد أن جاء الغازي الأوربي بسفنه ومدافعه ليهدد عقر دار الإسلام، في أعقاب اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، أو أن اللقاء الأشد وثوقا جاء متلازماً مع الغزو البونابارتي في نهاية القرن الثامن عشر. ومن الوعي المجزوء الواقع في التفسير اللاحق للظواهر، يكون معنى التاريخ في أشد حالات الالتباس والتداخل، حيث الخضوع للتفسير الجاهز . والذي يتم إلحاقه بالروح تارة، أو بالعقل تارة أخرى.  حتى كان التشظي في أقصاه .
المكنون العقلي
البحث في معنى التاريخ، كانت من الموضوعات الأساسية، التي ميّزت توجهات فلسفة التاريخ. بدليل أن هذه الأخيرة كانت تعي جيدا أهمية الفاعل الاجتماعي،  ودوره المهم في صناعة الواقع . إلاّ أن الاشتراطات المنهجية التي اندرجت فيها، جعلتها توجه عنايتها نحو تواريخ فرعية، قوامها العقل والروح والحرية . ومن واقع الفهم المجزوء حيث الإسقاط للوعي من خلال الإقرار بسلطة الدولة،  في تأسيس القواعد والقيم للنظام الاجتماعي . الذي دعت إليه فلسفة التاريخ،  يبرز بكل قوة أهمية الوعي بتجليات التغير،  الذي يحوي المعنى الأصيل للفاعلية التاريخية . هذا بحساب الإقرار بأن المجتمع في تغير مستمر، وبالتالي سيادة العنصر الحركي فيها. حيث الحضور البارز والمهم للفاعلين الاجتماعيين، وتوسيع مجال التأثير والفاعلية لهم.
فالمجتمع لا ينطوي على تكريس فكرة الانضواء في النظام الأساسي، الذي لا يقبل الانخراط في منظومة التأثر والتأثير . بقدر ما هو نتاج تفاعلي،  قوامه الاستناد إلى قوة الممارسة التي تفصح عنها عمليات الإنتاج والاستهلا،  والمستندة إلى التواشج الشديد الأثر الذي يثّمره التوافق ما بين الذات والعقل.([25])
حضور الذاتي في الوعي بمفهوم التاريخ،  يقوم على عنصر الترصد وتمتين أواصر العلاقة داخل الحقل الاجتماعي . ومن دون الانطواء على العنصر العقلي في فهم التاريخ،  تبرز أهمية الوعي بنظام التغير،  الذي يتأصل فيه مكنون الواقع الاجتماعي. حيث التلاحم ما بين الفردي، الذي يفصح عن المعطى الاستهلاكي.  والجماعي الذي تتموضع فيه مكونات المؤسسة الإنتاجية . وبقدر التطلع نحو الإقرار باحترام الفرد داخل المجتمع، والاعتراف بالخصوصيات الثقافية والعرقية . فإن الوقوف على نظام الوجود،  يكون قوامه الاستناد فيه إلى الواقع الثقافي.  حيث توجيه النظر نحو أهمية الوعي بالأعراق،  التي تحضر بكل قوة داخل النزوع الفردي، ومفهوم الأمة الذي يحتوي الشمول الجماعي.
لم يعد التاريخ ذلك المكنون العقلي، الذي يجسد تصورات أو رؤى تخص  أمة أو ثقافة بعينها. بل أن تفكيك المعنى فيه يستدعي التأمل في العناصر المؤسسة له، بحساب الأثر الإنساني فيه، حيث الفعل الأصل الذي يكوّنه ويبلور الاتجاهات الفاعلة فيه . ومن هذا كله تظهر أهمية الفعل الثقافي، الذي تحدده آلية التطلع نحو الحفاظ على النمط السائد . والذي يقوم على محور الوسائل الذي يتوزع فيه عناصر ؛  اللغة والفن والآمال المشتركة والمصالح والقدرة على التعبير والإمكانات الإعلامية. فيما يقوم الفعل الاجتماعي على التبادل القائم بين الأفراد والجماعات،انطلاقا من واقع التوازن الذي تكشف عنه ؛  الأهداف والعلاقات الخارجية .و لا يمكن الفعل الشخصي الذي يؤسس نحو ترصد الأهداف ،أو نظام الفعل العصبي الذي يحدد مجال الاستعمال، من خلال الوعي بالوسائل والعلاقات الخارجية .و من واقع الترصد في مجال العناصر المكوّنة،  تبرز قيمة الاتجاه نحو الخلاص من ثقل الأصول، التي حفزتها المثالية والميتافيزيقيا في صلب مفهوم التاريخ.  والذي يستدعي بحثاً في التفاعل الذي تحتويه التفاصيل، انطلاقاً من توجيه النظر نحو البدايات، من دون الاندراج في ضَلال الأصول.([26])
المضامين والممارسة
التوقف الطويل الذي جسده معنى التاريخ التقليدي، عند معطيات التعقيل والانخراط في تجليات الذات،  وترصدات التقدم، والتقليد والتأثيرات وسيادة مبدأ الواحد.  يجعل من التطلع نحو الانفتاح والاختلاف في هذا المضمار،  أمراً بالغ الأهمية . حيث توجيه العناية نحو الأحداث،  وطريقة وجودها في المستويات المختلفة والمتنوعة . ومن هذا النزوع تتبدى أهمية الوقوف على مفاهيم من نوع القطيعة المعرفية، والتحولات والخوض في دراسة الخطاب.  من حيث التشكيلات والممارسات القائمة في صلبه .
فالتاريخ سلسلة من الحوادث التي يصنعها الإنسان. ومن هذا المعطى فان الفاعل والأصل الذي يحفز هذا المكنون، لا يقوم على الاندراج في التجليات العقلية فقط. أو الكمون في نظام الوجود.  بقدر ما يكون الاستناد قائما على أهمية،  تفعيل العلاقة مابين الذاتي والعقلي. حيث الاتجاه نحو رفض المطلق، الذي يتسيد أدوات ومنطلقات التحليل.  والعمل على تقديم الحس التاريخي، من خلال الترصد في الأحداث البارزة،  بكل مافيها من تناقضات وإرهاصات وإرادات ورؤى وتصورات وتحديات.
الغرضية التي هيمنت على التاريخ، باعتبار سيادة الذاتية والأدلجة عليه.  جعلت منه عرضة لتقمصات السلطة،  بكل أشكالها السياسية منها والاقتصادية، بل وحتى الاجتماعية . ومن هذا تبرز أهمية منهج حفريات المعرفة،  الذي أسس له الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، والذي أكد على ترّسم تحليل الممارسة الخطابية، وتوجيه العناية نحو تحليل الخطاب.  من خلال ترصد القواعد والشروط والمبادئ الكامنة فيه.
والحفريات المعرفية لا تخرج عن كونها وسيلة، تسعى نحو فحص الخطابات في الوسط الثقافي،  والظروف المحيطة بظهور خطاب معين أو اختفائه . وحالة التأثير الذي تبرزه الحقبة التاريخية والتفصيلات المتعلقة بها،وطريقة تفاعل الخطاب وإمكانية تطبيقاته على مستوى الواقع، إن كان على مستوى الممارسة،  أم على صعيد القواعد التي تسود ثقافة ما .([27])  هذا مع أهمية الوعي بأن الخطاب لا يتم بناؤه وفقا لغاية وهدف محدد، بقدر ما يكون نتاجا موضوعيا لإفراز الثقافة الخالصة، الخالية من الموجهات الذاتية.  ومن هذا المعطى يبرز المؤثر الزماني والمكاني، في إبراز معالم الممارسة الخطابية، حيث يكون الدور الأهم، للتاريخي على حساب العوامل الفرعية الأخرى.
قوة الحدث في تكوين التاريخ، جعله يعاني من أعراض التداخلات المباشرة، التي تسعى إليها الغايات الذاتية.  حتى غدا  التاريخ مجالاً سانحاً،  لتدخل مختلف الأطراف والجهات والتيارات . إلى الحد الذي تعرضت فيه كرامته العلمية إلى الهدر والتبديد . فيما لم يتوان البعض من إلحاق التوصيفات المباشرة، والتي تلّح على الجانب الأداتي فيه . وبقدر هذا التحديد الموغل في الغرضية، تبرز أهمية الحفريات المعرفية في الكشف عن الظروف،  التي تحيط بظهور الخطاب وطريقة ممارسته داخل الثقافة،  ومدى الإنجاز المتحقق فيها.  إن كان على المستوى المنطوق المتداول،  أم الكتابي والقواعد الخاصة به والإجراءات المتعلقة بطريقة الإنجاز. وعلى هذا تتبدى أهمية الممارسة الخطابية، والحظوة التي تحصّل عليها بإزاء مقارنتها مع المضامين، تلك الأخيرة التي بقيت تحتل المكانة البارزة، والأثيرة في الدرس التاريخي وعلى مدى زمني طويل.
 تحريك الفعاليات
يبرز التناقض بقوة، عندما تهيمن النزعة التاريخية في قراءة التاريخ . لا سيما في ما يتعلق بدور الدولة و السلطة العليا،  وجعل الأطراف الأخرى مجرد ملحق بها. بعبارة أخرى الاستناد إلى الإقرار بأن الدولة هي المسؤولة الأهم،  في ترسيم معالم التغير التاريخي . من خلال جعل الذاتي ينصب في صلب الموضوعي، حيث المطلق الذي يسيطر على  كل شيء .و من هذا الاتجاه يتم العمل على ذوبان الذات في الفعل التاريخي، الى الحد الذي يكون فيه التناقض وقد استشرى ضمن هذه العلاقة. باعتبار البحث الدائب والمحموم من قبل الفاعلين الاجتماعيين، في سبيل الحصول على الحرية.
وإذا كانت الاتجاهات والتيارات المنضوية في إطار النزعة التاريخية،  قد أكدت وبتكرار ملفت إلى أن التاريخ برمته ما هو إلا من صنع الإنسان . فإن هذا التأكيد سرعان ما يذهب أدراج الرياح،عندما يتم استدراج الذات إلى مساحة العقل، وجعل الحرية خاضعة لمبدأ الضرورة . حيث العام الذي  يعمل على إلغاء الخاص.  ([28]) فيما تتصدر واجهة النظام،  شدة التوجيه المستند إلى أهمية اندراج المجتمع في النظام الذي تؤسس له الدولة.
التوكيد على مجال الحرية،  يعيش لحظة التصادم المباشر داخل النزعة التاريخية، . لا سيما عندما يتم صهر الذات في التاريخ . ولعل لحظة الاندراج في ترصّد الممارسة، تجعل من الفكر واقعاً تحت إسار التجربة . ومن هنا تحديدا وقع الفكر الماركسي تحت سطوة تقييم التجربة الفرنسية ومخاضاتها المحتدمة . إلى الحد الذي حدد فيه مسار الهيمنة الفردية، ذات السمة البورجوازية على مجمل الواقع الفرنسي . ومن حالة التداخل في تلك التجربة، كان التوزيع ما بين السوق كمظهر اجتماعي والصناعة بوصفها قوة تنظيم اجتماعي . وجعل العمل في صلب الوظيفة  الاجتماعية، الساعية إلى تركيز معالم الوجود النوعي للإنسان .
 من خلال نبذ الهيمنة التي تم إسباغها على الفردانية،  والإعلاء من شأن تسليع المجتمع . وجعل المستثمر بمثابة المحرك للفعاليات داخل المجتمع . حيث الإيمان بأهمية العامل الذي يمثل القيمة الأصل، في حفز قوى الإنتاج وعلاقاته . والذي يمكن الوقوف على تلك الأهمية من خلال الانغماس وتوجيه مجال التفكر في الممارسة العملية،  وليس الانضواء في المقترب العقلي الذي يجسده الموضوعي.ومن هذا التوزيع الدقيق لطبيعة الوعي المادي، يبرز دور الممارسة في تحديد دور العلاقة الاجتماعية، والتي تم بناؤها وفقا إلى المعطيات التي يقدمها الإنتاج . حيث التجسيد لقوة وأهمية الفعل الاجتماعي،  داخل بنية العلاقات المتجسدة بشكل واضح غير قابل للالتباس، أو حتى التداخل . ومن هنا تتبلور حالة التشاكل الموضوعي، الذي ترصّدَه كارل ماركس حول أوضاع القوى العاملة داخل المجتمع، إذ لم يكن العمال في تلك الحقبة قد تحصلوا على مكانتهم الفاعلة والمؤثرة، حيث الثورة الصناعية في مخاضها الذي لم تتحدد ملامحه بعد . لا سيما وأن الهيمنة والسيطرة،  كانت للاتجاهات الفردية التي كرّسها الطابع الرأسمالي.
أدلجة التاريخ
عاشت النزعة التاريخية،  جملة من التحولات في صميم الموجهات الأساسية التي تدفعها . حتى كان المطلق الأخلاقي الذي جسده الروح الديني، ليظهر في مرحلة لاحقة فكرة التقدم، التي قدمتها فلسفة الأنوار. فيما جاءت حتمية انتصار الروح المطلق،  التي صاغها هيغل . حتى جاء ماركس ليترسم معالم المادية التاريخية، ليعقبه التيار الغربي الذي جعل من الحاجة الإنسانية، كعامل حسم في تحديد معالم النزعة التاريخية،  وموجّهاتها الفكرية . ومن هذه التحولات يمكن الوقوف على هذا الاختلاط في توجيه مسار وعي التاريخ، حيث سيادة عنصر التوجيه على حساب الفعل الاجتماعي، وطبيعة التفاعل مع الواقع.
يتبدى رفض الذاتي من خلال التأكيد على فكرة الحرية،حيث السعي نحو مواجهة القوى المختلفة، التي فرضت حضورها على مستوى العلاقات . وإذا كانت البرجوازية قد تمثلت فيها معالم النزوع الفردي ،فإن البديل الذي وضع فيه الأمل والمتمثل بالعمال، ساد فيه المحتوى الذاتي باعتبار حث التوجه نحو توكيد الحضور،  على حساب طبقة كانت لها السيادة . وبقدر ما يكون التنظير وقد احتوى المزيد من المدركات الموضوعية، فإن ملامح الذاتية تبقى تفرد بحضورها من خلال ما يمكن ترصده في الممارسة . ولا يتوقف أمر التمييز عند مجال المقارنة،  القائم عند النظرية والممارسة فقط.  بل أن الممارسة بذاتها تفصح عن المزيد من توجهات الهيمنة، الصادرة عن لدن البديل الموضوعي المفترض، لتكون الذاتية وقد أفصحت عن حضورها القوي من خلال العمل السياسي. حيث التطلع نحو الربط الصارم والقوي،  ما بين الإنسان والمادة.  و توكيد الوشيجة ما بين الإرادة والعقل . لتكون النتيجة  تصدر الشمولي بالنسبة لمسار التاريخ، وما تفرضه الضرورة من حيث التقاء المصالح الطبقية  .
وإذا كان التنظير الماركسي قد جعل من الطبقة العاملة،  بمثابة المثل الأعلى الذي تفرضه أسس التطور التاريخي . فإن الواقع يبقى فيصلاً شديد الحضور، في ترسيم معالم النظرة الواقعية النابذة لترسيخ قيم القداسة على فئة اجتماعية على حساب أخرى . بل أن الممارسة  ذاتها تكشف وبدقة لا تحتاج إلى المزيد من الملاحظة، إلى أن العمال لا يمكن أن يرتقوا الى التطابق مع المصالح الذاتية، إذا كانوا فاقدين لحرية الإرادة.([29])
البحث في مجال الفعالية الاجتماعية، كان مدارا قابلاً للاشتغال من قبل العديد من المنظرين،  المنظوين في تفسيرات المدرسة الماركسية . حتى أن ملامح التفعيل المتطلع نحو الخلاص من الاستغلال،  إنما يقوم على الوعي بالذات، من خلال الانخراط في تجليات الحياة الحزبية . هذا بحساب ترسيم معالم الدور،  وتحديد مجال الحافز المتطلع نحو تحقيق التحرر . والواقع أن الدور يبقى ارتباطه بالفاعلين الاجتماعيين،الحاملين لبذور الوعي الذاتي  . حيث الاستناد إلى الموجّه، المستند إلى الرابطة الحزبية المركزة قوامها،  في صميم اتجاه التاريخ . لكن هذا الاتجاه المرسوم للتاريخ، لا ينفك عن إنتاج المزيد من الشمولية . حيث التكريس لمجال الفعل الثوري،  من أجل إنجاز مهمة التحول التاريخي.
المصائر والغايات
حالة التعدد التي يفرضها الوعي، بوجود الطبقات وحالة الصراع القائم فيما بينها . جعلت من الفكر الماركسي يتوجه نحو ردم المجال،  الذي تخوض فيه الطبقات، والعمل على خلق مجتمع موحّد . إلا أن هذا التوحيد لم يكن ليؤذن به، دون الاستناد الى فكر ثوري، تكون أداة التفعيل فيه الحزب، باعتباره الفاعل الرئيس في حفز التحول التاريخي. وإذا كانت التطبيقات الماركسية قد وقفت على معنى التنظيم الحزبي، باعتباره وعياً للذات، وإمكانية توفير مساحة التأثير في صميم الصراع الطبقي، من خلال تجسيد الوعي للنخبة الثورية، وقيادتها للطبقة المهمشة، والعمل على خلق نموذج المجتمع اللاطبقي، الساعي نحو الحرية.
ومن واقع التمثلات وحالة التشديد على المضمون الصراعي، يتبدى الاتجاه الثوري المنغمس في توجيه مسار الفعل، انطلاقا من توكيد الفاعلين التاريخيين.  والعمل على فصلهم عن مجمل التفاعلات التي تبرزها تطلعات الجماهير،  أو حتى التوجهات الحزبية المباشرة . ومن هذا المعطى كان تركيز الجهود نحو تصعيد المواجهة ضد العدو، الذي تم تشخيصه . والدأب على ضربه بكل قوة،  من خلال الاستناد الى شعار مقارعة الإمبريالية، وضرب محتواها الذي تجسد  في الأنظمة السياسية، التي ارتبطت مصائرها بعجلة المصالح الذاتية  . المتعلقة بالسلطة على حساب طموحات وآمال المجموع .([30])
لقد أفرزت هذه التوجهات،  عن المزيد من الانغماس في رومانسية التضحية.  إلى الحد الذي برز فيه التقاطع مع تفاعلات المجموع، الذي صار الادعاء بتمثيله والدفاع عن مصالحه. بل تخطاه ليكون بالضد مع التوجهات الحزبية والتنظيمية،  المؤكدة على قيم الانضباط والانخراط في تجليات الأوامر والنواهي . ومن هذا الواقع الخاضع تحت لوثة التوتر،  يكون الفقد في الترصد والملاحظة وقد بلغ أقصاه . خصوصاً وأن تكريس الادعاء،  بالدفاع عن مصالح الجماعة. عمل على توسيع دائرة الفقد،الى الحد الذي طغى الحماس حداً، غابت فيه ترصدات الواقع. ما نجم عنه فقدان في قدرات المواجهة.  لتكون النتيجة الخذلان والخسارة والذواء.
لم يقف الأمر عند هذه التوجهات فقط، بل أن البعض من التجارب سرعان ما انخرطت في تجليات السلطة، فتحت شعار الثورية و النقاء النضالي، تمكنت النخب الثورية من الوصول إلى سدة الحكم،،لكنها تحولت إلى  أدوات ووسائل للقمع والاضطهاد،  تحت دعوى حماية مكاسب الثورة.
واقع الممارسة كان يكشف عن مكمن الخلل،حيث الانقطاع الملفت،  ما بين الشعارات التي تم تجييش المجموع من أجله،  دون أن تتوافر الشروط الموضوعية لهذا الاتجاه . حتى كان الاستبدال المشوه والقائم على مجتمع بلا طبقات.  لكن البديل كان قد تبدى في سلطة دكتاتورية لا ترعوي من التطلع نحو توسيع سطوتها وهيمنتها، والتأسيس لتورم جهازها النخبوي، ليكون النقد في صلب النظام الاجتماعي والوجود، حيث الغياب لملامح التغير، والتصنيف بناء على دور الفاعل الاجتماعي،والعمل على إلغائه وتهميشه.([31])
إنتاج الهيمنة
النزاع في الموقف السياسي المباشر،كان قد فرض بحضوره عند المجال المعرفي الذي أسست له الماركسية . ولعل نطاق الممارسة النظرية يكشف عن التقاسم الملفت الذي برز في صلب مضمون الأممية الثانية، التي نادى بها أنجلز . حيث الاستناد الى رسوخ المقومات المتفاعلة ما بين الاشتراكية والديمقراطية والعلم. حتى كان التمثل للمعنى النظري،  الذي شمل المزيد من الأحزاب الاشتراكية في أوربا الغربية، والتي صارت تدعى ((الاشتراكية الدولية)) .
والواقع أن الملمح الثنائي النظري،  كان قد توقف عند معطى الاشتراكية،  باعتبارها البديل الموضوعي، عن فقدان الرأسمالية الإمكانات والقدرات في التواصل .فيما يكون الفعل الاجتماعي وقد تركز الأمل عند، ترصده في المجال الذي سيحظى به العمال (البروليتاريا)، باعتبارهم قوة العمل  الفاعلة والأكيدة القادرة على قيادة المجتمع.([32])
لكن هذا التوزيع الموغل في الثنائية،  سرعان ما وقع في حالة الانقطاع مع الوعي بالتاريخ.  هذا بحساب التمركز عند المجال الزمني، المستند إلى الماضي الذي تتمثل فيه الرأسمالية.  والمستقبل الذي تم غرس الاشتراكية عنده .ف يما يكون الإسقاط لأثر الحاضر،  الذي لا يمكن إغفاله أو حتى التغاضي عنه . ومن واقع عقد الآمال والانغماس في ترسيم معالم المستقبل . يكون الرجاء وقد انعقد عند مجال استثمار الفوز،  الذي يعبر عنه في المضمون الاقتصادي . ومحاولة عقد الرجاء في الدور،  الذي يمكن أن يضطلع به الفاعلون الاجتماعيون . والذين يتم توصيفهم بالعمال، باعتبار قدرتهم على قيادة المجتمع، كبديل عن المستثمرين الساعين نحو توطيد مصالحهم الذاتية .
من هذا المضمون العقلي، حيث الموجهات تكون خاضعة وبقدر كبير،  إلى حوافز التنظير. يكون التقاطع مع فحوى وقيمة الممارسة، والتي يكشف عنها مجال السياسة،حيث الاضطلاع بتصنيع القرار. فعلى سبيل المثال كان للموقف الذي اتخذته الأحزاب الاشتراكية الدولية، من الحرب العالمية الأولى قد جعل من لينين يعمد إلى الإعلان عن الأممية الثالثة . التي جسدت مميزات التنظير لتجربة السوفيتات منذ عام 1917. ليكون التنامي لسطوة الحزب ونخبته الحاكمة، على حساب الجماهير العريضة والواسعة، التي تألف منها الاتحاد السوفيتي. فالتوجيه كان الحاضر الأهم وسط دنيا العيش،حتى كان الإقفال، وقد توسع إلى الحد الذي طغى على مجمل الفعل الإنساني، حتى تعرض الى التعطيل والتوقف . ومن واقع التمثلات الناقصة والمجزوءة لاختلاط التنظير والممارسة،  تعرضت الإرادة الجماعية إلى الاستنفاذ.  من خلال فقدان المحتوى وضياع القدرات الذاتية، إلى الحد الذي لم تستطع فيه خلق الاستجابة الفاعلة.   من أجل مواجهة التحديات، التي لا تعرف الانقطاع أو التوقف.





[1] Frederic Harrison ,The Meaning of History and Other Historical Pieces, New York,  Macmillan and Co, 1908,p 342.

[2].  ميشيل فوكو، حفريات المعرفة،  ترجمة سالم يفوت، بيروت ـ  المركز الثقافي العربي، 2005، ص 8.

[3] Carole Fink, Marc Bloch: A Life in History ,Cambridge University Press, 1989,p 39.

 [4] . فيليب أرياس، تاريخ الذهنيات، من كتاب  التاريخ الجديد، إشراف جاك  لوغوف، ترجمة محمد الطاهر المنصوري،بيروت ،  المنظمة العربية للترجمة،   2007، ص 280.

[5] . ميشي فوفيل، التاريخ والأمد الطويل، من كتاب التاريخ الجديد، المصدر السابق، ص 165.

[6]. بيل أشكروفت وآخرون، الرد بالكتابة، ترجمة شهرت العالم، بيروت ،  المنظمة العربية للترجمة،  2006، ص 89.

[7] . M.I. Finley, The Use and Abuse of History , Publisher: Hogarth, 1975, p 74.

[8] . Simon Scham,  Dead Certainties, Publisher Granta 1991,p 36.

[9] Keith Windschuttle,  The Killing of History ,Macleay Press 1994,p 23.

[10] . Thucydides, The History of the Peloponnesian War, Translated By Steven  Lattimore, New York ,Random House, 1982.

[11] Allen Johnson, The Historian &  Historical Evidence, New York,  Charles Scribers Sons, 1930, p50.

[12]  . محمد الحداد، حفريات تأويلية في الخطاب الإصلاحي العربي، دار الطليعة ، بيروت 2002، ص 10-11.

[13]  . مطاع صفدي، نقد العقل الغربي الحداثة مابعد الحداثة، بيروت ،  مركز الإنماء القومي،  1990، ص 267.

[14] . برتران بادي، انقلاب العالم ، ترجمة سوزان خليل، القاهرة ،  كتاب العالم الثالث،  1998، ص 54.

[15]عبد الغفار شكر ، المجتمع الأهلي ودوره في بناء الديمقراطية،دمشق،  دار الفكر ،  2003، ص 33.

[16]  . جون ألستر (( محرر)، الدستورية والديمقراطية ، ترجمة سمير عزت،عمان ،  دار النسر،  1998، ص 96.

[17] . برهان غليون ، المحنة العربية، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ،  2003، ص 105.

[18] عبد الله العروي، مفهوم الدولة ،بيروت ،  المركز الثقافي ،  2001، ص 53.

[19] برتران بادي، الدولتان ، ترجمة نخلة فريفر، بيروت ،  المركز الثقافي،  1996، ص 146.

[20] السيد ياسين، الحوار الحضاري، القاهرة ،  دار نهضة مصر،  2005، ص 61.

[21]  .  أنطوني جيدنز، بعيدا عن اليسار واليمين، ترجمة شوقي جلال، الكويت ،  سلسلة عالم المعرفة،  2002، ص 63.
[22] محمد عابد الجابري، وجهة نظر، بيروت ،  مركز دراسات الوحدة العربية،  2004، ص 179.

[23] جان فرنسوا بايار، أوهام الهوية ، ترجمة حليم طوسون، القاهرة ،  كتاب العالم الثالث،  1998، ص 96.

[24] لاري دايموند، الثورة الديموقراطية ، ترجمة سمية فلو عبود، لندن ، دار الساقي، 1995، ص 28.

[25] محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر،بيروت ،  مركز دراسات الوحدة العربية ،  1997، ص 94.

[26] بيتر تيلور، الجغرافية السياسية لعالمنا المعاصر، ترجمة عبد السلام رضوان،الكويت  سلسلة عالم المعرفة،  2002، ص 167.

 [27]   . بيار أنصار، العلوم الاجتماعية المعاصرة، ترجمة نخلة فريفر، بيروت ،  المركز الثقافي،  1992، ص 105.
[28] سمير الخليل وآخرون ، التسامح بين شرق وغرب، ترجمة إبراهيم العريس، لندن،  دار الساقي، 1992، ص 52
[29] ألان تورين، ماهي الديموقراطية ، ترجمة حسن قبيسي،لندن ،  دار الساقي،  1995، ص 162.

[30] ألان تورين ، نقد الحداثة ، ترجمة أنور مغيث، القاهرة ،  المجلس الأعلى للثقافة ،  1997، ص 159.

[31] برهان غليون، المحنة العربية ، المصدر السابق، ص 73.

[32] السيد ياسين، المصدر السابق، ص 77.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق