زنقة الطلبّان: رواية الأصوات المقموعة - طارق بوحالة - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأحد، 5 ديسمبر 2021

زنقة الطلبّان: رواية الأصوات المقموعة - طارق بوحالة

تحاول رواية زنقة الطليان للروائي الجزائري بومدين بلكبير الصادرة مؤخرا عن دار الاختلاف بالجزائر ودار ضفاف ببيروت 2021، أن تفتح حديثا عميقا عن حياة المهمشين الذين اختارت أن تجمع بينهم في زنقة الطليان، وهي حي شعبي من أحياء المدينة العتيقة المتواجد في قلب مدينة عنابة، وقد أعاد الروائي تشكيل هذا المكان فنيّا بهدف التعبير عن ملامح المدينة العتيقة "بلاص دارم"، 

تنصهر شخصيات زنقة الطليان، وتذوب داخل "حياة تنهش ما تبقى من أدميّة الناس، والنسيان الذي بمثابة  سيف مسلط على رقاب القاطنين هنا...(زنقة الطليان، ص 30)  وتعد دلال سيعدي الشخصيّة الرئيسيّة في الرواية، وهي التي تعيش في شقة في بناية متهالكة، حالها كحال البنيات المتواجدة في المدينة العتيقة، شقة بائسة في حي عتيق، بناياته مهددة بالسقوط، أو بالإزالة النهائية، وترحيل السكان إلى بيوت وسكنات جديدة.

هذا هو الفضاء الذي يؤثث معظم أحداث رواية زنقة الطليان، فضاء الماضي الجميل والحاضر البائس والمستقبل الغامض. وهو الفضاء نفسه الذي تتصارع فيه هويتان، هوية أصيلة يمثلها المكان التاريخي،  وهوية مصطنعة تشكلها أصوات  المقموعين، أصوات دلال سيعدي وناجي الرجلة وجلال الجرناليست وفيصل بونخلة ورشيد العفريت ورؤوف سكتة بن علجية المداحة وزبيدة الشوافة وغيرهم.

هي إذن "زنقة الطليان" حي شعبي عريق يجمع بين أناس بسطاء، ينحدرون من عمق المجتمع، بما ينضح به هذا القاع من فقر وبؤس وبساطة وعفوية وتعاون وطيبة، وكل المفارقات التي تجد في تلك الأمكنة بنية خصبة لها. (الرواية ص137).

تلجأ "دلال" إلى عالم الشوافات وقراءة الكف والبحث عن الحظ، أملا في الحصول على قلب جلال الجرناليست، هذا العالم الغريب الذي يفتح لها المجال للقيام بزيارة أحد شيوخ الزوايا، الذي يعدها بتمكينها من جلال.

تنخرط البطلة/ الشخصية الرئيسية بإيعاز من زبيدة الشوافة في عالم الأضرحة والمقامات والزرد، وهو مساحة للاعتقاد الشعبي وممارسة الطقوس السحرية، من جذب وحناء وشموع وغناء وعزف. مما وفر لدلال حالة جميلة، يتقاطع فيها الواعي واللاواعي. حيث وجدت في هذه الطقوس شكلا من أشكال الهروب من واقعا البائس، ووحدتها القاتلة.

يمثل جلال الجرناليست المثقف الرافض للوضع، وهو الذي يأخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن زنقة الطليان خاصة والمدينة العتيقة عامة ضد كل محاولات تغيير ملامحها أو هدمها نهائيّا. يدافع عن هوية المدينة التي لا تمثل جغرافيا المكان فحسب، بل تحيل على الهوية التاريخية لمدينة عنابة ككل.  هذا الموقف الذي يكلف جلال السجن ثم الموت بسبب الإضراب عن الطعام.

تناقش الرواية أيضا طبيعة العلاقات الاجتماعية ومظاهر الممارسات السياسية، وطريقة العيش داخل هذا الفضاء، كما تُخضع صياغة أسماء كثير من الشخصيات إلى نظام الأزقة والحارات الشعبية وحياة المهمشين. هذه المواصفات التي تكوّن غالبا صورا نمطية لهذه الأمكنة، لتحيل بذلك على صفات الفقر والحرمان والجريمة والفوضى.

تعبر رواية زنقة الطليان عن ماضي الشخصيات المؤلم، وعن أحلامها المؤجلة وتتحدث عن الصراع بين واقع مزيف ومتآكل، ومستقبل غامض، تسيّجه أحلام وآمال مؤجلة. تتقاسمها ذوات متشظية، تعيش تشققات نفسية وروحيّة.  وتعد دلال أكثر هذه الذوات حيرة ومعاناة، فهي المرأة الآتية إلى زنقة الطليان هربا من حياتها البائسة وواقعها المرّ الذي كانت تتقاسمه مع زوجها السابق.

ويبدو أن أغلب شخصيات هذه الرواية لا تختلف وضعياتها عن حالة دلال سعيدي فشخصية نجاة مثلا والمعروفة باسم "ناجي الرجلة"، تمثل أبرز صور الحيرة الجنوسية، فهي التي تتشبه بالرجال، في مظهرها وكلامها وسلوكاتها بهدف حماية نفسها من المخاطر المعروفة في هذه الأماكن. وهي التي تنام في الشارع منذ 15 سنة. لتكون نهايتها تراجيدية، حين يُعثر عليها جثة هامدة  في الخرابة التي كانت تعيش فيه، وذلك بعد أن تفترسها القطط التي ربتها وشاركتها الطعام والمأوى.

أما شخصية رشيد العفريت الذي كثيرا ما أخاف دلال، والتي لم ترتح له يوما، فيمثل الرجل الدرويش صاحب الأسمال البالية الذي يجوب شوارع المدينة، وما دروشته تلك إلا ليختفي ورائها عن الأعين. ليتم القبض عليه بتهمة الدعوة إلى طريقة دينية محظورة، والتبشير بشيخها ميرزا غلام أحمد.

تعود دلال سعيدي في نهاية الرواية للظهور بعد أن صارت مشردة في شوارع عنابة، تعيش في كوخ قرب دار الماليّة، بعد أن فقدت عملها وطردت من زنقة الطليان مع من طردوا. ليصبح في داخلها  بركان من التشتت والاضطراب من الصعب النجاة منه...الرواية ص 209.

تمارس "المدينة العتيقة" ومن خلالها زنقة الطليان عمليّة صهر وتذويب لكل الوافدين إليها ، وتحويلهم إلى أفراد بملامح جديدة، يخضعون إلى سلطة هذا المكان بماضيه الجميل وحاضرة المأزوم، ومستقبله الغامض.

تحاول رواية زنقة الطليان للروائي الجزائري بومدين بلكبير الصادرة مؤخرا عن دار الاختلاف بالجزائر ودار ضفاف ببيروت 2021، أن تفتح حديثا عميقا عن حياة المهمشين الذين اختارت أن تجمع بينهم في زنقة الطليان، وهي حي شعبي من أحياء المدينة العتيقة المتواجد في قلب مدينة عنابة، وقد أعاد الروائي تشكيل هذا المكان فنيّا بهدف التعبير عن ملامح المدينة العتيقة "بلاص دارم"، 

تنصهر شخصيات زنقة الطليان، وتذوب داخل "حياة تنهش ما تبقى من أدميّة الناس، والنسيان الذي بمثابة  سيف مسلط على رقاب القاطنين هنا...(زنقة الطليان، ص 30)  وتعد دلال سيعدي الشخصيّة الرئيسيّة في الرواية، وهي التي تعيش في شقة في بناية متهالكة، حالها كحال البنيات المتواجدة في المدينة العتيقة، شقة بائسة في حي عتيق، بناياته مهددة بالسقوط، أو بالإزالة النهائية، وترحيل السكان إلى بيوت وسكنات جديدة.

هذا هو الفضاء الذي يؤثث معظم أحداث رواية زنقة الطليان، فضاء الماضي الجميل والحاضر البائس والمستقبل الغامض. وهو الفضاء نفسه الذي تتصارع فيه هويتان، هوية أصيلة يمثلها المكان التاريخي،  وهوية مصطنعة تشكلها أصوات  المقموعين، أصوات دلال سيعدي وناجي الرجلة وجلال الجرناليست وفيصل بونخلة ورشيد العفريت ورؤوف سكتة بن علجية المداحة وزبيدة الشوافة وغيرهم.

هي إذن "زنقة الطليان" حي شعبي عريق يجمع بين أناس بسطاء، ينحدرون من عمق المجتمع، بما ينضح به هذا القاع من فقر وبؤس وبساطة وعفوية وتعاون وطيبة، وكل المفارقات التي تجد في تلك الأمكنة بنية خصبة لها. (الرواية ص137).

تلجأ "دلال" إلى عالم الشوافات وقراءة الكف والبحث عن الحظ، أملا في الحصول على قلب جلال الجرناليست، هذا العالم الغريب الذي يفتح لها المجال للقيام بزيارة أحد شيوخ الزوايا، الذي يعدها بتمكينها من جلال.

تنخرط البطلة/ الشخصية الرئيسية بإيعاز من زبيدة الشوافة في عالم الأضرحة والمقامات والزرد، وهو مساحة للاعتقاد الشعبي وممارسة الطقوس السحرية، من جذب وحناء وشموع وغناء وعزف. مما وفر لدلال حالة جميلة، يتقاطع فيها الواعي واللاواعي. حيث وجدت في هذه الطقوس شكلا من أشكال الهروب من واقعا البائس، ووحدتها القاتلة.

يمثل جلال الجرناليست المثقف الرافض للوضع، وهو الذي يأخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن زنقة الطليان خاصة والمدينة العتيقة عامة ضد كل محاولات تغيير ملامحها أو هدمها نهائيّا. يدافع عن هوية المدينة التي لا تمثل جغرافيا المكان فحسب، بل تحيل على الهوية التاريخية لمدينة عنابة ككل.  هذا الموقف الذي يكلف جلال السجن ثم الموت بسبب الإضراب عن الطعام.

تناقش الرواية أيضا طبيعة العلاقات الاجتماعية ومظاهر الممارسات السياسية، وطريقة العيش داخل هذا الفضاء، كما تُخضع صياغة أسماء كثير من الشخصيات إلى نظام الأزقة والحارات الشعبية وحياة المهمشين. هذه المواصفات التي تكوّن غالبا صورا نمطية لهذه الأمكنة، لتحيل بذلك على صفات الفقر والحرمان والجريمة والفوضى.

تعبر رواية زنقة الطليان عن ماضي الشخصيات المؤلم، وعن أحلامها المؤجلة وتتحدث عن الصراع بين واقع مزيف ومتآكل، ومستقبل غامض، تسيّجه أحلام وآمال مؤجلة. تتقاسمها ذوات متشظية، تعيش تشققات نفسية وروحيّة.  وتعد دلال أكثر هذه الذوات حيرة ومعاناة، فهي المرأة الآتية إلى زنقة الطليان هربا من حياتها البائسة وواقعها المرّ الذي كانت تتقاسمه مع زوجها السابق.

ويبدو أن أغلب شخصيات هذه الرواية لا تختلف وضعياتها عن حالة دلال سعيدي فشخصية نجاة مثلا والمعروفة باسم "ناجي الرجلة"، تمثل أبرز صور الحيرة الجنوسية، فهي التي تتشبه بالرجال، في مظهرها وكلامها وسلوكاتها بهدف حماية نفسها من المخاطر المعروفة في هذه الأماكن. وهي التي تنام في الشارع منذ 15 سنة. لتكون نهايتها تراجيدية، حين يُعثر عليها جثة هامدة  في الخرابة التي كانت تعيش فيه، وذلك بعد أن تفترسها القطط التي ربتها وشاركتها الطعام والمأوى.

أما شخصية رشيد العفريت الذي كثيرا ما أخاف دلال، والتي لم ترتح له يوما، فيمثل الرجل الدرويش صاحب الأسمال البالية الذي يجوب شوارع المدينة، وما دروشته تلك إلا ليختفي ورائها عن الأعين. ليتم القبض عليه بتهمة الدعوة إلى طريقة دينية محظورة، والتبشير بشيخها ميرزا غلام أحمد.

تعود دلال سعيدي في نهاية الرواية للظهور بعد أن صارت مشردة في شوارع عنابة، تعيش في كوخ قرب دار الماليّة، بعد أن فقدت عملها وطردت من زنقة الطليان مع من طردوا. ليصبح في داخلها  بركان من التشتت والاضطراب من الصعب النجاة منه...الرواية ص 209.

تمارس "المدينة العتيقة" ومن خلالها زنقة الطليان عمليّة صهر وتذويب لكل الوافدين إليها ، وتحويلهم إلى أفراد بملامح جديدة، يخضعون إلى سلطة هذا المكان بماضيه الجميل وحاضرة المأزوم، ومستقبله الغامض. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق