قرأت للأستاذ هاشم صالح
مقالاً في صحيفة الشرق الاوسط وكان بعنوان ” الثورة الحقيقية… تفكيك العقليات
التراثية ” ، والذي يتحدث فيه عن ضرورة تفكيك الافكار العربية التي انتجت لنا داعش
والنصرة والقاعدة .. ويذهب بنا في سياحة حول مصطلح التفكيك الذي يعد اليوم واحدا من
أهم المصطلحات في تاريخ الفلسفة المعاصرة. وكان أول من اخترعه هيدغر قبل أن يأخذه
عنه جاك دريدا ويقول هاشم صالح :” ومعلوم أن الفلاسفة الكبار هم وحدهم القادرون
على اختراع المصطلحات الكبرى التي تضيء تاريخ الفكر وتشق دياجير الظلمات. مصطلح
واحد قد يضيء لك الدنيا. بل إن أبوة المصطلح تعود إلى نيتشه أستاذ هيدغر ودريدا في
آن معاً. ومعلوم أنه لم يكن يتفلسف إلا والمطرقة في يده بغية تحطيم الأوثان
والأصنام: أي العقائد الدوغمائية المتحجرة الموروثة عن الماضي، وكذلك الشخصيات
التراثية التي يبجلها الناس ويخضعون لها دون نقاش ” ، هكذا يظهر نيتشه من جديد
بشاربه الكث وعينيه المجهدتان ونظراته الحائرة ، وهذه المرة المطرقة بيده متوعدا .
في هذه الصفحة كتبت كثيرا عن نيتشه ، حتى ان البعض من القراء الاعزاء اتهمني
بالترويج للتطرف والعنصرية ، ومثلما تعرض المقال عن نيتشه الى نوع من سوء الفهم
للاسف ، تعرض نيتشه ايضا الى سوء الفهم هذا حين كتب عنه برتراند رسل في كتابه ”
تاريخ الفلسفة الغربية ” من انه ” لم يخترع نظريات جديدة ” ، وان تاثيره محدود ذلك
ان :” اتباعه كان لهم وقتهم ، ولكن لنا أن نامل في ان تكون النهاية مقتربة بسرعة ”
، وقد اثبتت الايام أن نبؤة برتراند رسل لم تتحقق على ارض الواقع ، فمنذ رحيله عام
1900 ونيتشه لايزال يمتلك القدرة على اثارة النقاش حوله ، فمنذ نهاية الحرب
العالمية الاولى ونيتشه ياخذ مكانه باعتباره واحدا من الممهدين للفلسفة الوجودية ،
فيما اعتبره علم النفس الحديث احد اعمدته الاساسية ، فهو قد ادرك قبل فرويد مدى
تحكم تجارب الخيبة والقلق العميقة الغور ، والتي لا يشعر بها الفرد عادة ، في
اتجاهاته البايولوجية والدينية منها والسياسية . ولعل الميزة الكبرى في كتابات
نيتشه انها مرتبطة بنقد جذري للدين والفلسفة والعلم والاخلاق.
واذا كان الفيلسوف
الالماني الكبير هيغل قد قام بمحاولة كبرى لفهم تطور الفكر الاوربي ، فان نيتشه صب
مجمل اهتمامه على مواجهة الماضي ، برفض قاطع لا تهاون فيه ، ولهذا نجد نيتشه
الفيلسوف دائما ما يتخفى بثياب ناقد الثقافة والنذير السري والنبي ذي الكلمة
العنيفة ، فهناك أقنعة تخفي صورة نيتشه الحقيقية ، هذه الصورة التي تعرضت لتحولات
كثيرة . فقد صور نيتشه من كافة الاطراف على انه المشخص الفذ لانحطاط الثقافة
واشادو بنفاذ الفكر لديه ، وكيف انه يواجه بشراسة كل ما هو مريض وفاسد ، ونظر اليه
البعض على انه محلل سايكلوجي من الطرازالاول ، فينا اعتبر اخرون ان كتاباته تحسن
قراءة الزمن الآتي والتنبؤ بالمستقبل ، فيما يصر الجميع على اعتباره شاعرا عظيما
.. وبعتبره البعض مرشدا للفلسفات العرقية والعنصرية يكتب جورج لوكاش ان نيتشه وفر
للامبريالية الطريقة التي كانت تحتاج اليها للتطور ..يقول نيتشه عن نفسه :” اني
اكثر الذين يتخفون خفاء ” . اننا جميعا نبحث عن فلسفة نيتشه التي تموهها كتاباته ،
كما تخفيها شخصيته الأخاذة التي تجتذب اليها كل يوم الاف المعجبين .. لكن وسط هذه
الصور العديدة والتفسيرات يخبرنا نيتشه انه صاحب رسالة وانه رجل الاقدار :” اني اعرف
قسمتي .. سوف يأتي يوم تعلق فيه باسمي ذكرى حدث ضخم ، ذكرى ازمة وحيدة في تاريخ
الارض . ذكرى اعظم تصادم بين الضمائر ، وقرار صادر ضد كل ما كان حتى ايامنا موضع
اعتقداد وضرورة وتقديس . لست انسانا بل حزمة متفجرات ” – عن كتاب هذا هو الانسان – .
لعل السؤال الذي ظل يشغل تفكير نيتشه في سنواته الأخيره هو : إذا مات الإله، ماذا سيأتي بعده؟ وكان جوابه الصادم انه أنه غادرنا دون أن يترك أي أساس للأخلاق.. وكان نيتشه يرى ان اعظم حدث في الازمنة الحديثة هو ان الله مات ، وان ذلك الايمان بالاله المسيحي صار لاقيمة له ، واعتقد نيتشه ان تلك الرسالة التي اعلنها تحتاج الى قرون حتى تصير جزءا من التجربة الاوربية ، ولكن قبل ذلك ستفقد القيم التقليدية قوتها ، وستصير العدمية واقعا . وقد راى نيتشه ان العدمية نتيجة محتومة لافلاس القيم والمثل العليا .فسقوط القيم والكشف عن طبيعتها الخرافية دفعانا الى الدخول في فراغ لم نختبره من قبل ، وراى نيتشه ان نقطة التحول التاريخية حانت : اما ان يغرق الانسان في بربرية حيوانية او يتغلب على العدمية .غير ان العدمية لايقضى عليها إلا اذا عيشت حتى رمقها الأخير وتحولت من ثم الى ضدها ، كان نيتشه يريد ان يفتح الطريق امام شيء مجهول ، سوف ياتي ، لذا فانه في هذا المجال يقترب من باسكال وكيركغارد ودستويفسكي ، فهم جميعا تركوا علامات على تغيرات في احوال الانسانية ، في ازمنتها الكبرى كما يؤكد كارل ياسبرز .
لعل السؤال الذي ظل يشغل تفكير نيتشه في سنواته الأخيره هو : إذا مات الإله، ماذا سيأتي بعده؟ وكان جوابه الصادم انه أنه غادرنا دون أن يترك أي أساس للأخلاق.. وكان نيتشه يرى ان اعظم حدث في الازمنة الحديثة هو ان الله مات ، وان ذلك الايمان بالاله المسيحي صار لاقيمة له ، واعتقد نيتشه ان تلك الرسالة التي اعلنها تحتاج الى قرون حتى تصير جزءا من التجربة الاوربية ، ولكن قبل ذلك ستفقد القيم التقليدية قوتها ، وستصير العدمية واقعا . وقد راى نيتشه ان العدمية نتيجة محتومة لافلاس القيم والمثل العليا .فسقوط القيم والكشف عن طبيعتها الخرافية دفعانا الى الدخول في فراغ لم نختبره من قبل ، وراى نيتشه ان نقطة التحول التاريخية حانت : اما ان يغرق الانسان في بربرية حيوانية او يتغلب على العدمية .غير ان العدمية لايقضى عليها إلا اذا عيشت حتى رمقها الأخير وتحولت من ثم الى ضدها ، كان نيتشه يريد ان يفتح الطريق امام شيء مجهول ، سوف ياتي ، لذا فانه في هذا المجال يقترب من باسكال وكيركغارد ودستويفسكي ، فهم جميعا تركوا علامات على تغيرات في احوال الانسانية ، في ازمنتها الكبرى كما يؤكد كارل ياسبرز .
بالنسبة لنيتشه، فتح
موت الإله إمكانيات جديدة للإنسانية. إنها مرعبة و منعشة معا. كان الجانب السلبي
هو عدم وجود أمان و لا قواعد تنظم العيش و الوجود. حيث كان الدين يمنحنا المعنى
وحدود الفعل الأخلاقي، جعل غياب الإله كل شيء ممكنا و أزال كل الحدود. كان هذا
الامر من وجهة نظر نيتشه يعني أنه يمكن للأفراد أن يخلقوا قيمهم الخاصة. يمكنهم أن
يحولوا حياتهم إلى معادل للأعمال الفنية و ذلك بتطوير أسلوب للحياة خاص بهم.
كان نيتشه يرى أنه حالما تقبل أن الإله غير موجود، لا يمكنك فقط أن تتشبث بالرؤية المسيحية للصحيح والخطأ. سيكون ذلك خداع للذات. القيم التي ورثتها هذه الثقافة مثل قيم الشفقة و اللطف والتقدير تجاه الناس الآخرين يمكن وضعها موضع تساؤل. كانت طريقته في فعل ذلك هو البحث في أصول هذه القيم.
يكتب كارل ماركس ” ان المسيح هو الوسيط الذي ينقل اليه الانسان كل الوهيته الداخلية ، كل محدودياته الدينية ” .. فيما يكتب نيتشه في ” هكذا تكلم زرادشت ” : لقد مات جميع الالهة ، ونرغب الآن ان يعيش الانسان المجاوز ” ..
من بين جميع الادباء والفلاسفة كان هناك رابط خفي لكنه متين بين دوستويفسكي ونيتشه ، في كتابه عن نيتشه يؤكد الناقد ” يانكو لافرين ” انه من المعقول ان لايكون دوستويفسكي قد سمع باسم نيتشه .. لكن هل سمع نيتشه باسم دوستويفسكي ؟ كانت المرة الاولى عندما عثر نيتشه عام 1886 اثناء تواجده في مدينة نيس الفرنسية وبالصدفة في احدى المكتبات العامة على مؤلفات دوستويفسكي ..يكتب نيتشه في احدى رسائله الى احد اصدقاءه :” هل تعرف دوستويفسكي ، ما من احد غير ستندال استطاع ان يرضيني ويهزني بالصورة التي نجح هو بالقيام بها ، انه عالم نفسي ، أنا على وفاق معه ” .. وفي رسالة اخرى يبدي نيتشه اعجابه برواية ” منزل الاموات ” قائلا عنها انها اكثر الكتب الموجودة انسانية ،بينما كرر اعجابه برواية ” في قبوي ” واشار في رسالة اخرى الى أن روايات دوستويفسكي ” اثمن مادة نفسية عرفها وانه شاكر وممتن له ” ، وكان دوستويفسكي قد دعا الى تاكيد قيمة الذات الفردية التي حولها نيتشه فيما بعد ألى ارادة القوة ، فقد اعلن على لسان ايفان في ا” لاخوة كارامازوف ” ان الذات الفردية هي المنبع الرئيسي لافعالنا مهما بلغ سوء حظ الانسان ومهما اصابه الاذلال ..يكتب عالم النفس الفرد ادلر ان :” اي انسان حساس ممن احسوا بمدى تنبه دوستويفسكي الى ما تتضمنه النفس البشرية من ميل الى الطغيان لا بد له من الاعتراف بضرورة اعتبار دوستويفسكي حتى ايامنا هذه معلما لنا ، المعلم الذي حياه نيتشه ” . لا بد كذلك ان يكون نيتشه قد قرأ رواية الجريمة والعقاب ، ويجمع كتاب سيرة نيتشه ان سالومي الفتاة الروسية التي احبها نيتشه بجنون كانت هي التي دفعته الى معرفة الادب الروسي ..فالواقع ان معظم الموضوعات التي عالجها نيتشه ، كان دوستويفسكي قد كتب عنها شهادته ، فهو عالم نفس ومريض نفسيا ، ومن المؤكد ان فهمه للنفس البشرية قد ازداد عمقا بسبب طبيعته الخاصة ومرضه ، وما مر على حياته من تقلبات بين النجاح والاخفاق ، وهي الحياة التي وجد فيها نيتشه صدى لحياته ، وهناك سمة مشتركة بين الاثنين وهي ان اعمالهما جاءت نتيجة للصراع الداخلي الذي كلن يعيشانه ، فقد كان دوستويفسكي شكاكا غير مؤمن في داخله ،يصارع بشدة من اجل الايمان ، بينما كان نيتشه يحاول ان يستأصل آخر اثر ديني في داخله .. إلا ان الاهم بالنسبة الى نيتشه ودوستويفسكي هو ما يمكن ان نسميه الاهمية المطلقة للانسان في العالم والكون .. رفض دوستويفسكي ان يقبل بالوجود فارغا من رمز أعلى ، ومن هنا محاولاته في تخطي شكه كي يصير مؤمنا بالمعنى الحقيقي ، وفي حماسته للايمان ، اضطر الى استكشاف مسالة الله من زاوية المؤمن وزاوية الكافر ، ولهذا نجد ان دوستويفسكي يحاول التغلب على يأسه عن طريق التحول الى الدين ، الى الله … يصرخ دوستوييسكي إذا كان الله غير موجود ، فان كل شيء مباح ، لكنه في الوقت نفسه كان يعرف انه حتى إذا كان الله موجودا ، فان كل شيء يمكن ان يظل مسموحاً .. لن يوجد ضمير بدون الله حسب دوستويفسكي ، رغم انه كان يعرف انه بين اولئك الذين يعبدون الله كان الكثيرون منهم بدون ضمير.
كان نيتشه يرى أنه حالما تقبل أن الإله غير موجود، لا يمكنك فقط أن تتشبث بالرؤية المسيحية للصحيح والخطأ. سيكون ذلك خداع للذات. القيم التي ورثتها هذه الثقافة مثل قيم الشفقة و اللطف والتقدير تجاه الناس الآخرين يمكن وضعها موضع تساؤل. كانت طريقته في فعل ذلك هو البحث في أصول هذه القيم.
يكتب كارل ماركس ” ان المسيح هو الوسيط الذي ينقل اليه الانسان كل الوهيته الداخلية ، كل محدودياته الدينية ” .. فيما يكتب نيتشه في ” هكذا تكلم زرادشت ” : لقد مات جميع الالهة ، ونرغب الآن ان يعيش الانسان المجاوز ” ..
من بين جميع الادباء والفلاسفة كان هناك رابط خفي لكنه متين بين دوستويفسكي ونيتشه ، في كتابه عن نيتشه يؤكد الناقد ” يانكو لافرين ” انه من المعقول ان لايكون دوستويفسكي قد سمع باسم نيتشه .. لكن هل سمع نيتشه باسم دوستويفسكي ؟ كانت المرة الاولى عندما عثر نيتشه عام 1886 اثناء تواجده في مدينة نيس الفرنسية وبالصدفة في احدى المكتبات العامة على مؤلفات دوستويفسكي ..يكتب نيتشه في احدى رسائله الى احد اصدقاءه :” هل تعرف دوستويفسكي ، ما من احد غير ستندال استطاع ان يرضيني ويهزني بالصورة التي نجح هو بالقيام بها ، انه عالم نفسي ، أنا على وفاق معه ” .. وفي رسالة اخرى يبدي نيتشه اعجابه برواية ” منزل الاموات ” قائلا عنها انها اكثر الكتب الموجودة انسانية ،بينما كرر اعجابه برواية ” في قبوي ” واشار في رسالة اخرى الى أن روايات دوستويفسكي ” اثمن مادة نفسية عرفها وانه شاكر وممتن له ” ، وكان دوستويفسكي قد دعا الى تاكيد قيمة الذات الفردية التي حولها نيتشه فيما بعد ألى ارادة القوة ، فقد اعلن على لسان ايفان في ا” لاخوة كارامازوف ” ان الذات الفردية هي المنبع الرئيسي لافعالنا مهما بلغ سوء حظ الانسان ومهما اصابه الاذلال ..يكتب عالم النفس الفرد ادلر ان :” اي انسان حساس ممن احسوا بمدى تنبه دوستويفسكي الى ما تتضمنه النفس البشرية من ميل الى الطغيان لا بد له من الاعتراف بضرورة اعتبار دوستويفسكي حتى ايامنا هذه معلما لنا ، المعلم الذي حياه نيتشه ” . لا بد كذلك ان يكون نيتشه قد قرأ رواية الجريمة والعقاب ، ويجمع كتاب سيرة نيتشه ان سالومي الفتاة الروسية التي احبها نيتشه بجنون كانت هي التي دفعته الى معرفة الادب الروسي ..فالواقع ان معظم الموضوعات التي عالجها نيتشه ، كان دوستويفسكي قد كتب عنها شهادته ، فهو عالم نفس ومريض نفسيا ، ومن المؤكد ان فهمه للنفس البشرية قد ازداد عمقا بسبب طبيعته الخاصة ومرضه ، وما مر على حياته من تقلبات بين النجاح والاخفاق ، وهي الحياة التي وجد فيها نيتشه صدى لحياته ، وهناك سمة مشتركة بين الاثنين وهي ان اعمالهما جاءت نتيجة للصراع الداخلي الذي كلن يعيشانه ، فقد كان دوستويفسكي شكاكا غير مؤمن في داخله ،يصارع بشدة من اجل الايمان ، بينما كان نيتشه يحاول ان يستأصل آخر اثر ديني في داخله .. إلا ان الاهم بالنسبة الى نيتشه ودوستويفسكي هو ما يمكن ان نسميه الاهمية المطلقة للانسان في العالم والكون .. رفض دوستويفسكي ان يقبل بالوجود فارغا من رمز أعلى ، ومن هنا محاولاته في تخطي شكه كي يصير مؤمنا بالمعنى الحقيقي ، وفي حماسته للايمان ، اضطر الى استكشاف مسالة الله من زاوية المؤمن وزاوية الكافر ، ولهذا نجد ان دوستويفسكي يحاول التغلب على يأسه عن طريق التحول الى الدين ، الى الله … يصرخ دوستوييسكي إذا كان الله غير موجود ، فان كل شيء مباح ، لكنه في الوقت نفسه كان يعرف انه حتى إذا كان الله موجودا ، فان كل شيء يمكن ان يظل مسموحاً .. لن يوجد ضمير بدون الله حسب دوستويفسكي ، رغم انه كان يعرف انه بين اولئك الذين يعبدون الله كان الكثيرون منهم بدون ضمير.
إنّ أبطال دوستويفسكي
لا يمزقهم التردد بقدر ما يمزقهم اليقين بموت الله والرغبة المستمرة لوجود نظام او
قانون يعوض عن ذلك الغياب .
يكتب ه.د.لورنس ان ان حب دوستويفسكي للمسيح ” يمتزج بكراهية منحرفة مسمومة للمسيح ، وعداءه الاخلاقي للشيطان ممتزج بعبادة خفية للشيطان . ان دوستويفسكي دائما منحرف ، وعلى الدوام مفكر شرير وكاشف هائل ” .
تشكلت وجهة نظر دوستويفسكي للعالم وهو في سن التاسعة والعشرين من عمره ، بعد ان واجه حكما بالاعدام خفف فيما بعد الى النفي الى سيبيريا .. انه الآن يُلقي نظرة جديدة على الحياة والعالم فهذه مدينته بطرسبورغ تبدو اليوم : ” اكثر مدينة تربصا بالانسان على الارض .. انه يرى اليوم ان شيطان الثروة حقق سلطانه ، وان المواخير وبيوت الدعارة حلت محل الكنيسة .. انه يعلن الحرب ضد ما اسماهم ” ثاقبي الارض ” .
” اصبحوا ما أنتم عليه” ، وهو تعبير صاغه لأول مرة في وكان عمره 22 عاما . ولعل صنع الحياة الخاصة فكرة راودت نيتشه منذ ان كان في الثالثة عشرة من عمره ..مثلما راودت دوستويفسكي . في احدى رسائله التي كتبها نيتشه في مرحلة الشباب يطرح سؤالاُ وجوديا :” لماذا خُلقت .. اكيد انني لم أُخلق إلا لألاحظ انني خدعت عندما خلقت هكذا ” ، فيما اعتبر نيتشه الصراع مع الحياة هو الوسيلة الوحيدة للصمود والنمو .. فيما دعا دوستوفيسكي ايضا الى كفاح متواصل من اجل التاكيد على القيمة العليا للحياة . وقبل موته باشهر كتب دوستويفيسكي في يومياته انه حدث مرة ان التقى الانسان بالإله ، وسمى دوستويفسكي ذلك اللقاء ، اللحظة الحاسمة في تاريخ الجنس البشري .
في كتابه فلسفة نيتشه يكتب المفكر الالماني” يوجين فينك ” ان كراهية نيتشه الوحشية بل والشيطانية للمسيحية ، لا يفسرها إلا عدم امكانه التخلص منها ، ونقده للاخلاق ، ودعوته الى اللاخلاقية ، انما تفسر باستقامته المطلقة ، اما تمجيده للقوة ، فيرجع الى ضعف بنيته ، وسقم صحته ، فيما يعتقد كارل ياسبرز ان نيتشه يعبر عن ذاته الخاصة ، لكنه يريد ان يجعل من ذاته الخاصة ذاتا كلية :” انني ابحث كيف تكون ماساتي،ماساة عامة ” .
ان فلسفة نيتشه لا تخرج عن كونها تصويرا لماساة الحياة الحقيقية ، ولدور البطل في هذه الحياة ، الذي ينتصر على الآمها واحزانها ، وهو يختلف عن باقي البشر ، لكن هل هو نبي ، ام حكيم ، ام انسان فرد يبحث عن الحمكة في ذاته ؟ .
يعتبر نيتشه انه يوجد شران يمنعان من بلوغ الحكمة ويجعلان الحياة الانسانية ذميمة : الماضي والمستقبل . ان بقينا مشدودين الى الماضي نسقط في الاهواء الحزينة ونتردى في الحنين والاحساس بالاثم او نكون في المستقبل ، في الامل ، في المثل الآتي الأعلى الذي يجعلنا بالذات نفرط في الواقع ويمنعنا من الاقامة في الحاضر، واذا كان نيتشه يريد تحطيم الاوثان ، فليس فقط للتحطيم من اجل التحطيم ، بل لإعداد حكمة اخرى ، حكمة خاصة بالمصلحة ، حكمة تقول نعم للعالم ، تتصالح مع نفسها ومع العالم .
في هكذا تكلم زرادشت يذكر نيتشه ان في الماضي ، يتمثل التجديف ضد الإله ، ضد الدين ، ضد اوثان المؤمنين المقدسة .اما من هنا فصاعدا ، فسيقوم التجدبف في توجيه الاتهامات ليس ضد السماء، وانما ضد الارض :” ارجوكم بإلحاح ان تظلوا اوفياء للارض ، ولا تعتقدوا في ما يقوله البعض عن الامل الفوق ارضي “.
لم يعتبر راسكولنيكوف بطل الجريمة والعقاب موت الإله أمراُ مسلما به فحسب ، بل انه كذلك قسم الجنس البشري إلى صنفين ” نحبة ” من السادة ، اقوياء الى درجة تجعلهم قانونا بانفسهم ، في عالم لا إله فيه ، وقطيع من الناس العاديين الذين لا عمل لهم إلا ان يتلقوا الاوامر وان يؤمنوا ، وان يطيعوا .
يكتب نيتشه في اصل الاخلاق ، ان الانسان يُفضل ان تكون له إرادة العدم ، على الا تكون له إرادة بالمرة .
.حمل نيتشه المطرقة ليواجه بها المعتقدات الدينية والاجتماعية ، رفص الاله مثل ايفان كارامازوف عند دوستويفسكي ، بحماسة ، فايفان ثار بسبب آلام الاخرين ، بينما كانت ثورة نيتشه منصبة على الالم الذي فرض عليه مواجهته ، وكان من المفترض وهو المريض والعاجز ان يلتجيء الى الايمان من اجل العزاء والسلوى ، لكنه لم يكن على استعداد للاستسلام او الخضوع ، فقد اختار مثل ايفان طريق التمرد والعصيان ، وعلى حد تعبير اويغن فنك لم تكن كبرياؤه تسمح له بان يهز ذيله امام الله ، خاصة اذا عرفا انه كان يعتبر نفسه تدا له :” :” إذا كان هناك من آلهة ، فكيف اطيق إلا اكون إها ، اذن فليس هناك آلهة “
في روايات دوستويفسكي كما هو الحال في حياة نيتشه ، نشهد التفاعل الغامض بين الروح والمادة والفكر والعمل ، وشياطين العقل البشري ، والمرض البدني والاضطراب الروحي ، وألم المسيح الدائم مقابل معاداة المسيح . ونتذكر الرسالة التي كتبتها والدة راسكولنيكوف تدعوه فيها الى ان لايترك الصلاة لانها النجاة بالرسالة
يكتب ه.د.لورنس ان ان حب دوستويفسكي للمسيح ” يمتزج بكراهية منحرفة مسمومة للمسيح ، وعداءه الاخلاقي للشيطان ممتزج بعبادة خفية للشيطان . ان دوستويفسكي دائما منحرف ، وعلى الدوام مفكر شرير وكاشف هائل ” .
تشكلت وجهة نظر دوستويفسكي للعالم وهو في سن التاسعة والعشرين من عمره ، بعد ان واجه حكما بالاعدام خفف فيما بعد الى النفي الى سيبيريا .. انه الآن يُلقي نظرة جديدة على الحياة والعالم فهذه مدينته بطرسبورغ تبدو اليوم : ” اكثر مدينة تربصا بالانسان على الارض .. انه يرى اليوم ان شيطان الثروة حقق سلطانه ، وان المواخير وبيوت الدعارة حلت محل الكنيسة .. انه يعلن الحرب ضد ما اسماهم ” ثاقبي الارض ” .
” اصبحوا ما أنتم عليه” ، وهو تعبير صاغه لأول مرة في وكان عمره 22 عاما . ولعل صنع الحياة الخاصة فكرة راودت نيتشه منذ ان كان في الثالثة عشرة من عمره ..مثلما راودت دوستويفسكي . في احدى رسائله التي كتبها نيتشه في مرحلة الشباب يطرح سؤالاُ وجوديا :” لماذا خُلقت .. اكيد انني لم أُخلق إلا لألاحظ انني خدعت عندما خلقت هكذا ” ، فيما اعتبر نيتشه الصراع مع الحياة هو الوسيلة الوحيدة للصمود والنمو .. فيما دعا دوستوفيسكي ايضا الى كفاح متواصل من اجل التاكيد على القيمة العليا للحياة . وقبل موته باشهر كتب دوستويفيسكي في يومياته انه حدث مرة ان التقى الانسان بالإله ، وسمى دوستويفسكي ذلك اللقاء ، اللحظة الحاسمة في تاريخ الجنس البشري .
في كتابه فلسفة نيتشه يكتب المفكر الالماني” يوجين فينك ” ان كراهية نيتشه الوحشية بل والشيطانية للمسيحية ، لا يفسرها إلا عدم امكانه التخلص منها ، ونقده للاخلاق ، ودعوته الى اللاخلاقية ، انما تفسر باستقامته المطلقة ، اما تمجيده للقوة ، فيرجع الى ضعف بنيته ، وسقم صحته ، فيما يعتقد كارل ياسبرز ان نيتشه يعبر عن ذاته الخاصة ، لكنه يريد ان يجعل من ذاته الخاصة ذاتا كلية :” انني ابحث كيف تكون ماساتي،ماساة عامة ” .
ان فلسفة نيتشه لا تخرج عن كونها تصويرا لماساة الحياة الحقيقية ، ولدور البطل في هذه الحياة ، الذي ينتصر على الآمها واحزانها ، وهو يختلف عن باقي البشر ، لكن هل هو نبي ، ام حكيم ، ام انسان فرد يبحث عن الحمكة في ذاته ؟ .
يعتبر نيتشه انه يوجد شران يمنعان من بلوغ الحكمة ويجعلان الحياة الانسانية ذميمة : الماضي والمستقبل . ان بقينا مشدودين الى الماضي نسقط في الاهواء الحزينة ونتردى في الحنين والاحساس بالاثم او نكون في المستقبل ، في الامل ، في المثل الآتي الأعلى الذي يجعلنا بالذات نفرط في الواقع ويمنعنا من الاقامة في الحاضر، واذا كان نيتشه يريد تحطيم الاوثان ، فليس فقط للتحطيم من اجل التحطيم ، بل لإعداد حكمة اخرى ، حكمة خاصة بالمصلحة ، حكمة تقول نعم للعالم ، تتصالح مع نفسها ومع العالم .
في هكذا تكلم زرادشت يذكر نيتشه ان في الماضي ، يتمثل التجديف ضد الإله ، ضد الدين ، ضد اوثان المؤمنين المقدسة .اما من هنا فصاعدا ، فسيقوم التجدبف في توجيه الاتهامات ليس ضد السماء، وانما ضد الارض :” ارجوكم بإلحاح ان تظلوا اوفياء للارض ، ولا تعتقدوا في ما يقوله البعض عن الامل الفوق ارضي “.
لم يعتبر راسكولنيكوف بطل الجريمة والعقاب موت الإله أمراُ مسلما به فحسب ، بل انه كذلك قسم الجنس البشري إلى صنفين ” نحبة ” من السادة ، اقوياء الى درجة تجعلهم قانونا بانفسهم ، في عالم لا إله فيه ، وقطيع من الناس العاديين الذين لا عمل لهم إلا ان يتلقوا الاوامر وان يؤمنوا ، وان يطيعوا .
يكتب نيتشه في اصل الاخلاق ، ان الانسان يُفضل ان تكون له إرادة العدم ، على الا تكون له إرادة بالمرة .
.حمل نيتشه المطرقة ليواجه بها المعتقدات الدينية والاجتماعية ، رفص الاله مثل ايفان كارامازوف عند دوستويفسكي ، بحماسة ، فايفان ثار بسبب آلام الاخرين ، بينما كانت ثورة نيتشه منصبة على الالم الذي فرض عليه مواجهته ، وكان من المفترض وهو المريض والعاجز ان يلتجيء الى الايمان من اجل العزاء والسلوى ، لكنه لم يكن على استعداد للاستسلام او الخضوع ، فقد اختار مثل ايفان طريق التمرد والعصيان ، وعلى حد تعبير اويغن فنك لم تكن كبرياؤه تسمح له بان يهز ذيله امام الله ، خاصة اذا عرفا انه كان يعتبر نفسه تدا له :” :” إذا كان هناك من آلهة ، فكيف اطيق إلا اكون إها ، اذن فليس هناك آلهة “
في روايات دوستويفسكي كما هو الحال في حياة نيتشه ، نشهد التفاعل الغامض بين الروح والمادة والفكر والعمل ، وشياطين العقل البشري ، والمرض البدني والاضطراب الروحي ، وألم المسيح الدائم مقابل معاداة المسيح . ونتذكر الرسالة التي كتبتها والدة راسكولنيكوف تدعوه فيها الى ان لايترك الصلاة لانها النجاة بالرسالة
التي كتبها فرانزيسكا
نيتشه إلى ابنها : “إذا كنت فقط سعيدًا ، فعندها سنكون سعداء. هل تصلي لله ، كما
اعتدت ، وهل تؤمن بصلاح خالقنا ومخلصنا؟ أخشى في قلبي أن عدم الإيمان قد زارتك من
جديد. إذا كان الأمر كذلك ، أصلي من أجلك. تذكر ، يا عزيزتي ، في طفولتك ، عندما
كان والدك على قيد الحياة ، كيف كنت تصلي جالسا على ركبتي ، وكم كنا جميعًا سعداء
بذلك “.
يخبرنا دانيال بلو في
كتابه ” تشكيل فريدريك نيتشه ” ان صاحب “هكذا تكلم زرادشت عانى في شبابه من حالات
صرع دون أن يفقد وعيه.
في كل قراءة لنيتشه نتوقف عند سؤال : عما إذا كانت الحيرة بين الخير والشر التي ادت الى جريمة راسكولنيكوف ؟ ، هي نفسها التي حثت نيتشه ان يحمل المطرقة لتهديم الماضي ..فنيتشه هو اللحم والدم ، ليس لراسكولنيكوف او ايفان كارامازوف ، وانما الى فاوست ايضاً.
في كل قراءة لنيتشه نتوقف عند سؤال : عما إذا كانت الحيرة بين الخير والشر التي ادت الى جريمة راسكولنيكوف ؟ ، هي نفسها التي حثت نيتشه ان يحمل المطرقة لتهديم الماضي ..فنيتشه هو اللحم والدم ، ليس لراسكولنيكوف او ايفان كارامازوف ، وانما الى فاوست ايضاً.
علي حسين: كاتب ومؤلف عراقي مهتم بقضايا
الفلسفة والفكر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق