كيف نُنهي إرهاب الإسلام السياسي - وفاء البوعيسي - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الخميس، 25 فبراير 2016

كيف نُنهي إرهاب الإسلام السياسي - وفاء البوعيسي


إن شيخاً كمحمد العريفي، أو عبد العزيز آل شيخ، أو يوسف القرضاوي، أو الصادق الغرياني، أو جلال الدين الصغير، صاحب فكر أحادي، يمكنه أن يجمع الحشود المسلمة حوله بسهولة شديدة، عند إلقائه محاضرةً أو درساً دينياً، أو لإحياء ذكرى فقيه أو مقتل أحد آل البيت، وجر الملايين لممارسة طقوس الفجيعة واللطم عليه، بل إن أي شيخ مبتدئ مهما كانت درجته العلمية، يمكنه بسهولة أن يجمع الناس من حوله، ليدعوهم للنيل من غير المسلمين، والتوقف عن سماع الموسيقى والتدخين، أو حرق كتاب وقتل مؤلفه، دون أن يكون هذا الكتاب حتى قد انتشر بما يكفي لقراءته، وهو كما يجمع الناس من حوله بالعالم الواقعي، فإن معجبيه يعدون بالملايين على مواقع التواصل الإجتماعي، وخطبة الواحد منهم أو منشوراته ومؤلفاته يتم تداولها على نطاقٍ واسع، حتى لينافس في شعبيته أشهر الشخصيات السياسية والفنية والعلمية بالمجتمع.
لكن لماذا يحدث هذا بمجتمعاتنا الإسلامية، هل يملك أحد المذكورين سحراً خاصاً أو وسيلةً إستثنائيةً غير مكتشفة بعد، تجعل مئات الألاف من الناس ينضمّون لصفحته على موقع كالفيس بوك أو تويتر، أو ينجذبون لسماع خطبه أينما حل وحيثما أرتحل، في القُرى كما بالمدن، وبالجامعات كما بالمساجد، وجمهوره من المتعلمين وأنصاف المتعلمين والأميين فكلهم أمامه سواء؟!
لكن بالمقابل، ثمة بالكاد شخص واحد بفرنسا كلها، يستطيع أن يجمع مثل هذه الحشود الضخمة من حوله، سواء بالعالم الواقعي أو الإفتراضي، وهو حتماً ليس رجل دين، بل فيلسوف أكاديمي اسمه ميشيل أونفري، حين دأب على ذلك لعشر سنوات متتالية بلا مللٍ أو كلل، بعد أن أسّس جامعة كُان الشعبية التي تفتح أبوابها مجاناً مرةً بالأسبوع المصادف دائماً ليوم الإثنين، لإعطاء دروس بالفلسفة للجميع، وعلى أبواب تلك الجامعة الأنيقة، يصطف طابورٌ طويلٌ من الناس، ليأخذوا أماكنهم مبكراً في القاعة، وبيد كل منهم كتاب أو مجموعة من الأسئلة، أعدها من قبل ليناقش فيها السيد أونفري، وهو يحاضر في الأخلاق، واللاهوت، والقيم، والعقل، والمتعة، والعدمية، والحرية، وبمحاضرات أونفري، لن تسمع منه أي درس عن مؤلفاته الخمسين، فهو لا يسوّق لنفسه في تلك المحاضرات، بل يناقش المدارس الفلسفية ويقدم تحليلاته الخاصة، ويناقش الأسئلة الكبرى في التاريخ، ومعضلات العصر، ويترك للجمهور فرصةً واسعةً للمداخلات، وكان هدفه المعلن من تأسيس تلك الجامعة، هو رفع منسوب الوعي لدى الفرنسيين بقضايا العالم والإنسان.
ويحدث هذا الإستقطاب النوعي للحشود، لأن الناس هناك ليست محاصرة بالدين ليل نهار، ولأنها تعتبره موضوعاً كسائر الموضوعات الحياتية الأخرى، ولأن اهتمامهم ليس أُحادياً، إذ لطالما كان موزعاً بين عدة اتجاهات فكرية، حيث الإختلاف الفكري هو السائد، والتيارات الفلسفية والفنية متعددة بشكلٍ ملحوظ في الفن والتماثيل والأزياء والأعمال المسرحية والمؤلفات الموسيقية، يقابله تنوعٌ آخر في الطروحات السياسية والعلمية والثقافية والدينية والإجتماعية والأخلاقية، وبهذا تُقدَم المواضيع كافة وتناقش إشكالاتها بشفافية أمام الجمهور، ويتم تداول كل شيء من أبسط الأمور لأكثرها تعقيداً، ووجود هذا الإمتداد في أرضية الطرح، يوسّع من أفق الناس ويحول بينهم وبين التعصب، ويمنع تحشيدهم لصالح فكرٍ أُحادي متعصب، أو على الأقل يقلل كثيراً من الإستقطاب الجماعي.
أما جموع المسلمين، فقد اعتادت منذ قرون طويلة، على تلبية نداءٍ واحدٍ جافٍ ورتيب، عطّل نموها الفكري وأغلق عليها منافذ التعدد، واستل من عروقها نداوة الحياة وحب الإبتكار، حين داومت على الإستماع لفكر أُحادي مغلق، يجتر الماضي دون أي إبداع أو تحليل، أو مقاربة مع العصر، أو موائمة مع شروط الحاضر، وهي لا تفتأ تفعل ذلك منذ 1400 سنة على التوالي، مرةً بالأسبوع المصادف دائماً ليوم الجمعة.
إن خطبة جمعة واحدة في العالم الإسلامي كله، كفيلةٌ بجلب مئات الملايين من النساء والرجال والأطفال، من العمل والبيت والنادي والجامعة والثكنة إلى المساجد، حيث يخلع الجميع كل أسبوع، عقولهم وألسنتهم ونعالهم عند الباب، ليتمكنوا من الدخول إلى بيت الله، يتحنطون في جلستهم تلك قُرابة ساعة كاملة، ليستمعوا لكلامٍ قديم ومُجتر، لم ينقلهم خطوةً واحدة للأمام، لم يحسّن من معيشتهم ولا أوضاعهم السياسية، ولا سلوكهم أو سلوك حكامهم في شيء، يكلّمهم الخطيب عن الأخلاق وكأنهم لا يعرفونها، يحدثهم عن الصلاة وفوائدها وكأنهم لا يؤدونها خمس مرات في اليوم، ومواضيع أخرى كالكراهية، وحور العين، واليهود، وفضل الرجل على المرأة، وشمائل أهل البيت والصحابة … الخ، ومع تلك الخطب المكرورة، التي لا يجوز فيها النقاش أو التعقيب أو الإعتراض، يحدث كثيراً أن يتسرب شيء من العنف والكراهية إلى قلوب الشبان والأطفال الذين يرتادون المساجد، ليخرحوا منها لاحقاً لسفك دماء الأبرياء من أهلهم، ولعل العالم كله قد سمع بقصة الطفل الليبي عبد المنعم ضويلة، الذي بالكاد بلغ الـ 15 عشر ربيعاً، حين انجذب لصلوات الجمعة بإحدى مساجد مدينة طرابلس، وداوم على سماع مجموعة من شيوخ الإرهاب المحترفين، حتى هرب من البيت والتحق بتنظيم دولة الخلافة، وفجّر نفسه في أهله من الليبيين ببوابة ميناء السدرة النفطي، مُنهياً حياةً حافلةً بالدارسة والعمل، والإنجازات والحب والمسرات والأحزان كانت تنتظره، وقبل ضويلة كان هناك العشرات، من شبان وأطفال مدينتي درنة وبنغازي منذ الألفينات، ممن فروا لاحقاً إلى العراق بدافع الجهاد، ثم عادوا ممزقي الأوصال في توابيت، أما الشبان التونسيين فهم بالألاف، من الذين دفعتهم المساجد إلى العنف، وسلمتهم إلى الحركات المتطرفة وغيرهم الكثيرين، وسيظل العدد يتنامى ما لم نجد حلاً ما ننقذ به أولادنا الذين استولى عليهم شيوخ الإرهاب.
إنني أعي تماماً، أن أسباب الإرهاب في المجتمعات الإسلامية كثيرةٌ ومتشعبة، منها الفراغ والبطالة، وتردي مستوى التعليم، وانتشار الفساد، والديكتاتورية والفقر، لكن هذه الأسباب موجودة بكل مكان بالعالم العربي، الذي يعيش فيه المسيحي والدورزي واليزيدي والصابئي والمعمداني، والبطالة والفساد والأمية والفراغ متفشية في كل تلك الطوائف، لكنها لا تدفع بغير المسلمين إلى ممارسة الإرهاب على نطاق واسع كما نراه الآن، عدا عن أن عدداً كبيراً ممن التحق بالجماعات المتطرفة، قد مات منتحراً وسط الأبرياء، ما يعني قطع رزقه بمجرد موته، هذا إن كانت البطالة والفراغ هي دوافع الإلتحاق بالجماعات المتطرفة حقاً.
إن التحشيد الإيديولوجي المتطرف، يجد طريقاً سالكاً إلى نفوس الشبان المسلمين بسهولة، لأن دعاوى الانخراط في الجهاد تغري الكثيرين منهم بالجنان، مع ما ينتظرهم فيها من ملذات، عدا عن اللقاء بشخص رسول الله، الذي تهفو إليه قلوب كل المسلمين بالعالم، هذه المغريات في الخطاب لا تُنْبِت من عدم الرغبة في الجهاد لديهم، إنها في الحقيقة تتكأ على ميراث طويل من التلقين الفكري للتطرف، وسببه بالذات عدم الثورة على الإسلام، وفحص تراثه وتاريخه الزاخرين بكل صنوف الاٍرهاب واستئصال المعارضين، وحتى من يحاول أصلاحه من داخله لا يسلم من القتل والتنكيل، وفشل المسلمين الملحوظ في تبني منهج انتقاد الذات والإنفتاح على نقد الدين.
وبزعمي الخاص، أنه سيكون من العبث وتبديد الجهود، الدعوة لفتح جامعات شعبية مجانية، لتدريس الفلسفة والفنون والآداب في مجتمعاتنا العربية، فمن الذي ستواتيه الجرأة لإلقاء محاضرة في اللاهوت الإسلامي، ومن قد تحدثه نفسه أن يناقش صفات الله أو أن يتكلم في العدمية، أو أن يناقش نظرية دارون في النشأة والتطور، أو أن يناقش علناً جرائم الصحابة وبعض آل البيت، ليس عندي ذرة شك، أن جموعاً إسلامية ستنقض على المكان وتحرقه بمن فيه، وهذه أشياء لن أورط ضميري في الدعوة إليها، فآخر ما أفكر فيه هو دفع أي إنسان ما إلى الإنتحار، لكن يمكن التفكير بحلول معقولة، كخطوة صغيرة على طريق الألف ميل الشاقة، إنه أخذ موقف مؤقت من صلاة الجمعة بالذات.
حسناً، إن المسلمين حين يتكلمون اليوم، عن أن الإسلام هو دين حضاري وينبذ العنف، وهو إنما يُساء إليه على يد مشائخه، واضعين بذلك المسؤولية على عاتق الفقهاء وكتب التراث الإسلامي، يجب أن يثبتوا صدق ادعائهم هذا، بأن يتبنوا موقفاً موحداً وحاسماً من كتب الفقه المتخلّفة، وكتب المغازي والسيرة النبوية وشروح القرآن، وصحيحي البخاري ومسلم وموطّأ مالك، وكتب ابن تيمية والغزالي وغيرها من الكتب التي تبث الكراهية وتصادر عقول المسلمين وتكرّس لقيم القرن السابع الهمجية، وكتب الحوزة الشيعية التي تدّرس في قُم والنجف، والتي تخرج منها خُطب الجمعة منذ 1400 سنة على التوالي، وأن يصنفوها ضمن الكتب المسيئة للإسلام، وفي الدول العربية التي تتمتع باستقرار، لماذا لا يفكر الناس في رفع دعوى ذ أمام المحاكم المدنية ببلادهم، مُطالبين بإعدام هذه الكتب، وعدم السماح بطباعتها أو تسويقها، ورفعها من كل مواقع الإنترنت، ومعاقبة من يُعيد نشرها أو الترويج لها، باعتبارها كتباً تُسيء للإسلام وتشوه جوهره المتسامح وتهين رسوله، وإلى أن يتحقق ذلك، وهو أمرٌ يتطلب وقتاً يستلزمه فرز تلك المؤلفات، ورفع دعوى بشأنها ليس أمراً هيناً بذاته، لماذا لا يطالبون إدارات الأوقاف والفتوى في بلدانهم بإقامة صلاة ظهر اعتيادية، لا صلاة جمعة بصفة مؤقتة، فإن امتنعت وهذا واردٌ جداً، فليصلي كل مسلم صلاة ظهر في بيته ويقاطع المسجد هو وعائلته، حتى ينتهي عبث الشيوخ بأرواح أولادهم وتخريب أوطانهم، ثم يعودون لرفع صلاة الجمعة من جديد، أما من يعيشون في الأماكن المتفجرة بالإرهاب، فلماذا لا يبدأون في التوقف الجماعي عن آداء صلاة الجمعة من تلقاء أنفسهم، ويمنعون أولادهم ونساءهم من الذهاب إليها أيضاً، هذا إن كانوا صادقين حقاً في مزاعمهم أن الإسلام برئ من هذه الأفعال، ومقتنعين حقاً أن الخلل هو في كتب التراث الإسلامي وليس في الإسلام نفسه، وإلا فإن سكوتهم واستمرارهم بسماع أولئك المشايخ، والإحتفاظ بكتب تُعد مصدراً للعنف والكراهية وتخريب العقول، هو مساهمة منهم في الإرهاب، ولا يجب عليهم أن يشتكوا منه بعد الآن، وألا يتبرموا بأي نقدٍ يطال الإسلام بحجة أنه ليس دين عنف أو كراهية، وأنا مستعدةّ من طرفي للمشاركة في رفع هذه الدعوى بأي بلد عربي، كمصر أو إحدى دول الخليج أو المغرب العربي، وذلك بتغطية تكاليف رفعها بكل مراحل التقاضي، والمساهمة في إعداد المرافعات وحصر قائمة الكتب المعنية، وحضور بعض الجلسات كلما اقتضى الأمر ذلك، ولمن يشاركني التصور بأنه يجب الإنتقال من التنظير للعمل الشجاع، وأن إنقاذ أوطاننا وشبابنا من الإرهاب، هو عمل وطني وإنساني ويستحق بعض التضحيات، وأن كل شيء  ممكن التحقيق متى توافرت له العزيمة والإصرار والإيمان، فليتواصل معي من خلال الإيميل التالي:
Contact@wafaalbueise.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق