استراتيجية الكتابة النسائية من الهيمنة الذكورية إلى انتصار الذات المبدعة - لحــســــن بـنـيـعــيــش - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الثلاثاء، 14 فبراير 2023

استراتيجية الكتابة النسائية من الهيمنة الذكورية إلى انتصار الذات المبدعة - لحــســــن بـنـيـعــيــش

أود في بداية هذه الورقة النقدية أن أشير إلى خصوصيات الناقد عمرو كناوي الباحث و الأكاديمي الأستاذ المكون و الناقد الذي خلف تراكما في مجال النقد يعد ثروة ثمينة وطنيا و عربيا، الناقد الذي يطهي تصوراته النقدية على نار هادئة، قراءات نقدية فاحصة ترتكز على معادلة "التأني مفتاح الجودة" كما ذهب إلى ذلك الناقد محمد إدارغة مؤكدا أنها مسلمة. لذلك جعل عمرو كناوي القاعدة مبدأ فإذا كان الرأي يناقش و القناعة تتغير فإن المبدأ ثابت لولوج عوالم الإبداع: شعر- قصة - قصة قصيرة - رواية... أو البحث والنقد على حد سواء.

يعتبر "استراتيجية الكتابة النسائية" منجزا نقديا في طبعة ثانية مزيدة    و منقحة 2021م عن مطبعة أنفو- برانت فاس / المغرب، يقع الكتاب في 141 صفحة من الحجم المتوسط، يتضمن أربعة فصول ومقدمة و خاتمة  و فهارس       و إهداء. إن أول ما لفت انتباهي "استراتيجية" في العنوان كأهم عتبة من عتبة النص كلمة قوية نظرا لأصلها و منشئها في المجال العسكري أو الحربي ففي المعاجم الفرنسية:

 Stratégie: art d’élaborer les plans d’attaque d’une armée, organisation de la défense d’un pays – Ensemble d’actions menées habillement pour atteindre un but. 

Dictionnaire de la langue francaise P :336

إن العنوان يمدنا بالطرف الأول في الحرب "النسائية" لكن ضد من؟ لنجد أنفسنا أمام فرضيات سيتم التأكد من صحتها بعد الإحاطة بمحتوى العمل النقدي الذي راهن فيه الدكتور عمرو كناوي على معالجة قضية نقدية بالغة الأهمية و شديدة التعقيد و التركيب: استراتيجية الكتابة النسائية و ما يصاحب هذه القضية من تساؤلات كبرى حول الكتابة تارة و حول المرأة تارة أخرى.

يقول محمد نور الدين أفاية: "بقدر ما سنتحدث عن المرأة سيكون الرجل حاضرا في الحديث داخل سياق من الصراع الحرب اليومية تارة و التفاعل و التساكن تارة أخرى، مع الإقرار بأن هناك "جنونا" ذكوريا خاصا يتلخص في القول أن الرجل أقوى من المرأة دوما. هناك شيء لا واعي في الرجل يقاوم الإعتراف بقدرة ما يمكن أن تحوزه المرأة، اللهم إلا القدرة على الخيانة و الكذب. هي إذا لا تقدر على الكتابة أو الإبداع، هي تضع و تلد فقط" [الهوية و الاختلاف في المرأة، الكتابة و الهامش. ص: 32]

لقد اعتمد الدكتور عمرو كناوي منهجا و مقاربة استنباطية انتقل فيها من العام إلى الخاص و من الكل إلى الجزء، حيث عمد إلى وضع أس للكتابة عامة، مجردة من النوع أو الجنس (الكتابة في رمزيتها و تجردها) لينفذ من ذلك إلى مقاربة الكتابة النسائية التي تكتنفها شروط اجتماعية و ثقافية معينة و معلومة في آن. الشيء الذي جعل الناقد الدكتور عمرو كناوي يطرح عديد القضايا و الإشكالات التي تلف الخوض في هذا المضمار من قبيل: هل يجوز التسليم بمصطلح الأدب النسائي؟... (ص 23)

و إني في هذا السياق لأنتصر إلى ما ذهب إليه حميد الحميداني في كتابه (كتابة المرأة من المونولوج إلى الحوار) يقول: "و بمجرد زوال مثبطات هذا النوع من الكتابة، و تحسن أحوال المرأة الاجتماعية، ستضعف تدريجيا خصوصية الكتابة النسائية... بل إن خصوصية هذا النوع من الكتابة ستنمحي نهائيا" (ص 40)

بمعنى سينتصر الإبداع دونما نظر إلى مقاربة النوع، فالذات المبدعة قادرة على خلق مساحات من الفن و الجمال سواء أكان المبدع رجلا أم امرأة... و هو ما تؤكده غادة السمان: "إن الأدب كل لا ينفصل، لأنه ينبع من العقل الواعي غير المحدد بجنس". فالمقاس هو الإبداع و لا شيء غير الإبداع.

هكذا يمكن اعتبار الفصل الأول من هذا العمل النقدي مقدمة نظرية توطئ الاقتراب من أطباق سحر خليفة الأدبية و الروائية على وجه الخصوص.

لم يقدم الناقد للكاتبة و الروائية سحر خليفة باعتبارها هامة و علما من أهم الروائيات الفلسطينيات و العربيات اللامعات التي كرست حياتها و سحرها لفعل الكتابة بأسلوب شفاف و عميق، و اشتغالها بالمجال الحقوقي لعقود من الزمان و تفرغها للكتابة النسائية جعلها تمطر الساحة الأدبية بوابل من الروايات أولها (لم نعد جواري لكم) ألحقتها بعشر أخريات حصدت بها العديد من الجوائز العربية و الدولية...

هذا النفس الحقوقي الذي تطفح به أعمال سحر خليفة جعل الناقد الدكتور عمرو كناوي يفرد الفصل الثاني لهواجس الكتابة لديها بدءا بقضية الحرية اعتبارا لكون الإبداع يعني استقلال الشخصية كما تقول الأديبة السورية "بثينة شعبان".

في الفصل الثالث الموسوم ب "فضاء اللغة" يعتبر الناقد الدكتور عمرو كناوي اللغة غير بريئة فهي محملة بأوزار ايديولوجية و مضمخة بعبق السياسة  و هذا شأن لغة الرواية النسائية التي تتراوح مداراتها بين لغة التعبير الفني و لغة الإفصاح عن المكبوت الدفين، في دعوة لإعلائه بإلغائه و تحريره. (ص 86) معاناة المرأة الفلسطينية مزدوجة و مركبة: قمع الرجل و قمع المحتل الغاصب.

خصص الفصل الرابع للوصف: "أبعاده و وظائفه..." بعد المهاد النظري للوصف و أبعاده و مستوياته و وظائفه لدى الشرق و الغرب، يعرج الناقد على الوصف في أعمال سحر خليفة روايتي: (الصبار) و (عباد الشمس و باب الساحة)، لتجلى له و للمتلقي تداخل الوصف بالسرد في وشيجة تستبطن الأشياء و الشخوص و الفضاء بما هي عليه من دقة و تداخل و تلوينات كما يقول محمد برادة في كتابه (أسئلة الرواية).

يخلص الناقد إجمالا إلى كون سحر خليفة استطاعت أن تأسس لرواية نسوية تعيد الإعتبار للمرأة في الكتابة  كواجهة من واجهات النضال ضد الرجل و ضد المحتل، بل حتى المرأة نفسها و كل الطابوهات التي تحول دون تحررها وانعتاقها...

و أن الكتابة النسائية عامة ساهمت في انتشال المرأة من وهدة و عالم الحريم إلى دنيا التحرر و الانعتاق. و أن خصوصية هذا الطقس الكتابي هي تحد جريء في سماء الكتابة يحسب للمرأة لا عليها.

إن استراتيجية الكتابة النسائية تنهض بتأكيد و ضرورة حضور الصوت النسائي المقلق و الغاضب الذي يفرض الوصاية الذكورية و يرتاد بكل قوة وعنف عالم الإفصاح و البوح و النقد...

فعلى المبدعة الإيمان بأهمية فعل الكتابة لتبني من خلاله استراتيجية واضحة  و خطة محكمة تقوم على تحديد الأهداف و اختيار أفضل الوسائل و الآليات الكفيلة لتنفيذها كما يخلص إلى ذلك الدكتور عمرو كناوي الذي أقنع و أمتع في عمله النقدي الذي بين أيدينا حيث قام بتشريح المصطلحات و المفاهيم النظرية قبل الخوض في التطبيق على أبرز إنتاجات الروائية الفلسطينية سحر خليفة،  و من خلالها إلى تعميم النتائج على الكتابة بصيغة المؤنث عامة، مستعملا تحليلا علميا و أفكار مؤسسة و لغة ساحرة و منهجا قويما يدفع بالقارئ إلى مزيد من الانهماك على القراءة و التأمل يشفي الغليل.

إن الكتابة النسائية أخدت بعدا نضاليا واضحا بسلاح الكلمة وفق استراتيجية غير عسكرية بل معرفة الذات أولا والتعبير عنها و التموقع الجيد في الزمان والمكان و معرفة الأخر والمجتمع ومؤسساته (الاسرة -المدرسة - المحيط) ثم تطوير الكفايات المرتبطة بالذات والقابلة للتصريف في مجالات مختلفة: اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ثقافية، فنية، وإبداعية. تعديل المنتظرات عن طريق التخطيط الدقيق والتنفيذ الأدق من خلال ثلاثة نمادج نسائية مغربية:

           ×  فاطمة المرنيسي في روايتها "شهرزاد ليست مغربية" إشارة رمزية قوية لإختلالات تكرسها القوانين أو سوء فهم تعاليم الدين أو الثقافة والتنشئة الاجتماعية في توزيع الأدوار.

       ×  عائشة بلعربي: "إن نجاح المرأة في عالم ذكوري يتطلب منها استثمارا كبيرا على مستوى العمل والإنصات و المثابرة، يقبل الرجال المرأة داخل أوساطهم شرط أن تتبنى سلوكهم ومناهجهم نفسها. لابد من توفر إرادة سياسية ووجود جماعات ضغط تصاحب النساء في مسيرتهن نحو تحقيق اندماج أكبر في التنمية ومشاركة فعلية في سيرورة اتخاد القرار."*

            ×  رحمة بورقية: "يكمن نجاحي المهني في الصورة الإيجابية التي وجدتها في المحيط الذي عشت فيه وأنا مدينة بنجاحي إلى أبي كذلك إلى زوجي،  لكن كان علي أن أتخطى أسوار خجلي، أصبح التحدي هو خرق الحاجز النفسي، الحاجز الأساس الذي كان يقف ضد تقدمي كان في ذاتي وأن التخلص منه أساس أول خطوة لتغيير محيطي الاجتماعي وتغيير صورة المرأة حولي والإسهام في تغيير نظرة المجتمع للنساء."**

إلا أن حالة سحر خليفة أشد تعقيدا وتركيبا، عليها تجاوز الذات والمجتمع الذكوري والمحتل.

وينتصر الناقد عمرو كناوي إلى النظرة الجمالية في الإبداع قائلا: "إن النصوص الأدبية، أيا كان كاتبها، لا يمكن أن تحدد بالهوية الجنسية و حسب، بل بقيمتها الجمالية و الفنية، و مدى جدية المواضيع التي تطرقها، و درجة الاهتمام التي تحظى به في الأوساط الأدبية و النقدية." مدعما رأيه بقول ميشيل فوكو: "اتركونا أحرارا عندما يتعلق الأمر بالكتابة." (ص22)

و يؤكد الدكتور عمرو كناوي على رفع التحدي كخيار استراتيجي وحيد بدونه لن تحقق المرأة مبتغاها: "و لن يكون بإمكان المرأة تحطيم مختلف الطابوهات إلا عن طريق ابتكار وسائل خاصة في الكتابة، بعيدا عن أي إحساس بالنقص أو الدونية. بهذا التحدي وحده، تضمن المرأة تحررها من أعباء الماضي و معوقات الآتي."

للإشارة لفت انتباهي القاسم المشترك في الكتابة النسائية، الاهتمام بالجانب الجمالي لصورة الغلاف للمنجز الإبداعي: شعر، قصة، رواية. كما هو الشأن لدى أمينة اسماعيلي شاعرة الأطلسي: "قبل أن تخبو نار موقدي" أو عند فاتحة يعقوبي: "ترنيمة عشق أخيرة" أو أمامة قزيز "رؤيا غوجين" الإعتناء بالشكل و اللون لتحقيق متعة بصرية فيها من الأناقة و الإثارة بلمسة فيها من الرقة و الأنوثة الممزوجة في المتن ببوح حارق.

تقول أحلام مستغانمي مغردة:

"أي علم هذا الذي لم يستطع حتى الآن أن يضع أصوات من نحب في أقراص، أو زجاجة دواء نتناولها سرا، عندما نصاب بوعكة عاطفية بدون أن يدري صاحبها كم نحتاجه."

v   الــمــراجـــــــع:

1- رحمة بورقية "مسيرة امرأة" عن النساء الموظفات في المغرب. ط 2002م، دار توبقال. الدار البيضاء / المغرب.

2- عائشة بلعربي: النـسـاء الــموظفات في المغرب.        ط 2002م، دار تــوبــقــال. الــدار الــبــيــضـاء / المغرب.

3- عمر كناوي: "استراتيجية الكتابة النسائية". ط 2 2021م، أنــفــو برانــت. فــاس / المغرب.

4- محمد نور الدين أفاية: "الهوية و الإخـتــلاف في الـمــرأة، الكـتابة و الـهامــش" ط 1988م، دار افــريقيا الشرق.        الدار البــيــضاء / الـمغرب.

5- Dictionnaire de la langue française, ed. de la connaissance, Juillet 1995.  

* النساء الموظفات في المغرب. ص: 68

** النساء الموظفات في المغرب. ص: 81

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق