ما بعد الكورونا: نحو تضامن عالمي جديد - كاظم الموسوي - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الثلاثاء، 31 مارس 2020

ما بعد الكورونا: نحو تضامن عالمي جديد - كاظم الموسوي


قدم فايروس الكورونا المستجد بانتشاره السريع والواسع دروسا كثيرة، وظهر في الجائحة امام الجميع، متمكنا من الوصول وتسجيل أحداث قاسية ومؤلمة، كشفت ما تسترت عليه السياسة الدولية ومنظماتها الى درجة لم تعد قادرة على البقاء على الحال الذي سبقها أو توفرت فيه حاليا، وتبينت آثارها على جميع الصعد والمجالات، ولا سيما في العلاقات والنظم والتوجهات. وباتت الجائحة في الأغلب امتحانا عسيرا وصعبا، اختبرت فيه المشاريع والبرامج والنظريات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولابد من إعادة نظر في كل ما وصلته الجائحة ودقت اجراس الانذار فيه. بلدانا وشعوبا، تحالفات ومنظمات، تيارات واتجاهات. كما فعل الفايروس وأعلن جائحته. فمثلا في علاقات الدول قد يكون مفاجئا أن ترى أو تسمع رئيس دولة أوروبية ينتقد بشدة عدم تعاون دول أوروبا والغرب عموما مع بلاده وشعبه، ولا سيما في قضايا إنسانية وضرورية، ويمدح دولة آسيوية قدمت ما يتطلبه الوضع الحالي. وصار معروفا انه رئيس جمهورية صربيا، الكسندر فوتشيتش، وفي أقواله شجن وغضب والم وموقف جديد سينمو بعد الكورونا بالتأكيد، وليس في بلده وحده. كاشفا بأقواله وأفعاله فشل النظام الرأسمالي الغربي الذي أراد بعولمته تجاوز الحدود والأنظمة في إطار النيو ليبرالية وقوانينها الاجتما- اقتصادية والسياسية. قال: لقد أدركت أن التضامن الدولي غير موجود، التضامن الأوروبي غير موجود، كانت تلك قصة خيالية على الورق. لقد بعثنا رسالة خاصة إلى الدولة التي يمكن أن تساعدنا وطلبت منها كل شيء. وفعلا ردت الصين فورا بالايجاب، وارسلت ما استطاعت.
اضاف هذا الرئيس في استقباله بنفسه للوفد الطبي الصيني القادم لبلاده لتقديم المساعدات الطبية والانسانية، الكثير من الاحترام والتقدير أو في إيضاح للموقف الجديد، لا سيما وهو يقبّل العلم الصيني بعد علم بلده. أنها صورة جديدة في العلاقات الدولية والنظام العالمي قدمتها جائحة الكورونا. وتجربة تحمل دروسا وعبرا لليوم والغد. حيث تعكس تحولات جغرا سياسية. بالتأكيد، لا تمر بسهولة أو مرور الكرام كما يقال.
والاكثر صراخا وصراحة نراه في ايطاليا، فالصور الرسمية والشعبية التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة تكشف أزمة حادة، ليس في ايطاليا وحدها، وهي العضو المؤسس في الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي/ الناتو، ومجموعة الدول العشرين وتكتل الدول السبع الاكبر والاكثر ثراءا في العالم واحد أعمدة النظام الرأسمالي في أوروبا، يصرح مسؤولون فيها أن سلطاتهم فشلت في الحصول على مساعدات طبية ومعدات مطلوبة من حكومات الغرب التي ينتمون لها. وانهم في حالة حرب وأزمة صعبة، بينما انهالت على بلادهم المساعدات من اسيا، من الصين وروسيا، ومن الشمال البعيد، من كوبا، البلد الذي تحاصره امريكا والغرب الرأسمالي عموما طيلة عقود من الزمن. ويلفت الإنتباه هنا ما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة من فيديوهات تصور مثلا محافظا لمحافظة انزل علم الاتحاد الأوروبي من باب المحافظة ورفع مكانه العلم الروسي، كما فعل مواطنون بانزال علم الاتحاد الأوروبي في وسط شوارع العاصمة روما ورفعوا العلم الاحمر، الصيني بدلا منه. صور لافتة بلا شك ولها معناها ودلالتها وتدعو إلى انتظار الخطوات القادمة، الان وبعده. إذ أنها ليست لقطة سينمائية عابرة بل إنها ترسم تحولا وتقول واقعا جديدا، ليس في ايطاليا وحدها. وتأتي بعدها صورة استقبال الوفد الطبي الكوبي والاحتفاء به، حيث لو عدت نسخها الموزعة لفاقت ما لا يمكن توقعه أو كل التوقعات الالكترونية منها. مرفقة بخطاب الرئيس الكوبي الراحل فيديل كاسترو في تقديم المساعدات الإنسانية ورفض العدوان والأسلحة المدمرة. وهذه لها دلالاتها وتأثيراتها المعنوية والمادية التي تتفاعل وتسهم في القرارات والرأي والإتجاه.
رسالة المواطنة الايطالية هي الاخرى، قاسية برقتها وغاضبة بحقائقها وغنية بحزنها وصريحة بألمها وبليغة بأوجاعها. السيدة الايطالية لم تخف ما حصل أو تصمت عليه. حددت بالاسماء وقالت بصوت شعبها وأثارت معنى أن تكون ايطاليا في الاتحاد الأوروبي ودولة غربية في هذه المحنة، الجائحة.
نادت السيدة الايطالية الرؤساء الاوربيين: شكرا لانكم تخليتم عنا في وقت حاجتنا. شكرا لرفضكم إمكانية منحنا مجرد كمامات بسيطة، وأشياء أخرى لمساعدتنا على مقاومة انتشار الفيروس. كنا سندفع لكن ثمنها.. هل تعلمون ذلك؟. وتخاطبهم باسم الإيطاليين: نحن الإيطاليون منحناكم معنى الفن والثقافة.. وتعدد ما قدمت إيطاليا للعالم. وفي مخاطبتها للرئيس الامريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون: شكرا لانكما فعلتما كل ما بوسعكما لعزلنا بدل مساعدتنا. وتستعيد معهما تاريخ لانجازات والعطاءات الايطالية.. واسماء العديد من المبدعين. وتصل إلى ذروة اللوعة والألم: اسمعوا يا اعزائي، حين نذكر اسم ايطاليا يجب عليكم أن تقفوا على قدميكم وتطأطئوا رؤوسكم.. وتختم بوجع: لن نستقبل باذرع مفتوحة الا من ساعدنا وقت الحاجة. وشكرا من سيدة إيطالية.
تصاعدت تصريحات المسؤولين والسياسيين في إيطاليا في معالجة الجائحة والعجز في مواجهتها والنقاش في الأسباب الرئيسية والسياسات التي اوصلت البلد الى هذه الأزمة القاتلة، حيث تتزايد اعداد الموتى بسببها وتغلق البلاد بلا امل. ذكر الأمين العام للحزب الشيوعي الإيطالي، ماركو ريزو، إن "الحالة المأساوية التي تشهدها إيطاليا هذه الأيام تبين بوضوح كيف تم تفكيك دولة الرفاهية والرعاية الصحية العامة في بلدنا خلال السنوات الثلاثين الماضية، منذ سقوط جدار برلين واختفاء الاتحاد السوفياتي". وأكد ريزو أنه "خلال هذه الأوقات الصعبة للغاية بالنسبة للشعب الإيطالي اختفى الاتحاد الأوروبي حرفياً، ووصل التضامن إلى إيطاليا من دول مثل كوبا وفنزويلا وفيتنام والصين، التي تنتهج نهجاً مختلفاً عن الاتحاد الأوروبي". وأكد من جديد موقف حزبه بأنه "بعد حالة الطوارئ الصحية، يتعين على إيطاليا الخروج من منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، في حين يجب إلغاء الإنفاق العسكري غير الضروري".
هذه الأفكار هي انعكاس للواقع الجديد والتطورات الميدانية، ومؤشرات إعادة وعي وادراك إنساني عام للمهمات الجديدة المطلوبة لإعادة عمران الإنسان والبلدان. وهي الصورة الجديدة لما بعد الكورونا، رضينا بذلك أم رفضناه. قبلناه اختيارا ام صمتنا اضطرارا عليه، لا احد يقف اليوم بطوله وينكر خطأ التوجهات السابقة وفشلها، ولابد من منهج استراتيجية تضامن عالمي جديد، تتجسد فيه القيم الإنسانية وآمال الشعوب على المعمورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق