كَيْفَ لِي أَنْ أُومِنَ بِإِلٰهٍ يَمْنَحُنِي عَقْلاً لِكَيْ أَدِلَّ بِظَاهِرِهِ دَلاًّ، وَفي ذَاتِ ٱلْآنِ يَمْنَعُنِي أَيَّمَا مَنْعٍ مِنْ أَنْ أَسْتَدِلَّ بِبَاطِنِهِ مُسْتَدِلاًّ؟ - غَالِيلِيُو غَالِيلِيهْ
بَلَغَنِي بالأَمْسِ كذلك، مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُهُ على المَلأِ الأدْنَى، أنَّ ثَمَّةَ العديدَ من فِصَاحِ الإعلاميينَ الذينَ تثيرُ أخلاقيَّاتُ مواقفِهم كلاميًّا، أو جُلِّها، من جَرَائِرِ هذا النظامِ الطُّغيانيِّ الجِسَامِ، أو ذاكَ، في هذا العالَمِ العربيِّ اللَّهِيفِ، إعجابًا شعبيًّا وجماهيريًّا لافتًا، يعمدونَ إلى التعبيرِ عن شيءٍ من أخلاقيَّاتِ مواقفِهم هذهِ تعبيرًا كتابيًّا، فيعمدونَ من ثمَّ إلى نشرِهِ في صحيفةٍ، أو أكثرَ، من تلك الصَّحَائفِ السياسيةِ اليوميةِ «المستقلَّةِ»، أو «غيرِ المستقلَّةِ»، بينَ الحينِ والآخَرِ. ومن أبرزِ هؤلاءِ الإعلاميينَ الفِصَاحِ في جَدَا هذا الزمانِ العربيِّ المُكْفَهِرِّ، زمنِ الرَّيْهِ والثوراتِ الشعبيةِ «الربيعيةِ» والثوراتِ المضادَّةِ «الخريفيةِ»، مَبْنًى (أو «السُّقُوطيةِ»، مَعْنًى)، مقدِّمُ البرنامجِ «الجَزْرَاوِيِّ» الشهيرِ «الاتِّجَاهُ المُعَاكِسُ»، فيصل القاسم، ذلكَ اللاَّسِنُ الفذُّ الغنيُّ عن التعريفِ بجَرَاءَةٍ وجَسَارَةٍ ليسَ لهما فعلٌ سوى أنْ تَشْرَحَا وأنْ تُثْلِجَا صُدورَ الكثيرِ من الغُضَابَى والسُّخَاطَى والحُناقَى من طاغيةٍ عتيٍّ مُصْطَنَعٍ معيَّنٍ، كمثلِ بشار الأسد أو عبد الفتاح السيسي أو خليفة بلقاسم حفتر، أو مَنْ شابَهَهُمْ. ومِنْ قبيلِ تساؤلٍ إرْدافيٍّ عابرٍ في شيءٍ يُشابهُ ما يُسمَّى بـ«اللاَّمُفَكَّر فيهِ» The Unthinkable، حَسْبَ مفهومِهِ «التحريميِّ» الظاهريِّ، أو الباطنيِّ، الواردِ في علمِ الاجتماعِ (أو السوسيولوجيا)، أو حتى في علمِ الإنسانِ (أو الأنثروݒولوجيا)، ثَمَّةَ أيضًا العديدُ من بِطَاحِ الإدغاميينَ الذينَ يميلونَ إلى طَرْحِ فحوى تساؤلِهِمْ بمثابةٍ من المثاباتِ، دونَ غيرِها: تُرى كيفَ وأنَّى لِلاسِنٍ فذٍّ غنيٍّ عن التعريفِ أنْ يأتيَ جَائحًا بهكذا جَرَاءَةٍ وهكذا جَسَارَةٍ، في جَدَا هذا الزمانِ العربيِّ المُكْفَهِرِّ بالذاتِ، وعلى الأخصِّ في مجتمعٍ يَرْسُفُ كلَّ الرَّسِيفِ والرَّسَفَانِ، شائيًا أمْ آبيًا، في أغلالِ القَمْعِ والقَسْرِ والقَهْرِ، على اختلافِ أشكالِها «الخِفَافِ» و«الثِّقَالِ» وما بينهما، مجتمعٍ رَسُوفٍ مَرْسُوفٍ قدْ تؤدِّي حتى سَقْطَةُ يَرَاعٍ، أو فَلْتَةُ لسانٍ (أو حتى زَلَّةُ أُذُنٍ، أو هَفْوَةُ عَيْنٍ)، بفردٍ «عزيزٍ» من أفرادِهِ إلى الاعتقالِ أو إلى الإقصاءِ أو حتى إلى القتلِ بعَيْنِهِ؟ – لا أحدَ مِنَّا، بطبيعةِ الحالِ، يعلمُ الجوابَ الصَّحيحَ إلاَّ «اللهُ»، إنْ لَمْ يمنعْنا أيَّ مَنْعٍ من أنْ نستدلَّ عليهِ بباطنِ العقلِ ذاتِهِ ولِذَاتِهِ استدلالاً جَليلاً، وَ/أوِ «الجَزْرَاوِيُّونَ» المَرْئِيُّونَ الذينَ يُقَيِّلُونَ على جَهْرِيَّةِ كلٍّ من الجانبِ الاقتصاديِّ والجانبِ الإداريِّ تَقْيِيلاً، وَ/أوِ «الجَزْرَاوِيُّونَ» اللامَرْئِيُّونَ الذينَ يسهرونَ على سِرِّيَّةِ كلٍّ من الجوانبِ الأُخرى سَهَرًا طويلاً – ويُقْصَدُ من هذهِ الجوانبِ الأخرى، والحالُ هذهِ، كلٌّ من الجانبِ الأمنيِّ الداخليِّ والجانبِ الأمنيِّ الخارجيِّ وما بينهما كذلك.
نعلمُ أوْ لا نعلمُ، ها هنا، ذاك هو التَّسَاؤلُ: هَلْ يكونُ نبيلاً لـ«العقلِ» حقًّا أنْ يشقى بسِهَامِ البَهِيتَةِ والتحيُّرِ والاِلتباسِ، أمْ يكونُ أنْبَلَ، لا بلْ أكثرَ نُبْلاً، لهذا «العقلِ» حقيقًا أن يرقى بأسِنَّةِ الرَّوْزِ والتنقُّبِ والتمعُّنِ في مسائلَ، دونَ ذلك، صَعْبَةِ المِراسِ؟ ففي كلٍّ من هٰتَيْنِ الحالتَيْنِ، مهما جارَ الزمانُ بجَوْرِهِ، لا أحدَ مِنَّا، بمُسَلَّمِ الأمرِ، خَلا أولئك السُّفَهَاءِ والمُرائينَ والمتملِّقينَ والمتزلِّفينَ الذينَ أُشِيرَ إليهم في موضعٍ آخَرَ، يَرْضَى صَاغِرًا مُتَضَعْضِعًا مُتَّضَعًا مُسْتكِينًا لِطُغْيانِ الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، أينما تواجدوا في هذا العالَمِ المُصَنَّفِ «عالَمًا ثالثًا» من لَدُنْ لَفِيفِ أسيادِهِمْ من المستعمِرينَ أصْلاً. نَعَمْ – مسألةُ «انبثاقِ الشَّيْءِ من نقيضِ الشَّيْءِ»، وما تقتضيهِ من ذاك الرَّوْزِ ومن ذينك التنقُّبِ والتمعُّنِ، كانتْ مثارَ سِجَالٍ ومِرَاءٍ ونِزَاعٍ بين الأفذاذِ من فلاسفةِ المُصُورِ منذ سالفِ العُصُورِ. نَعَمْ – من رَحِمِ الارتعادِ تنبثقُ الجَراءَةُ، ومن كَبِدِ الارتعاشِ تنبثقُ الجَسارَةُ، وحتى من قلبِ الحَياءِ تنبثقُ الوَقاحَةُ والصَّفاقَةُ والسَّلاقَةُ والسَّلاطةُ. وها هو الفيلسوفُ اليونانيُّ القديمُ أفلاطونُ مُدْرِكٌ هذه الحقيقةَ الشَّامِسَ الجَامِحَ حقَّ إدراكِها، ها هو مُدْرِكٌ إيَّاها في جَنَانِ ذاك المجتمعِ الأثينيِّ «ثابتِ الجَنَانِ»، قبلَ أكثرَ من أربعةٍ وعشرينَ قرنًا من الزمانِ، حينما قالَ قولتَهُ الشهيرةَ، ما معناه هنا: «مِنَ البَدِيهِيِّ جِدًّا أَنْ يَنْشَأَ الغَدْرُ مِنَ الوَفَاءِ، مِثْلَمَا يَنْشَأُ الاسْتِبْدَادُ مِنَ العَدْلِ، وَمِثْلَمَا يَنْشَأُ الاسْتِعْبَادُ مِنَ التَّحَرُّرِ». وليس لنا في هذا السياقِ، بالبداهةِ أيضًا، سوى أنْ نفهمَ من هذهِ القولةِ الشهيرةِ فهمًا بفحواءِ وُرُودِها العكسيِّ، على النحوِ التالي: «مِنَ البَدِيهِيِّ جِدًّا أَنْ يَنْشَأَ الوَفَاءُ مِنَ الغَدْرِ، مِثْلَمَا يَنْشَأُ العَدْلُ مِنَ الاسْتِبْدَادِ، وَمِثْلَمَا يَنْشَأُ التَّحَرُّرُ مِنَ الاسْتِعْبَادِ». حتى في القرآنِ الكريمِ، سَواءً كانَتْ قارِئَتُهُ الكريمةُ مُؤْمِنَةً أم مُلْحِدَةً أمْ في منزلةٍ بينَ المنزلتَيْنِ حتى، فإنَّ مسألةَ «انبثاقِ الشَّيْءِ من نقيضِ الشَّيْءِ» تلك لَمسألةٌ تكادُ أنْ تَسْتَبِيءَ مكانَ الصَّدارةِ في كلٍّ من العَالَمَيْنِ الغَيْبِيِّ واللاغَيْبِيِّ، على أكثرَ من صعيدٍ، بدءًا من «إعجازيَّاتِ» إخراجِ الحيِّ من الميِّتِ وإخراجِ الميِّتِ من الحيِّ (الروم: 19، إلخ)، ومرورًا بـ«جماليَّاتِ» إيلاجِ الليلِ في النهارِ وإيلاجِ النهارِ في الليلِ (فاطر: 13، إلخ)، وانتهاءً بـ«أخلاقياتِ» الحُبِّ واحْتِمالِ كَوْنِهِ شَرًّا والكُرْهِ واحْتِمالِ كَوْنِهِ خَيْرًا (البقرة: 216، إلخ)، من طرفٍ، وبـ«أخلاقياتِ» أصحابِ المَيْمَنَاتِ بماهيَّتِهِمْ وَعْدًا وأصحابِ المَشْأمَاتِ بماهيَّتِهِمْ وَعِيدًا (الواقعة: 8-9، إلخ)، من طرفٍ آخَرَ. من هنا، يتجلَّى ما جرتْ عَنْونَتُهُ، عن درايةٍ، مرارًا وتكرارًا بِـ«كتاب الأضدادِ» كلَّ التَّجلِّي كعنوانِ مؤلَّفٍ واحدٍ، أو أكثرَ، من بينِ مؤلَّفاتِ كلٍّ من جَهابذةِ اللسانِ والكَلِمِ البارزينَ والمُبَرِّزينَ، في العصرِ الوسيطِ، من مثلِ: قُطْرُب بن محمد المُسْتَنِير، وعبد الملك بن قريب الأصْمَعِيّ، والقاسم بن سَلاَّم الهَرَوِيّ، وعبد الله بن محمد التَّوَّزِيّ، ويعقوب بن إسْحَاق بن السِّكِّيت، وسهل بن محمد السِّجِسْتَانِيّ، ومحمد بن القاسم الأنْبَارِيّ، والحسن بن محمد الصَّغَانِيّ، وعبد الواحد بن علي العَسْكَرِيّ (المعروف بأبي الطيب اللغوي)، وسعيد بن الدهَّان البَغْدَادِيّ (المعروف بأبي محمد النحوي)، وغيرهم.
غيرَ أنَّ أخطرَ إشْكَالٍ وإعْضَالٍ جوهريَّيْنِ كامنَيْنِ في الوَعْيِ والإدراكِ العربيَّيْنِ، على الأقلِّ مدى القرنَيْنِ الأخيرَيْنِ من هذا الزمنِ الكالحِ، لا يتجسَّدانِ في حقيقةِ أنَّ هٰذَيْنِ الوَعْيَ والإدراكَ العربيَّيْنِ مشوَّهانِ ومشنَّعانِ في الصَّميمِ وحتى النُّخاعِ بسببٍ من ارتكابِ الخطأِ الجَسيمِ (عن قصدٍ أو عن غيرِ قصدٍ) في التفسيرِ والتأويلِ فحسبْ، بلْ يتجسَّمانِ كذلك في حقيقةِ أنَّ ثَمَّةَ في عُقولِ الكثيرِ من «ذوي العُقولِ» المُتَرَائينَ المُعَاصِرينَ حِرَانًا وتَصَلُّبًا لاعقلانيَّيْنِ مَرَضِيَّيْنِ في استمرارِ وفي دَيْمُومَةِ هذا الخطأِ الجَسيمِ بذاتهِ، وإلى حدِّ الذِّيَادِ المُسْتَقْتِلِ أيَّما استقْتالٍ عنهُ بلغةٍ طُغيانيةٍ مستبدَّةٍ لا تقبلُ الجدالَ ولا تقبلُ النقاشَ بأيِّ نحوٍ كانَ، ولا تختلفُ بالتالي أيَّ اختلافٍ عن لغةِ الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أنفسِهِمْ. ومن بينِ «ذوي العُقولِ» المُتَرَائينَ المُعَاصرينَ هؤلاءِ، يبرُزُ، في هذا العالَمِ الحَرْفيِّ الغريبِ والرَّقميِّ العجيبِ، مَنْ ينصِّبُ نفسَهُ آمِنًا مُطْمَئِنًّا بمنصبِ «كبيرِ العلماءِ اللغويِّينَ المَرْجِعيِّينَ»، أولئك الذين لا يُشَقُّ لهم أيُّ غبارٍ في قضايا التفسيرِ والتأويلِ وما إليهما، وبشهادةِ «حُسْنِ تفكيرٍ» منهُ هُوَ بالذاتِ وَهْوَ بكاملِ قدراتِهِ العقليةِ «التحليليةِ»، قبلَ كلِّ شيءٍ، وبشهاداتِ «حُسْنِ سُلوكٍ» من ثُلَّةِ مُريديهِ من المُتَوَازِرينَ والمُتَشَايِخِينَ والمُتَجامِعينَ وهُمْ بكاملِ قدراتِهِم العقليةِ «التركيبيةِ»، بعدَ كلِّ شيءٍ – «كبيرِ العلماءِ اللغويِّينَ المَرْجِعيِّينَ» ذاك الذي لا يتوانى ولا يمانعُ أيَّ ممانعةٍ، قطُّ، في تقديمِ نفسِهِ في كلِّ المناسباتِ، قيامًا وقعودًا، هكذا: ذو العقلِ «الباحثُ الجامعيُّ الألمعيُّ»، و/أو ذو الحِجَى «الݒروفيسور الإستيراتيجيُّ»، و/أو ذو النُّهَى «الدكتور التكتيكيُّ»، هادي حسن حمودي، الخبيرُ الأريبُ القديرُ الرَّهيبُ في «النَّأيِ كلِّ النَّأْيِ بالنفسِ عن تقويلِ القرآنِ ما لمْ يقُلْهُ» من ذاتِ اليمينِ، من جهةٍ، وفي «الدُّنُوِّ كلِّ الدُّنُوِّ بالنفسِ نفسِها من تخطِيءِ مَنْ يُخَطِّئُونَ القرآنَ ما لمْ يُخْطِئْهُ» من ذاتِ الشمالِ، من جهةٍ أُخرى. ومع ذلك، أيتها القارئةُ الكريمةُ، وبالرَّغْمِ من كلِّ ذلك، أيها القارئُ الكريمُ، تَرَيَانِهِ بكلِّ كينُونتِهِ وكِيَانِهِ أوَّلَ مَنْ يقوِّلونَ القرآنَ ما لمْ يقُلْهُ تقويلاً، وأوَّلَ مَنْ يُخَطِّئُونَ القرآنَ ما لمْ يُخْطِئْهُ تخطيئًا، دونَ أن يدريَ، في مُتونِ كتاباتِهِ «العَصْمَاءِ» أو حتى في حواشيها، لا بما كانَ يُقَوِّلُهُ من تقويلٍ، حقًّا، ولا حتى بما كانَ يُخَطِّئُهُ من تخطيءٍ، حقيقًا.
وقد تأوَّجتْ لادِرايةُ الباحثِ
الجامعيِّ المُتَبَرْفِسِ والمُتَدَكْتِرِ المعنيِّ هذهِ في منهجِهِ العلميِّ
الخارقِ للطبعِ والتطبُّعِ والمُخالفِ لكلِّ ما هو مألوفٌ، أو حتى لامألوفٌ،
علميًّا في «تَفْسِيلِهِ» الاشتقاقيِّ المُزَنَّمِ (عن صُلْبَيِ «التفسيرِ»
و«التأويل» كليهما، في آنٍ واحدٍ) لحُدوثِ حالةِ الرَّفْعِ في كلمةِ
«الصَّابِئُونَ» بعدَ حُدوثِ الحرفِ المشبَّهِ بالفعلِ «إِنَّ» بعينهِ، خالطًا
كلَّ الخلطِ بين ما يُسَمَّيانِ بـ«المعنى النحويِّ» وبـ«المعنى اللغويِّ» في
الأدبِ والنقدِ الأدبيِّ (على الأقلِّ، بمُقتضى مفهومِ المعنى الأولِ عندَ
العلاَّمةِ الفذِّ عبد القاهر الجُرْجَاني)، ومُقْحِمًا كلَّ الإقحامِ في المعنى
الثاني «كلَّ مَنْ صَبَؤوا عن عبادةِ الأصنامِ (بمنْ فيهم الصَّابِئونَ من معشرِ
المسلمينَ أنفسِهِم)»، كما في المثالِ التالي: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى» (المائدة: 69) – على الخلافِ
كلِّهِ، مبنًى ومعنًى، من حُدوثِ حالةِ النَّصْبِ في الكلمةِ ذاتِها بعدَ حُدوثِ
الحرفِ المشبَّهِ بالفعلِ ذاتِهِ، كما في المثالَيْن التاليَيْنِ: «إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ» (البقرة: 62)،
و«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى»
(الحج: 17). أقولُ «لادِرايةً»، ها هنا، لأنهُ لو كانَ الباحثُ الجامعيُّ
المُتَبَرْفِسُ والمُتَدَكْتِرُ «داريًا» بالفعلِ لَمَا راقَ لهُ في الظاهرِ
استنفارُ مُريديهِ من المُتَوَازِرينَ والمُتَشَايِخِينَ والمُتَجامِعينَ وهُمْ
بكاملِ قدراتِهِم العقليةِ «التلفيقيةِ» هذهِ المرَّةَ، ولَمَا راقَ لهُ في
الباطنِ من ثمَّ استعداءُ هؤلاءِ المُريدينَ كافَّتِهِم على مَنْ لَمْ يَكُنْ
يُرِيدُ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُهُ على المَلأِ الأدْنَى، وذلك من أجلِ اتِّهَامِهِ
بكافَّةِ التُّهَمِ الإقصائيةِ والنهائيةِ والمُسْتَحْضَرَةِ استحضارًا مُسبقًا في
أفئدتِهِمْ قبلَ أدمغتِهِمْ، من جُرْمِ «الرِّدَّةِ» إلى جُرْمِ «التَّكْفيرِ» إلى
جَريمةِ «التَّهْويدِ» حتى (أي القولُ التلفيقيُّ بـ«يهوديَّةِ»
القرآنِ، حسبَ مصطلحاتِهِم الببَّغائيةِ العَجْفَاءِ)، لمجرَّدِ أنهُ نوَّهَ
بالحقِّ تنويهًا إلى تلك «اللادِرايةِ»، من خلالِ ما أبداهُ من مُلاحظاتٍ
نقديةٍ بَنَّاءَةٍ وجَادَّةٍ كلَّ الجدِّ على حُزْمَةِ «إشراقاتٍ» ممَّا يُسَمَّى
بـ«ثقافةِ التعليبِ الجاهزِ»، على النقيض من أيَّةِ حُزْمَةٍ مقابلةٍ أُخرى منْ
«إرْهَاصَاتِ» ما يُمْكنُ أنْ يُدْعَى بـ« ثقافةِ التَّشْكِيكِ الرَّائزِ» –
وللكَلامِ بَقِيَّةٌ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق