إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْسَّاعَةِ ٱلْهَرْجَ.
قِيلَ: وَمَا ٱلْهَرْجُ؟ قَالَ: ٱلْكَذِبُ وَٱلْقَتْلُ [أَيْضًا].
قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ ٱلْآنَ؟
قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلٰكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!
ٱلْرَّسُولُ مُحَمَّدٌ
(2)
مَرَّةً أُخْرَى، قلتُ افْتِتَاحًا في القسمِ الأوَّلِ من هٰذا المقالِ إنَّ ذٰلِكَ الغَبَاءَ القَهْرِيَّ التَّكْرَارِيَّ المَعْنِيَّ إنَّمَا هُوَ دَاءٌ نفسيٌّ عُضَالٌ يستحْوِذُ استحْوَاذًا فِطْرَانِيًّا وخِبْرَانِيًّا (بالمَعْنَى المُكْتَسَبِيِّ) على ذِهْنِيَّاتِ فَلِّ أولئك الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، أينمَا ثُقِقُوا في أصْقَاعِ هذا العَالَمِ العربيِّ المَحْزونِ، وأمثالِهِ من ذاك العَالَمِ اللاعربيِّ كذلك: قلتُ «استحْوَاذًا فِطْرَانِيًّا»، من جَانبٍ أَوَّلَ، لأنَّ هؤلاءِ الطُّغَاةَ الفاشيِّينَ لا يعْدُونَ أنْ يكونوا، في الأصْلِ، فروعًا مُتَفَرِّعَةً عن جُذُورٍ تليدةٍ تتغلغلُ في ثنايَا «نظامٍ كُلِّيَّانِيٍّ» Totalitarian Regime مُخْتَلَقٍ اخْتِلَاقًا أجنبيًّا ليسَ لَهُ إلاَّ أنْ يُجَانِسَ في صَيْرورتِهِ كذاكَ «نظامًا أبَوِيًّا» Patriarchal System وِرَاثِيًّا طامعًا في الدَّوَامِ المُسْتَدِيمِ أَيَّمَا طَمَعٍ في الحُكْمِ المُطْلَقِ والمُلْصَقِ بالذُّكُورِ من «سُلالَتِهِ» دونَ غيرهِمْ إلى يومِ يُبْعَثُونَ، سَوَاءً تَسَرْبَلَ هذا النظامُ بِسِرْبَالٍ «مَلَكِيٍّ» أوْ «عَاهِلِيٍّ» سَافرٍ أمْ تقنَّعَ بِقِنَاعٍ «جمهوريٍّ» أوْ حتى «اشتراكيٍّ» طافرٍ. وقلتُ كذاك «استحْوَاذًا خِبْرَانِيًّا (مُكْتَسَبِيًّا)»، من جَانبٍ آخَرَ، لأنَّ هؤلاءِ الطُّغَاةَ الفاشيِّينَ ذواتِهِمْ يَكادُونَ أنْ يُعيدوا للعَيْنِ بِناءَ عَيْنِ المَشاهِدِ السياسيةِ، أو حتى المُسَيَّسَةِ، التي تَبدَّى فيهَا مَنْ سَبَقَهُمْ ومَنْ عَاصَرهُمْ مِنَ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ «الأَمَاثِلِ»، سَوَاءً من حيثُ المَسَارُ الذَّميمُ الذي سَارُوا عليهِ تَسْيَارًا وهُمْ بَاقُونَ، أوْ عَائِشُونَ، أمْ من حيثُ المَصِيرُ الدَّميمُ الذي صَارُوا إليهِ تَصْيَارًا وهُمْ فانُونَ، أو سَاقطونَ – نَاهِيكُمَا عَنْ تِبْيَانِ البحثِ العلميِّ في بنيةِ الدماغِ والجهازِ العصبيِّ لأَعَرَاضِ الارتفاعِ الزَّائِدِ في مَنْسُوبِ ذاك الهرمونِ «الجَذَلِيِّ» المُسَمَّى عُضْوِيًّا بالـ«دوپامين» Dopamine، لدى فَلِّ هؤلاءِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ «الأَمَاثِلِ»، مِمَّا يمنحُهُمْ شُعُورًا مَاثلاً بِـ«الجَذَلِ» المُفْرِطِ حَدًّا وإلى حَدِّ التمثيلِ المَرَضِيِّ الخَطِيرِ لإحدى هَيْئَتَي هذا الدَّاءِ الذِّهْنِيِّ المَدْعُوِّ نفسيًّا بـ«الوُهَامِ» Paranoia، ألا وهي هَيْئَةُ «الوُهَامِ العُظَامِيِّ»، في مقابلِ هَيْئَةِ «الوُهَامِ الصُّغَارِيِّ» التي يعرضُونَهَا في حالاتٍ سريريَّةٍ معيَّنَةٍ أُخرى كذلك. تِلْكُمَا إذن هُمَا الحَالانِ، أعْنِي حَالَيْ ذلك الاِستحْوَاذِ اللاسَوِيِّ، ابتداءً من نُشُوءِ مَا سُمِّيَ حينَئذٍ بـ«حركاتِ التحرُّرِ الوطنيِّ»، أو حتى «القوميِّ»، بُعَيْدَ أَوَارِ تلك «الحربِ العالميةِ الثانيةِ» WWII، وانتهاءً واستمرارًا بِنُشُوبِ نيرانِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ «الرَّبيعيِّ» خلالَ مَا خَلا من عقدٍ دَمَوِيٍّ ودَامٍ من هذا الزَّمَانِ المُدَمَّى، في تلك البلدانِ العربيةِ التي تَقنَّعَتْ طَبَقَاتُ حُكْمِهَا بالقِنَاعِ «الجمهوريِّ»، أوِ «الاشتراكيِّ»، في تونسَ وليبيا ومصرَ واليمنِ وسوريا، على الأخصِّ وعلى الأقلِّ تقديرًا. إلاَّ أنَّ سَيْرورةَ هذا الثَّوَرَانِ الشعبيِّ لمْ تدأبْ، حقيقةً، ذلك الدُّؤُوبَ المَأمُولَ منهُ نحوَ آلَاءِ حُرِّيَّةٍ وعَدَالةٍ اِجتماعيَّةٍ كانتْ شُعُوبُ هذِهِ البلدانِ المقهُورةُ من كلِّ الجِهَاتِ، ومَا بَرِحَتْ كذاك، تَتُوقُ إليهِمَا أيَّمَا تَوْقٍ، كبدايةٍ لحَاضِرٍ جَديدٍ وبدايةٍ لمستقبلٍ مَجيدٍ. ومَرَدُّ ذلك، أوَّلاً وآخِرًا، إلى رُجْحَانِ كَفَّةِ الميزانِ رُجْحَانًا أَوَانِيًّا في الوَجْهِ الخَبيثِ المُقَابِلِ (للوَجْهِ الحَميدِ أو السَّليمِ) من قضيةِ مَا يُفْضِي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ، عندمَا يدافعُ السُّفَهَاءُ والمُرَاؤونَ والمتملِّقونَ والمتزلِّفونَ، على اختلافِ مَشَارِبِهِمْ وعلى ائتلافِ مَآرِبِهِمْ، عندمَا يدافعونَ عن شَخْصِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ (كمثلِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وخليفة بلقاسم حفتر، وغيرِهِمْ) تشويهًا وتشنيعًا لوَجْهِ الحقيقةِ، وعندمَا يتيحونَ من ثمَّ لتلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، منهُمْ أنْ يحملوا مَا يتيسَّرُ وَ/أوْ مَا يتعسَّرُ لهُمْ من «مشاعِلِ» الثَّوَرَانِ المُضَادِّ، إلى أجلٍ مَسَمًّى، حتى لو كانوا يظنُّونَ ظَنِينًا، أو كانوا في المُقَابِلِ يُوقِنونَ يَقِينًا، أنَّ هذا الثَّوَرَانَ المُضَادَّ ذاتَهُ، في إبَّانِ المَسَارِ التاريخيِّ «الطبيعيِّ»، ليسَ إلاَّ طورًا مَذمُومًا من أطوَارِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ (الكونيِّ) ذاتِهِ، طورًا مَحْتُومًا زمَانيًّا ومَحْسُومًا مَكَانيًّا مهمَا امتدَّ زَمَانُهُ ومهمَا اتَّسَعَ مَكَانُهُ، طورًا مَحْمُومًا ومَسْمُومًا لَا بُدَّ لَهُ من أنْ يسْعَى إلى حَتْفِهِ بِأظْلافِهِ، حينمَا تندلعُ ألْسِنَةُ اللَّهَبَانِ الخَبيءِ من جديدٍ عَاليًا عَاليًا، وحينمَا تُعْلِنُ هذهِ الألْسِنَةُ بسَعِيرِهَا العَارمِ إرْهاصَاتِ الطورِ القَرَارِيِّ الأخيرِ، طورِ الحَسْمِ الثوريِّ الذَّخِيرِ، شاءَتْ أرْجَاسُ تلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، ومَنْ تُكِنُّ الوَلاءَ لهُمْ من لفيفِ أسْيَادِهَا الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، أمْ أبتْ.
لِيْ أنْ أقولَ هٰذا القولَ بكلِّ تفاؤُلٍ وافْتِآلٍ وإِنْ كَانَا بعيدَيْنِ هناك في المَآلِ، مرَّةً أُخرى، رَغْمَ أنَّهُ، في عَيْنِ «مَعْمَعَانِ» هذا الطورِ المَذْمُومِ والمَحْمُومِ والمَسْمُومِ، طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ المَحْتُومِ والمَحْسُومِ الذي تمرُّ بِهِ سَيْرورةُ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ ذاتِهِ، رغمَ أنَّهُ ينجلي فيهِ انجلاءً، على أدْنَى تخمينٍ، عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» مُتَفَاضِلانِ ومُتَكَامِلانِ في آنٍ معًاِ، أَوَّلُهُمَا داخليٌّ مباشرٌ وثانيهمَا خارجيٌّ لامباشرٌ، عاملانِ قَمْعِيَّانِ يعملانِ على إدَامَةِ هذا الطورِ، وعلى دَيْمُومَةِ مُنْتَهَاهُ، بأيَّتِمَا ذريعةٍ سياسيةٍ براغماتيةٍ كانتْ، حتى لو كانتْ هذِهِ الذريعةُ لاأخلاقيةً في الصَّميمِ، وحتى لو كانتْ هذهِ الذريعةُ لاإنسانيةً، لا بَلْ مَا دُونَ-حَيَوانِيَّةً، في صَميمِ الصَّميمِ: ينجلي العاملُ القَمْعِيُّ الداخليُّ المباشرُ، من طرفٍ أَوَّلَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ العسكريِّ و«السَّمْكريِّ» المَرْئيِّ الذي كانَ فَلُّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، في «الجمهورياتِ» أو في «الاشتراكيَّاتِ»، ومَا انفكُّوا كذاك، يتولَّوْنَ القيامَ بِهِ على أكملِ وَجْهٍ وبكلِّ مَا أُوتوا «مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ»، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وخليفة بلقاسم حفتر، كمَا ذُكِرَ. ففي قرينةِ المَآلِ الوَخِيمِ الذي آلَتْ إليهِ «سوريا» ذلك الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الأوَّلِ، وأيَّةً كانَتْ بهَيْئَةٍ أَوْ بأُخرى راهنيَّةُ التمثيلِ المُؤَوَّلِ، فإنَّ أزلامَ النظامِ الأسديِّ الطائفيِّ المَافْيَوِيِّ الإجراميِّ إنَّمَا يتحمَّلُونَ المسؤوليةَ كلَّهَا عن أكبرِ نسبةٍ من نِسَبِ الاختفاءِ القَسْريِّ حتى الآنَ من حينِهِ (90%)، حيثُ يخضعُ المختفونَ والمختفياتُ، على اختلافِ أعمارِهِمْ وأعمارِهنَّ، قَسْرًا إلى أسَاليبَ تعذيبيَّةٍ غايةٍ في الوحشيَّةِ والهمَجيَّةِ والحُوشِيَّةِ، وأشدَّ من ذلك حتى: وهذهِ النسبةُ الشُّؤْمَى تستبيءُ قِمَّتَهَا اللاإنسانيةَ، لا بَلْ مَا دُونَ-الحَيَوانِيَّةَ، وحدَهَا، ووحدَهَا فقط، في مقابلِ نسبةِ الاختفاءِ القَسْريِّ الذي يتحمَّلُ المسؤوليةَ عنهُ بكليَّتِهِ أيضًا كلُّ مَا تبقى من أطرافِ الاحترابِ والتحَارُبِ «المُحْتَدِمَيْنِ» في مَسْرَحِ الدِّمَاءِ السُّوريِّ (10%)، كمثلِ تنظيمِ «الدولةِ الإسلاميةِ» (أو «داعش»، اختصارًا)، وتنظيمِ «هيئةِ تحريرِ الشَّامِ» (أو «جبهةِ النُّصْرةِ»، سَابقًا)، وتنظيمِ «حزبِ الاتحادِ الديمقراطيِّ الكرديِّ»، وغيرِهَا من تنظيماتِ فصائلِ «المعارضةِ المسَلَّحَةِ» الأُخرى. وينجلي العاملُ القَمْعِيُّ الخارجيُّ اللامباشرُ، من طرفٍ آخَرَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ الاقتصاديِّ و«العتاديِّ» اللَّامَرْئِيِّ الذي باتَ فَلُّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ (أو، بالقَمِينِ، ممثِّليهِمْ من أولئك «الانفتاحِيِّينَ» و«الحَداثوِيِّينَ» الجُدُدِ)، في «الإماراتِ» أوْ في «المملكاتِ»، ومَا فَتِئُوا كذاك، يتولَّوْنَ القيامَ بِهِ على قَدَمٍ وسَاقٍ، ولكنْ من وراءِ الكواليسِ والكراريسِ، بكلِّ ما أُوتوا من «حِرَانٍ»، لا بلْ من «خِلاءٍ» بعبارةٍ إبْلِيَّةٍ بَدَويةٍ بَيْدَاويَّةٍ أقربَ إليهِمْ، من أمثالِ محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، على وجهِ التحديدِ. كلُّ هذا «القيامِ على القَدَمِ والسَّاقِ» إنْ هو، في وَاقِعِ المَسَاقِ، إلاَّ تخوُّفٌ دفينٌ من وُصُولِ المَدِّ الثوريِّ إلى عُقْرِ الديارِ، في «الإماراتِ» أو حتى في «المملكاتِ»، وَاعِدًا بآلاءِ الحُرِّيَّةِ والعَدَالةِ الاجتماعيةِ بوَصْفِهِمَا «ألَدَّ عَدُوَّتَيْنِ» جَاثِمَتَيْنِ لِهٰذَيْنِ الطاغيتَيْنِ الفاشِيَّيْنِ «الانفتاحِيَّيْنِ» و«الحَداثوِيَّيْنِ»، دونَ غيرِهِمَا – ناهيكُمَا بالطبعِ، أيَّتُهَا القارئةُ الكريمةُ وأيُّهَا القارئُ الكريمُ، عن أنَّ هذا «القيامَ على القَدَمِ والسَّاقِ» لا يتمُّ أيَّ تَمَامٍ إلاَّ من خلالِ أوامِرَ مدروسَةٍ تأتيهِمَا من لفيفِ أسْيَادِهِمَا في أمريكا وبريطانيا وإسرائيلَ، على وجهٍ أكثرَ تحديدًا، أوامِرَ مدروسَةٍ تأتيهِمَا آنًا بعدَ آنٍ، وعلى شَاكلةِ «التَّحَكُّمِ عنْ بُعدٍ» Remote Control تِبْعًا لظروفِ الزَّمَانِ والمَكَانِ – وناهيكُمَا، بطبيعِةِ الحَالِ، عن ذلك التَّحَابُبِ «الفُجَائِيِّ»، لٰكِنِ المِرَائِيِّ، بينَ عُرْبَانِ النَّفْطِ في «الإماراتِ» وبينَ رُؤُوسِ العَفْطِ في «الاتحاداتِ»، على وجهٍ أكثرَ تحديدًا بكثيرٍ، ذلك التَّحَابُبِ العَجَائبيِّ والغَرَائبيِّ الذي أسْفَرَ عنهُ إتْمَامُ عُقُودِ التَّصَافُقِ الليليِّ والنهاريِّ إذَّاك مَا بينَ الشركةِ الإماراتيةِ الشهيرةِ «مبادلة البترول» والشركةِ الروسيةِ الأشهرِ حتى «غازبروم» Газпром، وذلك سَعْيًا حَاثًّا حثيثًا إلى تطويرِ عددٍ من حُقولِ النَّفْطِ والعَفْطِ في الجَانِبِ الغربيِّ من «سيبيريا» Siberia، وعلى مَقْرَبَةٍ من سُفُوحِ تلك الجِبَالِ التي تَسَمَّتْ، عَصْرَئِذٍ، بالـ«أورالِ» Ural باسْمِ ذاك البطلِ الأسطوريِّ المُتَحَزِّمِ شَامِخًا بـ«حِزَامٍ نَضَيدٍ بالحَصَيَاتِ والصُّخُورِ»، تمامًا مثلمَا يتحزَّمُ أَرَاهِيطُ عُرْبَانِ النَّفْطِ هؤلاءِ شَامِخِينَ بـ«أحْزِمَةٍ نَضِيدَةٍ بالفَشَكَاتِ والخَرَاطِيشِ».
وهكذا، وبدافعٍ من غَضَبٍ ومن سُخْطٍ دفينَيْنِ مَعْجُونَيْنِ باسْتِسْخَارٍ وباسْتِصْغَارٍ لا يحتاجَانِ بَتًّا إلى أيِّمَا تعليلٍ أو تفسيرٍ، كنتُ على الدَّوَامِ، كما كانَ الكثيرُ من الأخَوَاتِ القادمَاتِ والإخوةِ القادمينَ من ذاك العالمِ العربيِّ المَرْسُومِ بِدَمْعِ، لا بَلْ بِدَمِ، التَّفَجُّعِ والمَأسَاةِ مِمَّن تعرَّفتُ إليهِنَّ وإليهِمْ في بلادِ التغرُّبِ والشَّتاتِ، كنتُ على الدَّوَامِ أستخدمُ في الكتابةِ والكلامِ عبارةَ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ»، أو «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ»، حَسْبَمَا يقتضيهِ الحَالُ واللامَحَالُ في اللغةِ العربيةِ الأُمِّ، أو في أَيَّةِ لغةٍ أجنبيةٍ بالإزَاءِ غيرِهَا، وذاك بُغْيَةً للإشارةِ الجَلِيَّةِ والمَلِيَّةِ إلى أمثالِ ذينك الطاغيتَيْنِ الفاشِيَّيْنِ «الانفتاحِيَّيْنِ» و«الحَداثوِيَّيْنِ» المعنيَّيْنِ، في «الإماراتِ» و«المملكاتِ»، وإلى زبانِيَتِهِمْ كذاك مَاهِنِينَ عِتَافًا واحدًا واحدًا، وإلى كلِّ مَنْ يُكِنُّونَ الوَلاءَ لهمْ، في الجَهَارِ وفي الخَفاءِ، من شعُوبِهِمْ ذَوَاتِهَا، ومن غيرِهَا من الشعُوبِ العربيةِ وغيرِ العربيةِ، دُونَمَا الاستثناءِ. وهٰذانِ الاِسْتِسْخَارُ والاِسْتِصْغَارُ اللذانِ لا يحتاجَانِ إلى أيِّمَا تعليلٍ أو تفسيرٍ، علاوةً على ذلك، إنَّمَا يشيرَانِ بِجَلاءٍ ومَلاءٍ أشدَّ من سَابقِهِ حتى، وبالأخصِّ إلى أولئك الموظَّفاتِ العربياتِ والموظَّفينَ العربِ، وهنَّ «يَرْتَعْنَ» وهمْ «يَرْتَعُونَ» في شتَّى مَجَالاتِ توظيفهِنَّ وتوظيفهِمْ في التدريسِ والطِّبَابةِ والهندسَةِ والمُحَامَاةِ وغيرِهَا، أولئك الطُّفَيْلِيَّاتِ اللواتي يَعْتَشْنَ، والطُّفَيْلِيِّينَ الذينَ يَعْتَاشُونَ، على «الفائضِ» من أموالِ «الإماراتِ» و«المملكاتِ» بالذواتِ، وأولئك المتطفِّلاتِ اللواتي يَقْتَتْنَ، والمتطفِّلينَ الذينَ يَقْتَاتُونَ، على «الفَضْلِ» من أطعمتِهَا كذلك. فكمْ هو مثيرٌ للتقزُّزِ والقَرَفِ أنْ يُشْتَفَّ من هؤلاءِ الطُّفَيْلِيَّاتِ المتطفِّلاتِ أنفسِهِنَّ، ومن هؤلاءِ الطُّفَيْلِيِّينَ المتطفِّلينَ أنفسِهِمْ، وقدِ اكتظَّتْ جيوبُهُنَّ وجيوبُهُمْ من تلك «الفوائضِ»، وقدِ امتلأتْ بطونُهُنَّ وبطونُهُمْ من تلك «الفَضَلاتِ»، كمْ هو مثيرٌ للتقزُّزِ والقَرَفِ أنْ يُشْتَفَّ منهنَّ ومنهُمْ كلَّ الاِشْتِفَافِ، من وَجْهٍ «حَميدٍ» أوْ «سَليمٍ»، فَخَارٌ ليسَ بعدَهُ فَخَارٌ بِمَا نَجَزَهُ وأنْجَزَهُ من «تقدُّمٍ» ومن «حَضَارةٍ» لَفيفُ أسْيَادِهِنَّ وأسْيَادِهِمْ من عُرْبَانِ النَّفْطِ مِمَّنْ وَصَفْتُهُمْ قبلَ قليلٍ بعبارةِ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ»، أو «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ»، أيَّا كانوا. وكمْ هو حتى أشدُّ إثارةً للتقزُّزِ والقَرَفِ أنْ يُشْتَفَّ منهنَّ ومنهُمْ كلَّ الاِشْتِفَافِ، في الوَجْهِ الخَبيثِ النقيضِ، دِفاعٌ مُسْتَمِيتٌ عن شَخْصِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ، تَحَرُّزًا واحْتِرَازًا من فُقْدَانِ مَا اكتظَّتْ بِهِ جيوبُهُنَّ وجيوبُهُمْ من تلك «الفوائضِ» عينِهَا على «أملٍ إبْلِيسِيٍّ» بِعودتِهِنَّ وعودتِهِمْ إلى أحضَانِ «الوطنِ الحبيبِ» في ظَنِّهِنَّ وظَنِّهِمْ – وهٰذا الدفاعُ المُسْتَمِيتُ، في حدِّ ذاتِهِ، لا يختلفُ بَتَّةً، من حيثُ لاأخلاقيَّتُهُ الذرائعيَّةُ في الوصولِ والانتهازِ الشَّائنَيْنِ، عن «دفاعِ» أولئكَ السُّفَهَاءِ والمُرائينَ والمتملِّقينَ والمتزلِّفينَ في ذاتِ الوَجْهِ الخَبيثِ النقيضِ من قضيةِ مَا يُفْضِي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ ذاتِهَا، شَخْصِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ ذاتِهِ، كمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ. والآنَ، في هذا الأَوَانِ، وبعدَ انقضَاءِ أكثرَ مِنْ سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ مُسْتَخْفِيَيْنِ بِاللَّيْلِ وَسَارِبَيْنِ بِالنَّهَارِ حِينَذَاك، سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ بينَ آلِ سعود وآلِ صهيونَ، من جهةٍ أولى، وبينَ آلِ صهيونَ وآلِ نهيانَ، من جهةٍ أخرى، وبينَ آلِ نهيانَ وآلِ سعود، من كلٍّ من الجهتَيْنِ، صَارتِ العبارةُ المَعْنِيَّةُ ذاتُهَا قدَّامَ الكبيرِ وقدَّامَ الصَّغيرِ وقدَّامَ حتى المُقَمَّطِ بالسَّريرِ عبارةَ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ المُؤَسْرَلِينَ»، أو «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ المُتَأسْرِلِينَ»، حَسْبَمَا يقتضيهِ الحَالُ واللامَحَالُ كذلك. وبهذا، وبذلك، فقدْ تحقَّقَ بالحَقِّ والفعْلِ مَا تنبَّأَ بِهِ المُخَضْرَمُ الشاعرُ الفَذُّ، مظفر النوَّاب، عندمَا قالَ بالقولِ السَّلِيقِ والصَّفِيقِ عَمْدًا في خِتَامِ قصيدتِهِ الشهيرةِ «تلُّ الزَّعْتَرِ» قبلَ أكثرَ من أربعينَ عامًا: «لٰكِنْ يَا سَادَةُ، يَا سَادَهْ / لَنْ يَتَعَشَّى أَحَدٌ في الشَّرْقِ العَرَبِيِّ عَلى طَبَقٍ مِنْ ذَهَبٍ / صَرَّحَ نَفْطُ ابْنِ الكَعْبَةِ / [لا بَلْ صَرَّحَ نَفْطُ ابْنِ القَحْبَةِ] / صَرَّحَ أَنْ يُعْقَدَ مُؤْتَمَرٌ بِالصُّدْفَةِ / وَاللّهِ بِمَحْضِ الصُّدْفَةِ كَانَ سُدَاسِيًّا / أَرْكَانُ النَّجْمةِ سِتٌّ بِالكَامِلِ / يَا نَجْمَةَ دَاوُدَ ابْتَهِلِي [عَرَبًا] / يَا مَحْفِلَ مَاسُونَ تَرَنَّحْ طَرَبًا / يَا إِصْبَعَ كِيسِنْجَرَ إِنَّ الإسْتَ المَلَكِيَّ سُدَاسِيٌّ»، إلى أوَّلِهِ، إلى أوَّلِهِ، من تلك القصيدةِ الشهيرةِ!
ثَمَّةَ في ذاك الحِينِ المُحَانِ، إذنْ، أكثرُ مِنْ سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ مُسْتَخْفِيَيْنِ بِاللَّيْلِ وَسَارِبَيْنِ بِالنَّهَارِ، سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ مَا انْفَكَّتَا إِذَّاكَ تلتهبَانِ تَشَاغُفًا وتَعَالُقًا وتَعَاشُقًا مَا بينَ أطرافِ ذلك الثالوثِ المُدَنَّسِ، ثالوثِ «الآوَالِ» المُجَنَّسِ، أو ثالوثِ «الآيَالِ» المُنَجَّسِ (مثلمَا تُريدانِ هٰهُنَا)، آلِ الصَّهَايِينِ وآلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ ذَوَاتِهِمْ، في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ وحتى في وَسَطٍ وَسِيطٍ وَاسِطٍ فيمَا بَيْنَ بَيْنَ. لكنَّ اشتدادَ أوَارِ هذا الالتهابِ التَّشَاغُفِيِّ والتَّعَالُقِيِّ والتَّعَاشُقِيِّ، في إبَّانِ هٰتَيْنِ السَّنتَيْنِ السَّمْنيَّتَيْنِ والعَسَليَّتَيْنِ، وفي إبَّانِ خَمْسٍ مُخَمَّسَةٍ قبلَهُمَا (أو يزيدُ حتى) من سَنَوَاتِ ذينك الاِرْتِهَازِ واللااِرْتِهَازِ ومَا بينَهُمَا كذلك، لكنَّهُ لا ينشَأُ نُشُوءًا ذَاتِيًّا لاإراديًّا هٰكذا، كمَا ينبثقُ الْتِحَاصُ الجُمُوحِ الرَّغَائبِيِّ أيًّا كانَ، حتى قبلَ أنْ يُصَارَ إلى إشْبَاعِ الرَّغَائبِ المعنيَّةِ، أو حتى قبلَ أنْ يُصَارَ إلى تكْبِيتِ هذِهِ الرَّغَائبِ (تِبْعًا لما يُتَاحُ، أو لا يُتَاحُ، للنيابةِ الإنسانيةِ من حُرِّيَّةٍ نفسيةٍ وَ/أوِ اجتماعيةٍ)، بلْ ينشَأُ نُشُوءًا آخَرِيًّا إراديًّا، على النقيضِ التَّامِّ، نُشُوءًا يَرْقُبُ «رَسْمَهُ البَيَانيَّ» Diagram مِرْقَابٌ مِقْرَابٌ رُقُوبَ الدَّيْدَبَانِ «الأمينِ»، ومنْ لَدُنْ طَرَفَيْ ثَانُوءٍ دَنَسِيٍّ أو «جَنَسِيٍّ» أو نَجَسِيٍّ كذلك، أحدُهُمَا إِذَّاكَ أمريكيٌّ ذو تجسيدٍ «ترامْبيٍّ» جَليٌّ في أكثرِ الأحَايينِ، والآخَرُ روسيٌّ ذو تجسيمٍ «بوتينيٍّ» جَليٌّ حينًا وخَفِيٌّ حينًا آخَرَ حَسْبَمَا يقتضيهِ كذاكَ دورُهُ المَكِينُ. من هُنا، من تَسَافُدِ أطرافِ ذاك الثَّالُوثِ المُدَنَّسِ و«المُجَنَّسِ» والمُنَجَّسِ، من جَانبٍ أوَّلَ، ومن تَسَافُحِ طَرَفَيْ هذا الثَّانُوءِ الدَّنَسِيِّ و«الجَنَسِيِّ» والنَّجَسِيِّ، من جَانبٍ ثانٍ، يجيءُ الرَّسْمُ البَيَانيُّ للصُّورةِ «الليبراليةِ» و«التقدُّميةِ» التي فَبْرَكَهَا طاغيةُ آلِ النَّهَايِينِ الفاشيُّ، محمد بن زايد، لطاغيةِ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيِّ الآخَرِ، محمد بن سلمان، أمامَ كلٍّ من العَالَمِ العربيِّ والعَالَمِ الغربيِّ، على حدٍّ سَوَاءٍ. فمَا إنْ بانتْ إرهاصَاتُ هذِهِ الصُّورةِ «الليبراليةِ» و«التقدُّميةِ» المُفَبْرَكَةِ في العَالَمِ العربيِّ، على وَجْهِ الخُصُوصِ، حتى شَرَعَ طاغيةُ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيُّ الآخَرُ ذاتُهُ في تعزيزِهَا تعزيزًا دوليًّا وتعزيزًا عالَمِيًّا من خلالِ إصْدارِ ذلك «المرسُومِ الملكيِّ» الشهيرِ الذي يُجيزُ للنساءِ قيادةَ السَّيَّارَاتِ، من بينِ أشياءٍ أُخرى، على الرَّغْمِ من قَمْعِهِ الجَوْرِيِّ لكلِّ مَسَاعي المثقَّفينَ والصِّحافيِّينَ في السُّؤَالِ المُلحِّ عن مَآلاتِ أولئك النساءِ المُعْتَقَلاتِ في سُجُونِ آلِ السَّعَادِينِ، من مثلِ: سمر بدوي ونسيمة السادة (وهُمَا تانك الناشطتانِ اللتانِ كانتا قدْ دافعتا عنْ حقِّ المرأةِ في قيادةِ السَّيَّارَاتِ ذاتِهَا، قبلَ كلِّ شيءٍ)، وعلى الرَّغْمِ من قَمْعِهِ الجَوْرِيِّ كذلك لكلِّ مَسَاعي المثقفاتِ المُعَارِضَاتِ في المُطالبةِ بشيءٍ من آلاءِ الحُرِّيَّةِ والعَدَالةِ الاجتماعيةِ، من مثلِ: نهى البلوي وإسراء الغمغام (وهُمَا أيضًا تانك الناشطتانِ اللتانِ كانتا تعملانِ جَادَّتَيْنِ في مَجَالِ حُقُوقِ الإنسانِ تحديدًا، حتى أنَّ أزلامَ آلِ السَّعَادِينِ الإجراميِّينَ أنفسِهِمْ كانوا يناشدونَ «القَضَاءَ الملكيَّ» في ذاك الأوَانِ بإعدامِ هذِهِ الناشطةِ الأخيرةِ بعدَ اعتقالِهَا لأكثرَ من ثلاثةِ أعوامٍ حِينَهَا وبدونِ أيَّتِمَا مُحَاكمةٍ). ومن هُنا أيضًا، من تَسَافُدِ أطرافِ ذاك الثَّالُوثِ المُدَنَّسِ و«المُجَنَّسِ» والمُنَجَّسِ، من ذاك الجَانبِ الأوَّلِ، ومن تَسَافُحِ طَرَفَيْ ذلك الثَّانُوءِ الدَّنَسِيِّ و«الجَنَسِيِّ» والنَّجَسِيِّ، من ذلك الجَانبِ الثَّاني، يجيءُ الرَّسْمُ البَيَانيُّ الآخَرُ للصُّورةِ «الكاريزماتيةِ» و«الشَّعْبَوِيَّةِ» التي ابْتَدَعَهَا طاغيةُ آلِ السَّعَادِينِ، محمد بن سلمان، بدورِهِ الفاشيِّ هو الآخَرُ، لطاغيةِ آلِ النَّهَايِينِ، محمد بن زايد، أمَامَ كلٍّ من العَالَمَيْنِ العربيِّ والغربيِّ، على حدٍّ سِوًى، بالمَثَابةِ ذاتِهَا – ولَوْ أنَّ هٰذِهِ الصُّورةَ «الكاريزماتيةَ» و«الشَّعْبَوِيَّةَ» المُبْتَدَعَةَ في العَالَمِ الغربيِّ، على وَجْهِ التخصيصِ، قَدْ جَاءتْ، في حقيقةِ الأمرِ، بإيعَازٍ أمريكيٍّ مباشرٍ، هذِهِ المرَّةَ، وذلك لمُجَرَّدِ النظرِ إلى طاغيةِ آلِ النَّهَايِينِ الفاشيِّ عَيْنِهِ بوَصْفِهِ «أفضلَ تَابِعٍ» يخدمُ المَصَالحَ الأمريكيةَ على الصَّعيدَيْنِ الاقتصَّاديِّ والعسكريِّ، على أقلِّ تقديرٍ.
فلا غَرْوَ، إذنْ، معَ ذلك التَّسَافُدِ الثَّالُوثِيِّ المُدَنَّسِ مَا بينَ آلِ الصَّهَايِينِ وآلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ، ومعَ ما يَسْبِقُهُ من تَسَافُحٍ ثَانُوئِيٍّ دَنَسِيٍّ مَا بينَ آلِ «الطَّرَابِينِ» وآلِ «البَوَاطِينِ»، من حينٍ إلى حينٍ، لا غَرْوَ أنْ تصيرَ العبارةُ المَعْنِيَّةُ في وَصْفِ هؤلاءِ العُرْبَانِ، قدَّامَ أبْصَارِ بناتِ حوَّاءَ وقدَّامَ أنْظَارِ أبناءِ آدمَ أجمعينَ، لا غَرْوَ أنْ تصيرَ عبارةَ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ المُؤَسْرَلِينَ المُرَوَّسِينَ»، أو عبارةَ «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ المُتَأسْرِلِينَ المُتَرَوِّسِينَ»، حَسْبَمَا يقتضيهِ الحَالُ واللامَحَالُ، كمَا هي الحَالُ في سَابقتَيْهَا، كذلك. ولا غَرْوَ، لا غَرْوَى، فوقَ ذلك كُلِّهِ حتى، أن تكونَ الأحُبُولةُ الإستيراتيجيةُ على نَحْوٍ لا يقبلُ الجِدَالَ ولا يقبلُ السِّجَالَ هي ذاتُهَا، منذُ البدايةِ عَيْنًا، ألا وهي: «التَّعَاضُدُ الأمْنِيُّ مِنْ أجْلِ مُحَارَبَةِ الإرْهَابِ المُتَمَثِّلِ في تنظيمِ «الإخْوَانِ المُسْلِمينَ» ومَنْ على شَاكِلَتِهِمْ»، تلك الأحُبُولةُ الإستيراتيجيةُ الوَضِيعةُ التي كانَ فَلُّ الطُّغاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أنفسِهِمْ، في «الجمهورياتِ» أو في «الاشتراكيَّاتِ»، ومَا انفكُّوا كذاكَ، يتذرَّعُونَ بِهَا بغيةَ الاسْتِوَاءِ على عُروشِ الحُكْمِ إلى يومِ يُبْعَثُونَ، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وخليفة بلقاسم حفتر، كما تَمَّ ذِكْرُهُ آنفًا. باختصَارٍ شَديدٍ، ذلك التَّسَافُدُ الثَّالُوثِيُّ المُدَنَّسُ، تحتَ مِرْقَابِ ذلك التَّسَافُحٍ الثَّانُوئِيِّ الدَّنَسِيِّ ليلَ نَهَارٍ، إنَّمَا كانَ، ولَمَّا يَزَلْ، منذُ البَدْءِ، يعملُ دَائِبًا، وبكلِّ مَا أوتِيَ «مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ» (كَيْ نكرِّرَ التعبيرَ القرآنيَّ ذاتَهُ، هٰهُنا أيضًا)، على مُسَانَدَةِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ «الخَرِيفيِّ»، بأطولِ مَا يُمْكِنُ مِيعَادًا، في مَوَاطِنِهِ الأصليةِ، من طرفٍ أوَّلَ، وعلى إخْمَادِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ «الرَّبِيعِيِّ» بأسرعِ مَا يُمْكِنُ ميقاتًا، خوفًا من وصُولِهِ إلى عُقْرِ الدِّيَارِ في «الإماراتِ» و«المملكاتِ»، من طرفٍ آخَرَ. إنَّهُ ذلك العملُ الدَّؤوبُ من لَدُنْ آلِ النَّهَايِينِ (وبرِضْوَانٍ من آلِ السَّعَادِينِ أنفسِهِمْ) لَهُوَ الذي تمخَّضَ عنهُ شَنٌّ عنيفٌ لكلِّ أنواعِ الحملاتِ الإعلاميةِ والتسليحيةِ لكيمَا يُعَادَ الحُكْمُ الطغيانيُّ الإجراميُّ العسكريُّ في مصرَ، متمثِّلاً في الطاغيةِ الفاشيِّ العتيِّ المُصْطَنَعِ، عبد الفتاح السيسي، سفاحِ «ساحةِ رابعة» المعروفِ، وذلك بحُجَّةِ أنَّ لدى الرئيسِ المنتخَبِ انتخابًا ديمقراطيًّا، محمد مرسي (آنَذَاكَ قبلَ أنْ يَرْحَلَ عن هذِهِ الدُّنْيَا)، وذاك بحُجَّةِ أنَّ لدَيْهِ مَآربَ خفيَّةً في إلزامِ أحكامِ «الشَّريعةِ الإخْوَانِيَّةِ» في البلادِ. وإنَّهُ ذلك العملُ الدَّؤوبُ من لَدُنْ آلِ النَّهَايِينِ (وبرِضْوَانٍ من آلِ السَّعَادِينِ أنفسِهِمْ كذلك) لَهُوَ الذي أسْفَرَ عنهُ سَعْيٌ حثيثٌ إلى انتقاضِ أيِّمَا شكلٍ من أشكالِ التجربةِ الديمقراطيةِ في تونسَ، متمثِّلةً على الأخصِّ في حركةِ «النهضةِ» (أو حركةِ «الاتجاهِ الإسلاميِّ»، سَابقًا)، وذلك أيضًا بحُجَّةِ أنَّ لهذِهِ الحركةِ المنتخَبَةِ انتخابًا ديمقراطيًّا كذاكَ مَرَاميَ إجبارِ أحكامِ «الشَّريعةِ الإخْوَانِيَّةِ» في البلادِ، بذاتِ المَثَابةِ – هذا إنْ لمْ يُورَدْ بشيءٍ من الإسْهَابِ عن تآمُرِ آلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ تآمرًا مخابراتيًّا (محليَّا، وبمعيَّةِ جهازِ مخابراتِ الآلِ الأوائلِ) على مزاولةِ الاضطهادِ اللاإنسانيِّ بحقِّ كلِّ مَنْ ينتمي إلى حركةِ «الإصلاحِ» الإماراتيةِ ذاتِ «التطلُّعَاتِ الإخْوَنْجِيَّةِ» مَأْرَبًا، بدورِهَا هي الأُخْرِى – وهذا إنْ لمْ يُذْكَرْ بشيءٍ من الإطْنَابِ أيضًا عن تواطؤِ آلِ النَّهَايِينِ وآلِ الصَّهَايِينِ تواطؤًا مخابراتيًّا (لامحليَّا، وبمعيَّةِ جهازِ مخابراتِ الآلِ الأواخرِ، «الموساد» המוסד بالذاتِ، هذهِ المرَّةَ) على ممارسةِ الاغتيالِ مادونَ-الحَيَوَانِيِّ، في فندقٍ إماراتي حِينَهَا، بحقِّ الناشطِ القياديِّ «الحَمْسَاويِّ»، محمود المبحوح، ذي «التوجُّهَاتِ الإخْوَنْجِيَّةِ» مَأْرَبًا كذلك، بدورِهِ هو الآخَرُ، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ.
وفي الأخيرِ هٰهُنَا
مَرَّةً أُخْرَى، ولكي نوردَ ذلك المِنْوَالَ الحَزِينَ والمُحْزِنَ الذي يُعيدُ «الذكرى»
إلى وَرَاءِ الوَرَاءِ في التاريخِ القديمِ الأشَدِّ حُزْنًا والأشَدِّ إحْزَانًا،
كانَ العربُ يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا حينمَا كانوا يَحْيَوْنَ حَيَاةَ التهدُّمِ والبَدَاوَةِ، أوْ حينمَا كانوا من
قبلُ «كَأُمَّةٍ وَحْشِيَّةٍ، أَهْلَ نَهْبٍ وَأَهْلَ عَبَثٍ»، على حدِّ تعبيرِ
العلاَّمَةِ الفذِّ ابنِ خلدونٍ. وفي الأخيرِ، هٰهُنَا مَرَّةً أُخْرَى أيضًا،
ولكي نوردَ ذلك
المِنْوَالَ الألِيمَ والمُؤْلِمَ الذي يستعيدُ «الذكرى» ذاتَهَا إلى أمَامِ
الأمَامِ في التاريخِ الحديثِ الأشَدِّ ألَمًا والأشَدِّ إيلامًا، صَارَ العربُ
(المتمثِّلونَ في أولئك «العُرْبَانِ» المعنيِّينَ الذين لا يختلفونَ، سُلوكًا ولا
تفكيرًا، عَنْ مَا يُسَمَّوْنَ تَعْرِيبًا بـ«القَنْبَلِيِّينَ»، أَوْ «أَكَلَةِ اللَّحْمِ
الآدميِّ» Cannibals، في بَاطِنِ الأمرِ)، صَارُوا يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا حتى عندما
صَارُوا الآنَ يَحْيَوْنَ حَيَاةَ «التقدُّمِ» و«الحَضَارةِ»،
لا بَلْ صَارُوا الآنَ معَ هذِهِ الحياةِ يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا قتلاً
عُصَابيًّا وقتلاً ذُهَانيًّا لمْ يسبقْ لأيٍّ منهمَا مثيلٌ، وذاكَ
لأنَّهُمْ صَارُوا من بعدُ «كَأُمَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً، أَهْلَ كُلِّ النَّهْبِ
وَأَهْلَ كُلِّ العَبَثِ»، استئناسًا بتعبيرِ ابنِ خلدونٍ
ذاتِهِ، أو بصُورةٍ أرْقى بَيَانًا وبَلاغةً وفَصَاحةً، حتى، لأنَّهُمْ صَارُوا من
بعدُ «كَأُمَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً بِكَثِيرٍ، أَهْلَ كلِّ الهَرْجِ وَأَهْلَ
كُلِّ الكَذِبِ وأَهْلَ كُلِّ القَتْلِ»، استئناسًا بتعبير الرَّسُولِ محمدٍ في
حَدِّ ذاتِهِ، هذا التعبيرِ الذي تمَّ اختيارُهُ، عَنْ عَمْدٍ وعَنْ قَصْدٍ،
كعبارةٍ تصديريَّةٍ لِكُلِّ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ هذا المقالِ السَّمِيَّةِ – ولهٰذَا الكَلَامِ، فيمَا
بعدُ، بَقِيَّةٌ!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق