اختراع الآخر واغتصاب التمثيل في قانون الأهالي الفرنسي - طارق بوحالة - مدارات ثقافية

احدث المواضيع

الأربعاء، 10 يونيو 2020

اختراع الآخر واغتصاب التمثيل في قانون الأهالي الفرنسي - طارق بوحالة


ملخص:
نظام الأهالي الفرنسي الذي كتب عام 1871 هو المدونة التي تناقشها هذه الورقة البحثية من خلال التركيز على أهم المواطن التي تبين كيف تم تمثيل الآخر في مواده التنظيمية التي صيغت لهدف تنظيم حياة المستعمرات خاصة الجزائر، وكيف تعسف هذا القانون في تمثيل الأهالي، واعتبارهم قصرا عقليا حيث مارس عليهم نوعا من الحجر الاجتماعي والثقافي.
الكلمات المفتاحيّة: نظام الأهالي، التمثيل، الغيرية، الخطاب الاستعماري. 
مقدمة:
ارتبط حضور الآخر بأدبيات مختلفة وعديدة كثيرا ما توزعت بين كتابات الرحالة والمستشرقين والاكتشافات الجغرافية والنصوص الأدبية وغيرها من المرويات ،  ممثلة في المذكرات والشهادات والمؤلفات التاريخية والسير الذاتية...
وكثيرا ما تخضع عملية "تمثيل الآخر" إلى عناصر القوة والمعرفة والمتخيل التي لا تعكس بشكل صحيح وتبين حقيقة هذا الآخر، لذلك نفرق بين الأخر وصناعة الأخر واختراعه، فيكفي العودة إلى كتابات كثير من المستشرقين الفرنسيين والإنجليز لنكتشف تمثيلات للأخر مخترعة عنه تم تكريسها بواسطة الخطاب. وهذا ما حاول "ادوارد سعيد" تبيينه في كتاب الاستشراق (1978)، عندما اكتشف أن العديد من كتابات المستشرقين قد رسمت الشرقي في صور الآخر الدوني والشهواني والفطري والهمجي والمتعصب وغير المتسامح وغيرها من الأوصاف التي دائما ما جعلت منه في مرتبة أقل.
وهو ما وقع أيضا للإفريقي حينما تم تصويره بشكل غريب ومتعسف خضع إلى اختراعات خطابية متخيّلة لا وجود لها، بل هي من وضع الأبيض الذي مارس انحيازا عرقيّا وثقافيّا بعيدا عن الحقيقة.
إن خلق هذا الأخر ليس إلى عملية عكسية " لبناء الذات الداخلية، وهي ذات الرجل الأبيض..."(1) ما خول له وصف نفسه بأنه الراقي والمتفوق والمتحضر والمهيمن على العالم ومن الواجب عليه- إلى درجة القداسة- امتلاك رقاب غيره وترويضها لصالحه مقدما في النهاية التبرير لمشروعية استعماره بطرق شتى.
وقد أسهمت هذه الرؤية التعسفيّة -التي ارتبطت أكثر شيء برجال المعرفة- بشكل لافت في اختراع مجال حيوي يعيش فيه سكان وشعوب تغيب عنهم أهميته وقيمته الحقيقية، مما شكل الثنائية المعروفة: ذات متحضرة وأخرى متخلفة، وجب السيطرة عليها وترقيتها إلى مصاف البشر أولا، ثم تثقيفها وتحضيرها ثانيا.
وهو ما نجد له صدى عند كثير من الأدباء والكتاب من أبرزهم: وليام شكسبير في مسرحياته مثل العاصفة، وجوزيف كونراد في روايته قلب الظلام، وجين أوستن في روايتها الشهيرة: "منسفيلد بارك" وغيرها من النصوص التي يمكن تصنيفها تحت مظلة السرد الإمبراطوري.
من جهة أخرى فقد تسرب اختراع هذا الأخر إلى النصوص القانونية والتنظيمية التي وضعت من قبل رجال القانون بغية إخضاع الأهالي داخل المستعمرات الأوربية المختلفة.
 1- حدود الآخر:
يعد مفهوم الآخر من أكثر المفاهيم حضورا في الكتابات المعاصرة  وقد أصبح قضية مركزية في جل الدراسات السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والنقدية والمؤتمرات والندوات والملتقيات في معظم مناطق العالم. ويرتبط مفهوم الآخر دائما بمفاهيم مجاورة منها: الأنا، والاختلاف، الثقافة، والحضارة والاستشراق والعرقية والأقليات والمركز والهامش والهوية والاختلاف. و"الآخر أو الآخرون هم فرد أو جماعة لا يمكن تحديدهم إلّا في ضوء مرجع هو( الأنا )، فإذا حدّدنا هوية الأنا كان الآخر فردا أو جماعة يحكم علاقته بالأنا عامل التمايز وهو تمايز إطاره الهوية أحيانا والإجراء في أحيان أخرى."(2)
إذن لا وجود لآخر دون وجود الأنا فلابد من توفر شرط الاختلاف والتمايز حتى نستطيع التفريق بينهما فهما يحددان بعضهما البعض ويحيل أحدهما على الآخر.
ولا ترتبط قضية الأنا والآخر دائما بوجود علاقات ثقافية بينهما، و إنما يتسع المجال ليشمل العلاقات بين الجنسين (ذكر- أنثى) والعلاقات الاجتماعية كما يحدث في إطار عناصر العرق والأقليات واللون أو حتى الدين والانتماءات الجنسيّة ضمن إطار جغرافي واحد.  ويقسم بعض النقاد الآخر إلى:" الآخر الفلسفي أو الفكري، الآخر النفساني، الآخر الإبداعي، الآخر الثقافي (الديني، الشعبي، الحضاري).." (3)
ويرى المفكر المصري حسن حنفي أنه "غالبا ما يكون المقصود بالآخر صورته، والصورة بناء في المخيال، فيها تمثّل واختراع، ولأنها كذلك فهي تحيل إلى واقع بانيها أكثر مما تحيل إلى واقع الآخر"(4).
2- آلية التمثيل:
يرتبط مفهوم التمثيل بمجلات معرفية عديدة ومختلفة، حيث ينتشر استعماله داخل علم الاجتماع والأنتربولوجيا والدراسات الأدبية، والمجال السياسي، والتمثيل في مفهومه العام هو الاستعانة بشيء لنيابة شيء أخر، وقد يمثل شخص منتخَب مجموعة من الأشخاص، حيث يتحدث باسمهم وبالنيابة عنهم وهو الشائع في المجال البرلماني.
ولآلية التمثيل أيضا علاقة وثيقة بآلية القوة، حيث يعتبره المفكر الفرنسي "ميشال فوكو" آلية من آليّات الهيمنة والإخضاع والضبط. لهذا تلجأ الثقافة عادة لتمثيل الآخر وثقافته بغية السيطرة عليه. ويرى الباحث الثقافي البحريني نادر كاظم أن الحضارة العربية الإسلاميّة "لما كانت في الماضي قوية وتمتلك عناصر القوة والهيمنة العسكرية والثقافية اتسع حجم تمثيلها الآخر لاسيما السود، ويظهر ذلك واضحا من جملة ما كتب عنهم من طرف الرحالة والمنجمين والرواة والشعراء من أجل إثبات الصورة التي وضعتها للآخرين ومدى ترسيخها"(5)
وترتبط عملية التمثيل أيضا بعناصر الثقافة والمتخيل والسردي والبارودي، ما يطرح إمكانية استعانة التمثيل الثقافي بآليات التزييف وجماليات الكذب وذلك  قصد تصوير الثقافات بمختلف انتماءها. وهذا النوع هو الذي شغل "ادوارد سعيد" وجعله يبحث عن مواضعه داخل الخطاب الاستشراقي والإمبريالي عبر كتاباته العديدة، لاسيما كتابيه "الاستشراق"(1978)، والثقافة والإمبريالية (1992)، أين توصل إلى نتيجة أن الشرق ليس إلاّ اختراعا غربيّا استشراقيا، فهذا الشرق الذي وجد في الكتابات الغربية الفكرية الأدبية هو تمثيل وتخييل من قبل المستشرقين ومن بعدهم الروائيين، ويقدم لنا "سعيد" جملة من النماذج أبرزها روايات:" قلب الظلام لجوزيف كونراد"، ومنسفيلد بارك لجون أستين والغريب لألبير كامو...، فهو يعيد قراءتها بواسطة مقاربة جديدة تكتشف أن هذه الأعمال الغربية التي طالما احتفي بجمالها اللغوي، هي تمثيلات للهيمنة على الأخر غير الأوربي، الذي يعيش بعيدا عن مواطن الحضارة، والذي يحتاج إلى سيد يقوم بدور تعليمي وتثقيفي يقربه من مرتبة الإنسان المتحضر، ما يطرح الصراع بين الثقافة والطبيعة.
3- الدراسات ما بعد الكولونيالية:
تعد الدراسات ما بعد الكولونيالية من الحقول المعرفية الجديدة، التي عرفت تطورا بارزا مع ستينيّات وسبعينيّات القرن العشرين، وقد ارتبطت بالدراسات الفكرية والأدبية والنقدية التي واكبت بداية استقلال الدول التي عاشت ردحا زمنا تحت نير الاستعمار، خاصة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبيّة وأستراليا...
وتعد الدراسات ما بعد الكولونيالية " فكر حديث نشأ مع بدايات ما يسمى عصر الاستقلال...وقد ارتبط بالحركات اليسارية التي تبحث في مظاهر التعسف والظلّم والاضطهاد التي تمارسه دولة على أخرى، أو فئة على أخرى، وعلى هذا فهذا الفكر يتخذ من التاريخ وعلم الاجتماع والسياسة والاقتصاد والأدب، موضوعات لاهتماماته ومادة لأبحاثه، وبالطبع تبرز في هذا السياق النظريات الاجتماعية والأخلاقية للأدب على حساب النظريات الشكلية والتفكيكية ..."(6)
ولقد انبرت الدراسات ما بعد الكولونيالية لتقوض "الخطاب الاستعماري" بكل أشكاله، ويعد كل من إدوارد سعيد، وهومي بابا وجياتاري سبيفاك هم ثالوث هذا الحقل، وحاول إدوارد سعيد أن يقوض خطابي الاستشراق والامبريالية حيث عدّهما وجهان من أوجه الاستعمار الحديث.
وما يخدمنا أن إدوارد سعيد قد فتح الباب أمام دارسي الأدب باقتراحه " قراءة تتعدى حدود النظر إلى الأدب باعتباره قيمة جماليّة صرفة، وأراد توسيع مفهوم النص، من فضاء اللغة وبلاغية البناء المؤثر إلى فضاء السياق الثقافي "(7).
ويسعى أصحاب هذه الدراسات إلى البحث في موضوعات ثقافية مختلفة أهمها الهوية والقوة والصراع الحضاري وأساليب الهيمنة وغيرها، بغية المساهمة في خلق كتابات مضادة للكتابات الكولونيالية ذات المسعى المركزي الذّي يسعى إلى إلغاء الآخر. " فما بعد الكولونيالية، لا تعني مخاصمة الكولونيالية وإنما تعني الوعي بالثقافات الأخرى، بالهويات والكتابات التي أريد لها أن تندثر أو أن تطمس... فالهامش يستعيد نفسه وحضوره داخل المركز..."(8).
4- اختراع الأخر في نظام الأهالي الفرنسي:
نستحضر في هذه الورقة "قانون الأهالي" الذي صاغته السلطات الفرنسيّة الاستعمارية في مارس 1871، وهو مدونة مكثفة وثرية ساهمت بشكل لافت في تشكيل روح الخطاب الاستعماري، حيث وضع قوانينه وبنوده بغية تطبيقها في حق الأهالي الأصليين سواء كانوا من الجزائريين أو من الأفارقة القابعين تحت نير الاستعمار الفرنسي.
وبالعودة إلى نماذج مختارة من مواد هذا النظام نقف عند صور تمثل الأخر المسمى: "الأهلي"، والتي لا تعكسه حقيقة في وضعيات كثيرة، مما يثير التساؤل عن الحقيقة التاريخية، لنعدها بعد ذلك مجرد تمثيلات تم اختراعها ضمن المنظومة الخطابية الغربية.
ويظهر ذلك في القول الآتي: "حين يتأمل المعاصرون العربي فإن أغلبهم لا يرى سوى متوحش مرعب حين يعتبر أنه غير قابل للإدماج، أما الأسود فيظل متوحشا أو "طفلا كبيرا" ينبغي أن تسوقه سلطة رادعة في انتظار اللحظة المفترضة -الدائمة التأجيل في الواقع- حيث يمكنه الإفلات أخيرا من قصوره العقلي والقانوني، أما "الفيتنامي" الموصوف بالغامض وغير قابل للنفاذ، فهو لا شك ينتمي إلى حضارة هامة ولكنها أدنى من حضارة فرنسا من وجهات نظر عديدة."(9)
يفرق هذا القول بين ثلاثة نماذج للآخر وهي: العربي والأسود والفتنامي، فالعربي متوحش لا يمكن ترويضه ويستحيل إدماجه داخل الحضارة عكس الأسود الذي يتصف بهمجية ظرفية تنتظر من يأخذ بيدها للانتقال بها إلى مرحلة التحضر. أما الفيتنامي فهو صاحب حضارة هامة ولكنها أقل درجة من الحضارة الفرنسيّة.
 وما يدعم هذا الموقف ما صوره كتاب "لوسيان ليفي-برول الذي يحمل عنوان (العقلية البدائية ) والمنشور عام 1922 الإفريقي بوصفه الآخر للأوربي بالكامل، وافترض أن لدى الإفريقي عقلية سابقة للمنطق وبالتالي لم تكن لدى الإفريقي القدرة على التمييز، ولا على الفصل بين الخرافة والحقيقة، وخلافا للأوربي، كان الاتجاه العقلي لدى البدائي مختلفا جدا"(10)
ويرى الناقد الهندي آنيا لومبا أنه "مع تطور الاستعمار اتسعت النشاطات التبشيرية، وكذلك المخاوف الأوربية من التلوث، وقويت آيديولوجيات الاختلاف العرقي جراء دمجها في الخطاب العلمي، وادعى العلم أن الخصائص البيولوجية لدى كل مجموعة تحدد سماتها النفسية والاجتماعية."(10)
تعقد هذه الرؤية فرزا غير عادل وتمييز عنصري بين شعوب مختلفة عن بعضها البعض من جوانب عرقية ودينية وجغرافية وتاريخية، لكنها -من منظور الخطاب الاستعماري- أقل درجة من الرجل الأوربي والفرنسي على وجه الخصوص.
وأخضعت صور الأخر إلى مغالطة مقصودة عندما تم التفريق السابق بين النماذج البشرية المذكورة تفريقا تعسفيا غير صحيح، والسبب الأساسي هو امتلاك المستعمر للقوة والمعرفة ما خول له "اغتصاب التمثيل" وتم تصويره للأخر وفق ما يريده ولو كان على حساب الحقيقة، يتجاوز القول السابق قرونا طويلة من الحضارة العربية والإسلامية، حيث تجاهل العلاقات التاريخية التي جمعت بين الطرفين. فمقولة أن العربي متوحش لا يمكن ترويضه هي تمثيل يجانب فيه الخطاب الاستعماري الحقيقة من أجل تبرير مستقبلي لما سيطبقه على الأهالي خاصة في الجزائر من قوانين ردعية.
ليست هذه المقولة فقرة من قصة أو رواية أو سردية شعبية متخيلة بل هي فقرة من النظام القانوني الخاص بالأهالي، الذي كان حريّ أن يرتكز على حقائق تاريخية واجتماعية ومبررات منطقية لا تجانب العقل والحقيقة التاريخية، لأن النصوص التنظيمية والقانونية لا تؤسس على فكرة التخيل التاريخي مثلما هي النصوص الأدبية التي لها طريقتها في مناقشة القضايا المختلفة.
وما يدعم هذا الرأي أن رجال القانون والسياسة والعسكريين قد أسهموا بشكل أساسي في تقديم ثم تبرير مثل هذه الاختراعات الخطابية اتجاه الأخر المغلوب على أمره. فهذا مثلا الجنرال الفرنسي: بول آزان يقول: "الخطأ الأساسي المرتكب في إفريقيا الشماليّة يتمثل في الرغبة في تطبيق المبادئ الأساسيّة والإدارية التي تحكم فرنسا في القرن العشرين..."(12)
 هناك مغالطات في هذا القول أهمها أنه ليست هناك رغبة في تطبيق المبادئ الأساسية للحضارة الفرنسية على شعوب شمال إفريقيا العربية طبعا، كما أن فرنسا الاستعمارية ليست حريصة على ذلك.
ليس بالضرورة التعسف في قراءة وتأويل الخطاب الصادر عن رجالات الاستعمار ولكننا في مواجهة قضايا لا يمكن للعقل البسيط تقبلها دون مواربة، لأن السؤال المركزي هو: ما المنفعة التي تعود على دولة وشعب يصرف ملايين الفرنكات ويرسل ألاف الجنود إلى ما وراء البحار؟
وما يدعم ذلك ما قاله رئيس المستعمرات الفرنسية آنذاك "ألبير سارو: " إننا بمنحنا السكان الأصليين سلطات وحريّات لا يسعهم استخدامها، إنما نعيد إلقائهم في الفوضى التي أنقضناهم منها، وليس من حقنا إعادة رميهم في الظلمات بعدما أنرنا جباههم بمطالع مستقبل جديد."(13) 
وبرغم من يقول بصدق هذا الطرح وبراءته فإنه يختزن مضمرات تتعامل مع الأخر دائما كونه أقل ودون المستوى، فهو قاصر لا يمكنه تسيير أموره، وهو الذي كان يعيش في الفوضى التي انزحت عنه بواسطة المبادئ الأساسية التي تم توفيرها من قبل المستعمر. لكنه رغم ذلك لا يمكنه المحافظة على هذه المنجزات.
ويلجأ الخطاب الاستعماري لإثبات هذه التمثيلات إلى الكثير من السرديات الكبرى منها أن " الجنس الوحيد الذي حبته الطبيعة بحيوية كبيرة، الوحيد الذي يتملكه عطش لا يروه للجدة هو الجنس الأبيض فلا الأجناس الزنجية ولا الأجناس الصفراء، ولا الأجناس التي كان مقامها البدائي هو الشرق الأوسط أبانت عبر تاريخها الطويل عن خيال مبدع وعن ملكة الاختراع الضرورية لسطر المؤسسات يوما والمعتقدات التي منذ العصور الغابرة لم تكف عن حكمها."(13)
إنه تبرير أخر لحتمية السيطرة على الأخر الدوني والأقل، هذه السيطرة تحتاج إلى من يمتلك الحكمة شبه الأزلية والمحتكرة من قبل الجنس الأبيض الذي يعد رمز المعرفة والحكمة وسعة الاطلاع.
ويرى "محمد كسوس سنة 1935 بعد انقضاء مائة وخمس على احتلال الجزائر أن الجميع متفق على الاعتراف بأن الفلاح قد بقي جاهلا، برغم الحضارة الفرنسية، وبأن بؤسه كان بوجه خاص مأسويا."(14)

تركيب:
هي نماذج اخترناها لنبين أن نظام الأهالي الفرنسي قد سبق بتبريرات مختلفة تعيد رسم صور الأخر المتمثل في شعوب ما وراء البحار خاصة شعوب مستعمرات فرنسا المعروفة، التي يأتي على رأسها الشعب الجزائري.
وما تتصف به هذه الصور والتمثيلات هو أنه مفارقة للواقع وللحقيقة ومقتربة من الاختراع والتزييف الخطابي والسردي، الذي وجب مرافقته للآلة الحربية والعسكرية. فالخطاب الاستعماري قد احتاج في كثير من مقولاته الفكرية والقانونية إلى تنميط صور الأخر المستعمر (بالفتح)، لتسهيل تمرير هذا الخطاب دون صعوبات ورفض من قبل مختلف النخب في الغرب.
طارق بوحالة
أستاذ محاضر صنف "ب"
المركز الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف بميلة

الهوامش:
1- آنيا لومبا: في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية، دار الحوار، سوريا، ط1، 2007، ص 113.
2- مصلح النجار وآخرون: الدراسات الثقافية والدراسات ما بعد الكولونيالية، الأهلية،  الأردن، طـ1، 2008، ص51.
3- سعد البازعي: الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف، المركز الثقافي العربي،بيروت،الدار البيضاء، طـ1، 2008، ص37
4- ينظر صورة الأخر:العربي ناظرا ومنظورا إليه، تحرير الطاهر لبيب، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط/1999، ص 19-20
5-مصلح النجار وآخرون: الدراسات الثقافية والدراسات ما بعد الكولونيالية، ص 117.
6-ناظم عودة: تكوين النظرية في الفكر الإسلامي والفكر العربي المعاصر، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، ط1، 2009، ص 359.
7- محسن جاسم الموسوي: النظرية والنقد الثقافي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2005، ص 71.
8- دوجلاس روبنسون: الترجمة والإمبراطورية (نظريات الترجمة ما بعد الكولونيالية)، ترجمة: ثائر ديب، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2005، ص 27.
9-أوليفيه توكور غرانميزون: نظام الأهالي، ترجمة العربي بوينون، منشورات بغدادي، الجزائر، ط-2011، ص 55.
10-نايجل سي غبسون: فانون: المخيّلة ما بعد الكولونيالية، ترجمة خالد عايد أبو هديب، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط1، 2013، ص150.
آنيا لومبا: في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية، ص 123.
11-المصدر نفسه، ص52
12- نفسه، ص 57
13- نفسه، ص 60
14- نفسه، ص 242.

قائمة المصادر والمراجع:
1- آنيا لومبا: في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية، دار الحوار، سوريا، ط1، 2007.
2- مصلح النجار وآخرون: الدراسات الثقافية والدراسات ما بعد الكولونيالية، الأهلية،  الأردن، طـ1، 2008.
3- سعد البازعي: الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، طـ1، 2008،
4-  صورة الأخر:العربي ناظرا ومنظورا إليه، تحرير الطاهر لبيب، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط/1999،
6-ناظم عودة: تكوين النظرية في الفكر الإسلامي والفكر العربي المعاصر، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، ط1، 2009.
7- محسن جاسم الموسوي: النظرية والنقد الثقافي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2005.
8- دوجلاس روبنسون: الترجمة والإمبراطورية (نظريات الترجمة ما بعد الكولونيالية)، ترجمة: ثائر ديب، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2005.
9-أوليفيه توكور غرانميزون: نظام الأهالي، ترجمة العربي بوينون، منشورات بغدادي، الجزائر، ط-2011.
10-نايجل سي غبسون: فانون: المخيّلة ما بعد الكولونيالية، ترجمة خالد عايد أبو هديب، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط1، 2013، ص150.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق